أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 8 من 8

الموضوع: مُـنْـكَـرٌ تغير الاحكام بتغير الزمان والمكان

  1. #1
    الصورة الرمزية محمد سوالمة قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Dec 2002
    الدولة : رفح
    العمر : 69
    المشاركات : 488
    المواضيع : 188
    الردود : 488
    المعدل اليومي : 0.06

    افتراضي مُـنْـكَـرٌ تغير الاحكام بتغير الزمان والمكان

    الحمد لله رب العالمين واحكم الحاكمين وصلاة الله وسلامه على سيد المرسلين وعلى الله وصحبه أجمعين .
    اما بعد :
    فمنذ أن تغير حال الأمة الإسلامية من أمة متبوعة إلى أمة تابعة ومنذ أن ضعف فهمها للاسلام من جراء فصل الطاقة العربية عن الاسلام في أواخر الدولة العثمانية الاسلامية ، أدت بها هذه الحال إلى أن يستورد حكامها وعلماؤها افكارا غربية وغريبة عن اسلامها ، فأولوا عملهم هذا بأن الاسلام يجب ان يوافق العصر ويتمشى مع التطور والحضارة الغربية ، ثم والانكى من ذلك انهم زعموا بأن الاسلام يُقرها ويؤيدها ، وهذه الافكار كثيرة ، اخترنا منها لهذه الورقات انه لا ينكر تغير الاحكام بتغير الزمان والمكان ، فهذه الفكرة لا تقل خطورة عن غيرها من الافكار المستوردة وقد دونت كقاعدة تشريعية في مجلة الاحكام العدلية ودرست في كثير من الجامعات الاسلامية وغيرها دون ان يتصدى لها متصد لكشف زيفها ، وقد اثيرت في هذه الأيام اعلامياً في الصحف والندوات (1) وهذا ما يدعوا الى القلق فقد يستغلها الكافر المستعمر ، سيما وأن الذي اثارها مسلمون ،فقد يستخدمها لترويض الناس للقبول بالتنازل عن فلسطين لليهود والاعتراف بدولتهم على ارض فلسطين وبالتالي إلغاء احكام الجهاد وإلغاء أحكام الأراضي الخراجية ، بسبب تغير الزمان والمكان . أو ربما لقبول المبادئ الكافرة وعدم ردها كالديموقراطية ، أو ربما لاقناع المسلمين بجواز الاشتراك في مؤسسات الحكم الذاتي التي ينوون إقامتها على أنقاض ما تبقى من فلسطين عملاً بغير الأحكام لتغير الزمان والمكان والمخُفى أعظم .
    وقد استدلوا عليها بما يلي :
    أولاً : أن الشافعي – رحمه الله – قد غير مذهبه حين سافر من الحجاز إلى مصر معتبريين لمذهبه هو تغير الزمان والمكان .
    ثانياً : تغيير أحكام المؤلفة قلوبهم ، فقد كان النبي يعطيهم ومنعهم عمر في عهد أبي بكر .
    ثالثاً : توزيع الغنائم في عهد النبي e وعدم توزيعها من قبل الصحابة بعد مدة من الزمن .
    والصحيح أن هذه القاعدة المزعومة تخالف شرع الله الذي شرعه لعباده أصولاً وفروعاً ، وأن ما أتوا به للاستدلال على صحتها ما هو إلى تأويل ضعيف باطل لا يستطيع الوقوف أمام الأدلة الصحيحة على بطلانها وكشف زيفها وابتداعها .
    وهذه الأدلة هي :
    أولاً : قول الله تبارك وتعالى : )قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ) (2) وقوله : )وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهُِ) (3) وقوله : ) فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) (4) فهذه الآيات الكريمات تدل دلالة قاطعة على أن الذي له حق إصدار الحكم على أفعال الإنسان بأنها حسنة أو قبيحة هو الله تعالى ذكره ، وليس الإنسان أو الزمان كما ليس العقل أو البيئة ، فإن وصف الأفعال بأنها حسنة أو قبيحة يعني أن الحسن ممدوح والقبيح مذموم وأن الممدوح حلالاً والمذموم شرعاً حرام وبالتالي فإن وصف الأفعال بأنها حلال أو حرام ليس لأنها تجلب منفعة أو تدفع مفسدة بل لأن فاعل الحلال يُثاب أو يُمدح عند الله وفاعل الحرام يُعاقب أو يُذم عنده سبحانه ، لأننا لو قلنا بأن الفعل الحسن هو الذي يجلب منفعة والفعل القبيح هو الذي يجلب مفسدة لاستغنى الناس عن شريعة ربهم وخالقهم ولخضع وصف أفعال الإنسان وتقدير العقوبة والثواب عليها لعقول البشر وهيهات لضبطها مع ما في البشر من تفاوت وتناقض وتأثر بالبيئة ، وهذا كله مخالف لنصوص قطعية منكرها كافر لذا فإن الذي له حق إصدار الأحكام على أفعال الإنسان بأنها حسنة أو قبيحة حلال أو حرام هو الله وليس الإنسان وهو الشرع وليس العقل وهو الوحي وليست البيئة وهذا الأمر ثابت بثبوت النصوص الآنفة الذكر لا يتغير بتغير الزمان والمكان ، ومصدره كتاب الله وسنة نبيه واجتماع صحابته والقياس الذي اصله في الكتاب أو السنة .
    ثانياً: أن الحكم الشرعي وهو خطاب الشارع المتعلق بأفعال العباد من مكلفين وغير مكلفين لا يتغير ، فالحلال فيه هو الحلال والحرام هو الحرام خصوصاً بعد انقطاع الوحي واسقرار الشريعة قال الله سبحانه ) الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) (5) وقال سبحانه (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ) (6) وقال عليه الصلاة والسلام " الحلال بين والحرام بين " (7) وقال "الحلال ما احل الله في كتابه والحرام ما حرم الله في كتابه " (8) وقال عليه الصلاة والسلام "تركتكم على بيضاء نقية ليلها كنهارها لا يزيغ عنها الا هالك " (9) وقال ابن عباس – رضي الله عنه – "ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ترك السبيل نهجا واضحاً وأحل الحلال وحرم الحرام " (10)
    فالقول بتغير الحكم الشرعي بتغير الزمان والمكان أو لأجل التشهي و المصلحة أو بتغير الشيخ أو السلطان معناه الكذب على الله والافتراء على الحكم الشرعي لأن هذا القول ليس من الشرع في شيء ، قال الله عز وجر )وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ) (11) .
    وقال أيضاً )قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ) (12) وهذا معناه بأننا لا نستطيع بل لا يجوز لنا أن ندعيشيئاً حلالا أو حراماً الا بغذن الله سبحانه اي بوحي من الله في كتابه أو في سنة نبيه أو ما أرشد إليهما الكتاب والسنة من أجماع الصحابة والقياس الشرعي .
    ثم أن هذا الفهم من ثبوت الحكم الشرعي وعدم تغيره إلى يوم القيامة ، قد كان عند سلفنا الصالح من اوائل هذه الأمة ، فهذا أمير المؤمنين الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز – رضي الله عنه – يقول في خطبة له "يا أيها الناس إن الله لم يبعث بعد نبيكم نبياً ولم ينزل بعد هذا الكتاب الذي انزله عليه كتاباً ، فما احل الله على لسان نبيه فهو حلال إلى يوم القيامة ، وما حرم على لسان نبيه فهو حرام إلى يوم القيامة " (13).
    ثم أن ثبوت الحكم الشرعي وعدم تغييره بتغير الزمان والمكان ، آت أيضاً من حيث أنه لمعالة مشاكل الانسان كانسان سواء كان في عصر النبوة أو في غيرها من العصور والازمان قال الله تعالى )قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) (14) فلم يقل لزمن دون زمن ولا لمكان دون مكان فالانسان هو الانسان سواء كان في عصر النبوة أو بعدها وسواء كان في أفريقية أو آسيا في بلاد الحجاز أو في الشام ، هو هو لم يتغير بتغير الزمان والمكان فلم يستغن عن الحاجة العضوية ولا عن اشباعها واشباع غرائزه سواء غريزة النوع أو البقاء أو التدين .
    فالحكم الشرعي جاء لمعالجة هذه الأمور وما قد ينجم عنها من مشاكل اثناء العلاقة التي تحصل بين بني البشر حال اشباعها ، فالاسلام هو النظام الوحيد الكامل المتكامل الذي ضمن استقرار طمأنينة الحياة البشرية وسعادتها وفق احكامه وذلك في كثير من النصوص على نحو قوله تعالى ) ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (15) وقوله ) الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً ) (16) ناهيك عن السنة الفعلية التي تثبت ذلك سواء في النظام الاقتصادي أو الاجتماعي وسواء في السياسة الداخلية أو الخارجية فهي اكثر من أن تحصى في هذه الورقات ، فكيف يمكن بعد هذه الثوابت الشرعية أن يتغير حكم الله المتعلق بالانسان ما دام انساناً بما فيه من حاجات عضوية وغرائز ، سيما وأن الشريعة قد كملت واستقرت !!

    ولكنهم لما شاهدوا المدينة وتطورها وتغيرها ، ظنوا بأن الحكم الشرعي قد يتغير بتغير اشكالها ، وهذا خطأ فاحش اذ لا علاقة لهذه المدنية وأشكالها في ثبوت الاحكام الشرعية أو تغيرها كما لا علاقة لها بوجود الغرائز والحاجات العضوية في الانسان ، الا أن تكون مجرد وسائل اشباع عنده .
    ثالثاُ: أن القول بتغير الأحكام بتغير الزمان والمكان يتعارض مع حكم الله تعالى بالنسبة للشخص الواحد في الامر الواحد هو حكم واحد لا يتعدد أما حلال أو حرام ، فلا يمكن أن يكون حلالا حراماً ، طاعة معصية معاً في الحادثة الواحدة بدون أسباب أو علل شرعية و الا صار الشرع متناقضاً وهذا محال على الشريعة الكاملة الحقة وقوله ) الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُــمْ) (17) وقال ) وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ ، لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (18) فاذا تبنى شخص ما حكماً معياً في مسألة ما فيكون هذا الحكم هو حكم الله في حقه على وجه فلا يصح له مخالفته بلا علة أو سبب شرعيين ، كالرخصة في اكل الميته للمضطر فهذا سبب شرعي منصوص عليه .
    أما أ، يقول هذا الحكم هو حكم الله في حقي في بلاد الحجاز دون بلاد الروم تبعاً للهوى أو المصلحة والمنفعة على نحو أن يعتبر التبرج في بلاد المسلمين حراماً بينما في بلاد غير المسلمين مباحاً ، أو كأن يقول بأن الصلح مع اليهود والتنازل لهم عن فلسطين قبل عقدين من الزمان كان حراماً شرعاً والآن صار حلالاً ، لتعدد حكم الله في المسألة الواحدة للشخص الواحد فلا يدري افعل الحلال أم فعل الحرام ، أطاع أم عصى وفي هذا تهلكة عظيمة ومخالفة ظاهرة لأحكام التكليف باتباع الشريعة والتقيد بها قال الله تبارك وتعالى )فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ) (19) وقال )وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) (20) وقال عليه الصلاة والسلام "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به "(21) .
    ثم ان تعدد الحكم الشرعي في المسألة الواحدة للشخص الواحد في الواقعة الواحدة ممتنع من التشكيل في النفس البشرية المؤمنة المخلصة قال الله عز وجل )مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) (22) وقال عليه الصلاة والسلام "فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسولة ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو أمرأة ينكحها فهجرته إلى ما ها جر إليه "(23) وقال "من كان له وجهان في الدنيا كان له يوم القيامة لسانان من نار "(24) وبذلك يبطل القول بتغير الاحكام لتغير الزمان والمكان من هذا الوجه أيضاً .

    رابعاً: أن ما يلاحظ من تغير الحكم الشرعي في المسألة الواحدة بتغير واقعها وحالها ، لا يعني أنه يتغير لمجرد تغير الزمان والمكان ، ذلك أن هناك فرقاً بين الامرين واضح لا لبس فيه ومن يقول خلاف ذلك فمن قلة فقه عنده ، فتغير حكم المسألة الواحدة بتغير واقعها وحلها امر ثابت عند الفقهاء من سلفنا وهو ما يسمونه بمناط الحكم (25)وهو الشيء الذي نيط به الحاكم اي علق به ، ومعنى نيط به أي جيء بالحكم له ، فالحكم متعلق به ، وتحقيق المناط هو النظر في واقع المسألة الحادثة التي جاء الحكم لجلها لمعرفة حقيقتها ، أي أن الحكم قد عرف دليله وعرفت علته ولكن هل ينطبق على هذه المسألة الحادثة أم لا ، فالنظر في انطباق الحكم على الواقع ، هو ما يسمى بتحقيق المناط ، فإذا انطبق الحكم على مناطه فمعناه تغير المناط فاحتاج إلى حكم آخر وليس هو تغير في الاحكام ، إذا الحكم الأول للمناط الأول بقي على حاله لم يتغير . وهذا ما يجب أن يفهم ، وهو لا علاقة له بزمان أو مكان وليس مقيداً بهما .

    ومن الأمثلة على تحقيق المناط للتوضيح زيادة :
    الخنثى المشكل الذي لا يُعرف حاله ، له احكام تختلف عن الذي يُعرف حاله سواء باقرار أنه رجل أو امرأة ، أو بتقرير طبي ، فالبحث فيه لمعرفة حقيقته وواقعه وحاله لانزال الحكم عليه هو تحقيق مناط ، فإن كان خنثى امرأة فلها نصف دية رجل ذكر وحصته من الميراث نصف حصة رجل ذكر وهكذا تختلف احكامه باختلاف واقعه وحاله (26).
    مثال آخر: الخمرة حكمها ثابت في القرآن والسنة بأنها رجس من عمل الشيطان وحرام تعاطيها ، ولكن إذا تخللت بنفسها ، أي صارت خلاً احتاجت إلى حكم آخر وهو حكم الخل ، لتغير واقعها وحالها ، فمناط الحكم في الخمرة أن تكون مسكرة حتى ينطبق عليها فإذا زال هذا الوصف زال الحكم ولم يعد ينطبق عليها بل احتاجت إلى حكم آخر .
    مثال آخر: أننا مأمورون بالتوجه نحو القبلة في صلاتنا قول الله تعالى ) وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) (27) فيلزم تحقيق الجهة لتكون مناط الحكم .
    مثال آخر: دار الكفر ودار الاسلام ، واقعان مختلفان ولو كانا في مكان واحد ، كأن تتحول الدار من اسلام إلى كفر وبالعكس ، فدار الإسلام هي الدار التي نزلها المسلمون وجرت عليها أحكام الإسلام وكان أمانها بأمان المسلمين وسلطانها بسلطان المسلمين ، ودار الكفر هي الدار التي حكمت بالكفر وأمانها بأمان الكفر وسلطانها بسلطان الكفر .
    وعلى هذا فإنزال أحكام دار الإسلام يحتاج إلى تحقيق هذه الدار لانزال الحكم عليها ، فهناك كثير من الأحكام تختلف بإختلاف الدار ولو في المسألة الواحدة على نحو : التقية في دار الحرب جائزة بينما في دار الإسلام لا تجوز وفيها آية (28) وإقامة الحدود في دار الكفر لا تجوز وفي دار الإسلام واجبة وفيها إجماع (29) إلى غير ذلك .
    وهكذا معظم المسائل الاجتهادية . وإلا فقد مضى أربعة عشر قرناً من الزمان وهي كافية لمن يزعم أن الأحكام الشرعية تتغير بتغير الزمان والمكان بأن يرينا معظم الاحكام الثابتة قد تغيرت ، ولا أضن أن أحداً سيعثر على حكم واحد ثابت بدليله قد تغير لمجرد الزمان والمكان عبر هذه المدة فضلاً عن معظمها .

    خامساً: أما بالنسبة لما أتو به واعتبروه دليلاً لهذه القاعدة المزعومة ، فهو ليس بدليل ولا علاقة له بالموضوع ولم يسبق أن ذكره أحد من الفقهاء على هذا الوجه ، فما نسبوه إلى الإمام الشافعي – رحمه الله – بأنه قد غير مذهبه بمجرد أنه غير مكانه فانها والله تهمة هو منها بريء ، ولو كان موجوداً لأنكر عليهم هذه الفرية ولأسمعهم كلاماً يليق بهم ، فالإمام الشافعي أكبر من يغير أحكام الله عز وجل لمجرد تغير الزمان أو المكان ، فإنه لما سافر إلى مصر إلتقى بعلماء ومحدثين حدثوه وأخبروه بما لم يكن سمعه من الأدلة وهو في الحجاز فصح عنده ما لم يصح ورجح ما لم يترجح , وهكذا حصل تغير لبعض مذهبه بتغير الأدلة وليس كما يتهمونه ، فأصول مذهبه ظاهرة واضحة للقاصي والداني من أهل الفقه فلم يذكر فيها هذه القاعدة المزعومة ، بل ولم نعرف مسألة واحدة فصلت على أساسها . وهذه الأصول قد اجملها الشافعي بنفسه فقال " ليس لأحد أن يقول في شيء حلال وحرام إلا من جهة العلم ، وجهة العلم ما نص في الكتاب أو السنة أو في الاجتماع أو القياس (30).
    ثم ومن الأمثلة على يقين من أن الشافعي رحمه الله أنما غير رأيه في المسألة يبعاً للدليل وما يتعلق به كدليل فمن ذلك الزكاة في الدين فقال لا أعرف في الزكاة في الدين أثراً صحيحاً نأخذ به ولا نتركه فأرى والله أعلم أن ليس فيه زكاة . وقد رجع عنه في مذهبه الجديد فأوجب عليه الزكاة وأمر باخراجها إذا كان يقدر على أخذه منها . واستدل بعموم فرض الزكاة وبآثار عن الصحابة قال البيقي ثم رجع عنه في الجديد والرجوع أولى به لما مضى من الآثار وغيرها من الظواهر (31).
    ومن ذلك أنه قال في القديم ، ويستمعون الخطبة ولا يشمتون عاطساُ ولا يردون سلاماً إلا بالإيحاء ، وقال في الجديد ولو سلم رجل على رجل يوم الجمعة كرهت له ذلك ورأيت أن يرد عليه بعضهم لأن رد السلام فرض ولو عطس يوم الجمعة فشمته رجل رجوت أن يسعه لأن التشميت سنه قال البيهقي وقوله الجديد أصح (32).
    ومن ذلك قال في القديم : قضى عمر وعلي وابن عباس في المغرور يرجع بالمهر على من غره ، وقد رجع عن ذلك فقال : إنما تركت أن يريده بالمهر ، إن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ايما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ، فإن اصابها فلها الصداق بما استحل من فرجها "(33).
    ومن ذلك أنه قال في القديم فيمن أرخى ستراً فقد وجب الصداق وهو قول عمر ورجع عنه في الجديد إلى أنه إنما يجب المهر كاملاً بالمسيس دون الإغلاق ، والقول في المسيس قول الزواج مع يمينه ،واعتمد في ذلك على ظاهر الكتاب قوله تعالى )وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَافرضتم*
    يتبع..........................................
    [motr]من اراد الله به خيرا فقهه في الدين[/motr]

  2. #2
    الصورة الرمزية محمد سوالمة قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Dec 2002
    الدولة : رفح
    العمر : 69
    المشاركات : 488
    المواضيع : 188
    الردود : 488
    المعدل اليومي : 0.06

    افتراضي تابع .منكر تغير الاحكام بتغير الزمان والمكان

    تابع............
    ومن ذلك أنه قال في الجديد بأن كفارة الظهار وكل كفارة وجبت على أحد بمد رسول صلى الله عليه وسلم ثم قال ومد هشام بن عبد الملك مد ونصف بمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فعنف على من أخذ بمد هشام وترك مد النبي صلى الله عليه وسلم فقال :من شرع لكم مذهب هشام وقد انزل الله تعالى الكفارات على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يولد هشام ، فكيف ترى المسلمين كفروا في زمان النبي وبعده قبل أن يكون مد هشام .(35)
    قلت : وفي هذا دليل منه أنه لم يغير بتغير الزمان .
    ومن ذلك قتل المرتد بعد استتابته ثلاثاً عملاً بقضاء عمر قال أحمد : كان الشافعي في القديم يقول بهذا ، وقال في القول الآخر ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " يحل الدم بثلاث : كفر بعد إيمان " وهذا كفر بعد إيمانه وبدل دينه دين الحق ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم فيه بأناة مؤقته تتبع (36).
    ومن مثله أيضاً : في توقيت المسح على الخفين قال : ولو ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث في التوقيت ، كانت الحجة فيه ، لا في غيره ، ولا في القياس قال الزعفراني : رجع أبو عبد الله يعني الشافعي إلى التوقيت في المسح للمقيم يوم وليلة ، وللمسافر ثلاثة أيام وليلتين ، عندنا ببغداد قبل أن يخرج منها (37).
    قلت : وفي هذا دليل كاف على أن الشافعي لم يغير آرااه لمجرد تغير المكان أو الزمان بل لوجود الدليل . فها هو قد غير رأيه قبل الانتقال ، لثبوت التوقيت عنده .
    افبعد هذا يبقى لمدع ادعاء بأن الشافعي حلل وحرم وغير الاحكام بتغير المكان أو الزمان ومن أحب أن يستزيد فعليه بكتاب المذاهب .

    ثم وأهم من ذلك : أن قول الصحابي ليس حجة عند أكثر الفقهاء ، فكيف بمن جاء بعدهم كالشافعي ، بل وبمن جاء من المشايخ في آخر هذا الزمان وهم لم يبلغوا معشار ما بلغه الشافعي ، حتى نقف عند قولهم مكبرين مهللين ، فالحجة إنما هي ما جاء عن طريق الوحي ليس غير .

    أما بالنسبة للمؤلفة قلوبهم فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يتألفهم ليثبتوا على دينهم ، وهذا كان في مبتدأ الأمر حينما كان المسلمون ضعافاً واستمر هذا الحال إلى إن منعهم عمر – رضي الله عنه – وسبب منعهم أن العلة التي كانوا يتألفون لأجلها وهي ضعف الإسلام وأهله قد زالت في عهد أبي بكر وصار الإسلام في منعة وعزة ، وهذا ما صرح به عمر – رضي الله عنه – فقال : ذلك شيء كان يعطيكم رسول الله صلى الله عليه وسلم تألفاً لكم ، أما اليوم فقد اعز الله الدين ، فإن ثبتم على الإسلام وإلا فبيننا وبينكم السيف (38). غير أنه إذا عاد هذا الواقع وهو ضعف المسلمين عاد الحكم قال القاضي أبو بكر بن العربي : الذي عندي إن قوي الإسلام زالوا ، وإن احتيج اليهم اعطوا سهمهم كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيهم .
    إذن : فمثل هذا لا علاقة للزمان به ولو وتغير لأنه متعلق بالعلل الشرعية التي تدور مع المعلول وجوداً وعدما ً .

    أما بالنسبة لما ادعوه من أن الغنائم قد قسمت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم على المقاتلين كما في غزوة خيبر ولم يفعل ذلك عمر رضي الله عنه عندما فتح سواد العراق ، فأثبتوا بذلك تغير الأحكام بتغير الزمان .
    فليت شعري كيف تكون الفروع دليلاً على الأصول فوق كونها لا تنطبق وما شغبوا به .
    فالأصل يجب أن يكون دليلها ثابتاً قطعاً لا يخضع للاحتمالات وهذا متفق عليه عند الفقهاء على ما نقله الاسنوي والشاطبي وغيرهما .(39) على اعتبار أنها راجعة إلى كليات الشريعة وأصولها , إذ لو جاز جعل الظني والمحتمل أصلاً في أصول الفقه لجاز جعله في أصول الدين وهذا ممتنع بداهة، فأصولالدين محل الإيمان والإعتقاد فكيف يكون ذلك مع الشك والضن والاحتمال فمزيد ومنقص ، وهي نفسها أدلة ومصادر أصول الفقه . ومن قال غير ذلك فقد خالف قواعد المناظرة والأصول التي عليها سلفنا من الفحول ومن ذوي هذا الشأن المبرزين .
    وفي هذا كفاية في المراد على استدلالهم بهذا الفرع ، غير أننا سنبين أيضاً بحول الله عدم انطباق هذه الحادثة على ما زعموه .
    فنقول : بأن عمر رضي الله عنه لم يفعل ذلك تشهياً أو لمجرد بعد الزمان بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم وإنما بإجتهاد منه حسب فهمه للنصوص وللسنة الفعلية ، وابدى تعليله لذلك وأدلته فيه ، فقال " لولا آخر المسلمون ما فتحت قرية إلا قسمتها بين أهلها كما قسم النبي صلى الله عليه وسلم خيبر " (40) فأراد رضي الله عنه أن يبقي لمن جاء بعده من المسلمين شيئاً يقوون به ولذلك احتج بقوله تعالى : )وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ) (41) ثم إنه لم يوقف إلا الأرض بينما الأموال فقد قسمها على المسلمين .
    فقد بين أبو عبيد في الأموال أن لا تعارض بين فعل النبي صلى الله عليه وسلم وفعل عمر فقال : وكلا الأمرين فيه قدوة ومتبع من الغنيمة والفيء ، ثم قال : إلا أن الذي اختاره من ذلك : يكون النظر فيه إلى الإمام ، كما قال سفيان : وذلك أن الوجهين جميعاً داخلان فيه ، وليس فعل النبي صلى الله عليه وسلم برادٍ لفعل عمر ، ولكنه صلى الله عليه وسلم اتبع آية من كتاب الله تبارك وتعالى فعمل بها (42) ، وايبع عمر آية أخرى فعمل بها (43) وهما آيتان محكمتان فيما ينال المسلمون من أموال المشركين فيصير غنيمة أو فيء (44) .
    وقال الإمام يحيى بن آدم : فإن الأرضين إلى الإمام ، إن رأى أن يخمسها ويقسم أربعة أخماسها للذين ظهروا عليها ، فعل ذلك ، وإن رأى أن يدعها فيئاًَ للمسلمين على حالها أبداً فعل ، بعد أن يشاور في ذلك ويجتهد رأيه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وقف بعض ما ظهر عليه من الأرضين فلم يقسمها ، وقد قسم بعض ما ظهر عليه (45).
    ولعله قصد ببعض الأرضيين ما رواه البيهقي وأبو داود وغيرهما (46) من أن النبي e قسم خيبر نصفين ، نصف لنوائبه ونصف للمسلمين .
    إذن فكل ما في الأمر أن عمر رضي الله عنه تصرف في سواد العراق بحكم كونه إماماً وراعياً وفق صلاحيته حسب ما أدى إليه اجتهاده وهذا ما أثبته الفقهاء في مصنفاتهم ، ولم يقل أحد منهم بأنه إنما غيّر بتغير الزمان والمكان . ثم قد قلنا بأن رأي الصحابي ليس حجة وهذا اجتهاد ورأي من عمر رضي الله عنه فكيف يكون دليلاً على ثبوت قاعدة فقهية أو أصولية . وكل ما يمكن أن يستدل على ادعائهم لا يعدو على كونه اجتهاداً للفقهاء وتغيره إنما هو بتغير مناطه وعلله وأسبابه ولا شأن للزمان أو المكان فيه .
    وعلى ما تقدم فإنه ينكر كل الإنكار على من يقول بتغير الأحكام بتغير الزمان والمكان بغض النظر عن قلتهكم أو كثرتهم فالعبرة بما جاء عن طريق الوحي الذي أمرنا بالتعبد به ولا عبرة بغيره وهذا الادعاء ليس عليه وحي البتة .ومن ذلك أنه قال في الجديد بأن كفارة الظهار وكل كفارة وجبت على أحد بمد رسول e ثم قال ومد هشام بن عبد الملك مد ونصف بمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فعنف على من أخذ بمد هشام وترك مد النبي صلى الله عليه وسلم فقال :من شرع لكم مذهب هشام وقد انزل الله تعالى الكفارات على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يولد هشام ، فكيف ترى المسلمين كفروا في زمان النبي وبعده قبل أن يكون مد هشام .(35)
    قلت : وفي هذا دليل منه أنه لم يغير بتغير الزمان .
    ومن ذلك قتل المرتد بعد استتابته ثلاثاً عملاً بقضاء عمر قال أحمد : كان الشافعي في القديم يقول بهذا ، وقال في القول الآخر ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " يحل الدم بثلاث : كفر بعد إيمان " وهذا كفر بعد إيمانه وبدل دينه دين الحق ولم يأمر النبي e فيه بأناة مؤقته تتبع (36).
    ومن مثله أيضاً : في توقيت المسح على الخفين قال : ولو ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث في التوقيت ، كانت الحجة فيه ، لا في غيره ، ولا في القياس قال الزعفراني : رجع أبو عبد الله يعني الشافعي إلى التوقيت في المسح للمقيم يوم وليلة ، وللمسافر ثلاثة أيام وليلتين ، عندنا ببغداد قبل أن يخرج منها (37).
    قلت : وفي هذا دليل كاف على أن الشافعي لم يغير آرااه لمجرد تغير المكان أو الزمان بل لوجود الدليل . فها هو قد غير رأيه قبل الانتقال ، لثبوت التوقيت عنده .
    افبعد هذا يبقى لمدع ادعاء بأن الشافعي حلل وحرم وغير الاحكام بتغير المكان أو الزمان ومن أحب أن يستزيد فعليه بكتاب المذاهب .

    ثم وأهم من ذلك : أن قول الصحابي ليس حجة عند أكثر الفقهاء ، فكيف بمن جاء بعدهم كالشافعي ، بل وبمن جاء من المشايخ في آخر هذا الزمان وهم لم يبلغوا معشار ما بلغه الشافعي ، حتى نقف عند قولهم مكبرين مهللين ، فالحجة إنما هي ما جاء عن طريق الوحي ليس غير .

    أما بالنسبة للمؤلفة قلوبهم فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يتألفهم ليثبتوا على دينهم ، وهذا كان في مبتدأ الأمر حينما كان المسلمون ضعافاً واستمر هذا الحال إلى إن منعهم عمر – رضي الله عنه – وسبب منعهم أن العلة التي كانوا يتألفون لأجلها وهي ضعف الإسلام وأهله قد زالت في عهد أبي بكر وصار الإسلام في منعة وعزة ، وهذا ما صرح به عمر – رضي الله عنه – فقال : ذلك شيء كان يعطيكم رسول الله صلى الله عليه وسلم تألفاً لكم ، أما اليوم فقد اعز الله الدين ، فإن ثبتم على الإسلام وإلا فبيننا وبينكم السيف (38). غير أنه إذا عاد هذا الواقع وهو ضعف المسلمين عاد الحكم قال القاضي أبو بكر بن العربي : الذي عندي إن قوي الإسلام زالوا ، وإن احتيج اليهم اعطوا سهمهم كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيهم .
    إذن : فمثل هذا لا علاقة للزمان به ولو وتغير لأنه متعلق بالعلل الشرعية التي تدور مع المعلول وجوداً وعدما ً .

    أما بالنسبة لما ادعوه من أن الغنائم قد قسمت في عهد النبي e على المقاتلين كما في غزوة خيبر ولم يفعل ذلك عمر رضي الله عنه عندما فتح سواد العراق ، فأثبتوا بذلك تغير الأحكام بتغير الزمان .
    فليت شعري كيف تكون الفروع دليلاً على الأصول فوق كونها لا تنطبق وما شغبوا به .
    فالأصل يجب أن يكون دليلها ثابتاً قطعاً لا يخضع للاحتمالات وهذا متفق عليه عند الفقهاء على ما نقله الاسنوي والشاطبي وغيرهما .(39) على اعتبار أنها راجعة إلى كليات الشريعة وأصولها , إذ لو جاز جعل الظني والمحتمل أصلاً في أصول الفقه لجاز جعله في أصول الدين وهذا ممتنع بداهة، فأصولالدين محل الإيمان والإعتقاد فكيف يكون ذلك مع الشك والضن والاحتمال فمزيد ومنقص ، وهي نفسها أدلة ومصادر أصول الفقه . ومن قال غير ذلك فقد خالف قواعد المناظرة والأصول التي عليها سلفنا من الفحول ومن ذوي هذا الشأن المبرزين .
    وفي هذا كفاية في المراد على استدلالهم بهذا الفرع ، غير أننا سنبين أيضاً بحول الله عدم انطباق هذه الحادثة على ما زعموه .
    فنقول : بأن عمر رضي الله عنه لم يفعل ذلك تشهياً أو لمجرد بعد الزمان بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم وإنما بإجتهاد منه حسب فهمه للنصوص وللسنة الفعلية ، وابدى تعليله لذلك وأدلته فيه ، فقال " لولا آخر المسلمون ما فتحت قرية إلا قسمتها بين أهلها كما قسم النبي e خيبر " (40) فأراد رضي الله عنه أن يبقي لمن جاء بعده من المسلمين شيئاً يقوون به ولذلك احتج بقوله تعالى : )وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ) (41) ثم إنه لم يوقف إلا الأرض بينما الأموال فقد قسمها على المسلمين .
    فقد بين أبو عبيد في الأموال أن لا تعارض بين فعل النبي e وفعل عمر فقال : وكلا الأمرين فيه قدوة ومتبع من الغنيمة والفيء ، ثم قال : إلا أن الذي اختاره من ذلك : يكون النظر فيه إلى الإمام ، كما قال سفيان : وذلك أن الوجهين جميعاً داخلان فيه ، وليس فعل النبي صلى الله عليه وسلم برادٍ لفعل عمر ، ولكنه صلى الله عليه وسلم اتبع آية من كتاب الله تبارك وتعالى فعمل بها (42) ، وايبع عمر آية أخرى فعمل بها (43) وهما آيتان محكمتان فيما ينال المسلمون من أموال المشركين فيصير غنيمة أو فيء (44) .
    وقال الإمام يحيى بن آدم : فإن الأرضين إلى الإمام ، إن رأى أن يخمسها ويقسم أربعة أخماسها للذين ظهروا عليها ، فعل ذلك ، وإن رأى أن يدعها فيئاًَ للمسلمين على حالها أبداً فعل ، بعد أن يشاور في ذلك ويجتهد رأيه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وقف بعض ما ظهر عليه من الأرضين فلم يقسمها ، وقد قسم بعض ما ظهر عليه (45).
    ولعله قصد ببعض الأرضيين ما رواه البيهقي وأبو داود وغيرهما (46) من أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم خيبر نصفين ، نصف لنوائبه ونصف للمسلمين .
    إذن فكل ما في الأمر أن عمر رضي الله عنه تصرف في سواد العراق بحكم كونه إماماً وراعياً وفق صلاحيته حسب ما أدى إليه اجتهاده وهذا ما أثبته الفقهاء في مصنفاتهم ، ولم يقل أحد منهم بأنه إنما غيّر بتغير الزمان والمكان . ثم قد قلنا بأن رأي الصحابي ليس حجة وهذا اجتهاد ورأي من عمر رضي الله عنه فكيف يكون دليلاً على ثبوت قاعدة فقهية أو أصولية . وكل ما يمكن أن يستدل على ادعائهم لا يعدو على كونه اجتهاداً للفقهاء وتغيره إنما هو بتغير مناطه وعلله وأسبابه ولا شأن للزمان أو المكان فيه .
    وعلى ما تقدم فإنه ينكر كل الإنكار على من يقول بتغير الأحكام بتغير الزمان والمكان بغض النظر عن قلتهكم أو كثرتهم فالعبرة بما جاء عن طريق الوحي الذي أمرنا بالتعبد به ولا عبرة بغيره وهذا الادعاء ليس عليه وحي البتة .

    وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

  3. #3
    الصورة الرمزية سلطان السبهان شاعر
    تاريخ التسجيل : Apr 2004
    الدولة : شمال الجزيرة !!
    المشاركات : 3,808
    المواضيع : 145
    الردود : 3808
    المعدل اليومي : 0.52

    افتراضي

    عزيزي محمد الفاتح

    أشكر لك جهدك الواضح في هذا البحث

    لكنني واتسمح لي أن أقول إن في ثنايا كلامك نقلا غير دقيق عن وجهة نظر الفقهاء حول هذه القاعدة العظيمة والتي تمثل جزءا مهما من الواقع

    عزيزي بحكم تخصصي في مجال القواعد الفقهية سانقل لك كلاما من كتابي " تقييد الشارد في نظم القواعد "


    قاعدة لاينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان


    قالوا ولاينكر في الأحكام
    تغيرٌ على مدى الأزمان
    ***
    فبإختلاف العرف والعصورِ
    تختلف النظرة للأمــــــور
    ***
    مثاله الإغلاق للمساجدِ
    كذا كتابة الحديث الوارد


    الشرح :هذا هو الفرع الرابع ممااندرج تحت قاعدة العادة محكمة ومعناه : أن الحكم المبني على الأعراف في زمن معين يتغير بتغير العرف ، فلو أصبح العرف الدال على شيء معين يدلعلى عكسه أو على شيء آخر في زمن آخر فلا بد من إصدار الحكم بما يقتضيه العرف الجديد ولايُنكر هذا .

    وقد ألف القرافي المالكي كتابا أسماه " الأحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام " قال فيه : إن إجراء الأحكام التي مدركها العوائد مع تغير تلك العوائد خلاف الإجماع ، وجهالة في الدين ، بل كل ماهو في الشريعة يتبع العوائد يتغير عند تغير العادة إلى ماتقتضيه العادة المتجددة " ص 231


    أما الأحكام النصية التي لامجال للاجتهاد فيها فهي لاتقبل التغييروالتبديل إجماعا .
    وأما الأسباب التي لأجلها تتغير الأحكام فمنهااختلاف الناس في عاداتهم ، وكذلك اختلاف المناخ والأرض التي ربما تؤثر على بعض الأحكام كسرعة البلوغ ومقدار الحيض وما أشبهها .

    ومن الأسباب أيضا فساد الزمان وانحراف أهله ، مما يؤثر على اعتبار ركائز العدالة وغيرها .
    ومن أمثلة هذ االفرع ما ذكر في النظم من جواز إغلاق المساجد في غير وقت الصلاة في زماننا مع انه معد للعبادة وذلك صيانة لها من السرقة ولفساد ذمم الناس .

    ومن المثلة أيضا جواز تدوين السنة الذي حصل متأخرا بعد ان كرهه المتقدمون لعظم فائدته ولبعد الناس عن حفظها ولأمن اختلاطها بالقرآن ..أ ه

    عزيزي الاستاذ محمد

    هل لاحظت أين موطن تطبيق هذه القاعدة التي خطات من قال بها ؟

    قد سحبتها أنت عزيزي على كل الأحكام في حين لاقائل بهذا التعميم .


    هذا مجال تطبيق القاعدة ،واما تطبيقات المعاصرين لها فهذا شأن آخر لايطعن في صحتها ..فربما كانت القاعدة صحيحة وتطبيق الشخص لها خاطئا ..

    آمل أن لا تكون مداخلتي مزعجة ودمت لنا
    ما دام أن الموت أقرب من فمي
    فمجرّد استمرار نبضي معجزة .........

  4. #4
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Nov 2005
    المشاركات : 30
    المواضيع : 3
    الردود : 30
    المعدل اليومي : 0.00

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سلطان آل سبهان
    عزيزي محمد الفاتح

    أشكر لك جهدك الواضح في هذا البحث

    لكنني واتسمح لي أن أقول إن في ثنايا كلامك نقلا غير دقيق عن وجهة نظر الفقهاء حول هذه القاعدة العظيمة والتي تمثل جزءا مهما من الواقع

    عزيزي بحكم تخصصي في مجال القواعد الفقهية سانقل لك كلاما من كتابي " تقييد الشارد في نظم القواعد "


    قاعدة لاينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان


    قالوا ولاينكر في الأحكام
    تغيرٌ على مدى الأزمان
    ***
    فبإختلاف العرف والعصورِ
    تختلف النظرة للأمــــــور
    ***
    مثاله الإغلاق للمساجدِ
    كذا كتابة الحديث الوارد


    الشرح :هذا هو الفرع الرابع ممااندرج تحت قاعدة العادة محكمة ومعناه : أن الحكم المبني على الأعراف في زمن معين يتغير بتغير العرف ، فلو أصبح العرف الدال على شيء معين يدلعلى عكسه أو على شيء آخر في زمن آخر فلا بد من إصدار الحكم بما يقتضيه العرف الجديد ولايُنكر هذا .

    وقد ألف القرافي المالكي كتابا أسماه " الأحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام " قال فيه : إن إجراء الأحكام التي مدركها العوائد مع تغير تلك العوائد خلاف الإجماع ، وجهالة في الدين ، بل كل ماهو في الشريعة يتبع العوائد يتغير عند تغير العادة إلى ماتقتضيه العادة المتجددة " ص 231


    أما الأحكام النصية التي لامجال للاجتهاد فيها فهي لاتقبل التغييروالتبديل إجماعا .
    وأما الأسباب التي لأجلها تتغير الأحكام فمنهااختلاف الناس في عاداتهم ، وكذلك اختلاف المناخ والأرض التي ربما تؤثر على بعض الأحكام كسرعة البلوغ ومقدار الحيض وما أشبهها .

    ومن الأسباب أيضا فساد الزمان وانحراف أهله ، مما يؤثر على اعتبار ركائز العدالة وغيرها .
    ومن أمثلة هذ االفرع ما ذكر في النظم من جواز إغلاق المساجد في غير وقت الصلاة في زماننا مع انه معد للعبادة وذلك صيانة لها من السرقة ولفساد ذمم الناس .

    ومن المثلة أيضا جواز تدوين السنة الذي حصل متأخرا بعد ان كرهه المتقدمون لعظم فائدته ولبعد الناس عن حفظها ولأمن اختلاطها بالقرآن ..أ ه

    عزيزي الاستاذ محمد

    هل لاحظت أين موطن تطبيق هذه القاعدة التي خطات من قال بها ؟

    قد سحبتها أنت عزيزي على كل الأحكام في حين لاقائل بهذا التعميم .


    هذا مجال تطبيق القاعدة ،واما تطبيقات المعاصرين لها فهذا شأن آخر لايطعن في صحتها ..فربما كانت القاعدة صحيحة وتطبيق الشخص لها خاطئا ..

    آمل أن لا تكون مداخلتي مزعجة ودمت لنا

    الاخ الفاضل /سلطان بارك الله فيك اود ان لفت انتباهك الى امر فى البحث المتقدم حول القاعدة الاصولية
    أولا/ ان القاعدة المتكلم عنها هى قاعدة اصولية اى هى اساس يبنى عليه فى استنباط الاحكام ولذلك هذه القاعدة تحتاج الى دليل شرعى يثبت صحتها ولاينظر الى الواقع حينما نحكم على قاعدة اصولية او فقهية وانما ننظر الى دليلها الشرعى وليس هناك دليل شرعى واحد يفيد ان الزمان والمكان له اثر فى تغير الاحكام الشرعية المستنبطة من الكتاب و السنة او اجماع الصحابة او القياس بعلة شرعية فلذلك لاينظر فيمن قال ولكن ما هو الدليل والادلة القطعية اثبتت خلاف هذه القاعدة ان الاحكام الشرعية ثابتة.
    ثانيا/ القول بان اعراف الناس وعاداتهم يتبعها الحكم يجعل الحكم على الاسلام للاعراف والعادات ولو كانت فاسدة وما جاء الشرع الاليغير ويزيل العادات الفاسدة والاعراف البالية.......
    ولى عودة ان شاء الله لاستكمال النقاش حول هذا الموضوع

  5. #5
    الصورة الرمزية محمد سوالمة قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Dec 2002
    الدولة : رفح
    العمر : 69
    المشاركات : 488
    المواضيع : 188
    الردود : 488
    المعدل اليومي : 0.06

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو سالم
    الاخ الفاضل /سلطان بارك الله فيك اود ان لفت انتباهك الى امر فى البحث المتقدم حول القاعدة الاصولية
    أولا/ ان القاعدة المتكلم عنها هى قاعدة اصولية اى هى اساس يبنى عليه فى استنباط الاحكام ولذلك هذه القاعدة تحتاج الى دليل شرعى يثبت صحتها ولاينظر الى الواقع حينما نحكم على قاعدة اصولية او فقهية وانما ننظر الى دليلها الشرعى وليس هناك دليل شرعى واحد يفيد ان الزمان والمكان له اثر فى تغير الاحكام الشرعية المستنبطة من الكتاب و السنة او اجماع الصحابة او القياس بعلة شرعية فلذلك لاينظر فيمن قال ولكن ما هو الدليل والادلة القطعية اثبتت خلاف هذه القاعدة ان الاحكام الشرعية ثابتة.
    ثانيا/ القول بان اعراف الناس وعاداتهم يتبعها الحكم يجعل الحكم على الاسلام للاعراف والعادات ولو كانت فاسدة وما جاء الشرع الاليغير ويزيل العادات الفاسدة والاعراف البالية.......
    ولى عودة ان شاء الله لاستكمال النقاش حول هذا الموضوع
    شكرا للاخ ابو سالم فقد اجاب بما يكفي للرد ولن ارد باكثر مما ورد في الاقتباس ولي عودة انا الاخر في موضوع منفرد للرد على هذه الشبهات ولا ننس اننا في الاصل نبحث عن الحق لنلتزم به فان اصبنا فبتوفيق من الله وان اخطانا فمن انفسنا واسال الله الا يؤاخذنا بما نسينا او اخطانا

  6. #6
    الصورة الرمزية سلطان السبهان شاعر
    تاريخ التسجيل : Apr 2004
    الدولة : شمال الجزيرة !!
    المشاركات : 3,808
    المواضيع : 145
    الردود : 3808
    المعدل اليومي : 0.52

    افتراضي

    أولا/ ان القاعدة المتكلم عنها هى قاعدة اصولية اى هى اساس يبنى عليه فى استنباط الاحكام ولذلك هذه القاعدة تحتاج الى دليل شرعى يثبت صحتها
    لاياسيدي رعاك الله


    هذه قاعدة فقهية ولايستنبط منها احكام ، بل هي مستخلصة من النظر في جملة أحكام فقهية انتظمت لتشكل هذه القاعدة ، لعلك تراجع الفرق بين القاعدة الأصولية والقاعدة الفقهية .



    ثانيا/ القول بان اعراف الناس وعاداتهم يتبعها الحكم يجعل الحكم على الاسلام للاعراف والعادات ولو كانت فاسدة ]

    وهل قلت أنا هذا !!

    هذا كلامي رعاك الله :

    أن الحكم المبني على الأعراف في زمن معين يتغير بتغير العرف ، فلو أصبح العرف الدال على شيء معين يدلعلى عكسه أو على شيء آخر في زمن آخر فلا بد من إصدار الحكم بما يقتضيه العرف الجديد ولايُنكر هذا .

    وقد ألف القرافي المالكي كتابا أسماه " الأحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام " قال فيه : إن إجراء الأحكام التي مدركها العوائد مع تغير تلك العوائد خلاف الإجماع ، وجهالة في الدين ، بل كل ماهو في الشريعة يتبع العوائد يتغير عند تغير العادة إلى ماتقتضيه العادة المتجددة " ص 231


    أما الأحكام النصية التي لامجال للاجتهاد فيها فهي لاتقبل التغييروالتبديل إجماعا .

    ليتك تركز ..بورك فيك .

  7. #7

  8. #8
    قلم فعال
    تاريخ التسجيل : Jul 2004
    الدولة : غزة فلسطين
    العمر : 72
    المشاركات : 2,005
    المواضيع : 323
    الردود : 2005
    المعدل اليومي : 0.28

    افتراضي

    الأخ محمد الفاتح حفظه الله
    السلام عليكم ورحمة الله
    أنا أتابع هذه النقاشات المثمرة باهتمام بالغ
    وسيكون لي تعقيب في نهايتها إن شاء الله
    ودمتم بألف خير

المواضيع المتشابهه

  1. العرب الإنسان والمكان واللغة-المستشار الأدبي:حسين علي الهند=اوب
    بواسطة حسين علي الهنداوي في المنتدى قَضَايَا أَدَبِيَّةٌ وَثَقَافِيَّةٌ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 25-05-2016, 04:55 PM
  2. تناقض أحداث الزمان والمكان
    بواسطة فريد البيدق في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 09-11-2013, 01:18 PM
  3. عندما أفقدُ حاسّةَ الزّمان والمكان
    بواسطة ربيع بن المدني السملالي في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 29
    آخر مشاركة: 15-06-2012, 11:01 AM
  4. إيوة أنا عارفة إنك بتغير
    بواسطة الهام احمد سعد في المنتدى أَدَبُ العَامِيَّة العَرَبِيَّةِ
    مشاركات: 39
    آخر مشاركة: 20-03-2009, 07:22 PM