أصبحنا نسمع كثيرا هذه الجملة تتردد في إعلامنا ، في صحفنا ، في مجالسنا ، في
مناقشاتنا ، وهي وبلا أدنى شك كلمة مطاطة ، بمعنى أنها واسعة المعنى ...
وسلاح واسع الاستخدام ... البعض يفسرها بالجرأة في التعبير أيا كان نوعه
وحدوده ..والبعض يتمسك بها ليبث سمومه ..
ولكي تكون هذه الكلمة ذات صبغة شرعية ذهب البعض ليبحث عن الأدلة التي
تقررها من الكتاب والسنة ... فكثيرا ما نسمع من يستدل بقوله تعالى (
لاإكراه في الدين ) كدليل يقضي بتبرير أقواله وأفعاله ..
وهنا لابد من تحرير هذه القضية شرعا لمناقشتها في ضوء الأدلة ، ولبيان مدى
صلاحيتها عند من يتمسك بها ...
حرية الرأي إن كانت بمعنى أن يقول من شاء ماشاء متى شاء ، هذه النظرة تسمى
الفوضى ، وهي مايسعى إليه دعاة الديمقراطية الفجة والعلمانية ،، وإن كانوا لايتوقعون
وصول الأمر إلى هذا الحد ...
أما في الاسلام فالمرء محاسب على أقواله وأفعاله ديانة ( عند الله )
وقضاءاً ( أي عند السلطات المخولة كالقضاء مثلا ) .
والآية السابقة منسوخة بآيات القتال .. ومن لم يرجح نسخها لم يقل إنها دليل على
جواز طرح الأفكار المخالفة للدين والعرف الصحيح..
وأما حرية ممارسة الأديان فقد جعل الاسلام لهذه المسألة ضوابط ذكرها العلماء
في أبواب الجهاد والصلح ...
وقرروا أن الكافر المعاهد في بلاد المسلمين أو المستأمن أو من قدم لعمل وبعقد من
ولي أمر المسلمين فله أن يمارس ديانته ممارسة خاصة لايراها المجتمع ، مع
ضرورة دعوته للإسلام ، ولا يظهر شعائره للمجتمع ... وأقواله كأفعاله ..
وأما المسلم الذي ثبت إسلامه فليس له أن يعمل أو يقول شيئا من الكفر .. فهو
محاسب على ذلك شرعا وقضاءاً ...
وحينئذِ فتلك حرية رأي فاسدة .. ولذلك نجد حدوداً للمرتد بقوله وفعله ..
وأما حرية الرأي في مالم يصل حد الكفر فنقول إن في الاسلام عقوبات تسمى
التعزير ... فإن اقتضى الكلام فساداً دينيا أو أخلاقيا أو اجتماعياً أو تعدياً على أحد
جاز لولي الأمر ( القاضي ) تعزيره بما شاء من العقوبات .. ولاتنس درة عمر التي
كان يعاقب بها هذه الشاكلة ..
فتكون حرية الرأي التي نؤيدها ونطالب بها هي التعبير عن وجهة النظر في
المسائل التي فيها أخذ ورد ، وتجاذب في الآراء والأفكار مما يدخل تحت مظلة
الخلاف النظري ، ولايتوجه النقد لمن درس المسألة ومال مع أحد القولين
المحتملين ... ولذلك قيل " لاإنكار في مسائل الاجتهاد "
أما المسائل التي استقرت عند الصحابة أو التابعين ، أو أئمة المسلمين ، أو أجمعوا عليها فلا ينبغي
نبشها بحجة حرية الرأي ...
أن حرية الرأي المزعومة اليوم دخل تحت ستارها الدخلاء من العلمانيين وأذناب
الغرب ، فأصبحوا يبثون سمومهم هنا وهناك ...
فذاك يقول : إن الله والشيطان وجهان لعملة واحدة !!!!! وآخر يقول :لابد من
إيقاف مسألة توبة المغنين فهي ظاهرة سيئة أوجدها الذين اقتنعوا باليوم
الآخر !!!!!!!!
ثم يتوسطون جرائدنا ، ويطلون بوجوهم علينا كل يوم ..
فهؤلاء حقهم درة عمر !! فهم أولى من بائع الخمر بالجلد .. لأن ذاك يسكر الأبدان
.. وهؤلاء يسكرون الأفكار والأديان ..