يوم عصيب, شحذت ذهني كالؤلؤ وآليت على نفسي الانشطار... قهوة سوداء هي كل زادي في هذه الغربةالعارية, حتى الدخان هجرته لاأعلم أين... اصطبرت مرة أخرى في فلق نيتشوي و استسلمت لطي الكتمان...فهذا اليوم رهيب - كئيب. وعجيب أمري وأمرهذا القلم أيضا أرقبه يتحرك بانفلات وحدوي على البياض...
مذهون بانشقاقي يبتخس مداده أفكاري ويضحك ملئ ذقنه كالعفريت... هذا اليوم عصيب و أيامي كلها تذوي تباعا وتتبخر كالندى... وهذا الكتاب سفر يشهد ذاك الانشقاق... ذاك الانعتاق ... ذاك...
أعبر ذاتي جيئا و ذهابا... أروح و أغدو... والبحر مد و جزر... و انفلات...
أدخل داخلي أطيل المكوث علني أشق طريقا أو أطلب قرص الشمس نورا... فقد أهترأ الزمن و كاد يتسقط و يهوي من السقف كالشعر... كالنثر... كالوحي...
أرشف من كوبي قطرات فيتكسر و يتبعثر الوقت كالفلات... فأسهو في وطني و الصدى يرتل "أنا و أنت بلا وطن يا وطني"... أجهش حائرا بالغد و الليل طويل... أغادر نفسي , وطني, قريتي, قاصدا ذاك الغسق السحيق... أركب زورقا و أستأنق الرحيل, فالغسق موحش و غاضب أيضا... و السنون عجاف...
مكلوم قلبي منفطر بين حب ووطن و غسق. وكوب بن دهري...
أستريح من تعب الليل ... و أمشي على الرصيف المرصع بالبياض كالثلج الريفي... ألمح من بعيد عهرا يتشامخ و الناس حوله يثرثرون للمرة الألف, أتهاطل صوبهم وألوذ بالصمت, عساي أتكشف عهرهم الجميل... أهمس في أذن حجر بالزاوية هناك, فيعصم ثغره, يعصم فاه عني... و الناس يثرثرون...
أستلقي متعبا فالفجر قد لاح و الناس في وطني يرمقون اللظى ويقرأون ماتبقى في جوف الليل من حياة... أتوجس خيفة من العبث مع فتاة الليل تلك في غربتي...أطأالجسد بقدمي و أرفس بقايا المداد على الجبين... وبلادي الرعديدة هناك في الأقاصي تتصنم و أنا أبحث عن الوطن...
أقترب من داخلي عنوة, لعلني أصطفي زادا ينفع هذه الوحدة... أركن الليل في آخر الشارع , وأدنو مني كالموت. أرى يدا تمتد, تقترب ... وتختفي...
أعلم أنه انقشاع اللظى في الجبال البالية.أقترب و أقترب... و اليد تمتد و تمتد... وتختفي... فأطوف ببلادي في داخلي و أنبش ذاك الرفات و أصرخ و أأأأأصرخ بملئ الليل...
ليت الشمس تتوسط السماء الهاربة... ليتني أتصوف- أتسرمد, أو أبقى كالعنبر... ليت الناس في بلادي يفتحون الصنوبر و العرعار ذات صباح... و يتجشأون كالصدى... أو يزورون المعبد كالشعب...
ماذا دهاك:أيها الغسق... فلتأفل, فلتذبل كالزهرة كالحصى كالبقاء ...
العود أحمد... و الليل جلاء و القدر...
أما اليوم...عصيب...ع ص ي ب...