مساحيق
بقلم: د. عزت سراج
......................
أخذ ينظر إلى النيل والدموع فى عينيه الثابتتين تأبى أن تسقط. وحين هم بالقفز إلى النيل تساقطت دموعه فى غزارة. هو يذكر الآن كيف أنكر قريته واستسلم لأحضان المدينة. وكيف خرج مغاضبا أهله ليدس وجهه فى شعر هذه المرأة التى زيفت وجهها المساحيق . تذكر هذه المثل التى ضاعت فى طرقات المدينة والحضارة الزائفتين . تذكر حبيبته التى هجرها، ورسائله إليها التى لم يبق منها إلا هذه الكلمات الجوفاء التى ينصبها شباكا لطالبات المتعة. تذكر أمه وحقول القطن الشاسعة . هو يذكر الآن كل شئ . والذكريات مازالت تتداعى فى مرارة . وعاهرات المدينة مازلن يطاردنه فى جنون . هو يذكر هذه الحانة التى آوته أول ليلة قضاها هناك وهذه المرأة التى كانت عارية فى فراشه فى الليلة التالية. هو يذكر كل شئ . مازالت كلاب المدينة تتعقبه ولا يستطيع منها فرارا. هو يذكر كل شئ ، ولم تعد الخمر كما كان يعهدها ، هو الآن يفكر أن يجرب ماء النيل!!
وحين وصلت رائحة جثته إلى القرية أنكرها أهل القرية صامتين!!