بسم الله الرحمن الرحيم.
إن المتتبع للأحداث منذ سقوط الخلافة الإسلامية على يد مصطفى كمال " اتاتورك " في القرن الماضي . مع تكالب الدول الإستعمارية ، و هيمنتها على الوطن العربي .
و ان الاستعمار أول ما قام به ، بعد الابادة محاربة اللغة العربية ، و الدين الاسلامي . أو ما يعبر عنه بـ " تجفيف المنابع الثقافية " . و إن الاستعمار هو الذي بدأ بدفع المجتمع المستعمر إلى طريق الانحدار الحضاري ، و ذلك بتجهيله و " تفريغه " من محتواه الثقافي . و حشو عقل الفرد العربي الاسلامي ببعض مبادئ ثقافة المستعمر . حتى يكون هذا الفرد له من الرضى و القبول لكل ما يأتي من المستعمر ، أ و ما يعبر عنه بـ " القابلية للإستعمار" كما اشار إليه المفكر الاسلامي الجزائري مالك بن نبي . حيث ان عامل "القابلية للاستعمار" كما يشرحه بن نبي هنا هو العامل الداخلي المستجيب للعامل الخارجي، إنه رضوخ داخلي عميق لعامل الاستعمار، يرسخ الاستعمار ويجعل التخلص منه مستحيلاً .
لنأت الآن إلى المفهوم الأشهر لمالك بن نبي وهو مفهوم "القابلية للاستعمار" وهو عنده "المعامل الثاني" المكمل للمعامل الاستعماري.
"المعامل الاستعماري" عامل خارجي يفرض على الكائن المغلوب على أمره الذي يسميه المستعمر "الأهلي" نموذجاً محدداً من الحياة والفكر والحركة وحين يكتمل خلق هذا النموذج يظهر من باطن الفرد معامل "القابلية للاستعمار" وهو معامل يجعل الفرد يستبطن مفاهيم المستعمر عنه ويقبل بالحدود التي رسمها المستعمر لشخصيته، ليس ذلك فحسب بل يدافع عنها ويكافح ضد إزالتها.
وابن نبي في ملاحظة وجيهة تذكرنا "بالاستلاب". يقول : إن أول مظاهر فاعلية هذا المعامل هو قبول ضحية الاستعمار باسم "الأهلي" . حيث يقول ا بن نبي ساخراً: "إذا لم نكن شاهدنا خصياناً يلقبون أنفسهم بالخصي فقد شاهدنا مراراً مثقفين جزائريين يلقبون أنفسهم بالأهلي".
وقبول الاسم يعكس قبولاً شاملاً بالوضعية التي فرضها المستعمر وهذا القبول لا يتموضع فقط في منطقة الوعي بل ينغرس في أعماق اللاوعي ليصبح "استبطاناً" للمفهوم الاستعماري عن الذات، مفهوم يبخس من قدرها ويحد فاعليتها الحيوية وتصوراتها عن نفسها وعن العالم بالحدود التي يريدها المستعمر وهكذا يصبح المستعمر ينفر من العمل الجدي ومن العلم ومن دعاة الفضيلة.
و على ضوء ما طرح سابقًا ، ظهرت على الساحة العربية و الاسلامية " نخبة " من فئات الشعب ، ترى نفسها أنها هي الشريحة الفاعلة و " المتنورة " و المثقفة ، ظنًا منها انها اصبحت كند للمستعمر ، لأنها تعلمت لغة المستعمر و تشبعت بـ"ثقافته" . و لكن الحقيقة انها انسلخت من مقوّماتها الثقافية و الدينية و اللغوية .
و ظهرت هذه الفئة تحت مسميات عدة :
ـ العلمانية : ترى في تطبيق مقولة " فصل الدين عن الدولة " . و هذه تشبعت بافكار فلاسفة الغرب الذين حاربوا الكنيسة في القرنين الثامن عشر و التاسع عشر. حيث ارادت هذه الفئة اسقاط هذه الافكار على الاسلام ، فتاهت و ضلّت و أضلّت ، و لكنها خدمت المستعمر الذي رحل ، و أصبحت بوقًا من أبواقه .
ـ القومية : و قد استعملت شعارات براقة و رنانة شحنت بها عقول الجماهير ، و لكنها أسقطت الجانب الديني (الاسلام). وا لتقت افكار هذه الفئة بالافكار العلمانية . و لم تأتي بشيء يذكر . و سرعان ما خمد نارها. ثم تلتها
ـ الوطنية أو القطرية : عملت هذه الفئة على تقسيم العالم العربي و الاسلامي الى دويلات مجهرية ، حيث تبنّت افكار " الدولة القطرية " و بهذا اكملت ماعجز عنه الاستعمار. و لم تأتي بجديد سوى بث روح التفرقة في جسد الامة العربية الاسلامية . و تحول العداء من المستعمر الى بعيضها بعضًا . و وصل هذا العداء الى المواجهة ( المغرب و الجزائر) ( ليبيا و مصر) ( مصر و السودان ) (اليمن و السعودية ) ( العراق و الكويت ) .... الخ
و كأن الغرب كان ينتظر هذا . حيث عمل جاهدًا على اضعاف قوة هذه الدول ، و استنزاف طاقاتها ، ليسهل عليه نهب خيراتها . بما ان الكيان الاسرائيلي هو من زرع الاستعمار ، بات من اللازم على الغرب حماية هذا الكيان بمقولة " توازن القوى" . و ذلك لضمان حماية مصالحه .
و قد تبنت الفئات الآنفة الذكر الخطاب السياسي ( الثوري او الاشتراكي او الديمقراطي او الشيوعي) . و لكنها أهملت الخطاب الديني (الاسلامي) فكانت هذه الفئات في واد و الامة في واد آخر.
و كنتيجة حتمية بات من اللازم ظهور الطرف الاسلامي مرده الصحوة الاسلامية التي اجتاحت العالم العربي و الاسلامي.
و لكن هذا التيار لم يكن مؤهلاً تأهيلاً سياسيًا يسمح له بإرساء دعائم الدولة الاسلامية ، او الرجوع الى الخلافة الاسلامية . طفت على الساحة بعض اخطاء هذا التيار . و بما أن الغرب يراقب كل هذا عن بعد ، و له من العداء للإسلام ما له ، ألصق بعض التهم لهذا التيار مثل ( التطرف الديني ـ الارهاب الاسلامي ـ العنف ...)
فكانت المصائب والويلات التي أصابت و تصيب الأمة الإسلامية من ضعف و تفكك و تمزقٍ مردّهاهذه المشاكل, ولكن المشكل الأهـم يكمن في عدم إعطاءالمكانة اللازمة لعلماء هذه الأمة ٠ولن يستطيع العلماء أن يلعبوا الدور المنوط بهم ٠ إلا إذا كان لهم كيان مستقل يقولون فيه كلمتهم ٠لا تأخذهم في دين الله لومة لائم٠ولا تخيفهم في قول الحق سلطة حاكم ٠ ويكونون في مأمـن من بطش الحكام٠ و ليتأتى لهم هذا لابد من قيام دولــــة دينيــــة مستقلة تجمع العلماء ورجال الدين ٠ لها نظامها وعلمها و نشيدها الرسمي و تمثيلها الدبلوماسي على الساحة الدوليـة٠ على غرار دولة (الفاتيكان) ٠ ترعى شؤون المقدسات الإسلاميـة وتصدر القوانين والفتاوى٠و تحمي الدين الإسلامي وتدافع عنه ٠ و لو يكتب لهذه الفكرة أن ترى النور ٠ لسوف يعود للإسلام والمسلمين هيبتهم و مجدهم٠ ولما تطاول أحد على الإسلام٠ و أكثر من هذا لتساقطت هذه الدويلات المصطنعة الواحدة تلو الأخرى كتساقط اوراق الخريف ٠ ولانضوى تحت رايــــة هذه الدولــــــة كل المسلمين٠ و ما ذلك على الله بعزيز٠