بسم الله الرحمن الرحيم .
لا يستطيع الإنسان ان ينجح في مزاولة اية مهنة ، إلاّ اذا احبها ، و اعتقد كل الاعتقاد بما يفعل . حتى و ان كلّفه ما يكره ، ... ما دام انه ينشد الصالح العام ، و يقوّم اعوجاج ... و هنا يكمن سر العبقرية و النبوغ .
و قد رأينا على مرّ العصور و الازمنة أناسًا دافعوا عن قضية آمنوا بها ، بما أتوا من قوة ، و بما أعطوا من حجّة ... أ لم يفضل "سقراط "شرب السم على أن يتراجع قيد أنملة عما يعتقد من فلسفة و أراء ؟ ... أ لم يقبل "غاليلي " الموت على أن يتراجع عن مقولة دوران الارض؟... أ لم يلق الصحابي الجليل " حبيب بن زيد " ـ رضي الله عنه ـ ما لاقاه من" مسيلمة الكذاب " . في قصة ترويها لنا كتب السيرة :
قال مسيلمة لحبيب أتشهد أن محمدا رسول الله ؟) وقال حبيب نعم ، أشهد أن محمدا رسول الله ).
كست صفرة الخزي وجه مسيلمة ، وعاد يسأل وتشهد أني رسول الله ؟) وأجاب حبيب في سخرية اني لا أسمع شيئا !!)
تلقى الكذاب لطمة قوية أمام من جمعهم ليشهدوا معجزته ، ونادى جلاده الذي أقبل ينخس جسد حبيب بسن السيف ، ثم راح يقطع جسده قطعة قطعة ، وبضعة بضعة وعضوا عضوا والبطل العظيم لا يزيد على همهمة يردد بها نشيد اسلامه لا اله الا الله ، محمد رسول الله ).
و أكثر من هؤلاء جميعًا ، أ لم يقل رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ لأبي طالب : ( و الله ! يا عم ! لو وضعوا الشمس عن يميني و القمر عن يساري ، على ان اترك هذا الامر ، ما تركته ، حتى يظهره الله ، او اهلك دونه)... و هذه صفة العظماء ...
ان الذي جعلني أكتب هذا الموضوع ... ما ذهب اليه الاستاذ / " محمد عبدالقادر الجاسم " رئيس تحرير جريدة " الوطن "الكويتية ، حين انتقد تصرفات الحكومة و بعض أفراد الاسرة الحاكمة لتعاملها في التحضير لإنتخابات مجلس الامة ، و بعض التصرفات الاخرى .
مما ادى بالنيابة العامة الى توجيه له ادانة " التعدي على سلطات واختصاصات صاحب السمو أمير البلاد " .
و لا نريد ان ندخل في معمعة الامور ، و لا في " قانونية الادانة " ... لأن هذا من شأن القضاء و رجاله .
و لكن الملفت للنظر ، هو أن بعد ان هبّ " رجال الاعلام " لمناصرة الاستاذ / " محمد عبدالقادر الجاسم " ... حيث ذهب بعضهم ان هذه " الادانة " معناه بداية تقييد حرية الرأي ، و تقييد الصحافة بضوابط و قوانين صارمة ، و هذا يؤدي لامحالة الى التخلي عن " الديمقراطية " التي حسد بعضهم الكويت على انها تنعم بها... و ظن أهل الكويت انهم يحيون في " المدينة الفاضلة " التي تصورها " اريسطو " ، و دعى اليها " الفارابي " . حيث لا ظلم ، و لا جور ، و لا شرور...
و الذي يدعو للتساؤل و الحيرة . كيف بالا ستاذ/ " محمد عبدالقادر الجاسم " بعد رأى و دافع عن " ظلم " و " كيد " مدبرين ضده ؟... يوجه رسالة الى امير البلاد ، بعنوان " يا صاحب السمو " ، يعتذر فيها " عن جرم لم يقترفه " . و مما خلصت اليه رسالته "إنني أجيد الدفاع عن نفسي، لكن غمرتني مشاعر المحبة والتضامن فأربكتني.. وهي دفاعي الأول والأخير.. فشكرا للزملاء في الصحافة وشكرا للقراء ولكل من أبدى تضامنه فهذه هي الكويت التي يراد تشويهها " .
لا ! يا أستاذ ! لما الاعتذار اذا كنت تؤمن بما تكتب ؟ و ياليتك كانت لك الشجاعة الأدبية ما كانت لـ اميل زولا " Emile ZOLA " عندما حكّم ضميره كصحفي في قضية" دريفوس Dreyfus " الشهيرة . عندما نشر رسالة مفتوحة الى رئيس جمهورية فرنسا انداك" Felix FAURE " تحت عنوان : " اني أتهم J'accuse " بجريدة L'Aurore بتاريخ 13.01.1898 و التي فضحت رجال دهاليز الحكم في فرنسا من مدنيين و عسكريين . حيث كلّفته النفي و غرامة 3000 فرنكًا فرنسيًا . و لكنه كان بحق رجل اعلام ، و سجل اسمه في التاريخ...
سؤال نترك للاستاذ/ محمد عبدالقادر الجاسم ، الاجابة عليه.