(1)
قديماً قالوا، عندما تشتد الريح، انحن لها، عيناى ترمشان بقوة اشتداد الريح،وكأن جفنىّ يجاهدان قوة خفية، كنت أشعر بالريح تصفر حول وجهى، الجزء الوحيد المكشوف من جسدى، وأسمع صوتاً أميزه بين اختلاجات الريح ولكنى لا أدرك صاحبه بحسى، أسمعه يسبنى ويشير بسبابته الطويلة من خلف الغيم الكثيف ويقول : أبله ، تزداد ارتعاشات أجفانى وكأن الكلمة سيف، وينطق الفم مجدداً ويعيرنى بسموقى الوهمى، كيانى يتحدى كلماته بارتعاشة خفيفة لكنه يزيد ويواجهنى، أنت لم تنحن للريح أيها المسكين ، فكُسرت ، هل وعيت الدرس جيداً، حسناً، لا فائدة، لقد كان الاختبار الأخير، انتهت فرصتك وقضى الأمر، أبله، ما زالت السبابة تشير إلى صمتى المتخاذل وتختفى رويداً بين الغيم الكثيف
***
فتحت خزانة ملابسى بعنف، وانتقيت ربطة عنق حادة الألوان، شددت طرفها الرفيع إلى الأسفل حتى كدت أختنق، ورتبت أوراقى فى حقيبتى الجلدية السوداء، وتطلعت لصورتى مرة أخيرة فى المرآة المجاورة للباب، رفعت هامتى وملأت صدرى يقين، ومضيت.
(2)
أنا وأنت فقط، ألا تشعرين بذلك، نستند على قطعة من سحاب ونجلس على الأخرى، أتنسمك كما العطر تسرين فى الهواء النقى، تناسى معى يا جميلتى ما يؤرقك ودعى مسام روحك ترتوى من وجودنا معاً،وراقبى معى طير أبيض فى أسراب كثيفة يحلق حولنا، ويمنحنا سلاماً نرتجيهبعيداً عن أرض الشقاء، العالم كله لا يعنينا ، هل يعنيك كل هذا الضجيج البعيد؟ أعرف أنك لى رغم صمتك، أعرف أنك ملكى وحدى وأدرك كم يسعدك ذلك، سيكون العمر أجمل بين هذه السحابات البيضاء الطاهرة كقلبك،لن يراك أحد هنا، فربما لوثتك أعين الآخرين، ولن يحس بنبضك غير كفى، لن يكون هناك فى عالمك غيرى، اريحى جسدك يا جميلتى على السحاب بلا قلق ، فلن يكون هناك غيرنا، أنا وأنت فقط
***
تطلعت إلى تجاعيد وجهها فى المرآة وتذكرت كيف كانت يوماً ملساء الجبين، تأملت محتويات بيتها وتوقفت عيناها عند نوافذه الحديدية..طويلاً.
(3)
أراها دوماً بجديلتها الطويلة الكثيفة الراقدة على ظهرها فى ثبات ، تجرى بزى المدرسة وهى ممسكة بيدى تشدنى معها للعب، لا أرى نفسى لكن عينى تتابعها دوماً، وهى تدافع عنى عندما يؤذينى زملاء كثيرون لقلة حجمى، تجتاحنى صورتها وهى تحكى لى عن جارها الجديد، ألملم غطاء الفراش فقد كاد الحر يقتلنى، ولا يقصيه عنى مرآنا ونحن على الشاطىء معاً نتبادل سراً صغيراً، أسمع دقات ساعة بعيدة تدوى عالياً وأراها تشير إلى معصمها تنبهنى إلى انتهاء موعد المذاكرة، لم أكن أرى غير لون أبيض باهت تمر منه السنون كالأفعى فى سكون، ولكنها عادت إلى عينى من جديد، حبلى ، تبتسم ابتسامة جميلة، أضمها بعينى وأتحسس بطنها المرتفع بعجب، فبنصرها الأيسر يخلو من خاتم زواج.
***
أخيراً عثرت على رقم الهاتف،حدثت نفسى بأنى يجب أن أطمئن على صديقة العمر ، ستتعجب ولا شك فقد باعدت بيننا الأيام، لكنها حبلى ، أشعر أن مكروها سيقع لها، أجزم بذلك
مددت يدى إلى الهاتف فإذا بجرسه ينطلق، نعم، من المتحدث؟ آسف جداً، الوالد..سيارة مسرعة.. البقاء لله