|
عاتَبْتُ لو سمعَ القريبُ عتابي |
وكتبتُ لو قرأ البعيـدُ كتابي ! |
وسألتُ لو أنَّ الذين مَحَضْتُهُم |
وِدّي أضـاؤوا حيرتي بجوابِ ! |
وَعَصَرْتُ ماءَ العينِ لو أنَّ الأسى |
أبقى بحقلِ العمرِ عُشْبَ شبابِ |
وَأنَبْتُ عني لو يُنابُ أخو الهوى |
بسخينِ أحداقٍ ونزفِ إهـابِ |
وَتَرَنَّمتْ لــو لم تكن مشلـولةً |
شفتي ... ومصلوبَ اللحونِ ربابي |
كيف الغناءُ؟ حدائقي مذبــوحةٌ |
أزهــــارُها ... ويبيسةٌ أعنابي |
شجري بلا ظِلٍّ .. وكلُّ فصولـهِ |
قيظٌ .. وظمــآنُ الغيومِ سحابي |
طَرَقَ الهوى قلبي .. وحين فَتَحْتُهُ |
ألقى به عصـــفاً وعودَ ثقابِ |
حتى إذا كشَفَ الضحى عن شمسهِ |
ألفيتُني ميتـــاً بنبضِ ثيــابِ |
يتقاتل الضِـــدّان بين أضالعي : |
عَزْمُ اليقــــينِ وحيرةُ المرتابِ |
صُبْحي بلا شمــسِ .. وأما أنجمي |
فَبَريقُ بارودٍ وومــــضُ حرابِ |
روحي تمصُّ لظى الهجــيرِ وَتَسْتَقي |
شفتاي من دمـــعٍ ووهجِ سرابِ |
أرفو بخيطِ الذكرياتِ حشـــاشةً |
خَرَمَتْ ملاءَتَها نِصــــالُ غيابِ |
الدارُ بالأحبابِ .. ما أفياؤُهـــا |
إنْ أَقْفَرَتْ داري من الأحبــاب؟ |
عابوا على قلبي قنــــاعةَ نَبْضِهِ |
أنَّ الردى في العشــقِ ليس بِعابِ |
أنا سادنُ الوَجَـــعِ الجليلِ خَبَرْتُهُ |
طفــلاً .. وها قـارَبْتُ يومَ ذهابي |
صـــوفيَّةَ النـــيرانِ لا تترفَّقي |
بيْ لو أتيتُكِ حامـــــلاً أحطابي |
قـد جئتُ أستجدي لظاكِ .. لتحرقي |
ما أَبْقَتِ الأيـــــامُ من أعشابي |
أنا طِفْلُكِ الشيـخُ ... ابتدأتُ كهولتي |
من قبــلِ بـــدءِ طفولتي وشبابي |
لَعِبَتْ بي الأيـــــامُ حتى أَدْمَنَتْ |
وَجَعي .. وَخَـــرَّزَتِ العثارُ شِعابي |
يحدو بقافلتي الضَـــــياعُ كأنني |
للـحـزنِ راحٌ والهمـــومِ خوابي1 |
إنْ تفتحي بــابَ العتـــابِ فإنني |
أَغْلَقْتُ في وجـــــهِ الملامةِ بابي |
أهواكِ ؟ لا أدري .. أَضَعـْتُ بداهتي |
وأَضــاعني في ليــــلهِ تِغْرابي |
كلُّ الــذي أدريـــهِ أني بَذْرَةٌ |
أَمّا هــواكِ فجـــدولي وتُرابي |
نَزَقي عفيفٌ كالطـــفولةِ فاهدئي |
أنا طفلكِ المفـــطومُ .. لا ترتابي |
الشيبُ ؟ ذا زَبَــدُ السنين رمى به |
موجُ الحيــــاةِ على فتىً متصابي |
"ستٌ وخمسون" انتهين وليــس من |
فرحٍ أُخيــــطُ به فتوقَ عذابي ! |
الدغل والزُقّــــومُ فوق موائدي |
والقيـــــحُ والغِسلينُ في أكوابي2 |
أحبيبة الوجــــع الجليل مصيبتي |
أن العــــراق اليومَ غاب ذئابِ |
لو كـــــان يفتح للمشردِ بابه |
لأتيتُهُ زحــفــــاً على أهدابي |
وطويتُ خيمةَ غربتي لو أنهــــا |
عَرَفَتْ أمانــاً في العراق روابـي |
أوقفتُ ناعـوري على بستانِـــهِ |
وعلى دجــــاهُ المستريب شهابي |
عانَقْتُها فتوضَّأتْ بزفيرِهـــــا |
روحي..وعطَّـــرني شميمُ خضابِ |
كادت تَفرُّ إلى زنابقِ خصرهـــا |
شفتي فـــــرارَ ظميئةٍ لشرابِ |
سكرتْ يدي لمّــا مَرَرْتُ براحتي |
ما بينَ موجِ جــــدائلٍ وقِبابِ |
وحقولِ نعناعٍ تَفَتَّحَ وردهــــا |
وسهولِ ريحـــانٍ وَطَلِّ حُبابِ3 |
لُذْنا بثوبِ الليلِ نَسْترُ شوقنـــا |
من عين مُلتصٍّ ومن مرتــــابِ |
فشربتُ أعـــذبَ ما تمنّى ظامئٌ : |
شهدٌ غَسَلتُ بهِ مُضاغَ الصّــابِ4 |
يا أيها المجنونُ – صاحَتْ- دَعْكَ من |
تُفـــــاحِ بُستاني وَزِقٍّ رضابي |
جَرَّحْتَ فستــاني فكيف بزنبقي ؟ |
فَأَعِــــدْ عليَّ عباءتي وحِجابي |
حتى إذا نَهَضَ المُكِّبرُّ .....والدجى |
فَرَكَ العيونَ ولاحَ خيـطُ شِهابِ |
وتثاءَبَ القنديلُ ... وابتدأ السنـا |
عريانَ مُلْتَفّــاً بثــوبِ ضَبابِ |
صَلَّتْ وصلَّيتُ النوافلَ مثلَهــا |
وبسطتُ صَحْنَ الروحِ للوهّـابِ |
خوفي عليَّ – وقد تَلَبَّسَني الهـوى- |
مني ...ومنكِ عليكِ يومَ حسـابِ |
إنْ كنتِ جاحـدةً هوايَ فهاتِـني |
قلبي وتِبْرَ عواطـفي وصــوابي |
نَمْ يا طريدَ الجَّنتينِ معـــانقـاً |
خالاًً يشعُّ سناهُ بين هضـــابِ |
عَرَفَتْكَ مخبولاً تُقايضُ بالنـــدى |
جمراً وكهفَ فجيعــةٍ برحـابِ |
اصحــابَنا في دار دجلةَ عذرَكمْ |
إنْ غَرَّبَتْ قدمـــاي يا أصحابي |
جَفَّتْ ينابيعُ الوئــامِ وأّصْحَرَتْ |
بدءَ الربيعِ حـدائق اللبــلابِ |
أحبابَنـا ...واسْتَوْحَشَتْ أجفانَها |
مُقَلي وشاكسَني طريقُ إيابــي |
أحبابَنا عَزَّ اللقــــاءُ وآذَنَتْ |
شمسي قُبيـلَ شروقِهـا بغيـابِ |
أحبابَنا في الدجـــلتين تَعَطَّلَتْ |
أعيــادُنا من بعــدكم أحبابي |
ندعو ونجهل أَنَّ جُلَّ دُعائِنـــا |
منذ احترفنـا الحقـدَ غيرُ مُجابِ |
نَخَرَ الوباءُ الطائفيُّ عظامنـــا |
واسْتَفْحلَ الطاعونُ بالأربــابِ |
عشنا بديجورٍ فلمــا أَشْمَسَتْ |
كشفَ الضحى عن قاتلٍ ومرابي |
ومُسَبِّحينَ تكــاد حين دخولهم |
تشكو الإلهَ حجارةُ المحــرابِ |
ومُخَنَّثين يرون دكَّ مــــآذنٍ |
مجداً ... وأنَّ النصرَ حزُّ رقـابِ |
وطنَ اللصوصِ المـارقين ألا كفى |
صبراً على الدُخــلاءِ والأذنابِ |