صفقة مع أبليس........؟
ربما عزيزي القارئ تستغرب من عنوان هذه القصة؟
انها يا سيدي محاورة جرت بيني وبين صديق لي... اليك تفاصيلها.
كنت جالساً في احد المقاهي التي تطل على ضفاف النهر في مدينة الموصل.
امسك في يدي جريدة محلية تصدر بمعية الحكومة.
وهذه الجريدة يا سيدي اسطرها معسولة ومكررة يومياً.
وهي لا تقول سوى... اعتقلنا وقتلنا وحررنا وسيطرنا وعمرنا وصنعنا و و و و و و الى اخره.
الله كم جميل ما اقرأ....كل صفحات هذه الجريدة تبشر بالخير...وأن العراق صار ملاذ الامان والتقدم المزدهر.... وما هي الا بخطوات ونخرج من عالم الدول النامية ويكون حالنا كحال الدول المتقدمة.
ولكن سيدي القارئ...؟
لو وضعت هذه الجريدة على الطاولة وخرجت الى باب المقهى سترى شيئاً اخر غير الذي تقرأه.
أجساد ترتعش خوفاً من حدوث اي انفجار او محاولة خطف على ايدي العصابات التي تطالب بفدية مقابل حياتك
او اعتقال على ايدي جماعة مجهولة لا تعرف الى اي جهة ينتمون.. وربما يقتلونك لو لم يعجبهم أسمك.
ومن جهة اخرى سترى في عيون الناس حزن عميق جداً..؟
بين الحسرة على الماضي الامن. وألام الاحداث المملة التي صار روتيناً لا نستطيع العيش من دونه.
ألمهم عزيزي القارئ هذا ليس موضوعنا.. ولنعد الى بيت القصيد..
وأنا جالس في المقهى. دخل علي صديق قديم جداً الذي لم اراه منذ فترة طويلة جدا.
قمت من على الكرسي وامسكت بيده وصافحته بحراره معاتبه عن اسباب غيابه وعدم سؤاله علي كل هذه المدى.
دعوته للجلوس الى طاولتي وطلبت من الساعي ان يحضر له قدح شاي عراقي ومن طراز(العزاوي).شاي العزاوي سيدي القارئ مشهور في بلدنا وقد تغنى بهذا الاسم بعض المطربين العراقيين القدامة. رحمهم الله.
جلسنا وبعد تبادلنا السؤال على احوال بعضنا وعن اولادنا واصدقائنا القدامى.
سألته... يا اخي ما بالك ارى الحزن معشعش في عينيك هل هناك امر يجعلك تحزن كل هذا الحزن . هل حدث
شئ لعائلتك لا سامح الله.
نظر في وجهي وقال.... تسألني عن حزني وانت عراقي الا ترى ما يحدث في بلدنا من قتل ودمار وخطف
وثروات العراق التي تنهب على يد عصابات ونحن نرى كل شئ......لا حول لنا ولا قوة.
اجبته يا صديقي ماذا نفعل أذا كانت الحكومة لا تستطيع ان تفعل شيئاً هل نستطيع نحن.
ضحك صاحبي ضحكة طويلة جدا كادت ان توقف قلبه..؟
قلت له لما تضحك من اعماق قلبك هي اضحكنا معك.
رد وقال.. يا صديقي ان شر البلية ما يضحك وأنا اتحاور معك جاءت في مخيلتي فكرة تجعل بلدنا اماناً ولو لبضع سنوات.
قلت له كيف قل لي كيف اجبني...؟
رد علي وقال لو كانت في يدي السلطة لعقدت صفقة مع ابليس.
استغربت من كلامه؟ وقلت له ما بك هل تعاني من شئ.. هل انت مريض هل داعبتك الخرافة في سن مبكر.
قال لا انها معادلة بسيطة جداً ساحكي لك التفاصيل.
مثلا لنقول ان السلطة اصبحت في يدي. ولي كافة الصلاحيات.
على الفور اصدر قراراً باخلاء البلد من الناس.. الجميع دون استثناء ولا يحق لهم ان ياخذوا معهم اي شئ سوى
اموالهم النقدية والذهب والمجوهرات ومستمسكاتهم الرسمية.
وبعد اخلاء البلد اصدر امراً اخر باعطاء الفرصة للصوص ان يدخلو البلد وينهبوا كل احياء البلد من البيوت والدوائر.... يسرقون كل شئ والاشياء التي لا تنفعهم عليهم ان لا يتركوها وانما يحطموها.
وبعد الانتهاء من السلب والنهب اصدر امراً اخر بعودة الناس الى البلد ... وهنا يا سيدي سيكون البلد امن
لا سرقات لا قتل لا عصابات لا خطف لا عمليات تفجير او انتحارية... فستعود الناس لترى الخراب الذي
حل بهم وما طريقة امامهم سوى البدء من جديد ببناء ملاذ امن لهم واعادة تاثيث بيوتهم.
وحتى المحتل لن يبقى له حجة للبقاء في العراق الناس كلها مشغولة ببيوتهم وخرابهم لا مجال للمقاومة او زرع عبوات ناسفة او تفجير سيارة همر.
الناس متعبة من الكد والعمل من اجل اعادة الحياة لبيوتهم.
وما على الحكومة سوى ان تدعمهم بالمال وتامين عمل لهم وهذه الحكاية ربما تستغرق حوالي سنتين او ثلاث
او ربما اكثر.
وبعد هذه السنوات يحلها الف حلال.
سالته هل انتهيت من كلامك .. قال نعم.
اجبته اتسخر من الناس وبلدك كيف تجرأت ان تفكر بهذه الفكرة السخيفة التي لا طعم لها ولا لون ولا ريحة
هل صار بلدك اضحوكة بين يديك الا تخجل من نفسك. وانت تقول هذا الكلام.
نظر الي ودمعت عينه وقال... ماذا افعل يا صديقي وماذا اقول فانا كل ليلة اتقلب على فراشي افكر في هذا البلد
التعيس والمظلوم وكل يوم تزداد ماساته وحتى النهر صار يجري فيه الدماء بدلا من المياه.
والله اني ارى العراق يعاني السكرات ويوشك ان تتوقف ضربات قلبه وينتهي وننتهي كلنا معه.
سامحني يا صديقي انا اعرف انها دعابة سخيفة لكن دون جدوى.
خسرنا الكثير من اهلنا واقاربنا واصدقائنا. الذي مات قد مات والذي هاجر وترك البلد.
نحن نقف مكتوفي الايدي ننتظر دورنا ولا نعرف من سيأتي لينهي حياتنا دون رحمة.
وضعت يدي على كتفه وطلبت منه ان يكف عن البكاء وان يفوض امره الى الله سبحانه وتعالى وهو الذي يحيي ويميت
وان الله قادر على كل شئ وبلمحة بصر يعيد بلدنا للسابق والى احسن لا تحتاج منه سوى كلمة واحدة يقول ... كن فيكون
خرجنا من المقهى سوية وطلبت منه ان نكمل مشوارنا الى بيتي وهناك نجلس في غرفة الضيوف ونلعب الطاولة.
اعتذر الي وقال عليه ان يذهب الى بيته لانه لا يستطيع ترك البيت لفترة طويلة منذ ان تدهور اوضاع البلد
امسك بيدي وصافحني بقوة وقال لي يا صديقي انتبه لنفسك ولعائلتك وربما يكون هذا اخر لقاء لنا.
اجبته لما تقول هذا الكلام.... قال لا اعلم انه مجرد احساس والله عالم الغيوب.
بعد ان صافحني...قال لي اسمح لي ان احتضنك .
احتضنني وقبلني على خدي وقال سامحني ان لم اراك مرة اخرى وغادر.
كنت متألماً جدا من كلماته وما مشيت بضع عشرات من الخطوات واذا الارض تزلزل بي.
صوت انفجار هز المكان التفت الى مصدر الانفجار واذا بالانفجار في نفس الطريق الذي سلكه صديقي
ذهلت وصرت اركض واركض والناس تركض معي.. اريد ان اعرف ما حصل لصديقي وهل هو من بين الضحايا.
تمنيت ان لا يكون هو بينهم.. لم تكن انانية مني فانا لا اتمنى ان يموت احد فكل الناس هم اهلي واخوتي.
لكن كنت ارجو ان لا يكون بينهم.
وصلت الى مكان الانفجار واذا بي ارى اول الضحايا هو صديقي.
أجل رايته مستلقياً على الارض وعيناه في السماء والابتسامة تملئ شفتيه.
رحل صديقي وبدلاً ان يمسك زمام السلطة ويعقد صفقة مع أبليس ... عقد صفقة مع عزرائيل ليقبض روحه وريفع بها الى السماء.
*
*
*
أكرم