أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 9 من 9

الموضوع: سعدي يوسف والصداع الأمريكي !

  1. #1
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Apr 2007
    الدولة : المانيا - كولونيا
    المشاركات : 207
    المواضيع : 61
    الردود : 207
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي سعدي يوسف والصداع الأمريكي !

    سعدي يوسف والصداع الأمريكي !
    *-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*

    المقال هنا كُتِبَ على إثر قراءتي مقالين للكاتبة العراقية : ابتسام يوسف الطاهر

    سامي العامري
    ---------


    هناك الكثير من مظاهر الخلط لدى عدد لا بأس به من مُحلِّلينا السياسيين وأخصُّ منهم العراقيين في تناولهم لقضية الإحتلال الغربي - الأمريكي للعراق فهم يستخدمون نفس الأدوات التحليلية التي اعتدنا عليها في زمن الحرب الباردة دون مراعاة أنّ العالم انقلب رأساً على عقب , وما كنّا في زمن ( الثوريات ) نعتبره من المقدسات والمبادىء قد ولّى دون رجعة , والعجيب أنهم في مقالاتهم ذاتها لا يكفّون عن الدعوة للتغيير الديمقراطي ولكن حينما يتعلّق الأمر بموضوع أمريكا فهنا تطفو على السطح الكثير من الحزازات والعقد النفسية ويتلاشى بريق الديمقراطية ! وتحلّ محلَّها قيم الكفاح والنضال والتحرّر !
    وانا إذْ أذكر ذلك لا يغيب عن بالي ما قد يناله مقالي هذا من تسفيهات واتهام بالتواطىء مع المحتل !
    على أنني حرصتُ في أكثر من مناسبة على القول بأنني لستُ بالسياسي المحترف وإنّما هَمّي الأم هو الشعر ولكن مهما كان فالعراق وطني الذي أحبّ ومستقبلهُ ومصيره وسعادته تهمّني , وحتى اذا غضضتُ النظر عن هذا الجانب – وهذا غير ممكن - فكيف لي أن أنسى أنني أصبحتُ أحد ضحايا سياسات حاكمهِ الإرتجالية العشواء منذ أن بدأتُ أعي الدنيا بدايةَ الثمانينيات ؟ انا بطبعي أقرأ في كلِّ شيء أستطيع وليس عندي تخصّصٌ في مجال الدراسة والتحصيل وقد قال سعيد عقل يوماً – وأظنُّهُ يبالغ – إنني أقرأ في كلِّ يومٍ كتاباً , وأيضاً أشار نجيب محفوط في لقاءٍ معه بأنه لم يقرأ في حياتهِ كتاباً مرّتين باستثناء القرآن ومن هذا المنطلق أردت أن أبيّن بأني كذلك من عشاق القراءة وكثيراً ما تجذبني العناوين ! مقالاتٍ قصائدَ نصوصاً أدبية دراساتٍ علمية وكتُباً وغير ذلك فأشرع في مطالعتها , ومن بين الموضوعات التي أقرأها في هذه الفترة بتمعّنٍ قدر المستطاع حاضر العراق والتحديات التي يواجهها ووجهات نظرِ كُتّابنا .
    ومن المقالات التي قرأتها مؤخَّراً مقالٌ بعنوان : التهديد الأمريكي بفوضى بلا حدود .
    المقال منشور في موقع مجلة الفوانيس للكاتبة ابتسام يوسف الطاهر .
    ورغم أن صياغة عنوان المقال ركيكة حيث دخل حرف الجر ( بـ ) مرتين داخل جملة قصيرة إلاّ أنّ هذا لم يكن مهمّاً إزاء ما توقّعتهُ من الكاتبة فكراً واجتهاداتٍ وبما أنّ المقال طويلٌ نسبيّاً فعليَّ أن أكتفي بإدراج تعليقي على موضوعها ومن خلالهِ يستشفُّ القارىء – وهذا ما أرجو – بعضَ ما رميتُ اليه في بدء حديثي حول شكِّ البعض بجدية أمريكا في إيجاد خلاص للحالة العراقية التي تبدو مستعصية فقلتُ :
    (( تحليلاتك حريصة ومعمّقة وتنمُّ عن دراية حسنة بالكثير من تفاصيل الواقع العراقي وتطوّراته وخلفياته وبالتالي تعقيداته المدوّخة ولكن الحل ؟ ما هو الحل ؟ إنّ أغلب كُتّابنا السياسيين من نساء ورجال تظهر عليهم أمارات الحرج ومن ثمّ التخبط حين يأتي هذا السؤال وفي أحسن الأحوال يجنحون الى التهرُّب من وضع تصوّر او رؤية ناضجة للحل او ربما اقتراح عملي موضوعي والآن بعد استفاضتك في كشف أوجه المأساة أجدكِ تقرِّرين ما قد تقرّر ومراراً قيل , تقولين : ( اذن على الشعب العراقي ان يعي تلك (اللعبة) ويسعى لانهائها، ويتكاتف لفضح تلك الجرائم ولا ينجر وراء شعارات ومسميات تُستغل ضده. وان لا تبقى السلطات العراقية مكتفة الايدي، فلا يمكن ان نسمح لتحويل العراق الى ساحة تتنازع بها اديولوجيات بائسة، او الاقاليم المُهَدّدة. او ساحة للعصابات لممارسة خططها الاجرامية. )
    هذا مع كلّ احترامي لأهميتهِ , لا يغني ولا يسمن لأنّ أكثره مكرَّرٌ , أمريكا لا تريد أن تزرع الفوضى , والسبب في تخبّطها أنها تجهل الكثير عن طبيعة الفرد العراقي وهي تنتظر وصول شكل حكمٍ لا يتعارض ومصالحها في المنطقة ومصالح اسرائيل , أعتقد أنَّ جزءاً من الحل هو في التجاوب مع المحتل حتى تحين فرصة او بارقة لنظام ديمقراطي وبعدها ما من عراقي إلاّ وينادي بخروج هذا المحتل فيخرج مُشَرَّفاً أما عن قولك : وتأمل الناس خيرا بالحرية التي حرموا منها عقودا. ليكتشفوا ان تلك الحرية كانت اكثر بلاءا حيث غلبت عليها حرية القتل، حرية تنقل الارهابيون من منطقة لاخرى بلا رادع ولا وازع . فأردُّ عليه بالقول : لو أنك عشتِ يوماً واحداً داخل دهاليز الأمن العامة في الزمن الصدّامي فلا والله لن تقولي هذا الكلام العجول بل لن تفكّري فيه , وطبيعي انا لا أتمنّى لك ذلك ولا حتى لأعدائي فكيف لمثقفة حريصة من بلدي مثلك .)) انتهى التعليق .
    وستطراداً هناك ما يمكن تسميتهُ اليوم بمرض سعدي يوسف . فهذا الشاعر , وهو من جيل الروّاد , إضافةً الى هذه الصفة هو ماركسيٌّ عريق وعانى كثيراً في معتقلات النظام
    السابق , أجد أنّ لهاتين الميزتين تأثيراً لا يُنكَر على فاعلية كلماته في أذهان البعض ومخيلتهم فهي شبه مقدّسة لدى أنصاف المثقفين من الشيوعيين مثلاً وطالما استُشهِدَ بها في حين أنّ الحقيقة تخبرنا بأنّ هذا الشاعر متواضعٌ إبداعيّاً في الكثير من قصائدهِ ويمزج الشعر بالآيدولوجيا وبالحزب ولا يمتلك ذلك الإبهار الفني والقوة او المتانة التي لدى مجايليه إلاّ فيما ندر , وبالمناسبة شعرُهُ لا يكتسب قيمتَهُ في الغالب إلاّ من كون قائلهِ شاعراً من الروّاد وهو لو اكتفى بهذه الميزة ( شاعر رائد ) لكفاهُ مجداً ولكن أنّى لمثله نسيان أفضال ماركس عليه !؟ فها هو العالم يتحوّل على مرأى الشاعر الى ما يتعارض والعديد من المُثُل التي ناضل من أجلها وبدلاً من الإعتراف الشجاع بقصور العديد من تلك المُثُل او الأفكار التي تمسّك بها وبدلاً من تنقيتها وجعلها أكثر مطاوَعةً لعصرهِ نراه وبتناقضٍ مكشوفٍ يستمرُّ على نفس الوتيرة في سبِّ الإمبريالية والإستعمار ! متناسياً أنّ التخلّي عن فكرة ما لصالح آخرى أكثر نجاعة أمرٌ لا يوجد شاعر وكاتب ومثقف عبر التأريخ إلاّ وعرفهُ وحتى الفلاسفة منهم وهذه فضيلة تحسب لصاحب هذا الطبيعة الحيوية وليستْ لها صلةٌ بتقلُّب الأهواء او الأمزجة , إنها ديناميكية الحياة وتطوّرها .
    ثمُّ ليتوّج كلَّ هذا بإصرار لا يليق بمثلهِ وذلك بإعطاء مجموعته الشعرية الأخيرة اسم : الشيوعي الأخير ! وكأنه يريد بذلك أن يقول لنا : اذا جعلتم الجواهري آخر شاعر عربي كلاسيكيّ وهذا امتيازٌ كبير فانا كذلك آخر شاعر شيوعي وهذا امتياز أيضاً!
    والأهمُّ من ذلك أنه إذْ يعادي أمريكا على طول الخط يتّخذ من لندن بلد إقامةٍ له , تُرى ما الفارق بين أمريكا وبريطانيا ؟!
    وعودةً سريعةً مرة أخرى الى الكاتبة ابتسام يوسف أقول : إنني في نفس اليوم الذي قرأتُ فيه مقالها آنف الذكر قرأتُ كذلك مقالاً آخر للكاتبة منشوراً في موقع الهدف الثقافي يحمل عنوان : إبنتي والعراق وسعدي يوسف . تنقل فيه من بين ما تنقل حواراً للشاعر نُشر في عدد قديم من الصحيفة المصرية أخبار الأدب ما يلي :
    يقول سعدي يوسف :
    - .. أما في لندن فأنا أشعر فعلا بطمأنينة، وأدرك أنني سأقيم فيها طويلا بعد أن شطبت تماما على فكرة العراق والتعامل معه كوطن.
    * ولكنه وطن ...؟
    _ وطن ملغى، وليس وطنا كاملا. الوطن القائم لي الآن هو المملكة المتحدة، منذ زمن لم أعد أعتبر العراق وطنا.
    * إذا لم يعد العراق وطنك... ماذا تسميه إذن؟
    - مكان ميلادي الذي لم اختره، وأعتبر الأمر مسألة فنية استفيد منها أثناء عملية الكتابة، ولكن لم أعد أنظر إليه باعتباره وطنا.
    * هل يغضبك إذن أن يتم تعريفك بـ(الشاعر العراقي)؟
    - لا يغضبني، ولكنها لم تعد تسميه مناسبة لي، يمكن أن يقال (الشاعر) فقط.
    فبالرغم من الاذى الذي شعرته – والكلام هنا للكاتبة - وانا اقرأ ذلك اللقاء، بالرغم من خيبة العراق المتعب الذي يتخلى عنه ابنائه الواحد بعد الاخر، بالوقت الذي يتسابق العربان للانتماء له، زيفا، لغرض الحصول على لجوء في اوربا او لمواصلة الاعمال الارهابية والجرائم في العراق او في اوربا ذاتها. تألمت للشاعر والعراق. تعاطفت مع شاعرنا وانا احس بعمق الاذى الذي يعانيه . انتهى كلام الكاتبة ,
    وعليّ أن أضيف هنا بأني لا أعني بأية حال أن الكاتبة الطاهر متأثرة بسعدي يوسف او أنها ماركسية او ما شابه ولكني عثرتُ على مقالها الثاني هذا لاحقاً وكان ذلك محض مصادفة.

    ******************

    كولونيا – تموز – 2007

  2. #2
    الصورة الرمزية د. نجلاء طمان أديبة وناقدة
    تاريخ التسجيل : Mar 2007
    الدولة : في عالمٍ آخر... لا أستطيع التعبير عنه
    المشاركات : 4,224
    المواضيع : 71
    الردود : 4224
    المعدل اليومي : 0.67

    افتراضي

    الرائع العمرى

    هى رؤيتك ووجهة نظرك التى لا أستطيع الجدال معها ,أعتقد من حق عراقى مثلك أن يقوم بالتعقيب والتحاور, حتى لا نضيف عبئا الى أعباء هذا المواطن.

    شذى الوردة لجهدك المحسوب

    د. نجلاء طمان
    الناس أمواتٌ نيامٌ.. إذا ماتوا انتبهوا !!!

  3. #3
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Apr 2007
    الدولة : المانيا - كولونيا
    المشاركات : 207
    المواضيع : 61
    الردود : 207
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي

    السيدة د. نجلاء طمان
    طابت أيامك
    وهو كذلك , إننا لم تعتد لحد الآن على حوارٍ متحضِّرٍ وقد أجبتُ اليوم بقصيدة بعثتها الى واحتنا الغنّاء , بعثتُ بردٍّ ولا أقول مداخلة على شاعر عراقي معروف بعنوان : اليك بغداد . أتمنّى أن تطّلعي عليها ومن جانبي أعتذر عن التقصير في تتبعي لإبداعاتكم وما ذلك إلاّ بسبب كثرة المشاغل والوارد من البريد ولكن سأحصل على فترة ( بطالة ) قريباً .
    أتمنّى لك كذلك شذى الوردة على رقة مشاعرك والسلام
    سامي العامري

  4. #4
    الصورة الرمزية د. عمر جلال الدين هزاع شاعر
    تاريخ التسجيل : Oct 2005
    الدولة : سوريا , دير الزور
    العمر : 50
    المشاركات : 5,078
    المواضيع : 326
    الردود : 5078
    المعدل اليومي : 0.75

    افتراضي

    أخي الكريم
    تابعت حرفك بشغف
    وأحييك لما كتبت
    وآمل بعودة قريبة
    مع تقديري
    واعتزازي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  5. #5
    الصورة الرمزية خليل حلاوجي مفكر أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    الدولة : نبض الكون
    العمر : 57
    المشاركات : 12,545
    المواضيع : 378
    الردود : 12545
    المعدل اليومي : 1.82

    افتراضي

    الأخ الاستاذ العزيز سامي العامري

    أستأذنك بنقل هذه المقالة الثرية إلى مكانها في واحة الفكر السياسي

    وهناك ستجد حروفي وهي تلاحق حروفك الباهرة .... ايها الشاعر السامق


    لاعدمناك ... ياحبيب
    الإنسان : موقف

  6. #6
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Apr 2007
    الدولة : المانيا - كولونيا
    المشاركات : 207
    المواضيع : 61
    الردود : 207
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د. عمر جلال الدين هزاع مشاهدة المشاركة
    أخي الكريم
    تابعت حرفك بشغف
    وأحييك لما كتبت
    وآمل بعودة قريبة
    مع تقديري
    واعتزازي
    الأستاذ عمر جلال الدين
    أحيّيك كذلك من الصميم مع الود
    سامي العامري

  7. #7
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Apr 2007
    الدولة : المانيا - كولونيا
    المشاركات : 207
    المواضيع : 61
    الردود : 207
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خليل حلاوجي مشاهدة المشاركة
    الأخ الاستاذ العزيز سامي العامري
    أستأذنك بنقل هذه المقالة الثرية إلى مكانها في واحة الفكر السياسي
    وهناك ستجد حروفي وهي تلاحق حروفك الباهرة .... ايها الشاعر السامق
    لاعدمناك ... ياحبيب
    الأستاذ العزيز خليل حلاوجي
    أطيب التحايا
    وهو كذلك , تستطيع نقلها وأرجو سماع أفكارك الجميلة القيمة وحتى القاسية إذا أحببتَ !
    مع الود
    سامي العامري

  8. #8
    الصورة الرمزية خليل حلاوجي مفكر أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    الدولة : نبض الكون
    العمر : 57
    المشاركات : 12,545
    المواضيع : 378
    الردود : 12545
    المعدل اليومي : 1.82

    افتراضي

    الأخ الحبيب والصديق العراقي الجميل .. الأستاذ سامي العامري

    تحية لك وهذه حروفي تؤازر صوتك الصادق



    أعداء الحرية
    بقلم خليل حلاوجي

    العراق اليوم وهو يعاني شدة الحرب ، الحرب الاستدعائية التي جلب من خلالها أهل العراق من يحرر أهل العراق من خارج حدود منظومتهم القيمية وسموها حرب التحرير ولا يحرر الفرد العراقي إلا وعيه بالظلم على حد عبارة المرحوم علي الوردي .
    إنها ظاهر فريدة في التاريخ الاجتماعي العراقي تؤشر وبوضوح ضعف الانتماء والولاء الذي بدأ يتشظى فيستمسك العراقي الآن بهويته العرقية والمذهبية والمدينية ناسيا ً هويته الأم .. الوطنية وهذه العلة الجديدة لا تحتاج فقط إلى أطباء فكريون متخصصون بل إلى مشافي وصيدليات وعمليات جراحة تجميلية دقيقة.
    مرض الشعوب الإسلامية اليوم _ والعراق أهمها _ هو ( الاختناق ) وأعراضه الكبت والحرمان وفقدان القابلية على الاحتجاج لكل ماهو ضار وشرير ، وإذا كان ( المجنون ) هو الشخص الوحيد الذي يستطيع تشخيص مرضه كل أحد من الناس حتى أطفالنا فإن مرض الاختناق هو الآخر نساهم جميعنا في تشخيص أعراضه ولكن نختلف في وصف ( فايروس الفكرة ) التي سببت لنا هذا المرض العصي فمن قائل : أن (الحاكم الظالم ) هو المسبب ومن قائل : إنها ( الماسونية والصهيونية) ومن قائل إنهم (شياطين الإنس) من سّراق ومنافقين والله تعالى يساعدنا ويوزع العلى على جميع هؤلاء مجتمعين قال تعالى :
    { لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ }النور11
    ولأن الوقاية خير من العلاج فإن معرفة موانع تذوقنا للحرية ومحاولة التغلب عليها هي السبيل الأمثل للوصول إلى هذه الحرية الغالية والتي عمدتها الشعوب بدماء أبنائها .
    ولأن العدل هو إقامة شرع الله بحسب عبارة بن الجوزي
    ولا عدل بدون هبة منحة الحرية هكذا كتب الله حجته البالغة لعبيده فإن جرثومة الاضطهاد هي علة حرماننا من الحرية وخصوصا ً إذا شارك فيها المحكوم ب ( الانصياع ) لمراد الحاكم فأقرأ على العدل السلام .
    والمصيبة الكبرى أن تكون الدولة التي تعلن الحرية كمبدأ لمؤوسساتها هي التي تحرم الدول الأخرى من التحرر
    وكما يقول (نعوم تشومسكي) في كتابه (ردع الديمقراطية) عالم الألسنيات والسياسي الأمريكي: أن الجهد ينصب على إرهاب الأفراد، وأما الحديث عن إرهاب الدول فلا يتجرأ على ذكره أحد وعندك خبر المارينز وهم يدخلون العراق من دون شرعية دولية تجيز لهم ذلك حين ضربوا عرض الحائط مقررات مجلس الأمن .
    لقد شرح القرآن لنا هذه الإشكالية في الآية العمدة من سورة النساء قال تعالى :
    {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً }النساء58 وأن نؤدي الأمانة هنا يعني أن نعطي الفرصة لكل من حولنا في المطالبة بحقوقه خصوصا ً بعد أن يقدم لنا واجباته المفروضة عليه .
    إن عماد الحكم في الإسلام وقوام السياسة الشرعية، تقوم على (العدل) في الحكم، وعلى وجود ولاة الأمر وعلى طاعتهم ولأن الإنسان يولد حراً فيجعله المجتمع ليس مستعبد لشرائط ذلك المجتمع فنراه يحمل نصف حرية أو ربع حرية بعد أن أدمن الانصياع القسري لرجال السياسة أو الاقتصاد أو حتى رجال الدين .
    لقد فطنت إلى ذلك سيدتنا أم مريم عليها السلام فقالت لربها أنها ستحرر مريم من هذا القيد :
    {إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }آل عمران35
    إن الغاية من وجود الإنسان فوق الأرض هو إعمارها واستثمارها وفق منهج منضبط ( افعل \ لا تفعل ) وهذا المنهج هو جنة الله فوق أرضه وأعني بها قرآننا المجيد .
    الوسيلة إلى هذه الغاية هي حصريا ً تكمن في الحرية وهنا أنبه إلى جدلية متعاكسة فحين تشاهد المجتمع وقد ساد العدل بين أفراده فاعلم أن هذا المجتمع متمتع كامل الاستمتاع بحريته المنضبطة ، ولو شاهدت تشوهات لقيم العدل فاعلم أن هؤلاء الناس حرموا من حريتهم .
    وبالمقابل لو شاهدت مجتمعا ُ يتلمس سبيل النهوض دونما تحقق من إشاعة الحرية المنضبطة قرآنيا ً بين أفراده فلا تصدق وصوله لغاية الاستنهاض هذه .
    والآن : من هو الذي يعيق المجتمع من التوصل إلى استنشاق نسائم الحرية المنضبطة قرآنيا ً ؟
    أقول :
    هم ثلاث أصناف مجتمعية
    1\ الحاكم الطاغوت
    2\ الجاهل الكسول
    3\ المرجفون والمبطلون
    وجمعهما الله تعالى في آية واحدة فقال جل في علاه :ِ إنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ }القصص8

    أولاً :
    الحاكم الطاغوت
    إن مهمة الأنبياء هي تحرير الشعوب من طغاتها وهكذا أمرنا الله تعالى للسير في الأرض لنشاهد تفاصيل هذه المهمة الجليلة قال تعالى :
    {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ }النحل36
    والطاغية قد يتزيا بعدة مظاهر فقد يكون رب للأسرة وقد يكون معلما ً في مدرسة وقد يكون إقطاعيا ً في مزارعه
    وقد يكون كل هؤلاء في شخص زعيم الدولة .
    ومعنى الحرية لا ينسجم مع خضوعنا لبشر يحرفون مراد الله وهو يأمرنا طاعته وكما قال المسيح عليه السلام :
    إنك لا تستطيع أن تخدم معبودين تخدم الله وتخدم المال
    والآية أبلغ في منطوقها حين يقول الله تعالى :
    {اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ }البقرة257
    العقلية الغربية وهي تقر بأحادية النظرة المادية كون المسيحية الغربية لا تقر أنها حركة اجتماعية وسياسية كما هو الإسلام ( فلا رهبانية ولا كهنوتية في الإسلام ) ولذلك أقصت العلمانية الكنيسة عن الدولة .
    وبالمقابل فإن الرؤية القرآنية للتحرر من طغيان الحاكم لم تطبق بصورتها الواقعية والعملية إلا في فترات مضيئة من تاريخنا الإسلامي فعمد الكثير الطواغيت البشرية إلى حرمان الإنسان من حريته فخدعوه بأن شرعة السلطان هي شرعة القرآن .
    وهكذا فإن الطاغوت يحرمنا من الاستمتاع بحريتنا بل ويمكن أن يحولنا من إنسان إلى شيطان عاص ٍ يأمر ويقود غيره من البشر إلى تبني فعل الشر عندما يتبنى عقيدة انه ظل الله على الأرض فيتسلط على رقاب الناس بحجة إقامة العدل ويساعده في ذلك آليات (عبادة الفرد) التي تفسر لنا كيف يخضع الناس لحكامهم وملوكهم مهما بدا من ظلمهم أو بلادتهم أو شرورهم وكما تقول الأسطورة ( حتى لو كان الملك عاريا ً فان الناس جميعا ً يعتقدون انه يرتدي أبهى الحلل ) .

    الصنف الثاني ممن يحرمنا الحرية هو الإنسان الجاهل الكسول والذي لم يعد قادرا ً على إتمام واجباته تجاه الآخرين وفي نفس الوقت يطالبهم بحقوقه منهم
    هذا النموذج سوف يشيع بين أفراد المجتمع التواكل والمحسوبية والشفاعة ( أقصد الرشوة ) ليشوه معالم تقصيره .
    وحينما يشيع الجهل فسنشاهد طفولة المجتمع وسهولة التحكم به وسهولة حرمانهم من حريتهم
    في كتاب سيكولوجية القطيع الذي كتبه غوستاف لوبون عام 1895م، ربط طفولة المجتمع ووثنية الأشخاص وهكذا يفعل الجهل .
    وتحدث المفكر ( مالك بن نبي ) عن مراحل تطور المجتمعات والأشخاص من الشئ إلى الشخص إلى الفكرة، فالطفل يتعلم أول أمره أن يميز بين الأشياء فيعرف أن هذا حليب وهذا ماء وذاك عصير ثم يكبر أكثر فيتعلم التمييز بين الأشخاص فيعرف أن هذه أمه وهذا أبوه وذاك غريب عنه ثم ينتقل إلى المرحلة الأهم وهي التمييز بين الأفكار ، وهذه المراحل تتطابق عند تطور المجتمع من الوثنية إلى دور البطولة إلى بزوغ شمس الأفكار..
    والسؤال الآن : من هو الذي يسهم في تجهيل المجتمع ؟ فأقول إن الحكام الطغاة هم الذي أقفلوا باب الانجاز والاجتهاد العقلي لمجتمعاتهم ،ولا يتم لهم ذلك إلا عن طريق إفشاء ثقافة ميتة يقول علي حرب : ( إن مشكلة المثقفين هي من أفكارهم ، فهم ضحايا أفكارهم أو أنماطهم في التفكير ، وهذا ما يجعلهم في كثير من الأحيان باعة أوهام وحراسا ً لأفكار عتيقة وبالية )


    الصنف الثالث :
    هم أولئك الذين أصبحوا جنودا ً للطاغوتية التي تكلمنا عنها ممن يشيعون بإعلامهم الكذب وثقافة الترهيب والإرعاب وقد سماهم القرآن المرجفون قال تعالى : {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً }الأحزاب60
    ويؤازرهم في عملهم الرجال المبطلون الذين يشيعون اليأس بين الناس لصالح منافعهم من قبول الناس من حرمان التحرر .
    ومن طرقهم : ( هدم طاقة الإيمان بالإسلام)
    حين شوهوا مضمون ان الإنسان حر في الاعتقاد.. وجعلوا لهذه الحرية معناها الواسع جدا.
    ولأن الحرية في الإسلام لا تقوم إلا على أسس من حرية التفكير والعقل والضمير، إذ لا يصح إيمان بلا تفكير حر في آيات الأنفس والآفاق.
    والآن وبعد أن أطلعنا على هوية أعداء الحرية نعود لنسأل أنفسنا كيف نحصنها من خطر هؤلاء
    وأقول هنا : القاعدة القرآنية العظيمة والتي تقول
    ( قل هاتوا برهانكم .. ) هي التي ستنقذنا من جرم الطواغيت ومن قسوة الجهلاء ومن عبثية المحبطين .
    ولأن الجماد لا يحرك نفسه، ولكن النبات يحرك نفسه، ولكنه لا يعرف إلى أين، والحيوان يتحرك، ويعرف إلى أين يتحرك، ولكنه لا يعرف لماذا يتحرك، فالإنسان إذن هو الذي يعرف لماذا يتحرك، وما تأتى لـه ذلك إلا عن طريق الحرية، والإرادة المختارة التي تحدد لـه المسير، وتوضح لـه الاتجاه، وتكشف لـه علة اتخاذ هذا الاتجاه
    ويقول في ذلك ﭽون ستيوارت مل: "فالإنسان غير مسئول أمام المجتمع عن شيء من تصرفاته، إلا ما كان منها ذو مساس بالغير"ويستطرد قائلاً: "إنني متنازل عن كل ما يمكن أن يستخلص لتأييد حجتي من فكرة الحق المجرد بوصفه شيئًا مستقلاً تمامًا عن المنفعة؛ إذ إنني أعتبر المنفعة الهدف النهائي وراء جميع المسائل الأخلاقية... ونحن نرى أن هذه المصالح لا تبيح إخضاع حرية الفرد تلقائيًّا إلى أية سيطرة خارجية، إلا فيما يختص بتلك الأعمال التي يأتيها الفرد، وتتناول مصلحة الآخرين، فإذا ارتكب المرء فعلاً ضارًّا بغيره، استحق الجزاء بلا منازع، إما بقوة القانون، أو بحكم الرأي العام، حينما لا يؤمن تدخل القانون"

    إن الآيات التي وردت لتبين لنا أسباب سقوط الأمم وانهيار الحضارات وردت ليأخذ المسلمون حذرهم، فلا تتسرب إليهم إصابات الأمم السابقة وعللها، ولكننا لم نركز على دراستها لجعلها دليلاً على تميز الأمة الإسلامية وكأنها مبرأة من أن تسري عليها تلك السنن إن هي تولت وأهدرت العدل والحرية والمساواة.
    نجد اليوم وبوضوح ثراء ًفي تدريس فقه العبادات والمعاملات، وفي المقابل نجد ضمورا ً وتسطيح في تدريس الفقه السياسي والدستوري .
    أن الارتفاع بالقيم الإنسانية الأساسية، وعلى رأسها الحرية –ترتفع إلى مستوى التكليف الشرعي كون الحرية من أبرز مقاصد وقيم الإسلام، ويخطأ من يدعي وباسم الشريعة الترويج لسلب حرية الإنسان بتقييدها أو التنازل عنها، أو حتى القعود عن طرق تحصيلها، باعتبارها مجرد حق يمكن التنازل عنه في مقابل إشاعة الاستقرار والسكون الاجتماعي عن طريق تكريس مفهوم الطاعة للسلطة، والناظر إلى القرآن سراه قد أكد على التحرر من أيه سلطة وأولها سلطة الآباء وسلطة الملأ، وسلطة الفرعون، وأيضا سلطة الهوى بإيثار السلامة بل لقد أمرنا القرآن بالهجرة من الأرض التي حرمتنا هذه –الحرية- الغالية
    قال تعالى :{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا }النساء97

  9. #9
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Apr 2007
    الدولة : المانيا - كولونيا
    المشاركات : 207
    المواضيع : 61
    الردود : 207
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي

    عزيزي المبدع خليل حلاوي
    أشكرك جزيلاً على مداخلتك الحية وقد تأخرتُ عن الإجابة انتظاراً لخروجي بمقال أرجو أن يكون كافياً لتقديم وجهة نظري المتواضعة حول مجريات الأحداث عراقياً وغير ذلك وهذا هو المقال الذي انتهيتُ منه قبل قليل وقد أرسلتُه الى عدة مواقع وسأرسلهُ الآن لكم , الى الواحة بعنوان : الجرح الأيزيدي ... راجياً أن يروق مع التقدير , .
    سامي

المواضيع المتشابهه

  1. رسالة الى سخافة الرئيس الأمريكي !!!
    بواسطة يوسف الحربي في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 15
    آخر مشاركة: 04-09-2017, 08:39 PM
  2. الحـاجّ سعدي
    بواسطة عبد السلام دغمش في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 21
    آخر مشاركة: 12-08-2014, 01:12 PM
  3. تفسير الشيخ سعدي صوتيــــاً
    بواسطة حسنية تدركيت في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 27-02-2010, 07:36 PM
  4. الحلم الأمريكي-قصيدة من وحي موقف رأيته في العراق
    بواسطة فارس عودة في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 10-08-2003, 08:17 PM
  5. الانسحاب الأمريكي من السعودية
    بواسطة نبيل شبيب في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 11-05-2003, 02:47 AM