لقاء أنابوليس .. وحق الحرية للأسرى


لطفي زغلول


الخطوة التي كان من المفترض أن تجيء في إطار النوايا الحسنة تجاه مشاركتها في اللقاء الدولي المزمع عقده في السابع والعشرين من شهر تشرين الثاني /نوفبر 2007 في مدينة أنابوليس الأميركية ، والمتمثلة بتحرير الحكومة الإسرائيلية أربعمائة وواحد وثلاثين أسيرا فلسطينيا يوم الأحد الخامس والعشرين من تشرين الثاني / نوفمبر 2007 ، هذه الخطوة لم يكتب لها أن ترى النور . فقد أقدمت الحكومة الإسرائيلية ، وسط استهجان الفلسطينيين واستنكارهم لها ، على تأجيلها دون معرفة الأسباب إلى أجل غير مسمى .

وبرغم أن عدد هؤلاء الأسرى المفترض إطلاق سراحهم ، لم يكن ليرضي الفلسطينيين على كافة المستويات ، إلا أن لسان حال الشعب الفلسطيني ينطلق من أن تحرير كل أسير من الأسر الإسرائيلي في أي ظرف أيا كان هو حق له ولوطنه وأهله . ومما لا شك فيه أن خروجه إلى الحرية سوف يدخل الفرحة للوطن والأهل ، وإن كانت فرحة مبتورة ، كون آلاف الأسرى الآخرين مازالوا خلف القضبان ، يتحملون بكل صبر وشجاعة عذابات وآلاما لا يعرف معاناتها إلا من ذاق مرارة الأسر في المعتقلات والسجون الإسرائيلية .

ولنعد إلى هذه الخطوة الإسرائيلية الصغيرة التي لم تكن لتتناسب قياسا ، وبأي شكل من الأشكال مع ما يروج له أنه عملية انطلاق مفاوضات السلام في الشرق الأوسط . وليت الأمر يقف عند حجمها . لقد دأب الإحتلال الإسرائيلي كعادته على إبقاء سجونه ومعتقلاته متخمة بالأسرى . إن شهيته للإعتقال مفتوحة ليلا نهارا . فهو إن أطلق سراح نفر منهم ، اعتقل المئات في مقابلهم . ومثالا لا حصرا فقد بلغ عدد معتقلي شهري تشرين الأول وتشرين الثاني / أوكتوبر ونوفمبر من العام الحالي ستمائة وثلاثين معتقلا ، والحبل على الجرار .

إلا أن أخطر ما في الأمر هو ما يتعلق بالمعايير التي تستخدمها الحكومات الإسرائيلية في حالات إطلاق سراح الأسرى المحدودة . إن الشارع الفلسطيني لا يقر بأية صورة كانت هذه المعايير التي يتم على أساسها تصنيف الأسرى إلى فئتين . الأولى فئة من يسميهم الإحتلال مرتكبي أعمال قتل ضد مدنيين أو عسكريين ، وبلغته هو أولئك الذين علـى أيديهم دم . والفئة الثانية فئة مرتكبي أعمال عدائية لا تصل إلى درجة ارتكاب أعمال القتل .

وإذا كانت حكومات إسرائيل لا تقدم على تحرير الأسرى إلا إذا كان هناك مقابل كأن يكون لها أسرى أو جثث ، وهذا ما حصل فعلا خلال مرات سابقة تم فيها التبادل بوساطة خارجية سواء كان ذلك مع منظمات أو دول عربية ، فان الظرف الحالي تنتفي فيه مثل هذه المعادلة مع الفلسطينيين الذين ليس في حوزتهم أية أعداد من الأسرى الإسرائيليين .

إلا أن الفلسطينيين يحوزون على عنصر هام وأساسي وهو رغبتهم في السلام وإيجاد تسوية عادلة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي كانت له إفرازات كارثية على الجميع في المنطقة وفي العالم . والفلسطينيون يعتقدون أن هذا العنصر جدير بأن يقابل من الحكومة الإسرائيلية بما يعادله ، وتحرير الأسرى كافة واحد من قائمة الإستحقاقات الفلسطينية .

إن الفلسطينيين ينظرون إلى عملية تحرير الأسرى على أنها شمولية ، علاوة على أنها أمر طبيعي لا يقوم على أية استثناءات أيا كانت وهي في العادة تتم بين كل الشعوب المتحاربة التي تجنح جنوحا حقيقيا للسلم فيما بينها . وهذه العملية ليست منحة أو مكرمة أو معروفا أو مجرد نوايا حسنة ، بل يفترض بها أنها عملية تأسيس لسلام متبادل دائم وعادل يجني ثماره طرفا النزاع دون تمنن طرف على آخر .

إن الفلسطينيين حينما يعودون إلى تاريخ الحروب والصراعات بين الشعوب مدركون أن إصرارهم على تحرير أسراهم كمقدمة للسلام لا تخرج عن القاعدة العامة المتبعة ، ذلك أن هذه الشعوب قد وضعت في مقدمة أجندة مفاوضاتها موضوع تحرير أسراها وعودتهم إلى ديارهم وأهلهم وذويهم ، وكان لها ذلك دون أي استثناء يذكر .

وفي ذات السياق فان الفلسطينيين أسوة ببقية شعوب العالم لا يقرون إدانة طرف من طرفي الصراع للطرف الآخر على ارتكابه أعمال قتل . إن الصراع والحروب بين الشعوب ينجم عنها أعمال قتل من الطرفين ، وكما قتل من الإسرائيليين جنود ومدنيون ، قتل في المقابل من الفلسطينيين مقاتلون ومدنيون . ولدى المقارنة فان حصيلة ما قتل من الفلسطينيين على مدى ستة عقود من الصراع يفوق مئات المرات أعداد ما قتل من الإسرائيليين .

إن الأسرى الفلسطينيين ، وليس لهم مسمى غير هذا المسمى هم جزء لا يتجزأ من منظومة النضال الفلسطيني عبر تاريخ قضيته التي أجمع الفلسطينيون على اعتبار هذه المنظومة النضالية هي الوسيلة الوحيدة لمقاومة الإحتلال واسترجاع حقوقهم المغتصبة والعيش بحرية وسيادة وكرامة على أرضهم التاريخية أسوة ببقية شعوب العالم .

إن هؤلاء الأسرى على اختلاف أطياف انتماءاتهم السياسية هم صفوة طليعية من أبناء الشعب الفلسطيني ضحوا بالغالي والنفيس من أجل قضية عادلة شهدت الشرعية الدولية لعدالتها ، وإن معاقبتهم باستبقائهم خلف قضبان المعتقلات هي بمثابة معاقبة الشعب الفلسطيني جميعه وهو الشعب الذي يتوق إلى الحرية والسلام .

ان الأسرى الفلسطينيين والعرب الذين تجاوزت أعدادهم اثني عشرألف أسير وهم خلف القضبان ، ومنهم من قد أنهى العقد الثالث من عمر أسره يشكلون معاناة مريرة متجددة على مدار الساعة واليوم والشهر والعام لأسرهم بخاصة وللشعب الفلسطيني بعامة جراء ظروف اعتقالهم التي أقل ما يقال فيها أنها لا تخضع لشروط اتفاقية جنيف الرابعة بشأن الأسرى .

لقد قيل الكثير عن معاناة هؤلاء الأسرى والظروف غير الإنسانية التي يرزحون تحت ظلالها القاتمة لكي تصبح المعاناة مزدوجة لكل من الأسرى من جهة وذويهم وشعبهم من جهة أخرى. إن هذه المعاناة لا تقف عند حدود قسوة الأحكام الجائرة الصادرة بحقهم أو مددها ، بل إنها تتعداها إلى كثير من المواصفات والشروط الإنسانية والصحية التي تفتقر لها هذه المعتقلات التي يحشرون فيها ، إضافة إلى الممارسات القاسية بحقهم على كافة الصعد ، ومثالا لا حصرا التحكم بزيارات أهاليهم لهم أو حرمانهم منها .

إن الشعب الفلسطيني لا يتصور سلاما يرفرف بأجنحته على المنطقة في حين أن كوكبة كريمة عزيزة غالية من أبنائه وبناته تقبع داخل معتقلات الأسر والعزل ، واذا ما أضيف الى كل ذلك إصرار الحكومة الاسرائيلية على مخططاتها الإستيطانية ومصادرة الأراضي الفلسطينية ، والسير قدما في بناء جدار الفصل ، وضرب عرض الحائط بكل الطروحات السلمية والقرارات الدولية المشروعة ، فان لقاء أنابوليس يصبح مجرد تظاهرة إعلامية ليس لها أفق سياسي حقيقي ، وإن الحديث عن السلام ، والحال هذه ، يصبح ضربا من الوهم والخداع .

كلمة أخيرة ، إن الفلسطينيين يؤمنون بأن مستلزمات السلام بكافة أشكالها ، والمفترض أن تقدمها الحكومة الإسرائيلية ، لا ينبغي أن تقدم بالقطارة ، وبشكل مزاجي وانتقائي . والفلسطينيون ، وهم يمدون يدهم للسلام العادل المشرف ، يعتبرون أن تحرير الأسرى هو أحد أهم القضايا الساخنة التي تتحكم في نبض شارعهم . وهو علاوة على ذلك يشكل واحدامن الثوابت الوطنية الرئيسة التي تحتل أجندة أي مفاوض فلسطيني .

وأخيرا لا آخرا ، إنه حق لا منة تخضع للمساومة والمماطلة والإبتزاز والإشتراط التعجيزي . إن نضالات الشعب الفلسطيني ، وهؤلاء الأسرى كانوا فرسانها الذين كفلت لهم الشرعية الدولية حق النضال مادام هناك احتلال لوطنهم يسلب منهم حريته ، وحقهم في تقرير مصيرهم أسوة بشعوب العالم المتحضر . وتحية وإكليل غار لكل أسير تحرر ، وكل أسير مازال خلف القضبان .