أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: كذابة

  1. #1
    عضو مخالف
    تاريخ التسجيل : Oct 2003
    المشاركات : 2
    المواضيع : 1
    الردود : 2
    المعدل اليومي : 0.00
    من مواضيعي

    افتراضي كذابة


    أطلت بعينين تائهتين في الماضي على ذلك الزقاق المؤدي الى باب منزلها ، تكاد ترى آثار قدمين صغيرتين في تلك الزاوية ، كم وقفت هناك لتتلقى من أمها درساً في ما يجب أن تقول لوالدها ، كم كررت أمامه الأعذار الملحة التي دعتهما للخروج ، بلسانها المتلعثم ، ببراءتها المنتهكة بين أب ٍ سجان ، وأم ٌ جاهلة !

    وسحبت نظراتها الى باحة المنزل الرملية ، وعلى باب حجرة والديها تحديداً ...

    - أجل هنا ( تمتمت رباب ) ، هنا كانت أول مسرحية ٍ هزلية وأول فصل ٍ من فصول شقائي .

    وتراءت أمامها تلك الطفلة الصغيرة تعفر بقدميها وتصرخ ، وتشد بقبضتيها الصغيرتين على بطنها ، لتخرج الأم ( المعلمة ) بدهشة ٍ مصطنعة ، وخوف ٍ كاذب ، وتتشلها من تراب الدار ، أمام مرأى والدها لتكونا بعد دقائق حرتين من أسر ذلك الرجل .

    - ِلم يا أمي ، لِم قدتني لطريق ٍ شائك ، لمتاهة ٍ يصعب الخروج منها ، لقد زرعتي بداخلي بذرة الزرع الذي لا يثمر الا الحسرة !

    رفعت ناظريها لصورة أمها الراحلة معلقة في الجدار وبشيء ٍ من الغضب والحرقة قالت ... أيسُرك الآن حالي ؟؟!

    أي خلق ٌ قويم ذاك الذي عليه ربيتني ؟؟

    وتصاعدت أنفاسها المتعبة لتقف غُصة ً في حلقها ، لتمتزج بدموعها ...

    - أنتِ السبب في شقائي ، في وحدتي ، في نفور الناس مني ، لم أتيتِ بي للحياة .. لتعذبينني ؟؟!
    أنتِ السبب ( ظلت تكررها بهدوء المختنق )

    وهنا قفزت في ذهنها صورة أبيها ، بجبروته بتسلطه ، بعينيه الجاحظتين غضباً ، وكفه الكبيرة التي ذاقت منها صنوف التعذيب ..

    - هو من أجبرها على أن تكون كاذبة ، هو من أجبرها على أن تُعلمني احتراف المراوغة والتزييف ، وماذا عساها أن تفعل امرأة ٌ ضعيفة أمام مارد ٍ مثله ..

    أكرهه ( قالتها بشفتين مرتعشتين ، تحسان الإثم لتمريرهما مثل هذه الكلمة ..)

    ثم أعادت كلمتها ( وهي تستعيد شريط ذكرياتها مع ذلك الرجل) بقوة أكبر وبحقدٍ أكثر وبصوت ٍ حجرشته المرارة ..
    - أجل أكرهه ، هو السبب فيما أنا فيه !!
    كم تمنيت أن يموت كلما ثارت عاصفته الهوجاء في وجهي ، ليمطرني سباباً وضرباً ، لأعود فأسأل نفسي بعدها هل سأبكيه عندما يموت فيكون الجواب دوماً .. لا أظن !!!

    أثقلت الذكريات رأسها فوضعته بين ركبتيها ، وسافرت في أيام ماضيها وحاضرها ، وبعد تأمل ٍ لم يطل ، شعرت بذاتها تواجه ذاتها دون مجاملة ..

    كفي عن هذا الحمق ..
    أتريدين من تعلقي عليه أخطاءك ؟؟!
    انت ِ السبب في كل ما جرى لكِ ، لقد كبرت ووعيتِ تماماً أن الكذب خصلة ٌ ذميمة ، وآليت الا الإحتفاظ بها لنفسك كل هذه السنين .

    - لكنني ما عدت قادرة ً على الخلاص من هذه الشجرة الخبيثة التي لفت أغصانها الشائكة حول روحي ، لقد حاولت مراراً وفشلت ، هي من ربتني على الكذب ، وهو من دفعها لتكذب ولتعلمني الكذب ،هم المذنبون ولست أنا ؟؟!!

    لأنكِ ضعيفة ، لم تستطيعي الخلاص من صفة قذرة رغم كل الدمار الذي أحدثته في حياتك .

    - صعب ، صعب ، لا أستطيع ، لا أستطيع

    وانهمرت دموعها بغزارة ، وضغطت بكلتا يديها على رأسها ..

    - كفى ، كفى ..

    ودارت برأسها صور ٌ شتى ..

    صورة ُ لها وهي واقفة مع ابنة جيرانهم ، تكذب عليها بشأن أختها التي اعتادت أن ترافق رباب في طريق العودة من المدرسة ..

    - مها لم ترافقني اليوم ، رأيتها تحدث شاباً وسيماً في أول الشارع !!

    كذبة ٌ بلهاء خالتها مزحة ً أو مقلباً لمها المسكينة ، لكنها كانت دماراً لعلاقة عائلتين جارتين ، ودماراً لسمعتها وسمعة مها ، وجحيماً صبه أبوها على جسدها جراء تلك الكذبة .

    وتأملت رباب طويلاً في ذلك الحدث ومن بين همومها ، فتر فاها عن ابتسامة ٍ صغيرة ..

    - كم كنت شقية !

    صورٌ أخرى لمقالب مدرسية كثيرة أزعجت بها زميلاتها ومدرساتها ، وانتهى بها الأمر لعنصرٍ منبوذ وسط ذلك المجتمع الصغير ، آثرت أخيراً أن تتركه قبل ميعاد تركه لتتجنب النظرات القاسية ، والمعاملة الجافة ممن حولها .

    صور ٌ لوجوه أخوتها وأخواتها التي تزدري على الدوام طبعها الفاسد وفشلهاالذريع .

    وأخيراً ، صورةٌ لها وسنين الشباب تتسلل من بين يديها دونما مؤنس ٍ أو حبيب ..

    - رحل الأشقاء كلهم الى أعشاشهم ، وأمسيت وحدي بلا عش يجمعني وحبيب ٍ يملأ نفسي سكوناً بعد طول صخب !

    عام ٌ واحد وتفوز بلقب عانس !!

    - يا الهي كم مضت السنين بسرعة ، ولم يطرق الباب الا من لا ترتضيه العقول والقلوب .


    أطلت من نافذتها مجدداً لتقع عيناها على فناء منزل جيرانهم ، اولئك الذين نجحت في كسب عداوتهم بكذبها ...

    أطلقت زفرة ً حارة ..

    كم تمنت لو كسبت مودتهم ، كم كانت تأمل بأحمد ، ابنهم البكر ..
    ابتسمت ابتسامة الهزيمة .. لم تعُد تسمع الا بكاء أطفاله .

    راحت تدندن بصوت ٍ منخفض ، وتطرق بأطراف أصابعها على طاولة ٍ قريبة من سريرها علّها تحرك بعض ذاك السكون ، اغمضت عينيها ..

    - أي معنى ً لما أفعل ، الوحشة تأكل روحي ..

    ووسط ضياعها قفز الواقع فجأة ً أمام عينيها ليزدادا اتساعاً ...

    - أبي لقد تأخرت كثيراً على موعد دوائه !!

    قالتها وهي تقفز من سريرها ، لتجد نفسها في لمح البصر في الطبقة السفلى أمام ذلك المارد النائم ،انسلت من عينيها دمعة ..

    - من الصعب أن أراه بكل هذا الضعف بعد قوته !!

    انحنت لتجلس على ركبتيها ، هزت كتفه برفق ..

    - أبي استيقظ ، حان موعد الإبرة !!

    بعد عدة محاولات ، أنبأتها برودة جسده عن رحيله !

    فاتسعت الدار من حولها لتغدو عالماً لا تعرفه ولا يعرفها ، ونظرت بكل حواسها لذلك الجذر الذي حملها للدنيا وقد انقطع !!!!!

    - رباه .. أنا من قتله !!!

    آه ( لطمت خدها ) أبي سامحني .

    وانكبت علي يديه تقبلهما وتغسلهما بماء عينيها الذي انهل ساخناً دون توقف ..


    - غرقت في لومك و العتب ، حتى أوديت بحياتك ... أنا المذنبة .

    وترددت في تلك اللحظة أجمل كلماته الهادئة والتي جاد بها يوماً على طفلته ( يا ابنتي جُعلت الخبائث كلها في بيت وجُعل مفتاحه الكذب )
    استثارها صدى ذلك الصوت القديم ، فاستماتت في بكائها ، ومن بين الدموع خرج عهدها ..

    - أعاهدك يا ابي ألا أعود للكذب ثانية ً ، سأكون كما تحب .


    رفعت رأسها ونظرت حولها بحيرة ..
    - يالي من شقية ، قتلت أبي ، ماذا أفعل ؟؟ ولأخوتي ماذا أقول ؟؟؟

    وما ان أتمت كلمتها الأخيرة حتى وجدت أخوها الأكبر على باب حجرة والده ، وقد أدرك الموقف بعد قليل تأمل ، أسبل جفنيه بدمعتين واسترجع ، وخرج لباحة الدار ليختلي بأحزانه .

    دقائق كانت كافية ليُفيق من هول الصدمة ، ويعود أدراجه لمشدوهة ٍ لم تُفق بعد ، سألها بمزيج حزن ٍ وحزم .. أأعطيته ابرة الأنسولين في وقتها ؟؟

    سؤال ٌ أعادها للواقع ، فتلعثمت ثم قررت أن تخون العهد كما كانت دوماً ..

    _ أجل ..(أجابت ) !


  2. #2
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Dec 2002
    الدولة : مصر
    المشاركات : 2,694
    المواضيع : 78
    الردود : 2694
    المعدل اليومي : 0.35

    افتراضي



    يحصد الابناء مايزرعه الاباء

    فعندما يزرع الاباء زرعا طيبا ومبادىء وقيم
    يحصد ادب واخلاق
    وعندما يزرع الاباء سوء الخلق والعادات الرذيلة لن يحصدوا الا ايضا الصفات الذميمة
    فالاباء قدوة للابناء فى كل قول وفعل

    والام مدرسة وقدوة للابناء والمجتمع كله

    ,
    ,
    اهلا بك نون معنا
    يسعدنا وجودك بيننا اختى العزيزة
    ومصافحة اولى جميلة

    وفى انتظار المزيد منك

    لك تحياتى ,,, وباقة ياسمين


  3. #3
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Dec 2002
    العمر : 60
    المشاركات : 349
    المواضيع : 7
    الردود : 349
    المعدل اليومي : 0.04

    افتراضي

    الفاضلة نون
    تحتاج مثل هذا الهدف ان يزين نصوصنا وقصصنا .. ونعيد القيم التي
    فقدناها ذات ضعف .
    الكذب خصلة ذميمة .. تدل على نفس صاحبها وضعفه .. فليس لديه الشجاعة
    ان يصدق .. مع نفسه قبل ان يكون مع الاخرين .. ما احرانان ان نعلم ابناءنا
    الصدق ونلتزم به .. ليخرج جيل قوي ليس فيه للكذب مكان .
    تحية لقلمك الذي انساب برشاقة العبارات والمعاني الواضحة دون ايغال في غموض
    أو رمزية .. ولم يخلو النص من عبارات بلاغية .. وصور واخيلة جميلة .. وكانت النهاية موفقة بإيقاعها في نفس القارئ .. تحية لك وتقدير

  4. #4
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Dec 2002
    الدولة : (بيتنا بطحاء مكه)
    المشاركات : 1,808
    المواضيع : 128
    الردود : 1808
    المعدل اليومي : 0.23

    افتراضي

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    الاخت الفاضله نون ظ اولا ارحب بك فى واحة الفكر الادب المتميزه

    فهلا بك بين اخوتك واخواتك فى واحة العطاء والخير

    وبعد ان قراءة لك هنا كم نحن فخورين بنضمام قلمك الذى غمرنا بعطاءه من اول مشاركه

    نص فيه من البلاغه الشئ الكثير


    وقما قال امير الشعراء

    الامم الخلاق اذا ذهبت اخلاقهم ذهبوا

    من اسباب انهيار سيادتنا العربيه والانسانيه يعود الى تربيتنا التى نشانا منها
    فكل زارع يحصد ما زرعه شرا كان ام خير

    لذالك وجب علينا تصحيص قيمنا ومبادئنا للنهض من جديد كفرد ثم كامه


    جزيل الشكر لقلمك ولشخصك الكريم

  5. #5
    عضو مخالف
    تاريخ التسجيل : Oct 2003
    المشاركات : 2
    المواضيع : 1
    الردود : 2
    المعدل اليومي : 0.00
    من مواضيعي

    افتراضي


    الأخوة الكرام ... ياسمين الواحة ، ابو همام ، العنود الهاشمي

    أشكر لكم حسن الإستقبال، والتشجيع .

    واتمنى أن أكون عند حسن ظنكم .

    دمتم في رعاية الله .

  6. #6
    الصورة الرمزية د. سمير العمري المؤسس
    مدير عام الملتقى
    رئيس رابطة الواحة الثقافية

    تاريخ التسجيل : Nov 2002
    الدولة : هنا بينكم
    العمر : 59
    المشاركات : 41,182
    المواضيع : 1126
    الردود : 41182
    المعدل اليومي : 5.26

    افتراضي

    الأخت نون:

    قصة سامقة المبنى عابقة المعنى تخبر عن قلم متمكن.


    نعم ... ما ينبت في سنين لا يذوي في لحظات. المسألة تحتاج الكثير من الجهاد والمزيد من الألم.


    أثار انتباهي أمر آخر بعيد عن مضمون العبرة الكبيرة في قصتك إذ استوقفني هذا القول:

    عام ٌ واحد وتفوز بلقب عانس !!

    هل هناك عنوسة؟؟
    وهل هناك مدة محددة لها؟؟؟؟




    تحياتي وتقديري
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي