جدران القلعة..(مسوَّدة رواية)
إهداء : إلى من أحيت في قلبي حب البحر ، والأرض ، والرواية
مصطفى
-1-
القباب الفضية
شمس الضحى الصاحية في عليائها ، تلقي أشعتها الحانية على العباد والبلاد برفق ، تشارك القادمين إلى القلعة البهية فرحتهم ، ثم تلقي بظلالها على أقدام الجدران المتوهجة.
إنها شمس يوليو بعد أن هذبها البكور فأحسن تهذيبها ، لتصبح أكثر رقةً ، وحنانا
في رحاب هذا النور كانت قباب جامع محمد علي باشا الفضية تقف راسخةً شامخة ، تتلقى من الشمس أنوارها الزاهية لتوزعها على ما حولها من المآذن والقباب المجاورة في قاهرة المعز .
ثم تطل من بعدُ على شواهد القبور المتناثرة حولها بإشفاق كأنها تبادلها تحيتها الصباحية ، مع دعاء بالرحمة لقاطنيها منْ قضى منهم نحبه ومن ينتظر على السواء.
أما الجدران فكانت متأهبة تريد أن تروي طرفا مما شهدته من عجائب الأحداث ، وغرائب الأخبار مما مرَّ بها وعليها من وقائع الدهور.
من بين القادمين الطائفين المتأملين من الأسر المصرية والشباب والسائحين كانت هذه الأسرة التي جاءت قاصدةً قلعة صلاح الدين الأيوبي لتستلهم من ماضيها العريق ما تؤمل من حكمة المكان والزمان حيث يجتمعان هنا في توحد وامتزاج.
أبٌ كهلٌ يحث الخطى إلى الخمسين بدأب ، يجولُ فخورا بالقباب المضوِّية ، والأسوار المهيبة ، والشبابيك الرخامية ، والأبواب النحاسية ، يشتمُّ عبق التاريخ وعطر الزمان ، يتوخَّى أن يسكبهما في قلوب أبنائه ،
صبيتان رائعتان تستطلعان المكان بشوق وانبهار ،
طفلان ينطلقان فرحا وابتهاجا برحلةٍ جديدة .
وبين هاتين وهذين كانت الابنة الوسطى تعدو هنا وهناك في حبور ، منشغلة بظلها المراوغ على الأرض حينا ، وباحثة عن كفي حينا .
ثم يلتقي الخمسة على تبادل أوراق البردى والهدايا التذكارية ، والحلوى ، والأسئلة.