مذكرات من زمن الحرب
أوشكت الحرب على الانتهاء وصمتت طبولها، وعاد الجنود يلمون شتات أنفسهم الا ان سعد لم يعد بعد، طرقت ابواب الدوائر التي تعلن عن اسماء المفقودين والضائعين والشهداء والفارين الى دول بعيدة، ومن مزقتهم اسماك الخليج وحملتهم مياهه على الشاطئ، بقايا اجساد تحمل في معصمها الاسم والوحدة والصنف بين كل هذا الموج من الموت والقتلى لم يكن لـ سعد عبد محمد جبارة من وجود..الا ان اليـأس لم يتسسلل الى رأسها الصغير او كانت لاتريد ان تجعل اليأس والقنوط صنو حياتها وهي في الاشهر الاولى من الزواج .بين بيت اهلها وبيت اهل سعد كان الوقت يمزقها لتغادر لك بيت الى الاخر وتقول مع نفسها (الله لايحير عبده) .تلبس ملابسها على عجل
الطفل في احشاءها بدأ يتحرك وتدب فيه الحياة، وشهر واخرواسبوع واخر، وضربات تعلن عن قدومه وانتظارها لسعد يشوبه اليأس والغموض احيانا ،واحيانا يشوبه الامل. أذن اين هو الان؟ هل غطته الرمال بعيداً عن ارض (مجنون) ام اخفته مياه الخليج بين أمواجها المجنونة؟ غفت على هذه الهواجس فرأته في الحلم وهو يقول لها، أنا موجود لاتفكري في الزواج من أخر قد اعود( وهو يضع يده على بطنها يتحسس الطفل)، ففزعت على آلام قوية تنذر بأنها آلام الطلق، أطلقت صرخة قوية رجت أركان البيت واوجاع تقطع أحشائها وما هي الا ساعة حتى انتهى الالم فكان ابنها (جعفر) فاختلطت الدموع بقطرات العرق الذي تصبب من جبينها وامتزجت السعادة بالالم.
كم تنمى سعد ان يكون له ولد ولكن أين هو الان؟ قالت في سرها. .فلفت ابنها بلفائف جهزتها لها والدتها ،وغادرت المستشفى مع شقيقة زوجها وما ان دخلت البيت، كان في أنتظارها ،صباح وعلي وكريم، أشقاء سعد متلهفين لأحتضان وليدها (جعفر) كأنهم يقولون لها ،لاعودة لسعد وها نحن سنحتضنه، كانت آلام الطلق والولادة لازالت تدق جسدها وتحيل عظامها الى قطع تكاد تتطاير فأرتمت في الفراش واستغرقت في نوم عميق وهي تحتضن وليدها، استغرقت في نوم عميق وكأنها في هوة سحيقة لاتدري قرارها .يبتل جسدها من العرق وايادي تزيل عنها ملابسها المبللة لتعود في حمى حارقة .وجوه ترتسم امامها ،شقيقاتها ووالدتها!! اين انا؟في بيتي ام بيت اهلي وما الذي جاء بي الى هنا وما هذه الانامل التي تمسح عن جبيني العرق بقطع القماش البارد؟تساؤلات ازحمت في راسها الصغير، فتذكرت انها جاءت الى بيت اهلها بالامس، وهي في غاية الالم وحمى النفاس تأكل جسدها وتحيله الى قطعة من نار (انها حمى النفاس) انتبهت على كلمات القابلة المأذونة، وقطرات ماء تبلل شفاهها المتيبسة .من اجل جعفر ستزول الحمى لاني لااستطيع ارضاعه فسخونة الحليب قد تفقد عافيته، وحديث دار بينها وبين والدتها، بأن حان الوقت لتعود الى بيت اهل سعد .
عادت الى بيت اهل سعد طرقت الباب مرة واخرى دون ان يفتح احد.