أمام كل ما يجري ؛ وأمام هذه المجازر التي ترتكب ، وأمام عجزنا وقلة حيلتنا ، يتبادر إلى الذهن سؤال ملح يقول : هل غزة الصابرة المجاهدة بحاجة لنا ، أم نحن من يحتاج إلى غزة ؟
أمام هذا السؤال الكبير نجد أنفسنا في حيرة وذهول ، نتلفت من حولنا فلا نجد غير القنابل المسيلة للدموع من (أبطالنا البواسل ) المأمورون بقوة الراتب الشهري ؛ صاحب رغيف الخبز المغمس بأشياء كثيرة يعجز القلم عن وصفها ، فتسيل الدموع وكأنّه ما زال لدينا دموع غير تلك التي ذرفناها على غزة ، وواقع الحال يقول أنّنا نذرفها على أنفسنا وقهرنا وراحة بالنا الطويلة والمخجلة أمام صمتنا الرهيب على حكامنا قبل أعداءنا ، أمام هذا السؤال نجد أنفسنا في حالة ضياع لا مثيل لها ، فنحاول البحث في أنفسنا وفي واقعنا لعلّنا نعرف كيف سنتصرف حيال هذا السؤال ؛ أنبدأ بالحكام وأزلامهم لعلّ البعض ممن نام نومة أهل الكهف يستيقظ فينتبه إلى حقيقتهم ؛ رغم أنّ عملية فرز الخونة والعملاء عن الشرفاء قد انتهت منذ وقت طويل ، والجميع بات يعرفهم بسيماهم البشعة ، ورائحتهم العفنة ، ومقولاتهم الكاذبة ، أنبدأ بالشعوب وجميعها باتت حائرة لا تعرف ماذا تفعل أمام هذا الواقع المخزي غير الصراخ والمظاهرات الغاضبة ، تصيح وتنادي - خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سوف يعود ، أم نبدأ بطرح سؤال يقول ؛ أما آن الأوان لنردّد وبصوت جهوري وبنفس واحد : مهلًَا مهلًا مهلًا أيها الحكام المتآمرون ، أيها الحكام الخونة ، أيها الحكام العملاء ؛ جيش محمد سوف يعود ليقتلعكم قبل أنْ يقتلع ( إسرائيل ) .
نعم ستقتلعون يا من رضيتم العيش بذلّ واحتقار ، يا من بعتم أنفسكم وتآمرتم على أمّتكم ، يا من رفضتم حتى الاجتماع في قمة ، مجرد اجتماع ولو من باب ذر الرماد في العيون ، فاتبعتم أوامر أسيادكم من الأمريكان والصهاينة فرفضتم الحضور – رغم عدم تفاؤلنا بجدوى حضوركم - رفضتم أنْ تقفوا ولو لمرة واحدة في حياتكم موقف فيه شيء من الكرامة التي لم تنزل يومًا في ساحاتكم ، أو موقف فيه شيء من العزة التي فقدتموها وأنتم منبطحون تحت أقدام أسيادكم ، رفضتم حتى فتح معبر بسيط ليمر منه الجرحى ، ولتمر منه المساعدات الإنسانية لشعب محاصر ومذبوح ، يقتل بأشد الأسلحة فتكًا وبطشا ، رفضتم حتى إدانة أمريكا ومن خلفها ( إسرائيل ) يا أنذل من مشى على هذا الكوكب ، يا أبناء الحرام و المتعة و السفاح ، من قال إنّ ( إسرائيل ) تقاتل لوحدها حتى نفرق بينها وبين أمريكا وبينكم ؟ من قال هذا غير تلك الأقلام المأجورة ، غير أولئك المرتزقة الذين تجنّدوا للدفاع عنكم وعن تآمركم وخياناتكم ، فكانوا و كنتم عار على البشرية جمعاء ، وكنتم أشرّ خلق الله تعالى ، بل أشرّ من القاتل وحلفائه ، فأولئك عرفناهم كعدو لأمّتنا مذ وعينا على هذه الدنيا ، أما أنتم فعرفناكم على حقيقتكم لحظة أنْ سكتم وخرستم عن قول كلمة حق ؛ مجرد كلمة تقولونها ولو على استحياء ، فكانت فنزويلا أشرف منكم ، وكانت تركيا أنبل منكم ، وقبل كل هؤلاء كان وما زال حذاء أصغر طفل في غزة أكبر وأطهر وأشرف من هاماتكم المحنية وجيوشكم المرعوبة ، والمصنوعة لقمع شعوبها ، والفتك بكل حرّ وشريف .
سؤال آخر يطرح نفسه من بين أسئلة كثيرة فرضت نفسها وبقوة ، سؤال يقول ؛ ألا يوجد رجل شريف على مقربة من هؤلاء العملاء والخونة ؟ على مقربة منهم ومن زمرتهم وهم كثر وبأيهم بدأت قد أصبت ؛ ليريحنا منهم ومن أمثالهم بطلقة ثمنها قرش رخيص يوازي ويساوي وزنهم العفن والمتخم برائحة دم الأطفال والنساء التي شربوها مع بني صهيون ؛ رغم قناعتنا بأنّ من سيخلفهم سيكون أسوأ منهم ، ورغم تفاؤلنا المحدود جدًا بأنْ يتعظ الخلف من خيانة هذا السلف القبيح ، فيعود إلى دائرة الرشد والصواب لعلّه يعرف أنّ الله حق ، وأنّ الجنة حق ، وأنّ النار حق ، وأنّ خيانة الأمّة وبيع النفس للأعداء عاقبته وخيمة ؟
ورغم كل ذلك فنحن لن نيأس ، ولن نكل أو نمل ، ولن نستسلم ، فالله مع المظلوم حيث كان ، والله تعالى يمهل ولا يهمل ، و إنّ الله تعالى لبلمرصاد لكل هؤلاء الخونة والمتآمرين ، وإنّ الصمود حتى النصر أو الموت بشرف وكرامة كما هو حال أهلنا في غزة لهو الانتصار بحد ذاته ، وهو الخيار الأخير والوحيد للشرفاء والأحرار ولمن باع نفسه ابتغاء مرضات الله تعالى ، ولمن رفض الخضوع والاستسلام لأبناء القردة والخنازير وحليفتهم أمريكا راعية مصالحهم والمدافعة عنهم هم ومن يتبعهم من العملاء والخونة من العرب والمسلمين .
نحن بحاجة إلى غزة ودروسها العظيمة والكبيرة والتي لن ينساها التاريخ أبد الدهر ، نحن بأمس الحاجة إليهم لكي نتعلم منهم دروسًا لن ينساها كل من عاصر هذه الأحداث ، لن ينساها أحد ما دامت السموات والأرض ؛ دروسًا في الحب والتضحية والوفاء والنزاهة والشرف والرضا بما قسم الله تعالى ؛ رغم مرارة الألم ، وعذاب الفراق ، ولوعة القلب على طفل تمزق إلى أشلاء بين يدي أمه ، رغم تناثر الجثث واختلاط اللحم باللحم ؛ والدم بالدم وعدم التعرّف على هوية هذا الشهيد من ذاك ، رغم فقدان أسر بأكملها تحت الانقاض ، رغم غياب الحبيب والابن والأخ والأم والوالد والجد ، رغم قسوة الحياة ، رغم الرعب الذي يعيشه الآن أطفال غزة الباسلة ، رغم الدمار العظيم الذي حلّ في ساحاتهم ؛ رغم كل شيء ، صبروا وما زالوا ليعطونا دروسًا ومحاضرات لها عنوان وحيد " كن مع الله ولا تبالي " .
نحن بحاجة إلى غزة ؛ نحن بحاجة إلى من يوقظنا ، فهل استيقظنا ؛ أما آن الأوان يا أمة العرب والمسلمين ؟
اللهم أنصر اهلنا في غزة ؛ اللهم أنصرهم على عدوك وعدوهم ، اللهم أنصر من نصرهم ، واخذل من خذلهم .