الفاضل الحبيب:
الأستاذ معروف محمد..
جميل أن نقرأ لك هذه الدراسة ، وأنت الذي دائما ما تشدك القصائد إليها ، فتسقط في شباكها مترنحا بكأس الشعر/العروبة/الإسلام.
ثلاث عناصر تسكن في كلماتك وتبلور رؤاك للنص الأدبي عامة ، والشعري على وجه الخصوص ، وهي ثلاثية الهوية والشخصية العربية والإسلامية ، وهي المنهل العذب للشعراء الكبار على مر العصور ، وأنت إذ تجعل من هذه العناصر أدوات إجرائية في مقاربة النصوص تنفتح انفتاحا كاملا على مختلف السياقات التي تحيط بثالوثك المعتمد سواء أكانت تاريخية ، اجتماعية ، نفسية وغير ذلك ، وتجعل من هذه السياقات مدخلا إلى النص الإبداعيّ ، جاعلا من مسار القراءة بذلك متجها من الخارج إلى الداخل.
أما نصوص شيخنا وأستاذنا عبد القادر رابحي ، فهي إبداعات لا تحب الإخبار وتكتفي بالتلميح والإشارة ، فاسحة المجال واسعا للمتلقي حتى يُشارك في صنع المعنى من خلال ما ينسجه من خيالات ، وما يستحضره من صور الذاكرة ، لأن الأستاذ رابحي عبد القادر يشتغل في نصوصه على خاصية صعبة قائمة على وعي كبير للقديم وتبحر واسع في الشعر الحديث والحداثي ، وهي خاصية التناص ، فهو في كل بيت ـ غالبا ـ يستحضر صورة أو يُحيل إلى حادثة ، بطرق ذكية للغاية ، ومركزة حتى إن القارئ العادي قد لا يتنبه إليها.
والحقيقة أنني حين أتعامل مع نصوصه سواء المنشورة في الواحة ، أو المطبوعة في الدور الرسمية للنشر والموجودة في دواوينه :الصعود إلى قمة الونشريس ، حنين السنبلة ، على حساب الوقت ، وفي دراساته النقدية المنشورة ورقيا أيضا ، أشعر بعظم الشاعر وسمو قامته ، لأني في كل قراءة جديدة لدواوينه أكتشف أشياء جديدة ، وكأن لغته لا تبوح بأسرارها إلا لمن يتردد على بابها في كل مرة طالبا منها أن تغدق عليه بثمارها وحلاوتها ، ففي عالم شعره [أنهار من عسل القول] ، وثمار من شجرات الكلام العذب الذي يقل نظيره في كل عصر وفي كل مكان.
ألا ترى الشاعر يقول:
لم تكن في كلام الكلام احتمالا
لذا لم تكن مدرسهْ
في البلاد التي تتقيها الرياح
في جراح الجراح
في التوابيت في القبة المقفلهْ
في صدى المرحلهْ
غير أن اختفاءك كان الحقولَ
وكان القرى
أنتَ كل الذي لا يُقالُ
وكل الذي لا يُرى
ولذا..
كنتَ تمشي وتتبعك الأسئلهْ
ويقول:
الخطوط أمامية
والرصاصات طائشة
والقتيلان من خيمة واحدهْ
هي تلك البلاد
علمتها الجراحات نسيان هذا الألمْ
حين تستقبل الأمهات الصناديقَ
ملفوفة بالعلمْ
...
...
ويكفي هذا النص الأخير بما يحتويه من دلالات ، وما يؤديه من إيحاءات ، أن نكتب حوله الكثير الكثير..
...
...
الأستاذ معروف :
وأنا أقرأ هذه الدراسة فرحتُ كثيرا ، لأنك قادر على استغلال أدوات إجرائية نقدية خالصة ، وقادر على الوصول إلى فضاء المعنى والتحليق حوله والنهل من شموسه وأقماره.
سعيد بهذه الدراسة ، وأشكرك الشكر الكثير لما قدمته لنا هاهنا..
ولك التحية والمودة الخالصة الخالصة..
شكرا.