رِمْشٌ فتَّـــــــــــــــاكْ..~~آهٍ يا صغيرة.. وترغمينني على البوح بعد كل هذي السنينْ؟؟
الكاتبة:ياسمين ابن زرافة.
عندما هجرها جدك لم يكن في الفؤاد غير هاتين العينينْ..
كان رمشهما يفتك بالنّمور شِمالاً، ويُذبِّحُ على اليمين الأُسودْ..
عِقدان.. هام فيهما بحبي وأعلن القتلْ..
وثلاثةٌ.. همتُ فيها بحُبِّ صَحْبِه فتلَّفَ العقلْ..
وأربعة..رأفت من بعدها بحالينا وغرقنا في العسل..
-وإذن.. كم عمرك جدتي؟؟
-ها..؟؟
بضعٌ، بضعٌ وثلاثون عاما أو أقلّْ
1ـ الحب فطرة إنسانية..نتناول هنا ظاهرة نفسية ؛اجتماعية..والموضوع جدير بالطرح لأهميته..
مفهومنا الفردي والجماعي تترتب عنه نتائج الفشل أو النجاح في الحضور الإنساني..وهو هاجس كل العصور في حياة كل الأجيال..سوء فهمه وتعاطيه يسبب انحرافات خطيرة في الحياة الاجتماعية الراهنة ..نتج عنها العنف أحيانا ..والانتحار في حالات أخر..والاستلاب العقلي في أحايين..
ذلك أن عنصر الحب قيمة عاطفية تصاحب النفس في مختلف تقلبات أحوالها ..فـهو فطرة إنسانية ..وطبيعة بشرية..
ومفهومه يرتقي أو يهبط بمقياس رقي أو تدني المستوى الثقافي للشخص..وما الشخص إلا صورة اجتماعية مصغّرةومنفردة..
والمجتمع نتاج ايديولوجيا..وهي فلسفة الأمة في الحياة ..مذهبها ..مقومات شخصيتها التي تتميز بها عن بقية الأمم ..
وما مفهوم الحب في المجتمع إلا صدى إيديولوجي..
وما دام كذلك فـهو صدى تربية وثقافة ..مؤشر عادات وتقاليد أحيانا..
وفي إطار الكائن والممكن؛نسبح في شاطئ البحر..أما الغوص ففيه الغرق..
2ـ الرمش رسالة حب..قيل إن أغلب حالات الحب تقع لأول نظرة ..ما الدليل؟؟
منذ البلوغ ؛يعيش الإنسان ـ بصنفيه ـ حالات التوق إلى الآخر..يبحث عن الاستقرار الذي عبّر عنه القرآن الكريم بالسكن النفسي..طرفه التائه عنه..توق إلى الالتئام..
وحينما تصطدم العين بصورة توافق ذائقتها ..وتبهرها لما رأته من جمال نسجه الذوق مسبقا في الخيال..والوجه أول ما تقع عليه العين....وقد كان في القصة الرمش هو محل الافتتان؛وأرده إلى مجاز مرسل ؛علاقته الجزئية والعين صورته الكلية ..ما كان يظهر جمال الرمش لولا جمال العين..ثم لابد أن تتناسق جميع الملامح الجسدية مع جمال العين..ودوام التفكير في الصورة الجميلة يستقر في باطن النفس؛ويتغلغل في المخيلة ..وبالتكرار ..يصل الحبيب درجة الانشغال التي تعني العجز عن استبدال المحبوب..اللارجوع..
3ـ عنوان القصة..الرمش هو الشعيرات التي تحف موق الحدقة في العين..فتّاك بصيغة المبالغة دلالة على جماله الفاتن الذي يبهر عين الناظر..والفتك دلالة الاختراق والبطش ..لكن الإبداع الفني حور المفهوم الأصلي للكلمة ونقلها إلى معنى جديد..الفتك ـ انزياحياـ هنا معنوي..لكنه أكبر من قاتل..لقد اختلق ههنا معنى جديدا بالإيحاء ليرمز إلى الامتلاك..
قال جميل:
أبُثين إنّك قد ملكت فـأسجحي ـ ـ وخذي بحظك من كريم واصل
ملكتْ.. تعني سلبَتْ عقله هنا وكبّلت قلبه ..وصار عاجزا عن الالتفاة إلى غيرها..
وينزاح العنوان منحرفا عن دلالته اللغوية الحقيقية إلى الإيحائية ليتسق مع جميع ألفاظ القصة ..
4ـ العجوز البطلة..تعكس هنا حياة اجتماعية تجهل مفهوم الحب..واقع انحرف عن الحقيقة ..فـوقف عند القشور التي تخص الجسد ؛وتقتصر عليه..وعَجَزَ عن النفاذ إلى اللُّب الذي يعكس الروح؛ويترجم الرؤية العميقة لمكونات الشخصية ..وهي إما أنها عاشت قرن ونيِّف من الزمن ..وما تزال تعيش على أنغام الحب..وذكرياته الجميلة في نفسها ؛وتقتصر عليه في حياتها ..حتى أنها لاترى نفسها إلا في سن الثلاثين..والإحالة الرمزية هنا إلى يقينها بطهارتها ونقائها ؛وترجو من الله الفوز بالجنة ؛وبعْثِها على حالة شبابها ..باعتبار زواجها عن حب طاهر ومرغوب..والقتل ما لم تكن لها فيه يد فـهي بريئةوالدليل / هجرها/والقتل ندم ..والحفيدة دلالة زواج شرعي..
أمّا أن يكون قد /أعلن القتل /ـ بمفهوم الانتحار ..سبق وذكرنا أنها بيئة جاهليةـ بسبب شرودها الروحي إلى صاحبه / هِمْتُ فيها بحب صحبه/فـهنا نعيش مرحلة تفسخ تام للقيم..حيث أنه ظل يحبها
عقدين ؛وهي تحب في الوقت ذاته صاحبه ..والصحبة ما هي إلا علاقة خيانة..ثم تفرّغت لهذا الأخير عقدا آخر..ثم أحاطته بسياج رمشها أربعة عقود فيقارب سنها ما يفوق الثمانين..وقد عاشت حياة ماجنة تتخللها الخيانة والتعددية ..وهنا يكون وقوفها على الثلاثين مجرد غرور ونرجسية ..تائهة لاتتوب..والأقرب إلى النص هو فتكها برموشها للأسود والنمور..استغلت جمالها فيما يضرها ويضر غيرها..
يبدو أن هذه العجوز عاشت فترة طغت فيها لذة الجسد على الروح..ولما كانت العين هي منطلق النظر ..وأول ما يصطدم به الناظر ..فـجمالها مدعاة إلى الهُيام ؛وهذا الأمر يسود حينما يحبط المستوى الثقافي ..ويكثر عند العامة الذين تداولوا هذه المتعة ..وهنا ترجمة حرفية للذة سادت حينما تدنى المستوى الإنساني إلى الرتبة الحيوانية تلبية لنداء الغرائز..وشتان بين حب هدف..وحب وسيلة لهدف..
وفي كل الأحوال اقتصر الحب على الصورة دون الروح..وهذا ما تداوله شعراء الغزل الماجن..