طرقت عيني في الأفق البعيد ، فعاد صدى نظري يردد أنينا أصمته ظلم الأيام ، انتزعتُ آهة من صدري وأطلقتُها تطير في سماء الأمل ، أتبعتها نظرات الإصرار ، تبعتها إلى أن غابت عن ناظري ، كانت تسير مسرعة ولكن إلى أين ؟ لم أكن أعلم .
تركتها تذهب وحدها ، علَّها يوما أن تأتيني وقد أصبحت زفيرا من حنان الأيام ، تفتح لي ما قد جهلت عنها .
بحثت في جنبات صدري عما تبقى من نبع الإصرار ، سمعت خريرا بعيدا ضعيفا ، قفزت سيالة من عقلي وقالت لي : أنت من حفر هذا النبع ، لا تجعل رياح الألم تجفف ما قد صنعْتَ في أيام السعادة .
دهشت لدى سماعي هذه الكلمة ، نعم لقد كنت أسمعها من قبل ، السعادة ، نعم إنني أعرفها جيدا ، سألت ينبوع إصراري : هل تذكر السعادة ؟ ألا تذكر ؟ لقد زرَعَتْ فيَّ أمل الحياة وأهدَتْني فأس العزيمة ، فحفرتك بها يومئذ . لقد تفجرت يا ينبوعي عن أحاجي كنت تخبئها قبل أن أُهدى إليك ، نظر إلي بعين تَعِبة وأجاب وخريره يكاد يسمع : نعم أنت من سقيت أزهار السعادة بمائي ، ولكن لقد تركت زوابع الإحباط تصارعني سنوات طوال ، انظر إلى مائي ، إن رمال صحراء الألم ستجففه إن لم تعاود عزيمتك ، نعم هذا ما قاله .
نظرت إلى أزهار السعادة ، لقد كانت تملأ أيامي عطرا وشذا ، ولكن أما وأني قد نسيت أن أسقيها وأغلقت على نفسي في غرفتي الصغيرة أخاف من رياح الألم ، من مفاجآت الحياة أطلقت أزهاري الحزينة تنهيدات تسابقت أن تخرج لتروي قصة ألم قد أخفاه غبار الزمن .
في كل طريق تكشف لي عن أسرارها أرى حفرا قد عظمت ، لقد عرفتها إنها آلام النجاح ، في برهة من اللاشعور ، سمعت صوتا عميقا يناديني ، يناديني من بعيد ، حاولت أن أنصت ، أكرهت نفسي أن أسمع ، يا سلام ما أروعه ، لقد عثرت عليه ، ماذا كان يقول لم أعرف ، تتبعته لأعرفه من هو ، تسابقت بنات أفكاري ، أخذت تجول في أنحاء عقلي لا ليس صوت قلبي ، أسرعت من غير وعي إلى أسوار قلبي وقالت لي إنه من هنا ، إنه من قلبك من داخل قلبك ، أنصَتُّ بهدوء ، نعم ، فعلا ، نظرت في فناء قلبي فإذا أنت ، نعم أنت يا أمي تنظرين إلي بروحك الصادقة ، تقولين لي ، امض يا سارية ، امض فأنا أعرفك قويا ، لا تدع ترهات الحياة تعترض طريقك ، في سرعة البرق ، انقشعت سحابة الكآبة وعادت سمائي تمطر ، تمطر أملا سيبقى معي أبدا ما حييت ، هذا لأنك رميت حنينا من جنان صدرك وأعدت ينبوع إصراري إلى الحياة ، لن أنساك أبدا ما حييت .