[سينْ /ألف/راءْ/تاءْ]
إنّها الواحدة صباحاً .. كلّ شيء هادئٌ تقريباً .. كلّ شيء باستثناء لوحة المفاتيح .. أظنّها تشتمني الآن كما أشْتِمُ الساعة التي تشْتِمُ الحائطَ الذي...الخ.مرهقةٌ الأشياءُ هنا.. الحاسوب و المروحة و الكتب المنثورة في كلّ مكان و الغرفة و الفوضى و قبل أن أنسى أنا مرهقٌ أيضاً .. لماذا لا أنام قليلاً ؟! .نعم من حقي أن أنامَ .. لكنني نائمٌ طوال الوقت !! .. من حقي أن أستيقظ.. لأنّ النوم بحاجة إلى نوم. آآآهِ .. حتى هنا أتجادلُ مع نفسي ..غريبٌ هذا الأمر .. أخرجُ مني لأدخل في الجدار!! .. لا بدّ أن أصل إلى نقطة اتفاق مع نفسي أولاً .. و بعدها مع فنجان قهوتي ..هذا المسكين الذي سئمني !!.. هو على حق .. أنا لا أشربُ القهوة فلماذا أيقظتُهُ من نومه و قد كانَ غارقاً في أحلام الهالِ.. و صلبتُهُ كالمجرمين على الطاولة؟! ما الذنب الذي اقترفه كي أجعله شريكاً لي في أرقٍ لا يُفضي إلى راحة ؟! أنا حتى لم أخفّفْ عنهُ برشفة !!.. لعنة الله عليّ ..!! نعم .. هي الفوضى المجنونة التي تتلبسني .. هي السبب في خروجي عن السكة .. أنا لستُ قطاراً.. لكنني قطارٌ في نفس الوقت ..يجب أن لا أنفي هذه الحقيقة .. لا تسألوني كيف ..لن أفسر الآن شيء .. إذا بدأتُ في التفسير سأنتهي بجدال ليس له نهاية مع ذواتي و ذواتِ غيري حتى ذوات الطاولة ستتدخل فيه.. و في النهاية سيصبح بيزانطيّاً أقرب إلى الهرطقة..
أفضل شيء للهروب من الواقع هو الحلم .. فالحلم جميل, ممتع و لا يلزمك بشيء تقريباًً ..و لكن الواقع هو أفضل شيء للهروب من الحلم حين يصبح ثقيلاً و روتينياً ..يجب على الحلم أن لا يظلّ بحالته الحلميّة طوال الوقت و ذلك ينطبق على واقعيّة الواقع ..تفسد الشيء حالتُهُ إن طالت ..و إن قصرت تفسدهُ أيضاً !!. يااه .. كثيرةٌ هي التناقضات.. لا لا يجب أن أخرج عن سكّتي هنا أيضاً .. أين كنتُ قبل الحُلم ...؟! .. نعم .. كنتُ عند الطاولة .. (مممم) هذه الطاولة تعرفني أكثر من عائلتي على ما أظنّ .. و ربما إن لم أكن مخطئاً تعرفني أكثر من نفسي ..أفكّر إذا حججْتُ يوماً أن آخذَ هذه الطاولة معي .. أظنّها بحاجة إلى الخلاص و التكفير عني و عن ذنوبي معاً ..أظنّها تحلمُ بهذا .. و تفرحُ حين تحلم .. و حين تستيقظ على سهري و حاسوبيَ تعرف أنّ الحلم مضرّ بالصحة و أنّ علاجه هو اليقظة التامة ..و الدعاءُ عليّ .
أنا أحلمُ أيضاً ..البارحة حلمتُ بِ (سارة) .. كانت معي .. قريبةً جداً .. لكنها مرهقة .. ربما هي مرهقة بي و بحبي .. أو بفراقي إن صحّ التعبير.. طوال مدة فراقنا و أنا أفكّر بالأشياء التي حدثت بيننا .. و بجنونيّاتي معها .. هي ليس لها ذنب .. فلماذا أتعبتُها بِمحمود درويش و لوركا و يَسينين و غيرهم ..؟.! لماذا أرهقتها بالأسئلة ..؟! الأسئلة التي لا تفضي إلى جوابٍ أو حبٍّ مضيء نعبر به النفق و نكسرُ الظلمة.. كنا نحتاج إلى شيء أكبر من القلب و الحبّ .. كانت تحتاج إلى شيء أكبر من شاعر مليءٍ بالفراغِ و الترّهاتِ و الفشل و الخمول المزمن ..كانت تحتاج إلى كلام غير كلام ديستوفيسكي و دي لامارتين و روسّو ..من هوؤلاء على أية حال ..!! هم بكلّ تأكيد فاشلون في حياتهم .. و كلماتهم مجرّدُ فلسفات لا تغني و لا تسمن من شوق .. لكنّ ما الحيلةُ معها و قبلاتي على شفتيها لا تصل .. و لمساتي ليديها لا تكتمل .. و لا حتى وشوشاتي بأذنيها .. أنا احتجتُ طوال عمري لأحد يفهمني .. فهمتني قليلاً .. و اغتربت معي خارج السربِ .. و لكن بعد بَرْدينِ آلَمَها الاغترابُ .. فعادتْ..و آلمني البُعْدُ عنها .. فعدتُ وحيداً إلى الطاولة ..آآهِ إنّها الطاولة التي تعرفُ أكثر مما ينبغي .. !!.
هل يكفي هذا لهذه الليلة ..؟! بدأ الحاسوب كعادته في هذه الساعة يتنحنح .. ربما عليّ أن أخجلَ قليلاً منه .. و لا أصبح مضرباً لأمثالهِ .. فهو يستشهدُ في مثل هذه الحالاتِ بالمثل العاميّ الفلسطينيّ _ و هذا يعبّر عن أصالة كبيرة _ (اللي استحوا ماتوا) .. في بالي أن أضحكَ الآنَ .. سأضحكُ .. هل سيعجبُ النقاد وضعي لهذه الهاءات في النص ؟! ... _ ههههه_ لا أظنّ ذلك .. لكن لا بأس ..عليّ أن أفتح النوافذ كي يتنفسَ النصُّ قليلاً هنا .. أليسَ كذلك ..؟! .. و سأفتح النافذة أمامي كي تتنفس الطاولة أيضاً .. إن كانَ فيها بقيّة من روح .. و سأصالح فنجان القهوة و أصالح الوسائد .. عَلّي أتنفّس .. عَلّي أنامُ..عَلّي أحلمُ .. عَلّي أصحو .. علّي .. .
>>>