أحدث المشاركات

قراءة فى مقال لغز زانا الأم الوحشية لأبخازيا» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» الشجرة ذات الرائحة الزكية» بقلم محمد نديم » آخر مشاركة: أسيل أحمد »»»»» همسة!» بقلم احمد المعطي » آخر مشاركة: احمد المعطي »»»»» أجمع دعاء وأكمله.» بقلم ناديه محمد الجابي » آخر مشاركة: أسيل أحمد »»»»» العفو يورث صاحبه العزة.» بقلم أسيل أحمد » آخر مشاركة: أسيل أحمد »»»»» مع الظلام» بقلم عبدالله سليمان الطليان » آخر مشاركة: عبدالله سليمان الطليان »»»»» المعية الإلهية فى القرآن» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» كتب محمد فتحي المقداد. الحارس. قصة قصيرة» بقلم محمد فتحي المقداد » آخر مشاركة: محمد فتحي المقداد »»»»» الطبعة الثانية من المنتج الجاهز لعلم عَروض قضاعة 1- 3 - 2024» بقلم ابو الطيب البلوي القضاعي » آخر مشاركة: ابو الطيب البلوي القضاعي »»»»» عذْراً فلسطينُ ما عُدْتِ لنا الأّمَا» بقلم حسين إبراهيم الشافعي » آخر مشاركة: شاهر حيدر الحربي »»»»»

النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: مقالات الدكتور: أحمد خيري العمري

  1. #1
    الصورة الرمزية خليل حلاوجي مفكر أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    الدولة : نبض الكون
    العمر : 57
    المشاركات : 12,545
    المواضيع : 378
    الردود : 12545
    المعدل اليومي : 1.82

    افتراضي مقالات الدكتور: أحمد خيري العمري

    عن الخروج من "عصورنا" الوسطى ..

    د. أحمد خيري العمري

    القدس العربي -16/10/2009
    http://www.quran4nahda.com/?p=1038


    الإنصاف والتفهم لا يكفيان بالضرورة للفهم الكامل ، وبالتالي لا يكفيان لتقديم الحلول .
    و روبرت فيسك ، الصحفي البريطاني المعروف ، لا يعوزه الإنصاف ولا التفهم لقضايانا ، وهو لا يحتاج إلى ثناء مني ولا من سواي ، فهو من القلة النادرة التي وقفت بثبات مع قضايانا : احتلال العراق ، وغزة ، ولبنان ... إلخ ؛ بينما كان بعض المثقفين الليبراليين العرب يشيدون بالتدخل العسكري وبشبهونه بأثر الغزو النابليوني على أوروبا ونهضتها .
    مقاله الذي نشر بتاريخ 29 يوليو في الإندبنت البريطانية يستحق أكثر من وقفة ، وأكثر من تأمل .
    عنوان المقال يطرح تساؤلا جارحا : "لماذا الحياة في الشرق الأوسط متجذرة في العصور الوسطى ؟"
    Why life in the Middle East remains rooted in the middle ages?
    من حق روبرت فيسك أن يسأل ، ومن حقه أن يجيب أيضا ، لكن الإنصاف والتفهم ليسا بالضرورة كافيان للتشخيص ولتقديم الدواء .
    يقر فيسك أولا بأن التدخل الغربي والمؤامرات الاستعمارية لها دور في الوضع المأساوي الذي تعيشه غالبية المجتمعات العربية وفي إبقائها على ما هو عليه ، لكنه يقر أيضا بأن ذلك لا يكفي لتفسير استمرارية التدهور .
    وهذا صحيح ، وهي نقطة ستحسب لصالح فيسك عندما نرى كيف أن البعض من كتابنا قد تخلوا تماما عن أي اتهام أو إشارة للغرب ، لصالح إدانة كاملة وشاملة لكل ما هو "نحن" ، فقد انتقلنا من خطابات "نظرية المؤامرة" الحماسية التي لا ترى مشكلة إلا في الغرب إلى خطابات "نظرية اللا مؤامرة" التقريعية التي لا ترى فينا إلا كل ما يستحق النبذ ولا ترى في الغرب غير ملائكة وجمعيات خيرية .
    يضع فيسك ملاحظات هامة وجديرة بالاهتمام ، لكن إطار رؤيته العام سيبقى أسيرا للرؤية الغربية ، وهذا ما لا يمكن لومه عليه .
    يبدو ذلك واضحا من العنوان : فهو ، للدلالة على التخلف الذي نعيشه ، يستخدم مصطلح "العصور الوسطى" ، وهي الفترة الأسوء أوروبيا والتي تمتد لعشرة قرون منذ سقوط الإمبراطورية الرومانية في القرن الخامس الميلادي الى القرن السادس عشر الميلادي حيث بدأت بوادر النهضة الأوروبية والاصلاح اللوثري .
    لكن ماذا كنا نفعل خلال ذلك ؟ كان ذلك هو عهد نهضتنا وازهارنا ، كان ذلك هو بالضبط عصرنا الذهبي : عصر الفتوحات الإسلامية ، عصر الرشيد والغيمة التي أينما حملت مطرها فسيعود خراجها للمركز ؛ مهما كانت لدينا تحفظات على بعض ما حصل في تأريخنا فإنه يبقى التأريخ الأنصع الذي لم تحدث فيه مجزرة كبيرة واحدة أثناء بناء الدولة وانتشارها . (لا يدخل المسلمون قائمة المجازر التأريخية إلا في فترة متأخرة جدا وفي اطار المجازر المتبادلة مع الصليبين والتي ابتدأها الصليبيون أصلا ، على فرض صحة وجود هذه المجازر وحيادية المصادر التي ذكرتها ، بينما كل الإمبراطوريات التي سبقت وتلت الدولة الإسلامية كانت ترتكب المجازر أثناء انتشارها وتوسعها).
    خروج الأوروبيين من عصورهم المظلمة تزامن مع تدهور تدريجي مرت به الأمة ، ومن ثم ولوجنا في عصور مظلمة تخصنا ، واستمرارنا فيها رغم كل صيحات النهوض ومشاريع النهضة المجهضة وفرصها المهدرة .
    قروننا الوسطى تملك بعض التشابه مع قرونهم الوسطى ، لكن هناك أيضا اختلافات جذرية : الكنيسة كانت تمتلك القوة والسيطرة إبان هذه العصور ، كانت تحكم بيد من حديد على كل شيء حرفيا ، الأمر كان أكبر بكثير من مجرد تحالف بين الإقطاعيين والنبلاء ورجال الكنيسة ، بل كان هناك سيطرة مباشرة على الحكم ، كانت الكنيسة هي المؤسسة الأقوى في تلك الفترة ، كان ملوك أوروبا يطلبون رضا البابوات والكرادلة ويتملقونهم بل ويخشونهم ، وقصة الملك هنري الرابع معروفة ،فقد ارتحل لأشهر من مكان إلى آخر طالبا المغفرة من البابا جريجوري السابع إلى أن وصل إلى منتجع صيفي حيث كان البابا يقضي الصيف ، وهناك "ركع" للبابا أمام الناس طالبا السماح منه .
    لا يمكن إنكار وجود نوع من التحالف التأريخي بين بعض رجال الدين عندنا وبين السلطات ، كما لا يمكن إنكار أن هذا التحالف ساهم في أحيان كثيرة في تكريس الظلم والاستبداد ومنح الشرعية له ، لكن هذا التحالف كان دوما من باب "التحصيل الحاصل" لا أكثر ولا أقل ، ورجال الدين الذين انخرطوا في هذا الأمر لم يكونوا أكثر من "وعاظ" و "ندماء" مقربين للحكام ، ولم يكن لديهم قوة فعلية خارج هذا القرب وبالتالي لم يكن هناك إمكانية كامنة للسيطرة التي مثلتها الكنيسة بصفتها المؤسسة الأقوى في أوروبا القرون الوسطى ؛ لا يمكن أصلا تخيل موقف مماثل لذلك الذي حدث بين البابا وهنري الرابع من قريب أو بعيد ، كان هناك رجال دين نأوا بأنفسهم عن الأمر كله – وهم الغالبية للإنصاف – وآخرون قاموا بدور المعارضة ، ولكنها بعيدة جدا عن أن تكون معارضة أنداد ، فضلا عن أن يكون لرجل الدين فيها السطوة والانتصار . (الحوادث التي انتصر فيها رجال الدين كلها لا تعود لهذه الفترة بل لفترة النهوض ، مثل إبن حنبل ، و العز إبن عبد السلام) .
    إذن المقارنة تمتلك تشابهات ولكن المؤسسات التي سيطرت على الوضع في الحالتين مختلفة تماما .
    يقول فيسك إن العرب لا يمتلكون انتماءا حقيقيا لأوطانهم بالمفهوم الغربي للكلمة ، لا يشعرون أن أوطانهم لهم ، كل ما هو في الشارع ليس لهم ، كل ما هو خارج إطار ممتلكاتهم الفردية الشخصية لا يعنيهم ؛ وهذه حقيقة لا مناص من الإقرار بها ؛ وهو يلاحظ أيضا أن بيوت العرب نظيفة بشكل عجيب "spotlessly clean" ولكن شوارعهم تعج بالأزبال والقمامة ؛ وهي ملاحظة صحيحة أيضا ، وهناك مقابل معاكس لها في الدول الغربية ، حيث لا توجد طقوس وتقاليد نظافة شخصية كالموجودة عندنا وفي بيوتنا ، و لكن توجد شوارع نظيفة (ليس في نيويورك !) ، والملاحظتان وإن وردتا في سياقين مختلفين في كلام فيسك إلا إنهما مرتبطتان جدا : إنه عدم الانتماء الذي نشعر به ، أو يشعر به أغلبنا على الأقل ، والذي يجعل الكثيرين غير مكترثين لما يجري خارج سور البيت ، "حوالينا ولا علينا" .
    قد يكون رد الكثيرين على الأمر مرتبطا بسؤال : وماذا قدمت لنا أوطاننا كي ننتمي لها ؟ والسؤال وجيه ، ولكنه يرتبط بمنظومة فكرية كاملة هي في الحقيقة منتجة وناتجة عن هذه الأوضاع في الوقت نفسه .
    يذكر فيسك أوضاعا محبطة يعيشها العرب ، ونعرفها جيدا (ويزايد قليلا في بعض الأمور التي صارت جزءا من بديهيات الإعلام الغربي والعربي أيضا رغم عدم وجود إحصاءات توثقها ، مثل ما يسميه العنف المنزلي ، وجرائم الشرف والاغتصاب ، وهو أمر تتعمد وسائل الإعلام تضخيمه لأغراض واضحة إلا إنها في الحقيقة لا تملك حجما مؤثرا أو حتى قريبا من التأثير) . يذكر عن الفساد والرشوة والدكتاتورية والمحسوبية والشباب الذين يحملون شهادة الدكتوراة ويعملون سائقين لسيارات الأجرة ، ويقول شيئا جارحا عن الشباب المتعلم الذكي الذي كل طموحه السفر إلى الخارج ، يقول بالحرف : القرآن بالنسبة لهم غال جدا ، ولكن كذلك الغرين كارد Green card !!!
    يعتبر فيسك إن هذه الأوضاع هي التي جعلت من العقل العربي غير منتمي للوطن ، وقد يكون في قوله وجاهة لا يمكن تجاهلها ، لكني أذهب إلى ما هو أبعد من ذلك ، وأزعم أن العربي كان دوما هكذا ، كان دوما لا منتميا لشيء إلا لنفسه ، ومن ثم عشيرته ؛ لم يكن له وطن أصلا ما دامت الخيمة عنوانه الدائم ، ومادام الترحال هاجسه وواقعه ؛ كيف يمكن للانتماء أن ينشأ عند من يرتحل دوما ؟
    لا أتحدث هنا عن البدو والأعراب فقط ، بل عن "ثقافة جمعية" سكنت حتى المدن وجعلت من سكانها بدوا رحلا أدركو ذلك أو لم يدركوه ، ثقافة تجعل منهم غير منتمين ، غير مساهمين ، غير منتجين ، غير فاعلين ، حتى لو كانوا يستخدمون أحدث التقنيات المستوردة .
    أقول ذلك كله وأكمل : إن العربي لم يخرج من ذلك كله إلا مرة واحدة فقط ، ألا وهي عندما صار مسلما ، وحده الإسلام نجح في أن يحول ذلك النكرة الهائم على وجهه إلى إنسان فاعل ، وحدها القيم الدينية التي حملها الإسلام والقرآن إلى عقله ووجدانه جعلت منه إنسانا غير العالم في عقود قليلة ، قيم ربطت الإيمان بالعمل الصالح ، وجعلت "الأنا" تذوب في "النحن" ، وجعلت من المجتمع سفينة واحدة إما أن تنجو وينجو ركابها أو تغرق و يغرقون جميعا . كانت هذه هي معجزة الإسلام الحقيقية : أنه نجح مع أمة هي الأدنى حضاريا في مقاييس زمانها ، وجعلها – في فترة قياسية – الأمة الأفضل ؛ وهذا يجعله محتويا دوما على قيم فاعلة كامنة يمكن أن تنفع أي أمة في أي مرتبة حضارية .
    فمالذي حدث بالضبط ؟ كيف تركنا عصور نهضتنا إلى عصورنا الوسطى ؟
    حدث الإنفصام التدريجي بين القيم الدينية وبين الواقع ، ممثلا في نظم الحكم أولا ، لكن القيم الاجتماعية ظلت مسيرة عبر القيم الدينية ، ومع الوقت زاد الشرخ اتساعا ، وزاد من حدة الشرخ تفتت الدولة المركزية إلى دويلات متناحرة ، وصارت القيم الدينية بالتدريج قيما فردية ، يسيطر عليها الطابع الشعائري المفرغ من الفاعلية الاجتماعية ، واختفى مفهوم "فتح العالم" الذي سكن هاجس الجيل الأول وحل محله مفهوم يركز على "الآخرة" كما لو كانت منفصلة عن العمل في الدنيا .
    وكل هذا كان سمادا خصبا للاستبداد والفساد والتفكك ، وعادت الدولة لتكون مجرد نسخة حديثة من العشيرة الجاهلية ، يأتي ريعها من الرعي (صار اسمه اليوم استثمارا هنا وهناك) أو من السلب والنهب (صار اسمه اليوم رشوة ومحسوبية ونسبة وعمولة ... إلخ) ، وكل فرد داخل العشيرة الحديثة لا ينتمي لشيء إلا لنفسه ولعائلته الأقرب ، وكل شيء "حوالينا ولا علينا" ، ولا يعود يهم حقا إلا إذا صار "علينا" .
    كلما انسحبت القيم الدينية من فاعليتها عاد ذلك الأعرابي الساكن في أعماقنا ليطل برأسه ويستبدل به رؤوسنا جميعا ، مهما كانت الشهادات الجامعية والألقاب التي نحملها ، بل مهما كانت الادعاءات والشعارات "تقدمية" و"علمانية" و"ليبرالية" ، فإن الواقع سيسيطر عليه ذلك البدوي الذي يتحكم بالعقل واللاوعي الجمعي .
    وحدها القيم الدينية ، التي عندما خرجت منا خرجنا نحن من نهضتنا ، وحدها قادرة على تفعيل هذا الفرد ، وتحويله الى إنسان فاعل ، إلى جزء من جماعة ، ووحدها قادرة على الخروج بنا من عصورنا الوسطى والتي تختلف عن "عصورهم الوسطى" .
    خروجهم لم يحدث إلا عبر الخروج من الكنيسة . أما خروجنا ، و يا للعجب ، فلا يمكن إلا عبر العودة إلى القيم الدينية ...
    الإنسان : موقف

  2. #2
    الصورة الرمزية خليل حلاوجي مفكر أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    الدولة : نبض الكون
    العمر : 57
    المشاركات : 12,545
    المواضيع : 378
    الردود : 12545
    المعدل اليومي : 1.82

    افتراضي

    درس الصين العظيم: ليس بالتغريب وحده تنمو الأمم

    د.أحمد خيري العمري
    الاسلام اون لاين- http://mdarik.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1254573493442&pagename= Zone-Arabic-MDarik%2FMDALayout

    http://www.quran4nahda.com/?p=1031

    ما فتئ دعاة التغريب، بمختلف أطيافهم واتجاهاتهم، لا يتركون فرصة تفوتهم دون أن يذكرونا بأن الحل الوحيد للخروج من تخلفنا وسباتنا هو المضي خلف الغرب خطوة خطوة.. حذو القذة بالقذة..
    الدعوة ليست جديدة، ومنذ أكثر من قرن وهي تمر بمراحل وأطوار مختلفة، مدفوعة أولا بواقع متخلف لا جدال في انحطاطه، وثانياً بوجود تجربة غربية لا جدال في نجاحها..أي مقارنة بين الواقع المتخلف والتجربة الغربية (المتقدمة) كانت حتما لصالح الدعوة إلى التغريب..
    بعض هذه الدعاوى كانت يسارية – ماركسية، بعضها كانت ليبرالية إلى الحد الأقصى، وبعضها كانت أقل تطرفا، وهناك اليوم "أجنحة تغريبية" واضحة حتى داخل الإسلاميين، تدعو إلى أسلمة التجربة الغربية بشكل صريح، والأسلمة أحيانا لا تكون أكثر من تحفظ هنا أو هناك على بعض المظاهر الغربية دون الانتباه إلى جذور هذه المظاهر وأصولها..
    والحقيقة أن نجاح التجربة الغربية يسهم في دخول مقاييس نجاحها كجزء من منظومة التفكير والحكم ولو على نحو غير واع، أي تصبح جزءا من طريقة الحكم على الأشياء ومن "رؤية العالم" بطريقة تجعل من محاولة التوفيق ( ولو كان تلفيقا ) بين الإسلام والغرب مجرد تحصيل حاصل.. مجرد محاولة لجعل "التغريب" أيسر.. لا يعني هذا قط اتهام هؤلاء بالعمالة كما جرى الفهم السطحي لأي انتقاد، بل يعني أنهم ببساطة لا يرون حلا آخر لمشاكل أمتنا غير استيراد المناهج الغربية ووضع شعارات إسلامية عليها هنا أو هناك.. دون أن ننكر أنهم يتحفظون على مظاهر الانحلال الموجودة في هذه التجربة..
    أمران يتعرضان كثيرا للتركيز في إطار الدعوة للتغريب، ضمن أشياء أخرى، مناهج التعليم، والديمقراطية، وغالبا ما يتم طرح التغيير في مناهج التعليم، والديمقراطية، باعتبارها جزءا من الحل لمشاكل التنمية المستعصية في بلداننا ( الديمقراطية هي الحل، إصلاح مناهج التعليم هو الحل.. الخ).. ومما لا شك فيه أن مناهج التعليم في معظم بلداننا تعاني من مشاكل خطيرة، كما أن النظم السياسية ليست في وضع أفضل، لكن الإصلاح المؤدي للتنمية لا يمر بالضرورة بالوصفة الغربية وبقواعدها المقدسة.. رغم سهولة الانزلاق إلى ذلك باعتبار أن التجربة الغربية هي الأكثر وضوحا وهيمنة..
    لكن التجربة الصينية تقدم نموذجا شديد الاختلاف والنجاح في الوقت نفسه: الصين أصبحت في ظرف عقود قليلة واحدة من أكبر القوى الاقتصادية في العالم، منتقلة من اقتصاد زراعي متخلف ومثقلة بمشاكل ورثتها من تطبيق صارم للثورة الثقافية في عهد ماوتسي تونغ.. دخلت الصين اقتصاد السوق لكنها دخلته بمعاييرها هي، ولم تتخلَّ عن سياسة سيطرة الحكومة المطلقة على السوق الداخلي ومختلف آليات الإنتاج ..
    كل ما في التجربة الصينية، لو قرأناه بعيون التجربة الغربية ووصفة التنمية التي تم تعميمها علينا، يؤدي إلى أن الصين ستكون منافسا لنا في الفشل والتخلف، لكن الصين، بدلا من ذلك، زاحمت كبرى الدول في أرقام نموها، وبدت كما لو أنها عاملا أساسيا في إنقاذ العالم من هاوية الإفلاس التي سقط فيها عقب الأزمة الاقتصادية الأخيرة، وما تقدم شركة صينية لشراء مصانع سيارة الهمر Hummer من شركة جنرال موتورز (ضمن خطة الإنقاذ من الإفلاس) إلا صفقة ذات دلالة مغزوية كبيرة، حيث تقوم الصين بشراء رمز أمريكي مثل الهمر وجنرال موتورز.
    الصين، على سبيل المثال، ليست ديمقراطية، بل تعاني من حكم الحزب الواحد منذ أكثر من سبعين عاما، وأحوال الحرية فيها ليست أفضل منها في بلداننا، ومجزرة تيانمين عام 1989 التي سحقت فيها الدبابات مئات الطلاب وكذلك مجزرة الأيغور مؤخرا ليستا سوى أدلة إعلامية كبيرة على طبيعة الحكم في الصين، وهي طبيعة قمعية نعرفها جيدا في بلادنا وتآلفت معها شعوبنا حتى صارت جزءا من ذاكرة جمعية..
    الإعلام في الصين في أغلبه حكومي يسبح بحمد الحزب والقائد، وحتى الإعلام الخاص خاضع لرقابة حكومية صارمة تحرم الدخول مطلقا في بعض الموضوعات ( من ضمنها شرعية الحزب الشيوعي ).. ومنظمة "مراسلون بلا حدود" تصنف جمهورية الصين الشعبية ضمن أسوأ الدول فيما يتعلق بحرية الصحافة (تسلسلها 167 من أصل 172، وكل الدول العربية أفضل منها حسب هذا التسلسل، وإن كانت بعض هذه الدول قريبة جدا منها!!).. حتى الانترنت خاضع لرقابة شديدة، وعندما تضع كلمة "تيانانمن " في محرك البحث في الانترنت في الصين، فإن أجهزة الرقابة الحكومية تأخذك إلى صور لزهور ومناظر طبيعية ساحرة بدلا من صور أشلاء الضحايا المدهوسين بالدبابات. ( يذكرني هذا بحقيقة أن برامج اختراق الحجبPROXY التي يستخدمها الكثيرون في بلداننا لاختراق الحجب الحكومي المفروض على بعض المواقع، هي برامج صينية صممها شبان صينيون لاختراق المنع الذي تفرضه حكومتهم، ونستوردها نحن طبعا كما كل شيء، لكن بفارق أن الشباب هناك يضطرون لتحديث البرامج دوما لأن حكوماتهم تحدّث المنع باستمرار، أما عندنا فيمكن استخدام نسخ قديمة لأن حكوماتنا غير متابعة جدا لحسن الحظ!)
    إذن لا ديمقراطية ولا حرية في الصين، وحسب مسطرة المفاهيم الغربية كان يجب أن يكون ذلك كله مقدمة لاقتصاد سيئ ونمو متدهور، فالازدهار والتقدم والرفاهية كلها أمور مترادفة (إعلاميا وحسب نفس المسطرة) مع الديمقراطية والحرية بمفهومها الغربي حصرا..
    لكن هذه المعادلة لا تعمل في الصين على ما يبدو، بل إن نتائجها تشير إلى نتائج ليست مختلفة فحسب بل ومضادة، وهو الأمر الذي لا مفر من مقارنته مع إخفاق آخر لنفس المعادلة يتم دوما تجاهله أثناء الترويج لشعار "الديمقراطية هي الحل".. فالهند توصف بكونها "أكبر ديمقراطية في العالم"، والانتخابات الديمقراطية تجري فيها منذ أكثر من خمسين عاما وبمقاييس "بريطانية"، ومعدل حرية الصحافة فيها يتفوق على مثيله في الولايات المتحدة الأمريكية، ورغم ذلك فالديمقراطية العريقة لم تجلب الرفاهية لشعب هو الأول في عدد الفقراء بالمطلق والثالث في عدد الفقراء نسبيا ( أي بالمقارنة بنسبتهم من عدد السكان الأصليين)، ولا يزال 70% من سكانه يعيشون اقتصاداً زراعياً لم يتغير إلا قليلا منذ عشرات العقود، كما أن معدل الفرق بين الأثرياء والفقراء فيها من أعلى المعدلات عالميا..
    من ناحية أخرى، فإن نظام التعليم في الصين يكاد يكون نموذجا لكل ما يجب أن ينتج التخلف والسلبية حسب نفس المسطرة الغربية للمفاهيم، التعليم في الصين لا يزال قائما على الحفظ والاستظهار وإرهاق الطالب بالفروض والواجبات المنزلية (معدلات انتحار الطلاب في الصين هي الأعلى عالميا) والمواد الدراسية تكون غالبا خالية من التحفيز على التساؤل والنقاش، وبالتالي لا تؤدي إلى الإبداع..(أو هكذا نتصور ..)
    بالإضافة إلى ذلك، فان القيم التعليمية في الصين لا تزال قائمة على الطاعة والمبالغة في مظاهر الاحترام مثلما هو الأمر في الموروث الصيني التقليدي، كما شهدت برامج الدراسة الحكومية في الصين في العقود الأخيرة عودة قوية لمبادئ كونفوشيوس (حكيم الصين الأشهر والمؤسس للديانة الكونفوشيوسية الأكثر انتشارا في الصين ) بعدما كانت هذه المبادئ مبعدة أثناء الثورة الثقافية (1966-1976) باعتبار كونفوشيوس ممثلا للنظام الاقطاعي! اليوم تلاقي نفس المبادئ القبول والدعم حتى من الحزب الشيوعي الحاكم (الذي لا يزال يرفض الدين عموما ويتحايل على الأمر باعتبار الكونفوشيوسية فلسفة أكثر منها ديناً ).. بل إن المدارس الخاصة في الصين التي سمح بها مؤخرا صارت تستخدم القيم الكونفوشوسية كوسيلة لجذب الزبائن، فكلما كان التركيز على هذه القيم أكثر في البرامج الدراسية زاد إقبال أولياء الأمور على تسجيل أبنائهم فيها ( هل يذكركم هذا بشيء معاكس يحدث عندنا ؟؟؟)..
    القيم الصينية – التقليدية التي يركز عليها في هذه البرامج تركز على القيم الجماعية حيث الكل والمجتمع مقدم على الفرد في الفلسفة الصينية (قارن مع القيم الغربية التي تركز على الفرد والفردية ) القيم الصينية تركز على الانسجام والتناسق بين مختلف العناصر والأشياء المتضادة ونبذ الجدل والمناظرة ( قارن مع القيم الغربية التي تركز على مفهوم التنافس والبقاء للأصلح واستخدام الجدل عريق جدا وله جذوره الإغريقية الراسخة في الحضارة الغربية ككل)..
    بالتأكيد هذا المقال ليس محاولة للترويج لنموذج صيني في التنمية مقابل النموذج الغربي الأكثر انتشارا، بل هو مجرد تذكير بحقائق تبدو منسية في غمرة سيطرة الإعلام (الغربي عموما) على عقول وطرق تفكير الكثيرين..
    وبالتأكيد أيضا، سبب نجاح التجربة الصينية لا علاقة له بحكم الحزب الواحد أو بالقمع والاستبداد ولا باعتماد الدراسة على الحفظ والاستظهار ( وإلا لكنا – في الحالتين- الشعوب الأكثر نموا وبلا منافس !)..
    درس الصين العظيم هو في إمكانية النمو والانتهاج والفاعلية باستخدام الموروث الحضاري كمنصة انطلاق لهذا النمو والنهوض..درس الصين العظيم يتلخص في ان تجد كل امة شرارة إلهامها و انطلاقتها من عمق موروثها نفسه دون ان تتحكم بها (عقيدة نقص) تجاه التجارب السابقة ودون أن تحاول محاكاة هذه التجارب باعتبار (أنه ليس بالإمكان أبدع مما كان).. في النهاية: مناهج التعليم وأنظمة الحكم هي محض وسائل وليست أهدافا بحد ذاتها، وإذا ضاع الهدف عن أمة ما، فلا وسيلة حقا - مهما كانت متقنة - يمكنها أن تقود هذه الأمة الي نهضتها..
    هل هناك من يعتقد حقا أن الموروث الصيني يضم عناصر للنهضة والانطلاق أكثر مما يضمه كتاب الله وسنة رسوله ؟ هل هناك من يعتقد حقا أن بإمكان الصينيين أن يبنوا نهضتهم دون المرور بالتغريب ولا نستطيع نحن ؟..لا أشك أن البعض سيرد حتما على هذين السؤالين بالإيجاب ( نعم يستطيعون ولا نستطيع نحن !) ولكن هذه هي بعض أعراض النقص التي لا شك أنها ستقل وتضمحل تدريجيا عندما تقدح الأمة زناد نموها ونهضتها.. عندها لن تكون الوسائل ( مناهج التعليم، أنظمة الحكم ) مستوردة بالضرورة، بل ستكون منسجمة أولا مع روح هذه الأمة وأهدافها...
    سيكون الدرب صعبا ولا بد، لكن كذلك هي الدروب إلى كل ما هو جدير بالحياة..

  3. #3
    الصورة الرمزية خليل حلاوجي مفكر أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    الدولة : نبض الكون
    العمر : 57
    المشاركات : 12,545
    المواضيع : 378
    الردود : 12545
    المعدل اليومي : 1.82

    افتراضي

    عن نهضة لم تحدث بعد...
    د.أحمد خيري العمري -القدس العربي
    http://www.quran4nahda.com/?p=1265

    أسئلة النهضة كثيرة، وربما أجوبتها أكثر..
    لكن الأسئلة وبالتالي أجوبتها تركزت غالبا على الـ" كيف" ( شروطها كيف ننهض ) والـ"لماذا"( لماذا تأخر المسلمون وتقدم الغرب؟).. أكثر مما تركزت على "ماهية النهضة".. على تعريفها وفهمها وهذا شوّش بطريقة ما على النهضة كمفهوم وبالتالي على الأجوبة...
    بينما تقدم النهضة غالبا بالتركيز على تطبيقاتها ونتائجها وإن ذلك يؤدي إلى التغطية على جوهرها، على كونها "عملية ثقافية" في الأساس..
    تركز النهضة على "البعد" الثقافي في عملية تغيير اجتماعي واسع، يكون هذا البعد هو بمثابة الزناد الذي يطلق عملية التغيير هذه و يمهد لها، وأنا هنا لا أقصد بالثقافة حديث المتثاقفين وثرثرتهم التي يتعمدون إغراقها بالتعقيد والغموض لكي تبدو "عميقة ومهمة"، بل أقصد البنية التحتية للأفكار التي يعتنقها الناس العاديون وتشكل رؤيتهم ومواقفهم، الثقافة التي أقصدها هي "العدة" التي يزود بها كل فرد في مجتمع ما دون أن يدرك ذلك، أنها العدة التي تغرس في كل فرد بمجرد نشأته في مجتمع ما، عبر ما يلقنه إياه المجتمع : في مجموعة المبادئ والقيم التي تميز الانتماء لهذا المجتمع، في ما يعدونه بدهيات لا تحتاج إلى نقاش، في "الحس العام" الذي يمثل خلاصة معارف وتجارب شعب أو أمة ما، تنتقل إلى كل فرد من أفرادها.. قد يتمثل ذلك في عادات وتقاليد وأعراف تشكل نبض هذا المجتمع وتوجهه العام، و قد يتمثل أحيانا في "الأمثال الشعبية" أو "النكت والطرائف" التي يتداولها الناس والتي تشكل جزءا أساسيا من طبيعة حكمهم على الأشياء ومواقفهم منها..
    الثقافة التي أعنيها هي هذه "البنية التحتية" التي تحرك الناس العاديين وتشكل دوافعهم وأفعالهم وردود أفعالهم، وتمثل أيضا ما يثبطهم ويكبحهم ويجعلهم في حالات أخرى "حياديين" تجاه ما لا يحتمل الحياد أحيانا..
    الثقافة التي أعنيها والتي تخص النهضة هي "الدوافع" كما "المثبطات"، هي "الحوافز" كما "الكوابح".. إنها تشمل كل تلك العناصر التي تتحكم بسلوكنا وأفكارنا وبعقلنا الجمعي دون أن نعيها بالضبط، ربما لأننا صرنا جزءا منها وصارت جزءا منا بطريقة يصعب علينا رصدها وفهمها، لكنها تجري منا مجرى الدم..
    النهضة هي مشروع ثقافي بهذا المعنى، بل إنها ليست مشروعا ثقافيا فحسب، بل هي "ثورة ثقافية" أيضا..
    مالفرق بين الاثنين؟
    الفرق أن النهضة كمشروع ثقافي تستوجب "الاستثمار" في ما هو موجود فعلا من إيجابيات في الموروث الثقافي بالعمل على تكريسها وتأصيلها وبيان نفعها وفائدتها في الحياة العملية وتحقيق أهداف الأمة والمجتمع..
    أما النهضة بصفتها ثورة ثقافية فهي تضم ذلك بطبيعة الحال لكنها تتضمن أيضا مواجهة ما هو سلبي في ذلك الموروث واجتثاثه من جذوره، والتأكيد على أضراره وضرورة إحداث قطيعة معه لكونها تتعارض مع أهداف هذه الأمة أولا، ولأنه أصلا لم يكن جزءا أصيلا منها..
    ولا مفر هنا من ذكر أمثلة على الموروث السلبي الذي لا مفر من مواجهته إذا كنا جادين حقا في النهضة، شخصيا أؤمن بأن كل ما يلعب دورا سلبيا في موروثنا جاء من أحد الطرق التالية :
    أولاً -فهم خاطئ مجتزأ لنص صحيح وثابت، وهذا الفهم البشري نتج عن مرحلة تاريخية لها ظروفها الخاصة وقد حتمت هذا الفهم لسبب أو لآخر، وربما لم تظهر الآثار السلبية له إلا على المدى البعيد المتراكم ..أي بعد استقرار هذا الفهم وتحوله إلى جزء من العقل الجمعي وتحصنه بكونه قديم.. من الأمثلة على هذا الفهم السلبي الخاطئ للقضاء والقدر الذي أنتج عقيدة التواكل والاستسلام بدلا من عقيدة العمل والمواجهة والإيمان بأن الجيل الأول لو آمن بهذا الفهم السلبي لما تغير التاريخ، كذلك تعرضت آيات "طاعة أولي الأمر" إلى فهم جزئي عزلها عن باقي النصوص وحولها من وسيلة للانضباط إلى أداة للرضوخ إلى الاستبداد..
    ثانيا- فهم ناتج عن كوم هائل من الأحاديث الضعيفة والموضوعة التي حولت بعض الأقوال المأثورة أو الآراء الشخصية لواضعيها إلى نص مقدس يلعب دورا في تكوين العقل الجمعي للأمة مهما كانت فحوى هذا النص الضعيف أو الموضوع بعيدة عن شبكة المعاني التي ينتجها تكامل النصوص الصحيحة وتضافرها.. هذه النصوص الضعيفة أو الموضوعة وما تنتجه من مفاهيم يجب أن تجتث بلا تردد حتى لو لم يكن تأثيرها السلبي مؤكدا أو ظاهرا، ولكن مجرد احتمائها بسلطة النص الديني وخلطها ما هوبشري وعابر بما هو مقدس، يجعل اجتثاثها أمرا ضروريا.. خاصة أن الإبقاء على نص ضعيف و"مسالم"، يبرر الإبقاء على أي نص ضعيف آخر من الناحية العلمية المجردة.
    ثالثا – هناك بعض الأمور الغيبية التي مر ذكرها في القرآن والسنة الصحيحة، في مساحة صغيرة للغاية، لكن هذه المساحة بولغ فيها في الموروث السائد وتحولت إلى وسيلة للهرب من مواجهة علاقة الأسباب بالنتائج التي ركز عليها القرآن الكريم.. مثال ذلك الآيات التي مر ذكر السحر والحسد والجن فيها على نحو لا علاقة له بالاستخدام اللاحق في الموروث الذي وصلنا، حيث تحولت هذه الآيات وما تراكم عليها من أفهام بشرية ونصوص ضعيفة إلى وسيلة للتهرب من مواجهة الأسباب والحقائق: سيسهل عليك أن تؤمن بأن فشل ابنك أو عقوقه لم يكن نتيجة لأخطاء ارتكبتها في تربيته، بل نتيجة "حسد" أو "جن" تربص به أو سحر دبره حاقد...
    رابعا- هناك ما هو دخيل حتما ولا ينتمي لشيء حقا في الإسلام بل تسلل من أمم أخرى ذات ديانات وتجارب حضارية مختلفة، بعض الداخلين الجدد في الإسلام قاموا بعملية "أسلمة" سطحية لموروثهم الديني وحملوه معهم إلى أفهام المسلمين، وبالتدريج صار جزءا من موروث سلبي يخدر الأمة ويعطل تواصلها مع مصادرها الأصيلة. إلى هذه الخانة ينتمي كوم هائل من الشعائر البدعية التي لا أساس لها والتي أغرقت المسلمين في شبه رهبانية مزيفة، فصلتهم عن واقعهم ومواجهته بدواعي الروحانية والنورانية ..إلخ، وإلى هذه الخانة أيضا تنتمي عقائد من نوع "وحدة الوجود" و"التوسل بالأموات" التي تناقض كل ما جاء به الإسلام..
    لا يمكن أن ننكر وجود كل هذا في الموروث التراكمي الذي وصلنا، كما لا يمكننا أن ننكر أو نغض البصر عن الدور السلبي لهذه المكونات لأنها لن تغض البصر عنا حتى لو فعلنا نحن ذلك، ستظل تمارس دورها التخريبي وتعطل كل قيمة إيجابية قابلة للاستثمار في النهضة..
    لا يمكن ببساطة أن تعول على أي تغيير يمكن أن يحدث في الجيل الطالع عندما تجعله يؤمن أنه الخليفة في الأرض، لكنك تركت في الوقت نفسه أفكارا أخرى تسرح وتمرح وتزين له الركون والسلبية تحت مسميات القضاء والقدر والصبر وانتظار من لن ياتي أبدا ما دامت الأوضاع هكذا..
    لكن هذه "الثورة الثقافية" لن تكون من أجل تكريس ما هو إيجابي وأصيل في الموروث واستئصال ما هو دخيل وسلبي فحسب، بل هي أيضا ثورة ثقافية ضد كل عنصر استلاب معاصر يتسلل بفعل فقدان المناعة (الناتجة عن فقدان الإنجاز المعاصر) ويسرب قيما أخري دخيلة تناقض كل ما جاء به الاسلام..
    لا فائدة حقا من غربلة الموروث وتنقيته إذا لم نحافظ على الأسوار، على الهوية التي تحفظ ناتج هذه التنقية .. وإلا ما كان هناك أصلا معنىفي الثورة ككل في النهضة ككل، مشروعا وثورة..
    لا ريب أن كل تلك العناصر السلبية ستجد حتما من يدافع عنها بل ويستقتل في الدفاع عنها، لن يكون هذا الدفاع من رجال الدين التقليديين بالضرورة فحسب، بل سيكون أيضا من بعض أدعياء التجديد والتنوير الذين توفر لهم بعض هذه العناصر أرضا واسعة للعب والمناورة فيها، وما همهم طبعا أمر النهضة أو سواها، فالنهضة الوحيدة التي يعرفون هي النهضة الأوروبية والتي يريدون قص ولصق نتائجها قسرا وخديعة وبكل الوسائل..
    لن تكون النهضة يسيرة قط بهذا المعنى، لقد تعايشنا مع بعض ما يجب استئصاله لقرون، ولن يكون يسيرا قط نزعه لأنه صار للبعض كما لو أنه جزء منهم، لكن العضو الذي يأكله السرطان لا مفر من بتره، مهما كان ذلك مؤلما...
    إذا كنا جادين حقا، فعلينا أن ندرك أن ثمن النهضة باهظ..، وأنها لن تجلب بمؤتمرات وندوات تقام في فنادق خمس نجوم، بل بفكر يمهد لثورة من نوع خاص، ثورة لا علاقة لها بالانقلابات العسكرية، ولا ببيان رقم واحد سيئ الصيت( في بعض التجارب على الأقل!)، بل بفكر ينتشر بالتدريج، ويغير بالتدريج، ويسكن عقول الناس الحقيقيين بالتدريج، يلتحم بهم، وبهمومهم.. وعندما تحين اللحظة، لا تعود النهضة خيارا، لا تعود وجهة نظر، بل تصير حتما.. يصير البديل الوحيد هو الانقراض..
    تكلفة المؤتمرات في فنادق الخمس نجوم باهظة حتما، لكن ثمن النهضة باهظ أكثر بكثير...
    الفرق أن الأولى تذهب بلا أثر ولا جدوى..
    أما الثانية فلا..!

المواضيع المتشابهه

  1. النجاح والرسوب يحتكمان إلى الدكتور سمير العمري
    بواسطة عطية العمري في المنتدى الإِعْلامُ والتَّعلِيمُ
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 16-10-2020, 01:01 PM
  2. تهنئة لحصول الدكتور إبراهيم أحمد مقري لدرجة الأستاذ الدكتور
    بواسطة حسين لون بللو في المنتدى الروَاقُ
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 12-01-2019, 05:32 PM
  3. قراءة في قراءة الدكتور مصطفى عراقي في الشاعر الكبير الدكتور سمير العمري
    بواسطة د. محمد حسن السمان في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 10-03-2015, 01:23 AM
  4. حفل غنائي خيري لأجل شعب غزة الحبيب ..
    بواسطة شريفة السيد في المنتدى نُصْرَةُ فِلِسْطِين وَالقُدْسِ
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 29-01-2009, 04:29 PM
  5. القنديل .. مهداة إلى الدكتور: سمير العمري
    بواسطة د.جمال مرسي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 01-02-2004, 08:14 PM