أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: المنفلوطي ناقدا

  1. #1
    الصورة الرمزية فريد البيدق أديب ولغوي
    تاريخ التسجيل : Nov 2007
    الدولة : مصر
    المشاركات : 2,698
    المواضيع : 1052
    الردود : 2698
    المعدل اليومي : 0.45

    افتراضي المنفلوطي ناقدا

    يعرف المنفلوطي ممن يعرفه أديبا له بيان وقدرة تعبيرية، وهنا أحاول وضع لبنة في رسم صورة المنقلوطي ناقدا بنقل نظراته النقدية التي أودعها مقدمة كتابه "النظرات"؛ فقد وضع المنفلوطي في مقدمة كتابه "النظرات" الممتدة عبر اثنتين وأربعين صفحة رأيه في الفن والأدب والكتابة، بإدارتها حول جواب من يسأله عن طريقته في الكتابة.
    ولقد سلك في الجواب مسالك شتى، إلى أن وصل الصفحة الرابعة والثلاثين فوجدناه يقول:
    ولقد قرأت ما شئت من منثور العرب ومنظومها في حاضرها وماضيها قراءة المتثبت المستبصر، فرأيت أن الأحاديث ثلاثة: حديث اللسان، وحديث العقل، وحديث القلب.
    ثم فصل الثلاثة، وهنا أنقل قوله عن حديث العقل؛ لأنه ينقل نظرة له كأديب على فنون البديع، ويمثل طريقة من طرق النقد.
    وسيتم تسطير الحديثين الآخرين لأهميتهما في نقل نظرة المنفلوطي النقدية للكتابة.
    احرص على أن تنادي أشياء حياتك الإيمان وشريعة الله تعالى!

  2. #2
    الصورة الرمزية فريد البيدق أديب ولغوي
    تاريخ التسجيل : Nov 2007
    الدولة : مصر
    المشاركات : 2,698
    المواضيع : 1052
    الردود : 2698
    المعدل اليومي : 0.45

    افتراضي


    وأما حديث العقل فهو تلك المعاني التي ينحتها الناحتون من أذهانهم نحتا، ويقتطعونها منها اقتطاعا، ويذهبون فيها مذهب المعاياة والتحدي والتعمق والإغراب. ويسمونها تارة تخييلا، وأخرى غلوا، وأخرى حسن تعليل، إلى كثير من أمثال هذه الأسماء والألقاب التي تتفرق ما تتفرق ثم يجمعها شيء واحد هو الكذب والإحالة.
    وآية ما بينك وبينها أنك إذا رأيتها شعرت بأنك ترى أمامك شيئا غريبا عن نفسك وعن نفس صاحبه وعن نفوس الناس جميعا، وأن صاحبه لا يريد إلا أن يطرفك أو يضحكك أو يدهشك أو يعجّبك من ذكائه وفطنته، واقتداره على تصوير ما لا يتصور وإيجاد ما لا يكون، وهو أمر لا علاقة له بجوهر الشعر ولا حقيقة الكتابة، وربما انعكس عليه حتى غرضه هذا فنفّرك وأكدّك، وملأ قلبك غيظا وقيحا.
    كأن يقول:
    لو لم تكن نية الجوزاء خدمته ** لما رأيت عليها عقد منتطق
    فإن الجوزاء لا تنتطق، ولو كان هذا الذي نراه يستدير بها نطاقا فهو شيء متصل بها قبل أن يخلق الممدوح ويخلق آباؤه الأولون والآخرون إلى آدم وحواء.
    والكواكب ليست أشخاصا أحياء يتخذ منها الناس خدما وخوَلا لأنفسهم، ولو كانت كذلك لاستحال عليها وهي من سكان السماء أن تهبط إلى الأرض لتخدم سكانها؛ فقد كذب وأحال أربع مرات في بيت واحد، ثم عجز بعد هذا كله أن يترك في نفس السامع صورة تمثل جلال ممدوحه وعظم شأنه؛ فهو في الحقيقة إنما يريد ببيته هذا أن يمتدح نفسه بالإبداع وقوة التخيل، لا أن يمتدح ممدوحه برفعة الشأن وعلو المقام.

    أو يقول:
    ما به قتل أعاديه ولكن ** يتقي إخلاف ما ترجو الذئاب
    فإن الذي يحمل قي صدره قلبا رحيما مشفقا على الذئاب من الجوع مستعظما أن يخلفها ما عودها إياه من طعام وشراب لا يمكن أن يكون هو نفسه ذئبا ضاريا يريق دماء الناس ويمزق أحشاءهم، ويقطع أوصالهم؛ ليملأ بها بطون الوحش.
    ولا يوجد بين الأسباب التي تحمل الناس على القتال سبب يشبه هذا السبب الذي ذكره، على أن المحسن لا يكون محسنا إلا إذا وهب ما يهب من ماله ومن خزائن بيته، فأما أن يقتل الناس تقتيلا ويمثل بهم ثم ينعم بجثثهم على الجائعين والظماء من وحوش الأرض وذئابها فذلك شيء هو بالجنون أشبه منه بالإحسان.

    أو يقول:
    لا يذوق الإغفاء إلا رجاء ** أن يرى طيف مستميح رواحا
    فإن النوم قوام حياة الإنسان وعماد حياته ولازم من لوازمه اللاصقة به، أراد ذلك أو لم يرد. فإذا كان لا بد من دخوله في باب الاختيار فإن من أبعد الأشياء عن التصور والفهم أن يكون ما يحمل الإنسان على طلب النوم رجاؤه أن يرى فيه الأحلام والرؤى.
    فإن فعل فلا يدخل في باب أغراضه وأمانيه أن ينام ليرى خيال جماعة المتسولين وهم ملء الأرض وهباء الجو وأرصاد الأعتاب وأعقاب الأبواب، لا تنفتح الأعين إلا عليهم، ولا تمتلئ الأنظار إلا بهم، فهم لم يبلغوا في الضن بأنفسهم والعزف بها مبلغ من لا يراه الرائي ولا يعثر به إلا إذا ألقى في طريقه حبائل الأحلام ليصطاده بها.
    أو يقول:
    لم يتخذ ولدا إلا مبالغة .. في صدق توحيد من لم يتخذ ولدا
    فإن الأولاد لا يتخذون اتخاذا، وإنما ينعم الله بهم على من يشاء من خلقه إنعاما. وأكثر ما تقذف به الأرحام من النسمات إنما هو ثمرة من ثمرات الحب، يأتي بها عفوا لا نبتة من نبات الأرض يبذر الزراع بذورها ليستنبتها.
    والله تعالى غني بربوبيته ووضوح آثارها عن الاستدلال عليها بنطفة يقذفها قاذفها في بعض الأرحام، فإن كان لا بد في إثبات ربوبيته من دليل يدل على مخالفته للحوادث في الصفات والأفعال فالأدلة على ذلك كثيرة لا يضبطها الحساب كثرة، وربما كان أهونها وأضعفها أنه لا يتخذ ولدا وأنهم يتخذون، على أن المتخذين كثيرون قد ضاق بهم الأرض وظهرها، فالمسألة مفروغ منها قبل أن يخلق هذا الممدوح ويخلق ولده، فلا فضل له في الإتيان بشيء جديد.

    أو يقول:
    وما ريح الرياض لها ولكن ** كساها دفنهم في الترب طيبا
    فإن الأزهار التي تستمد حياتها ونماءها من جثث الموتى ورممهم لا يمكن أن تكون طيبة الريح، على أن الأزهار مريحة قبل أن يدفن هؤلاء الموتى في قبورهم، فلم يزد في كلمته هذه على أن أتى بخيال ضعيف مبتذل هو أشبه الأشياء بخيال العامة الذين يرون أن بعض الأزهار ما خلق إلا إكراما لبعض النبيين.

    أو يقول:
    تتلف في اليوم بالهبات وفي السا ** عة ما تجتنيه في سنتك
    فقد أراد أن يصف ممدوحه بالكرم وصفا فوق ما يصف الناس، ويأتي في ذلك بما لم يأت به غيره، فأنزله منزلة المجانين المسرفين الذين لا يحسنون الموازنة بين أرزاقهم ونفقاتهم.
    ولو تقدمت هذه التهمة بهذه الصورة إلى قاض من قضاة المال لما كان له بد من الحجز عليه، والقضاة يرضون في مثل هذه الأحكام بدون إنفاق دخل السنة جميعها في ساعة واحدة أو يوم واحد.

    أو يقول:
    ولما ضاق بطن الأرض عن أن ** يضم علاك من بعد الممات
    أصاروا الجو قبرك واستعاضوا ** عن الأكفان ثوب السافيات
    والريح ليست كفنا والرجل لا يزال مصلوبا غير مقبور ، ولا يزال عاريا غير مدرج في كفن.


  3. #3
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    المشاركات : 852
    المواضيع : 19
    الردود : 852
    المعدل اليومي : 0.16

    افتراضي

    - حقيقة .. صعقت حين قرأت رأي المنفلوطي هذا !!
    - فلا أعلم هل هذا رأيه أو أتى به ليفنده لاحقا ؟؟!!
    - وعن نفسي أخالفه تماما في رايه هذا .. فحسن التعليل والاعتذار من أجمل ما يدور في الابيات العربية حديثها وقديمها !!
    - فرب تعليل حسن أطلق صاحبه من أسر او قتل أو رفع قبيلة من ضعة ..
    - فقبيلة أنف الناقة كانت لا ترفع رأسا بين القبائل إلا بعد أن قيل فيهم : قومٌ هم الأنف والاذناب غيرهم – ومن يسوي بأنف الناقة الذنبا

    - والأعجب حديثه عن التشبيهات والاستعارات والصور الجميلة على أنها كذب .. إذا كان مثل هذا كذبا فالعربية برمتها قائمة على الكذب !!
    - فهذا الله تعالى يقول مخاطبا كوكبا من الكواكب التي يقول عنها المنفلوطي لا تحس ولا تشعر : {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}
    - فماذا عسى المنفلوطي يقول : في حديث السماء والأرض ؟؟!!

    - ولك خالص الشكر مشرفنا الكريم على هذه الاختيارات الموفقة ..

  4. #4
    الصورة الرمزية محمد البياسي شاعر وناقد
    تاريخ التسجيل : Feb 2010
    الدولة : دبي
    المشاركات : 2,341
    المواضيع : 59
    الردود : 2341
    المعدل اليومي : 0.45

    افتراضي

    أخي العزيز فريد البيدق

    الحقّ يا اخي اني دخلت الى هنا لابث لك اعجابي الشديد بك
    فانا لم ادخل بستانا الا وجدت فيه ورودك و رياحينك
    و لم ار شجرة الا و عليها من زهرك و ثمارك
    قلمك هذا القصب و مدادك عصيره
    بوركت و بورك علمك

    اقبل مودتي و اخوّتي في الله .

  5. #5
  6. #6

المواضيع المتشابهه

  1. المنفلوطي .. وفن حسن التعليل
    بواسطة فريد البيدق في المنتدى البَلاغَةُ العَرَبِيَّةُ
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 02-04-2012, 11:47 AM
  2. المنفلوطي والشعر
    بواسطة فريد البيدق في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 24-04-2011, 12:42 PM
  3. المنفلوطي والشعر
    بواسطة فريد البيدق في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 04-04-2010, 08:14 PM