أزمــــــــة
كاد أن يجن .. عندما قربت سجائره على النفاد . آخر سيجارة ولم يدر ماذا يفعل بعدها , فالساعة الواحدة والنصف بعد منتصف الليل, وبرد الشتاء ( يبرطع ) في شوارع المدينة .. يخترق البوابات الحديدية والأبواب الخشبية , ومسامات البيوت وحجرات الشقق وأسرَّة الراحة . عيون الدكاكين أُغْلقت ونامت .. الصمت يبتلع الأشياء .. العيال والزوجة يأكلون الأرز مع الملائكة .
حاول مصالحة النوم الذي خاصمه دون جدوى .. أطلق آخر نفس من آخر سيجارة في بواقي هواء حجرة مكتبه حتى امتلأ صدرها بالدخان الرمادي القاتم . أنفاس متلاحقة تعلن عن فقدان شيء عزيز لديه . تخير من بين الأفكار التي تراوده وتحدثه بها نفسه ..
ماذا لو طرقت باب جاري في الشقة السفلية ..؟! نعم هو قريبي .. ولكن ما يدريني أنه موجود .. أو جائز لديه ظروف مرضية .. أو .. أو ..
ياااه .. ملعون أبو السجاير .... !!
أطلق زفرة تعلن عن نفاد آخر كمية صبر لديه ..
ـ أُف .. وبعدين بقى ..!!
احمرت عيناه .. قطرات من العرق تتساقط من جبينه .. تسلل خفاش الصداع إلى رأسه..
ـ يا هووه .. خلاص هاتجنن ..!!
ضاقت عليه الدنيا بما رحبت .. أحس بحوائط الشقة تطبق عليه .. السقف كاد أن يرتطم برأسه . وقف في صالة الشقة .. حاول الامتداد بالبحث .. لكن كيف والدنيا أصبحت كخرم إبرة . فجأة أطلق صيحة دوَّت في كيانه .. خبط بكف يده على جبهته , فتناثرت حبات العرق من فوقها ..!!
ـ هيّه دية .. ولا سبيل غيرها..
انطلق خارجاً من باب الشقة , ليجد ابنه الجامعي قد قَلَبَ صفيحة الزبالة ويده ممسكة ببعض أعقاب السجائر .
...