هَدِيلُكَ أَجْرَى يَا حَمَامَ الأَعَاجِمِ
فَصَاحَةَ شَوقِي فِي لِسَانِ السَّوَاجِمِ
بِرَجْعٍ سَرَى فِي الرُّوحِ حَتَّى كَأَنَّهَا
تَئِنُّ أَنِينَ الطِّفْلِ فِي حِضْنِ فَاطِمِ
يَكَادُ لِطُولِ البَينِ يَبْكِي حِمَامُهَا
عَلَيهَا وَيَجْرِي فِي صُدُورِ الحَمَائِمِ
أُحَدِّثُ فِكْرِي عَنْ حَنِينٍ وَلَهْفَةٍ
وَأَحْرثُ عُمْرِي بَينَ مَاضٍ وَقَادِمِ
وَأَذْرَعُ فِي صَبْرِي دُرُوبًا مِنَ المُنَى
وَأَزْرَعُ فِي صَدْرِي فَسَائِلَ حَالِمِ
أُحَدِّقُ فِي الحَالَينِ صَمْتِي وَشَكْوَتِي
فَأَشْرَقُ فِي الأَمْرَينِ هَمِّي وَعَالَمِي
كَأَنِّي فُؤَادٌ لَمْ تَزُلْ عَنْهُ وَحْشَةٌ
عَلَى طِيبِ أَنْسَامٍ وَراحَةِ نَاعِمِ
بِدَارٍ رِدَاءُ العَيشِ فِيهَا مُهَفْهَفٌ
عَلَى جِيدِ حَسْنَاءِ العُلا وَالمَعَالِمِ
كَأَنَّ مِنَ الفِرْدَوسِ سَاقَتْ دَلالَهَا
عَلَى الأَرْضِ تُغْرِي كُلَّ سَامٍ وَسَائِمِ
وَمِنْ شَأْنِهَا مِنْ كُلِّ حُسْنٍ سَجِيَّةٌ
وَمِنْ كُلِّ عَينٍ رُقْيَةٌ بِالتَّمَائِمِ
لَهَا فِي اجْتِبَاءِ الحِسِّ مَا لَيسَ يُتَّقَى
وَلَمْ يُلْهِهَا عَنْ حُسْنِهَا بَرْدُ وَاسِمِ
فَتَصْفُو بِهَا الأَنْفَاسُ مِنْ غَيرِ عِلَّةٍ
وَيَزْهُو بِهَا الإِحْسَاسُ فَوقَ النَّعَائِمِ
وَيَهْمِسُ فِي الآصَالِ مَكْنُونُ فِتْنَةٍ
كَصَبٍّ يَبُوحُ العِشْقَ مِنْ صَدْرِ كَاتِمِ
سَمَاءً حَبَاهَا القُطْبُ خَدًّا مِنَ السَّنَا
وَأَرْضًا كَسَاهَا العُشْبُ خُضْرَةَ دَائِمِ
تَرَى الشَّمْسَ مِنْهَا فِي حُنُوٍّ وَرِقَّةٍ
تُرَاعِي الذِي فِيهَا بِهَمْسَةِ هائم
عَصَافِيرَ تَشْدُو فِي عَذَارَى خَمَائِلٍ
وَأَرْآمَ تَغْدُو فِي وَدَاعَةِ سَاهِمِ
فَتَمْرَحُ لا لأْيًا يَشُوبُ وَلا أَذَى
وَتَسْرِي تُنَاجِي بِالرِّضَا ثَغْرَ بَاسِمِ
وَيَنْضَحُ فِي التُّفَاحِ فَوْحٌ وَفِي الرُّبَى
أَقَاحٍ وَفِي الغَابَاتِ بَوْحُ الكَمَائِمِ
وَفِي شَاطِئِ الأَحْلامِ فِي دَهْشَةِ الرُّؤَى
بُحَيرَاتِ سِحْرٍ حَانِيَاتِ النَّسَائِمِ
يَطِيرُ السّنُونُو فِي مَدَى الأُفْقِ آمِنًا
وَيَلْهُو إِوَزٌّ بَينِ مَاشٍ وَعَائِمِ
بِجَوٍّ مَتَى اسْتَهَوَى أَطَابَ رَبِيعُهُ
مَشَاعِرَ مَفْؤُودِ المُنى وَالمُنَادِمِ
وَأَعْجَبُ مَا فِي الطَّقْسِ أَنَّ خَدِينَهُ
يَرَى فِي نَهَارِ الصَّيفِ كُلَّ المَوَاسِمِ
وَتَرْسُمُ أَوْرَاقُ الخَرِيفِ مَتَى الْتَقَتْ
عَلَى صَفْحَةِ الأَلْوَانِ لَوْحَةَ وَاجِمِ
وَيَتْلُو الشِّتَاءُ المَرْمَرِيُّ عَلَى الوَرَى
طَوِيلَ مُتُونِ اللَيْلِ نَجْوَى الغَمَائِمِ
فَيُهْدِي عَرُوسَ الأَرْضِ ثَوبَ زِفَافِهَا
وَيَكْسِي رُؤُوسَ الأَيْكِ بِيضَ العَمَائِمِ
وَإِنَّ السُّويدَ الدَّارُ مَا جَارَ أَهْلُهَا
يُسَرُّ بِهَا جَارٌ وَيُرْوَى بِهَا ظَمِي
بِشَعْبٍ نَقِيِّ النَّفْسِ سَامٍ مُهَذَّبٍ
أَلُوفٍ عَطُوفٍ كَالبُدُورِ الرَّوَائِمِ
لَدَيْهمْ مِنَ الأَخْلاقِ دِينٌ كَأَنَّهُ
عَلَى دِينِنَا لَولا اقْتِرَاف المَحَارِمِ
وَلَوْ عَلِمُوا مَا الوِزْرُ فِيهَا لأَقْلَعُوا
وَلَكِنْ أَضَلَّ الرَّأْيَ عُرْفُ التَّرَاجِمِ
أَجِرْنِي مِنَ الأَحْزَانِ يَا قَلْبُ إِنَّنِي
أُكَلِّمُ مِنْهَا النَّفْسَ وَالوَجْدُ كَالِمِي
أَنَا المُطْبِقُ الأَجْفَان وَالشَّوكُ فِيهِمَا
أَحِنُّ إِلَى الأَوْطَانِ حَيثُ انْتَمَى دَمِي
أُسَافِرُ فِي النِّسْيَانِ عَنْ وَجْهِ رَاحِلٍ
وَأَبْحَثُ فِي الإِنْسَانِ عَنْ قَلْبِ رَاحِمِ
وَأَجْرَعُ مِنْ كَأْسِ النَّوَى وَابْنَةِ الأَسَى
وَأَقْرَعُ مِنْ أَمْرٍ جَرَى سِنَّ نَادِمِ
كَأَنِّي وَخَيلِي فِي مَفَاوِزَ مِنْ لَظَى
وَأَنِّي وَأَهْلِي فِي صَقِيعِ العَزَائِمِ
وَمَا حَاجَةُ المَقْرُورِ مَاءٌ وَمَطْعَمٌ
وَلَكِنْ دِثَارُ الدِّفْءِ قَبْلَ المَطَاعِمِ
وَلِي فِي حَنَايَا القَلْبِ رَجْفَةُ تَائِقٍ
لِتِلْكَ الرَّوَابِي مِنْ ديَارِ الأَكَارِمِ
لأَهْلٍ هُمُ الأَبْرَارُ فِي كُلِّ مَحْفَلٍ
وَصَحْبٍ هُمُ الأَخْيَارُ مِنْ نَسْلِ آدَمِ
فَمَنْ لِي بِهَاتِيكَ الدِّيَارِ أَضُمُّهَا
وَأَرْوِي ثَرَاهَا بِالدُّمُوعِ البَوَاسِمِ
إِذَا صَالَحَتْ صَدْرِي نَسَائِمُ أَرْضِهَا
فَلَسْتُ أُبَالِي بِاخْتِنَاقِ الحَلاقِمِ
سَلامٌ عَلَى الأَرْضِ التِي طَابَ رِيحُهَا
وَبُورِكَ مَا فِيهَا لِكُلِّ العَوَالِمِ
سَلامٌ عَلَيهَا مَا تَنَادَى مُؤَذِّنٌ
وَمَا سَجَدَتْ للهِ هَامَةُ صَائِمِ
سَلامٌ عَلَيهَا مَا اعْتَلَى الخَيلَ فَارِسٌ
وَمَا نَافَحَتْ بِالعِزِّ كَفُّ مُقَاوِمِ
دِيَارِي هُنَا فِي القُدْسِ مُهْجَةُ عَاشِقٍ
هَنَاءَتُهَا فِي حِضْنِ أَغْلَى العَوَاصِمِ
وَفِي غَزَّة الأَحْرَارِ فِي ضَفَّةِ العُلا
وَيَافَا وَحَيفَا وَالجَلِيلِ وَسَالِمِ
لَهَا فِي دَمِى عَهْدٌ وَحَقٌّ مُقَدَّسٌ
وَذَلِكَ مَا لا يَنْقَضِي بِالتَّقَادُمِ
فَمَا حِكْمَةُ الثَّرْثَارِ أَفْرَطَ فِي الجَدَا
وَفَرَّطَ جَهْرًا بِالحُقُوقِ اللَوَازِمِ
وَحَاصَرَ فِي الأَكْنَافِ قَوْمًا أُولِي هُدَى
أَشَاوِسَ أَرْبَابَ النَّدَى وَالمَكَارِمِ
وَمَا عَذْلُ مَظْلُومٍ بِعَدْلٍ لِذِي حِجَى
رَمَى فِي نُحُورِ المُعْتَدِينَ بِمَا رُمِي
عَلَى أَنَّ جَوْرَ العَارِفِينَ مُذَمَّمٌ
وَشَرُّ الذِي يُعْتَادُ فَتْوَى لآثِمِ
سَأَرْجِعُ يَا دَارِي وَإِنْ نَاجَزَ المَدَى
بِبِيضِ الأَيَادِي أَوْ بِحُمْرِ المَلاحِمِ
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الأَرْضِ أَعْطَتْ كُنُوزَهَا
لَمَا بِعْتُ شِبْرًا مِنْ طُلُولٍ رَوَاسِمِ
فَمَا عِشْقُ أَوْطَانٍ يُبَاعُ وَلَوْ جَفَا
وَلا صِدْقُ حُبٍّ يُشْتَرَى بِالدَّرَاهِمِ
سَأَرْجِعُ مِثْل الفَجْرِ يَقْتَحِمُ الدُّجَى
وَأَحْمِلُ مفْتَاحِي بِلَذَّةِ غَانِمِ
وَأَهْتِفُ فِي الأَيَّامِ وَالتِّينُ فِي يَدِي
أَلا إِنَّ بَعْدَ العُسْرِ حُسْنَ الخَوَاتِمِ