قُصِّي بَقَايَا قِصَّةِ الأَمْسِ
وَابكِي عَلَى الآثَارِ يَا نَفْسِي
وَتَلَمَّسِي مِنْ سِيرَةٍ دَرَسَتْ
مَا كَانَ مِنْ شَأْوٍ وَمِنْ شَأْسِ
المَجْدُ كَانَ النَّجْمَ مَنْزِلُهُ
وَاليَومَ بَعدَ الهُونِ فِي الرَّمْسِ
وَالقَومُ قَدْ كَانُوا عَلَى شَرَفٍ
وَاليَومَ أَسْرَى الذُّلِّ وَالدَّسِّ
المَرْءُ فِيهمْ فِي الوَرَى ثَمِلٌ
مِنْ خَمْرِ مَا فِي الكِيسِ وَالكَأْسِ
يَجْتَرُّ مَا يَحْيَا بِكَأْسِ هَوَى
بَينَ الْتِذَاذِ الغَنْجِ وَالمَيسِ
وَيَهِيمُ فِي الآفَاقِ مُفْتَخِرًا
مُسْتَمْتِعًا فِي مَجْلِسِ الأُنْسِ
أَصْلِي إِلَى الأَمْجَادِ مُنْتَسِبٌ
إِنِّي أَنَا العَرَبِيُّ مِنْ عَبْسِ
إِنِّي أَنَا شَدَّادُ عَنْتَرُهُ
يَشْكُو مِنَ التَّمْيِيزِ فِي الجِنْسِ
إِنْ ثَمَّ بَأْسٌ قُمْتُ أَنْشُدُهُ
وَمَتَى انْتَهَى أُلْقِيهِ فِي الحَبْسِ
إِنِّي لِكُلِّ كَرِيهَةٍ بَطَلٌ
مُتَأَهِّبٌ بِالسَّيفِ وَالتُّرْسِ
وَأَذُودُ عَنْ دِينِي وَعَنْ وَطَنِي
فِي بَحْرِ مَا يَأْسَى وَفِي اليَبْسِ
كَالبَينِ بَانَ الزُّورُ فِي فَمِهِ
فَالبَيتُ لا يُبْنَى بِلا أُسِّ
إِنْ جِئْتَ تَسْأَلُ مَا أَعَدَّ لَهَا
يُخْبِرْكَ عَنْ لَيلَى وَعَنْ قَيسِ
أَو قُمْتَ تَطْلبُ مِنْهُ كَفَّ فِدَى
أَلْقَى بِأَيْدٍ فِي الوَغَى خُرْسِ
مَا لِلمُؤَمِّلِ بَيضَ ثَرْثَرَةٍ
إِلا النَّدَامَةُ سَاعَةَ الفَقْسِ
مَنْ لَمْ يَقُمْ لِلأَمْرِ مُبْتَدِرًا
ذَاقَ امْتِهَانَ القَهْرِ وَالنّكْسِ
وَمَنْ احْتَسَى فِي الصُّبْحِ خَمْرَتَهُ
فَعَلَى ثُمَالَةِ كَأْسِهَا يُمْسِي
مَا لِلعُرُوبَةِ حَطَّ طَائِرُهَا
غَضَّ الجَنَاحِ مُطَأْطِئَ الرَّأْسِ
أَظْفَارُهُ بِالخَوفِ قَلَّمَهَا
وَاخْتَارَ قَلْعَ النَّابِ وَالضِّرْسِ
أَغْضَى وَكَفُّ الذُّلِّ تَلْطمُهُ
فَالقَدْرُ بَينَ النَّهْشِ وَالنَّهْسِ
إِنَّ الحِمَارَ إِذَا أُسِيءَ لَهُ
رَدَّ الإِسَاءَةَ عَنْهُ بِالرَّفْسِ
وَالبَّغْلُ يَحْرُنُ حِينَ نَجْلدُهُ
وَالدُّودُ يُنْتِنُ سَاعَةَ الدَّعْسِ
وَالحُرُّ أَكْرَمُ أَنْ يُنَازِعَهُ
غِرٌّ فَكَيفَ النَّزْعُ بِالطَّمْسِ
يَا طِيبَ أَيَّامٍ مُحَجَّلَةٍ
تَسْمُو عَلَى كَينُونَةِ الحَدْسِ
قَعْسَاءَ لَمْ تَرْفَعْ بَيَارِقَهَا
إِلا لِتَغْرِسَ أَطْيَبَ الغَرْسِ
وَلَّتْ سُنُونُ العِزِّ مُدْبِرَةً
فَاسْتَرْجِعِي يَا أُمَّةَ الخَمْسِ
وَمِنِ الأُصُولِ اسْتَوْرِقِي أَمَلا
نَنْجُو بِهِ مِنْ حَنْظَلِ اليَأْسِ
لَنْ تَسْتَقِيمَ إِلَى العُلا سُبُلٌ
إِلا بِمَنْهَجِ أَشْرَفِ الإنْسِ
بِالدِّينِ قَدْ قُدِّمْتِ فِي أُمَمٍ
وَسَبَقْتِ مَجْدَ الرُّومِ وَالفُرْسِ
وَبِهِ تَعُودُ لَنَا كَرَامَتُنَا
تَزْهُو بِلا نَخْشٍ وَلا نَخْسِ
يَا أُمَّةَ الإِسْلامِ تَاقَ لَكُمْ
فِي القِبْلَةِ الأُولَى أُولُو بَأْسِ
سَبَقُوا إِلَى المَيدَانِ فِي شَمَمٍ
يَفْدُونَ دِينَ اللهِ بِالنَّفْسِ
أَنْوَارُهُمْ تَسْعَى عَلَى سُرُجٍ
وَخِطَابُهُمْ يَسْمُو عَنِ الجَرْسِ
لا يَفتَرُونَ العُذْرَ مِنْ وَهَنٍ
أَو يَشْتَرُونَ العَيشَ بِالبخْسِ
مِنْ غَزَّةَ انْطَلَقَتْ بِشَارَتُهُمْ
وَغَدًا تُزَيِّنُ مَفْرقَ الشَّمْسِ
لَكِنَّهُمْ فِي الخَطْبِ قَدْ تُرِكُوا
أَسْرَى الحِصَارِ وَبطْشَةِ الرِّجْسِ
فَهَلِ الرِّجَالُ تَهبُّ مُنْجِدَةً
لِلأَهْلِ قَبْلَ تَرَجُّلِّ البُؤْسِ
وَهَلِ الليَالِي المُقْبِلاتُ غَدًا
تُنْسِي الشُّعُوبَ مَرَارَةَ الوَكْسِ
إِنِّي لأُشْفِقُ أَنْ تُنَازِعَنَا
عَنْ دَارِ خَولَةَ سطْوَةُ الدَّرْسِ
وَنَهُونُ لا نَبْكِي عَلَى طَلَلٍ
وَنَخُونُ لا نَحْيَا عَلَى حَرْسِ
مَا نَفْعُ دَمْعِ الرَّوعِ نَسْكُبُهُ
مِنْ بَعْدِ وَقْعِ الفَأْسِ فِي الرَّأْسِ
سَلُّوا الكَوَاكِبَ عَنْ مَوَاقِعِهَا
فِي الأُفْقِ إِنْ تَعْتَلّ بِالخَنْسِ
وَسَلُوا العَرُوسَ عَنْ ابْتِسَامَتِهَا
إِنْ فَرَّ عَنْهَا صَاحِبُ العُرْسِ
يَا مَنْ يُسَاوِمُ عَنْ مَوَاطِنِنَا
بِالرَّقْصِ فِي غُرَفٍ وَباِلهَمْسِ
أَوْطَانُنَا مِنْ حَقِّ أُمَّتِنَا
وَالحَقُّ مُمْتَنِعٌ عَنِ اللَّمْسِ
وَالسِّلْمُ تَسْلِيمُ الحُقُوقِ لَنَا
فِي الكَفِّ لا مَا خُطَّ فِي الطِّرْسِ
لا رُشْدَ إِلا فِي اتِّبَاعِ هُدَى
فَاصْدَعْ بِذَلِكَ يَا "أَبَا العبْسِ"
مَا شَدُّ أَزْرِ هُدَى بِرَجْعِ صَدَى
إِلا كَشَدِّ القِسِّ لِلقَوْسِ
فَالطُّهْرُ لا يُمْتَاحُ مِنْ نَجَسٍ
وَالدِّبْسُ لا يُرْجَى مِنِ النِّمْسِ
وَالخْطْبُ لا يُعْتَادُ مِنْ سَرَفٍ
وَالدَّرْبُ لا يُرْتَادُ بِالهَجْسِ
لَيسَ الذِي يَخْشَى عَلَى وَطَنٍ
مِثلَ الَّذي يَخْشَى عَلَى الكُرْسِي
كَانَتْ فِلِسطِينُ الشَّذَا بِدَمٍ
فَاخْتَرْتَ بَيعَ الطِّينِ بِالفِلْسِ
هِيَ دُرَّةٌ فِي النَّفْسِ مَا بَرحَتْ
كَضِيَاءِ فَجْرٍ طَاهِرِ الحِسِّ
وَالطَيرُ مَا احْتَمَلَتْ مُهَاجِرَةً
إِلا لِتَرْجعَ فِي غَدٍ يُؤْسِي
مَهْمَا اسْتَطَالَ مَدَى وَسَامَ رَدَى
وَتَآمَرَ البَاغُونَ بَالأَلْسِ
سَنُعَانِقُ الأَقْصَى وَمَوعِدُنَا
يَا أَيُّهَا الأَحْرَارَ فِي القُدْس