أسوَد
-كلمة اللقا : مع جوازها ضعيفة لفظاً , و لكنها قوية معنىً كما سيأتي
وبإمكان القارئ أن يجربها لفظاً ليدرك أن هناك بعضَ الصعوبة في لفظها
والجواز ضعف و ليس قوة
ولا يلجأ الشاعر الى الجواز إلا اضطراراً
ولو تأملنا البيت جيداً لعلمنا أنّ الأخذ بالجواز كان اضطراراً و ليس بلاغة .
فليس هناك ما يدل على لفتة بلاغية معينة في استعمال الكلمة .
- كيف كان اللقا وكيف السلام
الشاعر كان يقصد : كيف كان اللقا وكيف كان السلام
حذف الفعل الناقص كان من الجملة المعطوفة لضرورة الوزن
ومع جواز الأمر إلا أنه ضعيف , لأنه ابتعد بسبب الضرورة عما أراد تماما من المعنى .
تقول :
كيف كان لقاء محمد , وكيف كان سلامه ؟
أو:
كيف كان لقاء محمد وسلامه ؟
تقصد : كيف كان لقاء محمد عندما التقيته , وكيف كان سلامه أيضاً عندما التقيته .
ولكنك إن قلت :
كيف كان لقاء محمد و كيف السلام , فإنك تكون قد وقعت في خطأ يتعلق بالزمن
فإن قولك : فكيف السلام , يفيد الحاضر , أي كيف هو السلام .
أما قولك : كيف كان السلام , فيفيد الماضي .
والعطف في الشطر لم يكن عطف كلمة على كلمة : كيف كان لقاء محمد و سلامه
ولا عطف جملة على جملة : كيف كان لقاء محمد و كيف كان سلامه
بل كان بين هذا و ذاك , مما يعتبر ضعفاً و خطأ بلاغياً .
-أطنبي : كلمة في محلها معنىً كما سيأتي , و لكنها ليست مناسبة لفظاً .
- أما المنادى : ختام , فهو أسُّ المشكلة في هذا البيت.
من هي ختام التي يناديها الشاعر ؟
اذا كانت هي أمه ( رحمها الله ) كان في الأمر شيء من الخروج عن اللباقة
فليس من المحبب و لا المستحسن أبداً أن ينادي الولد أمه باسمها وهي حية
فكيف يناديها باسمها الصريح وهي في عالم آخر له من الهيبة ما يُعلم وما لا يُعلم
هذا العالم الغيبي يلزمه أدباً وخوفاً و رهبة ليناديها بالكلمة الأرقى في هذا الشأن وهي كلمة : أمي
ولا أذكر أني قرأت في الشعر العربي لأحدٍ نادى أمه باسمها حية أو ميتة .
وإذا كان المنادى أحداً غير أمه رحمها الله , فالأمر يكون أكثر غرابة .
فمن هي تلك التي ناداها باسمها و لم يقدم لها ولم يؤخر ؟
وما علاقتها بما جرى من أمر السلام و اللقاء حتى تنقل الخبر إليه ؟
أبيض :
من الإبداع في هذا البيت أن الشاعر خرج على المألوف
ولم يبدأ القصيدة بالحزن و التفجع و البكاء كما هو حال معظم الشعراء في الرثاء كقول جرير :
|
لولا الحياءُ لهاجني استعبارُ |
ولزرت قبرك و الحبيب يُزارُ |
|
|
ولكن الشاعر استهل القصيدة بما عنده من علم عن ورع أمه و تقاها
وما عنده من العلم عن وعد الله لمن مثلها من الصالحات
فمزج بين العِلمين وجعل سؤالَه لها عن لقاء الملائكة لها دعاءً للرحمن بأن يستقبلها الملائكةُ البررة استقبالَ الصالحات الذي وُعدنَ به .
ولأنها صالحة ويعتبر موتها نوعاً من الشهادة
( ونحن ندعو الله أن يحتسبها عنده كذلك)
فإن الشاعر سألها كأنه يراها وقال : أخبريني وأطنبي , لأن الشهيدَ عند الله حيٌّ يرزق .
وقد أسلفت أن كلمة أطنب غير موفقة لفظاً و لكنها موفقة في المعنى بسبب :
أن الإطناب هو الإكثار و المبالغة
ولذلك فإن الشاعر من شدة شوقه إليها بعد الفراق الذي سببه الموت , طلب أن تخبر وتكثر من ذكر التفاصيل.