أحدث المشاركات
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 11

الموضوع: البَائِسُون ...

  1. #1
    أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2011
    الدولة : خارج التغطية
    العمر : 44
    المشاركات : 5,087
    المواضيع : 206
    الردود : 5087
    المعدل اليومي : 1.09

    Exclamation البَائِسُون ...

    البَائِسُون

    بقلم / ربيع بن المدني

    في لَيلَةٍ من لَيالي الصّيف المفعمَة بالحرارة جلسَ عبدُ الواحِد إلى أولادِهِ بعد عودتِه من عمَلِهِ وهو منهك القوى تعبانُ الجسم ، وعلى قَسَماتِ وجهه كآبة خرساء وحزنٌ عميق وقنوطٌ رهيب ...سأل ابنَهُ الأكبرَ عن أمّه لأنّه لم يرَ لها أثراً في فناء البيت كما هي عادتها ، فأخبره بأنّها مريضةٌ وهي طريحة الفراش في غرفة نومها...
    سمع كلامَ ابنه وكأنّ دلواً من الماء المثلّج صُبّ على ظهره في ليلة باردة ..انطلقَ صوبَ الغرفة كأنّه السّهم ، فوجدها تتألّم في صمتٍ وقد رسمَ المرضُ على وجهها البريء ضُرُوبا من الشّقاء وأنواعاً من التّعاسة وكأنها قد نيّفت على الخمسين من عمرها وهي لم تبلغ لعقدها الثالث بعدُ ! ..نظرَ إليها نظرةً مِلْؤُها الحنانُ والعطفُ والشّفقةُ ( ومن الحنانِ ما يُهلكُ ) ، وحطّ على قلبه همّ ثقيلٌ وتملّكته حيرة وتولاّهُ شعور بالضّيق وأمسك بخناقهِ الحزن والغمّ والهمّ ، وهو لا يملك إلا قوتَ أبناءه الصّغار ( زغب الحواصل لا أرضٌ ولا شجرُ !) ..وضع يده على جبينها وهو يردّد :
    أنا عالِمٌ بالحزن منذ طفولتي ...رَفِيقِي فما أُخْطِيهِ حينَ أقابِلُهْ
    فهاله شدة حرارة جسمها وخفقان قلبها .. ففتحت أعينها ببطئ ونظرت إليه وقد حزّ في نفسِها أن ترى زوجَها يسكبُ العَبَرات ويُطلق الزّفرات وقد لاحَ في وجهه التّذمر والامتعاظ وفهمت أنّه يتحسّر على قلّة ذات يده وهي تتألّم أمامه وهو لا يحرّك ساكنا ولا يسكّن مُتحرّكا ..فقالت بثقة : لا تبكِ يا عبدَ الواحد وتذكّر قولَ ربنا عزّ وجلّ : {إنّا وجدناهُ صابرا نِعْمَ العبد إنّه أوّاب} .. ( وخَفِّضْ مِنْ حُزْنِكَ ، وكَفْكِفْ من دَمْعِكَ فما أَنْتَ بأَوَّلِ غَرَضٍ أصابَهُ سَهْمُ الزَّمان وما مُصابُكَ بأول بِدْعَةٍ طَريفَةٍ في جريدةِ المصائب والأحزان ..) ...
    وقعَ كلامُها عليه موقعَ السّياط وإذا به ينتفضُ كأنّ سلكاً كهربائيا قد مسّه
    فقبّلها على جبينها وقال : لله درّك من زوجة ، أطال الله عمرك ومتّعنا ببقاءك .. ولكن لابد من فعل شيء ، سأذهب لأبيع جوّالي وأشتري لك دواءً ، قالت : لا تفعل أرجوك سيأتي الله بالشفاء . فقال : لابد من اتخاذ الأسباب ، وقد ضقت صدْراً بهذا الهاتف أيضا الذي تأتني من خلاله رسائلُ أصحاب الدّيون فبيْعُهُ هو الحزمُ ...وخرج لا يلوي على شيءٍ ، فلما توسّط البيتَ حيثُ يجلسُ أبناءه سمع إحدى المذيعات على التلفاز وقد أثقل وجهَهَا الطّلاءُ الفاضحُ كما أثقل كاهلَه الشّقاءُ والتعاسةُ والفقرُ المذقعُ تقول : إنّ المغنيّةَ البغي (( شاكيرا)) قد طلبوا منها أن تحيي سهرة في أحد البلدان العربية بمبلغ مقداره مليار ونيّف وقالت لهم سأفكر في الأمر !!...فأخذ التلفاز بهدوء بعدما أطفأه وأقسم ألا يتركه في هذا البيت وقد ملّ من سُخرية وتهكّم الأوغاد والأوباش والسّافِلُين الذين لا يرقبون في مؤمن إلاّ ولا ذِمّة ،..ولِمَ لا ؟ فثَمَنُهُ فرصةٌ سانحة لشراء الدّواء الكافي لزوجه التي تموت أمامه ، ولتذهب الإذاعة و شاكيرا ومن طلب منها ذلك إلى الجحيم ...ولاَ ضيَر :
    فأخو الجهالةِ في الشّقاوةِ ينعَمُ
    وبينَا هو غارق في خليط من الأفكار ورأسه يعجّ بكثير من التساؤلات عن هذه التّناقضات التي يراها في هذا الزمان الذي أبقى له ذنبا واستؤصل الرأسُ !! قطعَ عليه ابنُه حبلَ أفكاره بقوله : لقد جاءت فتورة الماء والكهرباء والكراء يا أبي ..فتبسّم بحنق وأرسل ضحكة تفاجأت منها الزّوجةُ القابعةُ في غرفتها ، ثم أنشدَ وقد بلغ منهُ اليأسُ منتهاه والكآبةُ تَرينُ على صدره وهو يرزَحُ تحتَ رحمة الأخبار السّيئة التي تصرع ذا اللّب حتى تجعله لا حراك به ، (( ويا لها من حياة هي بالمأساة أشبه)) :
    رماني الدّهرُ بالأرزاء حتّى ... فؤادي في غشاء مــن نبالي
    فصرتُ إذا أصابتني سهام ... تكسّرت النّصالُ على النّصال
    وهَانَ فَما أُبَالِي بالـرّزايا ... لأنّي مــا انتفَعتُ بأن أبالي
    أخي القارئ ما أنت بالحالم ولا النّائم وقد آن لك أن تصدّق عينيك ، فهذه صورة حقيقية مصغّرة للفقراء والمعوزّين الذين يعيشون في دُوَل يزعمُ أربابها أنّ دينها الرّسمي هو الإسلام ....فالفقير منّا يعيشُ حياةً أسوأ من حياة هِرّ ، وأفضل قليلا من حياة كلب !! ومنَ الحقائِق ما هو أعجبُ من الخيال ... والله المستعان ....


    وكتب ربيعُ بنُ المدني السملالي في يوم الثلاثاء 5 يوليوز 2011

  2. #2
    الصورة الرمزية صفاء الزرقان أديبة ناقدة
    تاريخ التسجيل : Mar 2011
    المشاركات : 715
    المواضيع : 31
    الردود : 715
    المعدل اليومي : 0.15

    افتراضي

    احترت في وصف ما قرأت فهل اعتبرها قصة ام واقعاً ؟
    صورة رائعة صادمة و قاسية . رائعةٌ لتصويرها حال زوجٍ
    حنون سخي برغم ضيق ذات اليد وهو ما يرفع قدره اكثر و اكثر
    ابٌ حريص فطن فهو لم يقرر بيع التلفاز لكي يلبي حاجة اهله المادية
    فحسب وانما حرصاً منه على عقول ابنائه و اخلاقهم . و زوجة مُتفهمة لظروف زوجها
    قانعة راضية وشاكرة لكل ما يقوم به من اجلهم.
    صادمةٌ لانها تضعنا وجهاً لوجه مع حقيقةٍ غابت عنا
    فنقلتنا الى بيت كل ذي حاجة فلم ننظر للهذا البيت من الخارج
    وانما رأينا ما تضمه جدرانه من ألمٍ و ضيق .
    قاسية لصدقها و واقعيتها .
    رائعٌ ما اقتبسته من ابياتٍ شعرية تم توظيفها بشكل جميلٍ في النص
    فزاد ألق النص. فالبطل لم يكن شخصاً عادياً وانما انساناً مُثقفاً وهو
    ما رأيناه من خلال استشهاده ببعض الأبيات الشعرية فمثل شطر البيت
    الذي استشهد به "ذو العلم يشقى في النعيم بعقله" .

    دمت بخير
    تحيتي و تقديري

  3. #3
    أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2011
    الدولة : خارج التغطية
    العمر : 44
    المشاركات : 5,087
    المواضيع : 206
    الردود : 5087
    المعدل اليومي : 1.09

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صفاء الزرقان مشاهدة المشاركة
    احترت في وصف ما قرأت فهل اعتبرها قصة ام واقعاً ؟
    صورة رائعة صادمة و قاسية . رائعةٌ لتصويرها حال زوجٍ
    حنون سخي برغم ضيق ذات اليد وهو ما يرفع قدره اكثر و اكثر
    ابٌ حريص فطن فهو لم يقرر بيع التلفاز لكي يلبي حاجة اهله المادية
    فحسب وانما حرصاً منه على عقول ابنائه و اخلاقهم . و زوجة مُتفهمة لظروف زوجها
    قانعة راضية وشاكرة لكل ما يقوم به من اجلهم.
    صادمةٌ لانها تضعنا وجهاً لوجه مع حقيقةٍ غابت عنا
    فنقلتنا الى بيت كل ذي حاجة فلم ننظر للهذا البيت من الخارج
    وانما رأينا ما تضمه جدرانه من ألمٍ و ضيق .
    قاسية لصدقها و واقعيتها .
    رائعٌ ما اقتبسته من ابياتٍ شعرية تم توظيفها بشكل جميلٍ في النص
    فزاد ألق النص. فالبطل لم يكن شخصاً عادياً وانما انساناً مُثقفاً وهو
    ما رأيناه من خلال استشهاده ببعض الأبيات الشعرية فمثل شطر البيت
    الذي استشهد به "ذو العلم يشقى في النعيم بعقله" .

    دمت بخير
    تحيتي و تقديري
    ما شاء الله سرّتني جدا هذه القراءة النّقدية لهذه القصّة المتواضعة / فبارك الله فيك ودمت ودام الهطولُ المنتظرُ ...
    دمت موفقة كما أنت الآن ...
    أنــــا لا أعترض إذاً أنا موجود ....!!

  4. #4
    الصورة الرمزية آمال المصري عضو الإدارة العليا
    أمينة سر الإدارة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Jul 2008
    الدولة : Egypt
    المشاركات : 23,788
    المواضيع : 392
    الردود : 23788
    المعدل اليومي : 4.13

    افتراضي

    نص رائع بحجم ماتضمنه من مأساة وألم
    وجاء شاملا لجوانب كثيرة من حياة التحفتها الجدران
    هي حكاية من الكثير من الحكايا التي يحياها البؤساء صيغت بأسلوب آلمني
    حيث كان التصوير مشهدا متحركا استطاع فيها أديبنا الرائع تجسيد الكلمات فبدت لنا كأنها مرئية
    أرفع القبعة لقلمك الثر
    ومرحبا بك في ربوع الواحة
    تحيتي الخالصة
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  5. #5
    أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2011
    الدولة : خارج التغطية
    العمر : 44
    المشاركات : 5,087
    المواضيع : 206
    الردود : 5087
    المعدل اليومي : 1.09

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رنيم مصطفى مشاهدة المشاركة
    نص رائع بحجم ماتضمنه من مأساة وألم
    وجاء شاملا لجوانب كثيرة من حياة التحفتها الجدران
    هي حكاية من الكثير من الحكايا التي يحياها البؤساء صيغت بأسلوب آلمني
    حيث كان التصوير مشهدا متحركا استطاع فيها أديبنا الرائع تجسيد الكلمات فبدت لنا كأنها مرئية
    أرفع القبعة لقلمك الثر
    ومرحبا بك في ربوع الواحة
    تحيتي الخالصة
    الأخت الأديبة رنيم حضور مميز ورائع كروعة تعليقك فشكر الله لك / ..

  6. #6
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.70

    افتراضي

    بعيدا عن الحكاية التي ستجد الكثير من المحتفين لواقعيتها وروعة تصويرها
    فقد وجدت بي رغبة بينما أنا اقرأها لأقول
    هكذا يجب ان تكون اللغة
    وهكذا تحلو النصوص وتطيب للقاريء جولته فيها

    تعجبني لغتك أيها الكريم

    دمت بألق
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

  7. #7
    أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2011
    الدولة : خارج التغطية
    العمر : 44
    المشاركات : 5,087
    المواضيع : 206
    الردود : 5087
    المعدل اليومي : 1.09

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ربيحة الرفاعي مشاهدة المشاركة
    بعيدا عن الحكاية التي ستجد الكثير من المحتفين لواقعيتها وروعة تصويرها
    فقد وجدت بي رغبة بينما أنا اقرأها لأقول
    هكذا يجب ان تكون اللغة
    وهكذا تحلو النصوص وتطيب للقاريء جولته فيها

    تعجبني لغتك أيها الكريم

    دمت بألق
    بارك الله في سعيك أستاذتنا الكريمة ربيحة /
    يشرفني حضورك المشرف بقدر ما يسعدني /
    فدمت ودام ودّك أيتها الرائعة ...

  8. #8
    أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2011
    الدولة : خارج التغطية
    العمر : 44
    المشاركات : 5,087
    المواضيع : 206
    الردود : 5087
    المعدل اليومي : 1.09

    افتراضي

    البَائِسُون

    بقلم / ربيع بن المدني السملالي

    في لَيلَةٍ من لَيالي الصّيف المفعمَة بالحرارة جلسَ عبدُ الواحِد إلى أولادِهِ بعد عودتِه من عمَلِهِ وهو منهك القوى تعبانُ الجسم ، وعلى قَسَماتِ وجهه كآبة خرساء وحزنٌ عميق وقنوطٌ رهيب ...سأل ابنَهُ الأكبرَ عن أمّه لأنّه لم يرَ لها أثراً في فناء البيت كما هي عادتها ، فأخبره بأنّها مريضةٌ وهي طريحة الفراش في غرفة نومها...
    سمع كلامَ ابنه وكأنّ دلواً من الماء المثلّج صُبّ على ظهره في ليلة باردة ..انطلقَ صوبَ الغرفة كأنّه السّهم ، فوجدها تتألّم في صمتٍ وقد رسمَ المرضُ على وجهها البريء ضُرُوبا من الشّقاء وأنواعاً من التّعاسة وكأنها قد نيّفت على الخمسين من عمرها وهي لم تبلغ لعقدها الثالث بعدُ ! ..نظرَ إليها نظرةً مِلْؤُها الحنانُ والعطفُ والشّفقةُ ( ومن الحنانِ ما يُهلكُ ) ، وحطّ على قلبه همّ ثقيلٌ وتملّكته حيرة وتولاّهُ شعور بالضّيق وأمسك بخناقهِ الحزن والغمّ والهمّ ، وهو لا يملك إلا قوتَ أبنائه الصّغار ( زغب الحواصل لا أرضٌ ولا شجرُ !) ..وضع يده على جبينها وهو يردّد :
    أنا عالِمٌ بالحزن منذ طفولتي ...رَفِيقِي فما أُخْطِيهِ حينَ أقابِلُهْ
    فهاله شدة حرارة جسمها وخفقان قلبها .. ففتحت أعينها ببطءٍ ونظرت إليه وقد حزّ في نفسِها أن ترى زوجَها يسكبُ العَبَرات ويُطلق الزّفرات وقد لاحَ في وجهه التّذمر والامتعاظ وفهمت أنّه يتحسّر على قلّة ذات يده وهي تتألّم أمامه وهو لا يحرّك ساكنا ولا يسكّن مُتحرّكا ..فقالت بثقة : لا تبكِ يا عبدَ الواحد وتذكّر قولَ ربنا عزّ وجلّ : {إنّا وجدناهُ صابرا نِعْمَ العبد إنّه أوّاب} .. ( وخَفِّضْ مِنْ حُزْنِكَ ، وكَفْكِفْ من دَمْعِكَ فما أَنْتَ بأَوَّلِ غَرَضٍ أصابَهُ سَهْمُ الزَّمان وما مُصابُكَ بأول بِدْعَةٍ طَريفَةٍ في جريدةِ المصائب والأحزان ..) ...
    وقعَ كلامُها عليه موقعَ السّياط وإذا به ينتفضُ كأنّ سلكاً كهربائيا قد مسّه
    فقبّلها على جبينها وقال : لله درّك من زوجة ، أطال الله عمرك ومتّعنا ببقائك .. ولكن لابد من فعل شيء ، سأذهب لأبيع جوّالي وأشتري لك دواءً ، قالت : لا تفعل أرجوك سيأتي الله بالشفاء . فقال : لابد من اتخاذ الأسباب ، وقد ضقت صدْراً بهذا الهاتف أيضا الذي تأتني من خلاله رسائلُ أصحاب الدّيون فبيْعُهُ هو الحزمُ ...وخرج لا يلوي على شيءٍ ، فلما توسّط البيتَ حيثُ يجلسُ أبناؤه سمع إحدى المذيعات على التلفاز وقد أثقل وجهَهَا الطّلاءُ الفاضحُ كما أثقل كاهلَه الشّقاءُ والتعاسةُ والفقرُ المذقعُ تقول : إنّ المغنيّةَ البغي (( شاكيرا)) قد طلبوا منها أن تحيي سهرة في أحد البلدان العربية بمبلغ مقداره مليار ونيّف وقالت لهم سأفكر في الأمر !!...فأخذ التلفاز بهدوء بعدما أطفأه وأقسم ألا يتركه في هذا البيت وقد ملّ من سُخرية وتهكّم الأوغاد والأوباش والسّافِلُين الذين لا يرقبون في مؤمن إلاّ ولا ذِمّة ،..ولِمَ لا ؟ فثَمَنُهُ فرصةٌ سانحة لشراء الدّواء الكافي لزوجه التي تموت أمامه ، ولتذهب الإذاعة و شاكيرا ومن طلب منها ذلك إلى الجحيم ...ولاَ ضيَر :
    فأخو الجهالةِ في الشّقاوةِ ينعَمُ
    وبينَا هو غارق في خليط من الأفكار ورأسه يعجّ بكثير من التساؤلات عن هذه التّناقضات التي يراها في هذا الزمان الذي أبقى له ذنبا واستؤصل الرأسُ !! قطعَ عليه ابنُه حبلَ أفكاره بقوله : لقد جاءت فتورة الماء والكهرباء والكراء يا أبي ..فتبسّم بحنق وأرسل ضحكة تفاجأت منها الزّوجةُ القابعةُ في غرفتها ، ثم أنشدَ وقد بلغ منهُ اليأسُ منتهاه والكآبةُ تَرينُ على صدره وهو يرزَحُ تحتَ رحمة الأخبار السّيئة التي تصرع ذا اللّب حتى تجعله لا حراك به ، (( ويا لها من حياة هي بالمأساة أشبه)) :
    رماني الدّهرُ بالأرزاء حتّى ... فؤادي في غشاء مــن نبالي
    فصرتُ إذا أصابتني سهام ... تكسّرت النّصالُ على النّصال
    وهَانَ فَما أُبَالِي بالـرّزايا ... لأنّي مــا انتفَعتُ بأن أبالــــي
    .................................................. ...........................
    أخي القارئ ما أنت بالحالم ولا النّائم وقد آن لك أن تصدّق عينيك ، فهذه صورة حقيقية مصغّرة للفقراء والمعوزّين الذين يعيشون في دُوَل يزعمُ أربابها أنّ دينها الرّسمي هو الإسلام ....فالفقير منّا يعيشُ حياةً أسوأ من حياة هِرّ ، وأفضل قليلا من حياة كلب !! ومنَ الحقائِق ما هو أعجبُ من الخيال ... والله المستعان ....


    وكتب ربيعُ بنُ المدني السملالي في يوم الثلاثاء 5 يوليوز 2011

  9. #9
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,156
    المواضيع : 318
    الردود : 21156
    المعدل اليومي : 4.94

    افتراضي

    نص بليغ المعنى ـ عميق الفكرة ـ قاسية .. مؤلمة
    ألم الفقر والعوز ـ اللغة بديعة متقنة
    والتعابير ملفتة تركيبا وصورا
    لقلمك أسلوب جميل ساحر
    سلمت وسلم القلم
    تحياتى .

  10. #10
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : May 2012
    المشاركات : 4,790
    المواضيع : 82
    الردود : 4790
    المعدل اليومي : 1.10

    افتراضي

    أخي الفاضل / عبدالسلام لم أقرأ بعيني ولا بلسانيهنا إنماقرأتُ بقلبي واحتفظتُ بقصتك منحوتة فيه , القصة الجميلة المميزة هي التي لاينساها القارئ على الغالب وأرى ماكتبت من هذا النوع حكيت واقعا يُفطر القلب , تذكرتُ نحن في غير زمن عمر ابن عبد العزيز رضي الله عنه لذا لم تختفي أو تحل مأساة الفقر ..

    سمع كلامَ ابنه وكأنّ دلواً من الماء المثلّج صُبّ على ظهره في ليلة باردة
    نحنُ اعتدنا عند سماعنا لكلام مريح نقول كأنه سكب الماء البارد علينا أو أثلج صدرنا , ولكن ربما قصدالكاتب ان يكون الأب متجمدا كالثلج من هول صدمة الخبر
    شكرا لك
    التعديل الأخير تم بواسطة براءة الجودي ; 06-02-2013 الساعة 02:13 AM

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. البائسون اليائسون
    بواسطة محمد فريد الرياحي في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 13-12-2015, 07:21 AM