معطف لا لون لــه ..؟

.. معطفي فضفاض يغطي كل جسمي ، يبست خيوطه ، تآكلت رؤوس أكمامه . من قبل ، كان يطوف بين الخلائق ، يفتش عقولهم ، ينتزع أصواتهم ، يلمع مقاطع كلماته ، يمنيهم . يرسم لوحات شيقة لوجودهم ..
معطفي يعرف كيف يتخطى الحواجـــز ، كتب له أن يفوز في المسابقة ، لكن معطفي لم يعد يقبل أن يستقر على جسمي ، قلت له : لن أفرط فيك .. سوف أسجنك في الدولاب .. سترى .. ؟
اشتريت معطفاً جديداً ، هو من نسيج خاص . له أهداب طويلة ، متماسكة ، سميكة ، تتدلى في تناسـق عجيب ، قبل أن أخرج من البيت ، زوجتي كانت تسويه بافتخار على كتفي ..
معطفي يقبل كل الألوان . تحت الأضواء ألبسه وأنا محشو فيه ، تحايــا كثيرة تـتهاطـــل عليه .. له هيبة خاصة ،لا أدري من أين جاءته هاته القيمة . يتحدث عني وأنا صامت ، ينوب عني في الاجتماعات وأنا غائب .. يقارع ، يهاجم ، يهادن .. يناقش.. يسأل ولا يُــــسْأل .. ؟
يوماً ، وقعت قبعتي من فوق رأسي . كان النهار يفترش أضواءه وسط شارع عريض . جريت ، انحنيت .. حاولت التقاطها . دحرجتها الرياح ، لاحقتها بكل قواي .. المارة يتضاحكون ، يتصايحون .. انتزعت معطفي ، طوحت به في الفضاء . طارت قبعتي وطارت .. حلقت مدة من الزمن في السماء وأنا أتابعها بعيني .. أتطاول بعنقي . لكن رياحاً مارة اعتقلتها وعلقتها في عامود كهرباء ، انحلت خيوطها ، تدلت أهدابها .. نظرت إليها باندهاش .. مسحت عرق صلعـــتي في استغراب ، تحسست ذاتي فوجدتها واقفة بجانبي تلهج بالسؤال وتمضغ الكلام ..؟ في هسهسة تملي علي غضب المارة ..
رجعت أبحث عن معطفي ، لم أجده .. اعتصرت نظراتي ، رمقت رجلا عجوزاً يعرضه للبيع بين أعدائي .. فكان مني أن هرعت إلى الدولاب القديـم ..

قلت له : لن أفرط فيك ..

عدم التّفريط فيه رغم أنّه يرفض الاستقرار على الجسم يعني تمسّكا به وتقديرا لقيمته
المعطف القديم هنا الجذور المحافظ عليها من عتوّ الرياح التي تعصف بالأغصان
والمعطف الجديد هو التّجديد ومداراة العصر، وإن استغربناه ..
" معطفي يقبل كل الألوان . تحت الأضواء ألبسه وأنا محشو فيه ، تحايــا كثيرة تـتهاطـــل عليه .. له هيبة خاصة ،لا أدري من أين جاءته هاته القيمة"
الرّجوع إليه بعد خسارة المعطف الجديد يعني تنازلا عن الجديد، والعودة للأصل
قصّة رائعة برمزيّتها وسردها
بوركت
تقديري وتحيّتي

أخي الفرحان بو عزة

ذلكم هو الصراع بين الموروث والدارج وبين الجديد ، وقد شبهته في نصّك الجميل بالمعطف حين يحيط بالمرء و يعطيه شكله الخاصّ و شخصيته المميزة.
أحياناً ننشد التغيير ثم نكتشف مع أول اختبار أن الماضي وإن بلى - في أعيننا- فهو الذي يناسبنا ..
بين القديم والجديد جدلية لا تنتهي ..لكن لا ضير ما الذات على حالها
نصّ متميّز برمزيته وحركة مشاهده..
تحياتي لك أخي في هذه الجمعة المباركة

عدم التّفريط فيه رغم أنّه يرفض الاستقرار على الجسم يعني تمسّكا به وتقديرا لقيمته
المعطف القديم هنا الجذور المحافظ عليها من عتوّ الرياح التي تعصف بالأغصان
والمعطف الجديد هو التّجديد ومداراة العصر، وإن استغربناه ..
" معطفي يقبل كل الألوان . تحت الأضواء ألبسه وأنا محشو فيه ، تحايــا كثيرة تـتهاطـــل عليه .. له هيبة خاصة ،لا أدري من أين جاءته هاته القيمة"
الرّجوع إليه بعد خسارة المعطف الجديد يعني تنازلا عن الجديد، والعودة للأصل
قصّة رائعة برمزيّتها وسردها
بوركت
تقديري وتحيّتي

تقديري واحترامي للأخت المبدعة المتألقة ..كاملة بدارنة ..
شكراً على قراءتك القيمة للنص ، قراءة أعتز بها ..
لما تغيرت أحواله ، وترقى في هرم السلم الاجتماعي بكيفية ما ، لم يرض البطل بمعطفه ، شكل من نفسه شخصية أخرى ، وكان معطفه الجديد يخدم مصلحته الخاصة فقط وليس كمعطف دوللي بارطون المغنية الشهيرة التي تغنت بمعطف أمها ..
معطف غوغول ، معطف دولي بارطون/ وهو معطف متعدد الألوان coat of many colors للمغنية الأمريكية دولي بارطون ملكة موسيقى الكنتري " تذكر في أغنيتها
كيف كانت أم المغنية بارطون تصنع معاطف من الألوان ، و تحيكها لبناتها من قطع الأثواب البالية ، ثم بدأت تحيك معاطف من أجل كساء المعوزين ، فمضمون الأغنية يتحدث عن الفقر ونظرات الآخرين للفقراء ..
مودتي الخالصة .. الفرحان بوعزة

أخي الفرحان بو عزة
ذلكم هو الصراع بين الموروث والدارج وبين الجديد ، وقد شبهته في نصّك الجميل بالمعطف حين يحيط بالمرء و يعطيه شكله الخاصّ و شخصيته المميزة.
أحياناً ننشد التغيير ثم نكتشف مع أول اختبار أن الماضي وإن بلى - في أعيننا- فهو الذي يناسبنا ..
بين القديم والجديد جدلية لا تنتهي ..لكن لا ضير ما الذات على حالها
نصّ متميّز برمزيته وحركة مشاهده..
تحياتي لك أخي في هذه الجمعة المباركة

فعلا أخي عبد السلام دغمش ، معطف البطل لا يناسب مقامه ، بل جلب له العداء والكراهية .. اتخذه سلماً للارتقاء في منصب لا يستحقه .. ولما فشل في مسايرة الحياة الجديدة ،عاد إلى الأصل ..
شكراً على اهتمامك النبيل وكلمتك الطيبة ..
تقديري واحترامي .. الفرحان بوعزة ..

هناك مثل بالعاميّة المصريّة يقول: " مِن فات قديمه تاه"

وربّما يرمز المعطف هنا للموروث وللقيم المستقاة من الحضارة والأدب

عندما نسلخ تلك القيم والمبادئ عنّا لنرتدي فكر الغرب وموروثهم لا نزداد بذلك إلاّ عُريا

سعيدة بمتابعة روعة حروفك أستاذنا

مودّتي

فاتن

.. معطفي فضفاض يغطي كل جسمي ، يبست خيوطه ، تآكلت رؤوس أكمامه . من قبل ، كان يطوف بين الخلائق ، يفتش عقولهم ، ينتزع أصواتهم ، يلمع مقاطع كلماته ، يمنيهم . يرسم لوحات شيقة لوجودهم ..
معطفي يعرف كيف يتخطى الحواجـــز ، كتب له أن يفوز في المسابقة ، لكن معطفي لم يعد يقبل أن يستقر على جسمي ، قلت له : لن أفرط فيك .. سوف أسجنك في الدولاب .. سترى .. ؟
اشتريت معطفاً جديداً ، هو من نسيج خاص . له أهداب طويلة ، متماسكة ، سميكة ، تتدلى في تناسـق عجيب ، قبل أن أخرج من البيت ، زوجتي كانت تسويه بافتخار على كتفي ..
معطفي يقبل كل الألوان . تحت الأضواء ألبسه وأنا محشو فيه ، تحايــا كثيرة تـتهاطـــل عليه .. له هيبة خاصة ،لا أدري من أين جاءته هاته القيمة . يتحدث عني وأنا صامت ، ينوب عني في الاجتماعات وأنا غائب .. يقارع ، يهاجم ، يهادن .. يناقش.. يسأل ولا يُــــسْأل .. ؟
يوماً ، وقعت قبعتي من فوق رأسي . كان النهار يفترش أضواءه وسط شارع عريض . جريت ، انحنيت .. حاولت التقاطها . دحرجتها الرياح ، لاحقتها بكل قواي .. المارة يتضاحكون ، يتصايحون .. انتزعت معطفي ، طوحت به في الفضاء . طارت قبعتي وطارت .. حلقت مدة من الزمن في السماء وأنا أتابعها بعيني .. أتطاول بعنقي . لكن رياحاً مارة اعتقلتها وعلقتها في عامود كهرباء ، انحلت خيوطها ، تدلت أهدابها .. نظرت إليها باندهاش .. مسحت عرق صلعـــتي في استغراب ، تحسست ذاتي فوجدتها واقفة بجانبي تلهج بالسؤال وتمضغ الكلام ..؟ في هسهسة تملي علي غضب المارة ..
رجعت أبحث عن معطفي ، لم أجده .. اعتصرت نظراتي ، رمقت رجلا عجوزاً يعرضه للبيع بين أعدائي .. فكان مني أن هرعت إلى الدولاب القديـم ..

نص مترع بالرمزية مما يدعو الي التوغل بين كلماته لكشف مايقصده كاتبه ..
صراع الذات بين انسان تغريه مترفات الحياه؛فيغير جلده ليتلائم مع الوضع الجديد متناسيا أصله وفصله ..لكن الجذور التي بلا جذور دوائما تتأكل وتسقط مع اول هبه رياح..
تحياتي لك اخي المبدع الفرحان

هناك مثل بالعاميّة المصريّة يقول: " مِن فات قديمه تاه"
وربّما يرمز المعطف هنا للموروث وللقيم المستقاة من الحضارة والأدب
عندما نسلخ تلك القيم والمبادئ عنّا لنرتدي فكر الغرب وموروثهم لا نزداد بذلك إلاّ عُريا
سعيدة بمتابعة روعة حروفك أستاذنا
مودّتي
فاتن

قراءة متميزة ، أضفت على النص رؤية جديدة ..
والنص الإبداعي لا يحيا إلا بالقراءات المتباينة والمتعددة ..
شكراً على اهتمامك وكلمتك الطيبة ..
تقديري واحترامي .. أختي المبدعة المتألقة .. فاتن ..
الفرحان بوعزة ..

نص مترع بالرمزية مما يدعو الي التوغل بين كلماته لكشف مايقصده كاتبه ..
صراع الذات بين انسان تغريه مترفات الحياه؛فيغير جلده ليتلائم مع الوضع الجديد متناسيا أصله وفصله ..لكن الجذور التي بلا جذور دوائما تتأكل وتسقط مع اول هبه رياح..
تحياتي لك اخي المبدع الفرحان

كل ذات تريد أن ترتقي بنفسها ، وبطلنا اندفع إلى الارتقاء دفعة واحدة ، فلم يتأقلم جيداً مع هذا التغيير المفاجئ ..
فكان منه أن رجع إلى أصله ..
شكراً على قراءتك القيمة .. قراءة أعتز بها أخي المبدع حارس كامل ..
محبتي وتقديري ..
الفرحان بوعزة ..

اختيار موفق للرمز ومهارة في توظيفه دعمتها قدرات لغوية عالية وشاعرية في التعبير ماتعة
نص جميل وملفت

دمت بألق

تحاياي