بسم الله الرحمن الرحيم
المنظمات اللاطوعية ..شئون سودانية
عبدالغني خلف الله
تابعت بشغف شديد الحوار الخاص الذي أجراه المذيع المتميز محمد الأمين دياب بقناة الخرطوم الفضائية مساء الأحد مع الأستاذ الموقر عبدالله آدم خاطر الباحث والصحفي المعروف وسعادة الأخ الدكتور سليمان عبدالرحمن مفوض العون الإنساني بالسودان حول المنظمات الطوعية وما يثار من جدل حول منحها الفرصة للعمل بالمناطق الواقعة تحت سيطرة الجيش الشعبي بجنوب كردفان بفرضية وجود مجاعة في بعض المناطق بالولاية ..وقناعتي الشخصية أن تتاح لكل منظمة تؤمن برسالتها وتسعي لتحقيق رغبة المانحين الذين يدفعون بسخاء لتلك المنظمات بدوافع إنسانية بحته ..فرصة العمل ولكن ومن تجربتي العملية كمدير أسبق للأمن الداخلي بولاية كردفان الكبري ومن بعد ذلك كمدير لشرطة كردفان الكبري أقول أن معظم المنظمات الخيرية لا تعمل بالشفافية والمصداقية المطلوبة . وقد عانينا الأّمرين من تلك المنظمات التي كانت تعمل في حقبة الثمانينات بجنوب كردفان إبان الديمقراطية الثالثة فكان أن اتخذت لجنة أمن الولاية إبان وجود الأخ محمد علي المرضي ومن بعده الأخ عبدالرسول النور كحكام للإقليم ..اتخذنا قراراً بطرد جميع المنظمات العاملة بجنوب كردفان بلا استثناء بالنظر للتجاوزات الخطيرة التي بدرت منها والتي كانت تؤثر تأثيراً مباشراً علي الأمن القومي بالسودان وربما استثني من ذلك المنظمات التابعة للأمم المتحدة فقط من تلكم التجاوزات ..واستنادا علي ما تعلمناه من ضوابط وقوانين جنائية وأمنية بكل من المملكة المتحدة وجمهورية ألمانيا وتجربتنا العملية المتواضعة أري أن تُخضع كل منظمة تود العمل بالسودان للضوابط التالية :
1-بداية يجب علي كل موظف بتلك المنظمات أن يحصل وبصورة فردية علي تأشيرة دخول من سفارات السودان بالخارج كلٌ في بلده قبل الانضمام ل(كونفوي) المنظمة المعينة وهي تدلف إلي السودان .ويمنع كل موظف يحمل جواز سفره ختم الدخول لإسرائيل بالعمل داخل السودان.
2-علي كل منظمة أن تستبعد الكوادر الوسيطة كالعمال وخلاف ذلك لإتاحة الفرصة للعناصر السودانية دون تمييز كما كان يحدث في السابق لاكتساب الخبرة دون تمييز كما كان يحدث في السابق .
3-علي وزارة العمل دراسة مستندات الكوادر القيادية جيداً قبل السماح لهم بممارسة أي نشاط كالأطباء والمهندسين منعاً للتزوير كما كان يحدث سابقاً . فقد اكتشفنا في تلك الحقبة فتاة قدمت للسودان باعتبار أنها متخصصة في علم الغابات الزراعي .. agro forestry وهو تخصص نادر جداً وثبت أنها خريجة جامعية في مجال الرسوم الحقلية ( fields drawings )ومنحت مرتباً وقدره تسعة آلاف دولار علي حساب المنحة المناط بالمنظمة توظيفها لصالح المحتاجين من النازحين والمبعدين بسبب النزاعات المسلحة وقياساً علي ذلك اكتشفنا ممرضة بمستشفي كادقلي ليس لديها أدني فكرة بعمل التمريض بما في ذلك إعطاء الحقن للمرضي وقد ثارت تكهنات حينها بأنها ربما تكون البارونة كوكس ذائعة الصيت في العمل العدائي ضد السودان وما أن شعرت بمراقبتنا لها حتي حزمت أمتعتها وتحركت جنوباً نحو مناطق فاريانق بولاية الوحدة ..كذلك إكتشفنا مجموعة من المهندسين الجيلوجيين وكانوا يعملون بشرق كردفان في حفر آبار المياه الجوفية وليس لديهم أية فكرة عن حفر الآبار وكلما فعلوه أنهم كانوا يحفرون عميقاً في باطن الأرض ثم يعودوا لدفن ما حفروه بحجة عدم العثور علي المياه . فتم إيقافهم عن العمل وقد يكونوا قد قاموا بدفن نفايات ضارة بتلك الحفر .
1- يجب تفتيش كل الحاويات الخاصة بالمنظمات تفتيشاً دقيقاً ومراجعة صلاحية الأدوية والأغذية ومطابقتها مع معايير الجودة العالمية حتي لا تدخل أشياء مشبوهة مثل سلندرات الغاز الكثيرة والتي ثارت تكهنات حولها بأنها ربما كانت تحوي نفايات نووية وللأسف الشديد عثر عليها في موقع صحراوي بشمال كردفان وقد يكون جزء منها قد وجد طريقه إلي باطن الأرض
2-يجب علي كل منظمة أن تحدد الغرض من دخولها للسودان والفترة الزمنية التي تحتاجها بمراحل منضبطة أولي وثانية وثالثة وأن تلتزم بالجدول الزمني الممنوح لها ولا تماطل في المغادرة كأن تتحول إلي منشط آخر ..تدخل بحجة إعادة تأهيل الغابات ثم تتحول للطاقة البديلة ثم تتحول للإغاثة وهكذا تتجذر في السودان خدمة لأجندتها الخاصة .
3-عي كل منظمة أن تفصح عن المبالغ المخصصة لمهمتها وإخضاع ميزانياتها للمراجعة وأن يتم الصرف وفق النظم المحاسبية بالسودان فصل أول وثاني وفصل ثالث وعطاءات تُطرح للتنافس والشاهد أن تلك المنظمات تصرف أموالها علي طريقة ( ال blanket budget ) ..وتكوم كمن يضع مالا تحت بطانية فوق السرير ويدخل يده ويأخذ بدون رابط أو حساب ..وأكاد أجزم أن معظم أموال تلك المنظمات تذهب كمرتبات لكوادرها الأجنبية ولشراء عربات الدفع الرباعي باهظة الكلفة وإيجار الشقق الفخمة والمكاتب الوثيرة وحتي وجباتها اليومية والتي للمفارقة تستجلب من الخارج .. من روما وباريس والشرائح المستهدفة من قبل المانحين يقتاتون علي الفتات .
4-يجب علي المسئولين بالمرافق الخدمية كالصحة والتعليم أن يكونوا متيقظين للخدع التي تمارسها بعض المنظمات لشراء ذممهم حتي تصول وتجول كما تشاء فهي تطلب من مدير التعليم بالمحافظة المعينة إحصائية بعدد المدارس ومن مدير الصحة إحصائية بعد المستشفيات ليفاجأ المسئول بمبلغ ضخم من الدولارات كثمن لأتعابه التي هي في الواقع إحصائيات لا تأخذ منه أكثر من دقائق وقد يلوحون له بزيارة للبلد المعين نظير تعاونه مع المنظمة وثقتي كبيرة في أبنائنا وأمانتهم وهم قطعاً لن تفوتهم مثل هذه الحيل .
5 يجب إلزام المنظمات بتقديم تقارير شهرية عن حجم الإنجاز الذي قاموا به وقد ألزمت جميع المنظمات بذلك فكانوا يقدمون لي تقارير باللغة الإنجليزية بحجم كتاب اعتقاداً منهم بأننا لن نقرأ التفاصيل وكنت أعكف علي تلك التقارير وأجدها عبارة عن تاريخ ونشأة المنظمة وفي ذيل التقرير يقولون لك .. قمنا خلال هذا الشهر بتدريب عشرة مواطنين علي طريقة استعمال المضخات اليدوية ..هكذا يتلاعبون بنا .
6 يجب أن يكون مظهر الجهة المناط بها مراقبة تلك المنظمات علي أعلي درجات الكفاءة العلمية والإدارية وهذا ما لمسته عندنا بحق ولأن شكل المبني يعتبر جزء من شخصية تلك الجهة فقد أعجبني المظهر المهيب لوزارة الشئون الإنسانية كواحدة من إنجازات الأخ الوالي مولانا احمد هارون وزملائه .. ختاماً أتمني أن يكون للمنظمات الطوعية العربية وجودها الفاعل في مناطق النزاعات والحروب في عالمنا العربي وأن يثوب الإخوة حاملي السلاح ضد الدولة بجنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور لرشدهم ويلتحقوا بركب السلام الذي نتمناه للسودان فلا نحتاج لمنظمات الإغاثة وبالله التوفيق
عن صحيفة الأهرام اليوم عدد الثلاثاء 13 فبراير2012