أحدث المشاركات
صفحة 7 من 10 الأولىالأولى 12345678910 الأخيرةالأخيرة
النتائج 61 إلى 70 من 97

الموضوع: نظرات نقدية في مرويات وأحداث تاريخية ..

  1. #61
    الصورة الرمزية بهجت عبدالغني مشرف أقسام الفكر
    أديب ومفكر

    تاريخ التسجيل : Apr 2008
    الدولة : هنا .. معكم ..
    المشاركات : 5,142
    المواضيع : 253
    الردود : 5142
    المعدل اليومي : 0.88

    افتراضي


    بارك الله فيك أخي الكريم

    ورزقك الله الحسنى وزيادة ..



    لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير

  2. #62
    الصورة الرمزية بهجت عبدالغني مشرف أقسام الفكر
    أديب ومفكر

    تاريخ التسجيل : Apr 2008
    الدولة : هنا .. معكم ..
    المشاركات : 5,142
    المواضيع : 253
    الردود : 5142
    المعدل اليومي : 0.88

    افتراضي


    (7)
    شبهة كون حسان بن ثابت رضي الله عنه جباناً


    والأصل الذي بُنيت عليه هذه الشبهة هي الرواية التالية :
    ( قال ابن اسحاق وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عباد قال كانت صفية بنت عبد المطلب في فارع حصن حسان بن ثابت قالت وكان حسان معنا فيه مع النساء والصبيان فمر بنا رجل من يهود فجعل يطيف بالحصن وقد حاربت بنو قريظة وقطعت ما بينها وبين رسول الله صلى الله عليه و سلم وليس بيننا وبينهم أحد يدفع عنا ورسول الله صلى الله عليه و سلم والمسلمون في نحور عدوهم لا يستطيعون أن ينصرفوا عنهم الينا اذ أتانا آت فقلت يا حسان إن هذا اليهودي كما ترى يطيف بالحصن واني والله ما آمنه أن يدل على عورتنا من وراءنا من يهود وقد شغل رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه فانزل إليه فاقتله قال يغفر الله لك يا بنت عبد المطلب والله لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا قالت فلما قال لي ذلك ولم أر عنده شيئا احتجزت ثم أخذت عمودا ثم نزلت من الحصن إليه فضربته بالعمود حتى قتلته فلما فرغت منه رجعت إلى الحصن فقلت يا حسان انزل فاستلبه فإنه لم يمنعني من سلبه إلا انه رجل قال مالي بسلبه حاجة يا ابنة عبد المطلب ) (1) .

    نقد الرواية :
    1 ـ يمكن الاطلاع على إشكاليات سند الرواية في كتاب ( حسان بن ثابت لم بكن جباناً ، سليمان بن صالح الخراشي ، ط1 ، الرياض ، 1413 هـ ) ، فهو قد جمع الأسانيد ونقدها . وهو كتاب موجود على الانترنت .

    2 ـ إن جميع الروايات التي رددها متهمو حسان كانت بعد إسلامه ، أي بعد تجاوزه الستين عاماً ، فهل يطلب من رجل تجاوز الستين أن يشترك في القتال بيده ؟ وقد يكون هذا السن مقعداً لصاحبه عن الاشتراك في القتال .

    3 ـ وردت روايات صادقة تثبت أن حسان لم يكتف في الدفاع عن الإسلام بلسانه ، بل دافع بنفسه ويده ، ولا بد أن يكون ذلك قبل العلة التي أقعدته عن الحرب .

    4 ـ لقد هاجم حسان جمعاً كبيراً من الشعراء وعير خصومه بالوقائع والأيام ، فلم نر أحداً منهم يرميه بالجبن ، على الرغم من شدة أعدائه وقسوة حساده في هجائه ، وقد عبر حسان بنفسه عن ذلك فقال :
    ويعلمُ أكفائي من الناسِ أنني ....... أنا الفارِسُ الحَامي الذِّمارِ المُناجِدُ
    وما وجدَ الأعداءُ فيّ غميزةً ......... وأن لم يَزَل لي منذُ أدرَكتُ كاشِحٌ
    وَلا طَافَ لي مِنهُمْ بوَحْشيَ ........... صَائِدُ عَدُوٌّ أُقَاسِيهِ، وآخَرُ حَاسِدُ

    5 ـ إن الجبن الذي وصف به حسان لا يتناسب مع مكانة الشاعر الذي تبوأ منزلة رفيعة بعد الإسلام ، وأطلق عليه شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقد أحله رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلة كبيرة لا تدانيه منزلة شاعر آخر .

    6ـ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من الجهاد بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين ثم جلس للناس ، فيقدم إليه المتخلفون عن الغزو يعتذرون إليه ويحلفون له ، فيقبل منهم علانيتهم ، ويوكل أسرارهم إلى الله .
    أما المؤمنون الصادقون فلم يكن يتسامح معهم ، بل كان يعاقبهم اشد العقاب ، كما فعل مع الشاعر كعب بن مالك الأنصاري ، وصاحبه مرارة بن ربيعة العامري ، وهلال بن أمية الواقفي الذين تخلفوا عن غزوة تبوك . ولم يذكر أحد من المؤرخين أن رسول الله حاسب حساناً يوماً لتخلفه ، أو عاقبه على الرغم من تخلفه عن مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولا يصح أبداً أن يكون الجبن عذراً مقبولاً لدى الرسول صلى الله عليه وسلم .

    7ـ إن الجبن والإيمان لا يجتمعان في قلب رجل واحد ، فحيثما حلّ احدهما طرد الآخر ، ومعروف أن حسان كان مؤمناً صادق الإيمان لم يغمزه احد بنفاق أو رقة في الدين .

    8ـ أما العلة التي أشار إليها بعض المؤرخين ما ألمحت إليها في خلال حديثي ، والتي أقعدت حسان عن مشاركته في الحروب ، فقد ذكرها الأقدمون فقال الواقدي : كان أكحل حسان قد قطع ، فلم يكن يضرب بيده .
    وقال ابن الكلبي : إن حسان بن ثابت كان لسناً شجاعاً فإصابته علة أحدثت فيه الجبن ، فكان بعد ذلك لا يقدر أن ينظر إلى قتال ولا يشهده .
    ذكر حسان في شعره قائلاً :
    أضرَّ بجسميَ مَرُّ الدهور ......... وخان قِراعَ يدي الأكْحَلُ
    وقد كنت أشهد وقعَ الحروب ........ ويحمرّ في كفِّيَ المُنْصُلُ

    إن هذين البيتين انصح دليل على عدم صحة اتهامه بالجبن (2) .

    9ـ أما ابن عبدالبر الأندلسي فيقول : إنما أصابه ذلك الجبن منذ ضربه صفوان بن المعطل بالسيف (3) .



    ـــــــــــــــــــــــ
    (1) البداية والنهاية لابن كثير ، ج4 ، ص109 .
    (2) تشكيل الصور في شعر حسان بن ثابت ، رسالة ماجستير في الأدب العربي ، 2006 م ، ص18 .
    (3) الاستيعاب في معرفة الأصحاب ، ابن عبدالبر ، ص348 .


  3. #63
    الصورة الرمزية بهجت عبدالغني مشرف أقسام الفكر
    أديب ومفكر

    تاريخ التسجيل : Apr 2008
    الدولة : هنا .. معكم ..
    المشاركات : 5,142
    المواضيع : 253
    الردود : 5142
    المعدل اليومي : 0.88

    افتراضي


    (8)
    شخصية ..


    شخصية شاهدناها في الأفلام التي تناولت سيرة السلطان صلاح الدين الأيوبي ، وهي شخصية عوّام ماهر كان ينقل الكتب للمسلمين ويسبح من تحت مراكب العدو ، وقد عرضتها لنا الأفلام على أنه شخص نصراني واسمه عيسى .
    غير أني وجدت في كتاب ( النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية في مناقب السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب)، لأبي المحاسن يوسف بن رافع بن تميم بن عتبة الأسدي الموصلي ، المشهور بابن شداد . قصة هذا الرجل وأنه لم يكن نصرانياً بل كان مسلماً صاحب أمانة ..
    يقول :
    ذكر قصة العوام عيسى :
    ومن نوادر هذه الوقعة ومحاسنها أن عواماً مسلماً يقال له عيسى وصل إلى البلد بالكتب والنفقات على وسطه ليلاً على غرة من العدو وكان يغوص ويخرج من الجانب الآخر من مراكب العدو وكان ذات ليلة شد على وسطه ثلاثة أكياس فيها ألف دينار وكتب للعسكر وعام في البحر فجرى عليه أمر أهلكه وأبطأ خبره عنا .
    وكانت عادته إذا دخل البلد أطار طيراً عرفنا بوصوله فأبطأ الطير فاستشعرنا هلاكه .
    ولما كان بعد أيام بينا الناس على طرف البحر في البلد إذا هو قد قذف شيئاً غريقاً فتفقدوه فوجدوه عيسى العوام ووجدوا على وسطه الذهب وشمع الكتب وكان الذهب نفقة للمجاهدين فما رؤي من أدى الأمانة في حال حياته وقد ردها في مماته إلا هذا الرجل وكان ذلك في العشر الأواخر من رجب أيضاً .

  4. #64

  5. #65
    الصورة الرمزية خليل حلاوجي مفكر أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    الدولة : نبض الكون
    العمر : 57
    المشاركات : 12,545
    المواضيع : 378
    الردود : 12545
    المعدل اليومي : 1.83

    افتراضي

    ماشاء الله : موضوع مميز ، وجهد جليل لأخوة مثابرين ... جزيتم الجنة أيها الأحبة .

    ولعلي أضع مرويات عن نساء النبي وقصة زواجه صلى الله عليه وسلم بإمنا ( صفية ).
    إن سنح الوقت .



    بوركتم جميعاً.
    الإنسان : موقف

  6. #66
  7. #67
    الصورة الرمزية بهجت عبدالغني مشرف أقسام الفكر
    أديب ومفكر

    تاريخ التسجيل : Apr 2008
    الدولة : هنا .. معكم ..
    المشاركات : 5,142
    المواضيع : 253
    الردود : 5142
    المعدل اليومي : 0.88

    افتراضي


    الأستاذ الحبيب خليل
    أهلاً بك ، تشرفت بمرورك العطر

    بانتظار ما يجود به قلمك المبدع ..
    بارك الله في علمك وعملك



    تحياتي ..




  8. #68
    الصورة الرمزية بهجت عبدالغني مشرف أقسام الفكر
    أديب ومفكر

    تاريخ التسجيل : Apr 2008
    الدولة : هنا .. معكم ..
    المشاركات : 5,142
    المواضيع : 253
    الردود : 5142
    المعدل اليومي : 0.88

    افتراضي


    (9)

    هل قتل محمد الفاتح أخاه الرضيع ؟


    هناك فرية منتشرة في الكتب تزعم أن السلاطين العثمانيين اعتادوا عند توليهم مقاليد السلطة أن يقتلوا من يشاؤون من إخوانهم أو بني رحمهم أو أقاربهم بحجة الحفاظ على وحدة المسلمين وليأمنوا محاولات اغتصاب الملك ، ومن ذلك قتل السلطان محمد الفاتح أخاه الرضيع ..
    وأنا أتصفح كتاب ( الدولة العثمانية ) للدكتور علي محمد الصلابي ، خطر على بالي أن أبحث في هذا الأمر ، أقصد قتل السلاطين العثمانيين لإخوتهم ، فلم أجد ذكراً لقتل السلطان محمد الفاتح لأخيه الرضيع ، مما يدل على أن الباحث لم يجد شيئاً يستحق الوقوف عنده بهذا الخصوص ، وأنه يعتبر الحادثة أكذوبة لا أكثر ..

    أما بخصوص باقي السلاطين فقد وجدت ما يلي :

    1 ـ جرى قتال بين ثلاثة من أولاد بايزيد ، فقد ( كان لبايزيد خمسة أبناء اشتركوا معه في القتال ـ ضد تيمورلنك ـ ، أما مصطفى فقد ظن أنه قتل في المعركة ، أما موسى فقد أسر مع والده ونجح الثلاثة الآخرون في الفرار . أما أكبرهم سليمان فقد ذهب إلى أدرنة وأعلن نفسه سلطاناً هناك ، وذهب عيسى الى بروسة وأعلن للناس أنه خليفة أبيه ، ونشبت الحرب بين هؤلاء الأخوة الثلاثة يتنازعون بينهم اشلاء الدولة الممزقة والأعداء يتربصون بهم من كل جانب .
    واستطاع السلطان محمد جلبي أن يقضي على الحرب الأهلية بسبب ما أوتي من الحزم والكياسة وبعد النظر وتغلب على أخوته واحداً واحداً حتى خلص له الأمر وتفرد بالسلطان ) (1) .
    2 ـ صراع بايزيد الثاني مع أخيه جم :
    ( كان الأمير جم عندما بلغه وفاة أبيه يقيم في بروسة ، وقد استطاع أن يتحصل على اعتراف السكان به سلطاناً على الدولة العثمانية في المناطق الخاضعة له ، وبعد أن استتب له الأمر في بروسه وماحولها ، أرسل إلى أخيه بايزيد يطلب منه عقد الصلح ، ويقترح عليه التنازل ، ورفض السلطان بايزيد ذلك لأن والده أوصى له بالحكم من بعده ، لكن الأمير جم لم يقتنع بذلك فعاد واقترح على أخيه بايزيد تقسيم الدولة العثمانية إلى قسمين : القسم الأوربي لبايزيد والقسم الآسيوي له ، ولكن بايزيد رفض أيضاً مبدأ التقسيم من أساسه لأن ذلك سوف يعمل على تفتيت الدولة التي سهر أسلافه على بنائها وتوحيدها ، وأصر على أن تبقى الدولة موحدة تحت سلطته وأعد جيشاً ضخماً وسار به إلى بروسه وهاجمها وفر منها جم إلى سلطان المماليك قايتباي في مص فرحب به وأكرمه وأمده بجميع ما احتاجه من أموال للسفر مع أسرته إلى الحجاز لأداء فريضة الحج. ولما عاد من الأراضي المقدسة إلى مصر أرسل إليه السلطان بايزيد يقول له : ( بما أنك اليوم قمت بواجباتك الدينية في الحج، فلماذا تسعى إلى الأمور الدنيوية ، من حيث أن الملك كان نصيبي بأمر الله ، فلماذا تقاوم إرادة الله ؟ فأجابه بقوله : هل من العدل أن تضطجع على مهد الراحة والنعيم وتقضي أيامك بالرغد واللذات ، وأنا أحرم من اللذة والراحة وأضع رأسي على الشوك ؟ وقام جم بالاتصال بكبار أتباعه في الأناضول ، وأثارهم ضد بايزيد ، وتقدم بأتباعه ليغتصب العرش ، ولكنه هزم ، واستأنف المحاولة فهزم أيضاً .
    والتجأ جم إلى رودس حيث يوجد بها فرسان القديس يوحنا ، وعقد مع رئيس الفرسان اتفاقاً إلا أنه نقضه تحت ضغط بايزيد وأصبح جم سجيناً في جزيرة رودس ، وكسب فرسان القديس يوحنا بهذه الرهينة الخطيرة امتيازات طوراً من بايزيد الثاني ، ومرة أخرى من أنصار جم بالقاهرة ، فلما تحصل على أموال ضخمة باع رهينته للبابا أنوست الثامن ، فلما مات هذا البابا ترك جم لخلفه اسكندر السادس ولكن الأخير لم يبق على جم كثير حيث قتل واتهم في ذلك بايزيد الثاني الذي تخلص من خطر أخيه ) (2)
    3 ـ السلطان سليم الأول ( أظهر منذ بداية حكمه ميلاً إلى تصفية خصومه ولو كانوا من إخوته وأبنائهم ) (3).

    لكنه لم يذكر بالتحديد من الذين قتلهم سليم الأول .

    أما السلاطين الذين ورثوا الحكم عن الإخوة والأعمام ، فهم :
    1 ـ السلطان مصطفى الأول ، حيث تولى السلطة بعد وفاة أخيه عام (1026هـ) ، ثم عزل بعد ثلاثة أشهر ، وجيء بأبن أخيه ( عثمان الثاني ) الذي لم يزد عمره على الثالثة عشر .
    2 ـ السلطان ابراهيم بن أحمد الذي تولى الحكم بعد أخيه مراد الذي لم يعقب ذكوراً .
    3 ـ السلطان سليمان خان الثاني الذي تولى الحكم بعد أخيه ( محمد الرابع ) .
    4 ـ السلطان احمد الثاني الذي تولى الحكم بعد وفاة أخيه سليمان الثاني .
    5 ـ السلطان مصطفى الثاني بن محمد الرابع الذي تولى الحكم بعد عمه احمد الثاني .
    6 ـ السلطان عبدالحميد الأول الذي تولى الحكم بعد وفاة أخيه مصطفى الثالث .
    7 ـ السلطان سليم الثالث الذي تولى السلطة بعد وفاة عمه عبدالحميد الأول .
    8 ـ السلطان عبدالعزيز الذي تولى الحكم بعد أخيه .

    وهذه الانتقالات للسلطة بين الإخوة تهدم فرية أن السلاطين كانوا يقتلون إخوتهم وأقاربهم عند استلام الحكم بفتوى شرعية ..

    وبخصوص الفتوى يتساءل زياد محمود أبو غنيمة صاحب مقال ( أيها المؤرخون : لا تظلموا العثمانيين المسلمين ! ) :
    ( أين نص الفتوى الشرعية التي يزعم الزاعمون أنها تبيح للسلاطين العثمانيين قتْل بني رحمهم من غير أي مسوغ شرعي ؟
    أين أسماء العلماء المسلمين الذين أفتوا الفتوى المزعومة هذه ؟
    وفي زمن أي من سلاطين بني عثمان على التحديد صدرت ؟
    لقد قرأت بضعة وعشرين مرجعاً ، عربياً وتركياً وإنجليزياً ، تؤرخ للعثمانيين المسلمين ، فما وجدت من بينها مرجعاً واحداً يذكر نص الفتوى المزعومة ، أو يذكر اسماً لعالم واحد تنسب الفتوى إليه ، بل لقد اكتفى كل مرجع عند ذكر هذه الفرية بسردها وكأنها يقين لا يرقى إليه شك ، فلا يحتاج إلى توثيق ) (4) .

    نعود للسؤال الأول :
    هل قتل محمد الفاتح أخاه الرضيع عند استلامه الحكم ؟
    يجيب عن ذلك إبراهيم الحازمي قائلاً :
    يعد الخليفة محمد الفاتح أحد السلاطين الأقوياء في الدولة العثمانية . فهو الذي دمر الإمبراطورية البيزنطية ، وفتح عدة ممالك ومدن منها كورنته وغالاتا وارغوس وجنوه ، وقاد الجيش بنفسه في حصار بلغراد عاصمة صربية تم فتحها بفضل الله واستولى على مملكة طرانبرون اليونانية ، وفي عام 1462م فتح رومانيا ، والبوسنة والهرسك وأصبحت ألبانيا وقونية جزءا من الدولة العثمانية .
    وفي عام 1476م فتح هنغاريا وملدوفيا .. ويكفيه فخراً وعزاً أنه حقق بشارة النبي صلى الله عليه وسلم حين قال : " لتفتحن القسطنطينية ، فنعم الأمير أميرها ، ونعم الجيش ذلك الجيش " .
    أما قصة قتله لأخيه الرضيع أحمد فهي قصة مكذوبة وضعها أعداء الدولة العثمانية لتشويه سيرة هذا البطل المجاهد السلطان محمد الفاتح رحمه الله .
    والأدلة على هذه القصة المكذوبة ما يلي :
    1ـ إن الثابت أن أحمد مات غريقا في حوض الماء بعد أن غفلت عنه مربيته .
    2ـ هل يعقل أن سلطاناً كبيراً يغار من أخ له رضيع أقصى مناه مذقة حليب ، ولا يمكن التنبؤ بنواياه وأطماعه فيقتله استباقا للأحداث بدلا من أن يربيه على طاعة الله وطاعة رسوله وعلى الإخلاص .. ويشربه الولاء لدولة الخلافة .
    2ـ إن السلطان محمد الفاتح تربى تربية إسلامية على يد ثلة من علماء عصره مثل الشيخ محمد جبلي زاده الشيخ سراج الدين الحبلي ، والشيخ إسماعيل الكوراني ( الذي كان الفاتح يسميه أبا حنفية زمانه ) .
    4ـ أنها نقلت بدون خطام أو زمام .. وإنما لفقها أحد أعدائه ..
    5ـ طريقة القتل المزعومة تبين سخف وبطلان هذه القصة: فقد زعم مروجو هذه الفرية أن السلطان محمد الفاتح أرسل أحد قواده واسمه علي بك إلى جناح النساء لقتل أخيه الرضيع ، فلما علم علي بك أن الطفل موجود في حمام النساء حيث تقوم مربيته بغسله ، اقتحم الحمام وأمسك بالطفل الرضيع وغطسه تحت الماء حتى مات مختنقاً غرقا .. أي هراء ... هذا .
    وهل يصدق عاقل أن محمد الفاتح ، وهو الذكي المحنك يقدم على قتل أخيه الرضيع بهذه الصورة المكشوفة الساذجة ... ؟ وهل يصدق عاقل أن محمدا الفاتح كان عاجزاً عن تكليف إحدى النساء ، كزوجته ، أو إحدى خادماتها بتنفيذ عملية القتل من دون إثارة انتباه أحد .. بدل أن يرسل رجلاً إلى جناح النساء ، وهو أمر غير مألوف ، بأن يقتحم هذا الرجل حمام النساء .. حيث يكن متحللات من حجابهن ومتخففات من كثير ملابسهن ، وفي ذلك ما فيه من خروج مستهجن عن المألوف ، من شأنه لو تحقق فعلاً أن يثير من ضجيجهن ، وصخبهن ، ما يضطر ذلك الرجل إلى الفرار قبل أن ينفذ مآربه ، مهما بلغت به الجرأة والنذالة ؟ ! إذن ما حقيقة هذه الفرية ..
    الحقيقة هي أن المربية التي كانت موكلاً إليها أمر العناية بالطفل الرضيع أحمد ، انشغلت لبعض شأنها بينما كانت تغسله ... فوقع في حوض الماء .. فمات مختنقا غرقا قبل أن تتداركه الأيدي التي امتدت لإنقاذه بعد فوات الأوان .
    فتبين مما سبق براءة السلطان محمد الفاتح من تلك التهمة .. وإنما هي فرية صنعها الحاقدون الحاسدون .
    عسى الله أن يكفينا شر كل حقود وحسود بمنه وفضله .. اللهم آمين (5) .



    ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ
    1 ـ الدولة العثمانية " عوامل النهضة وأسباب السقوط " ، علي محمد الصلابي ، المكتبة العصرية ـ بيروت ، 2010 ، ص85 ، 87 .
    2 ـ ص197 ـ 180 .
    3 ـ ص191 .
    4 ـ موقع الفسطاط : http://www.fustat.com/I_hist/ottomans.shtml
    5 ـ موقع إسلام ويب : http://www.islamweb.net/media/index....ang=A&id=10393





  9. #69
    الصورة الرمزية بهجت عبدالغني مشرف أقسام الفكر
    أديب ومفكر

    تاريخ التسجيل : Apr 2008
    الدولة : هنا .. معكم ..
    المشاركات : 5,142
    المواضيع : 253
    الردود : 5142
    المعدل اليومي : 0.88

    افتراضي


    ( 10 )
    لقاء النبي صلى الله عليه وسلم بـ ( بحيرا الراهب )


    تقول الرواية كما في ( ابن هشام ، ص34 ـ 36 . الطبري ، ج2 ، ص277 ـ 279 ، وغيرها من كتب التاريخ ) :
    ( فلما نزل الركب ـ أي قافلة قريش وفيهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان عمره يومذاك تسع سنوات ـ بصرى من أرض الشام، وبها راهب يقال له بحيرا في صومعة له، وكان أعلم أهل النصرانية، ولم يزل في تلك الصومعة قط راهب إليه يصير علمهم عن كتاب فيهم فيما يزعمون يتوارثونه كابرا عن كابر، فلما نزلوا ذلك العام ببحيرا وكانوا مما يمرون به قبل ذلك لا يكلمهم ولا يعرض لهم، حتى إذا كان ذلك العام نزلوا به قريباً من صومعته، فصنع لهم طعاماً كثيراً، وذلك - فيما يزعمون - عن شيء رآه وهو في صومعته في الركب، حين أقبلوا حتى نزلوا بظل شجرة قريباً منه، فنظر إلى الغمام حتى أظلت تحتها، فلما رأى ذلك بحيرا نزل من صومعته وقد أمر بذلك الطعام فصنع، ثم أرسل إليهم فقال: إني قد صنعت لكم طعاماً يا معشر قريش، وأنا أحب أن تحضروا كلكم صغيركم وكبيركم، وحركم وعبدكم، فقال له رجل منهم: يا بحيرا إن ذلك اليوم لشأنا ما كنت تصنع هذا فيما مضى، وقد كنا نمر بك كثيراً فما شأنك اليوم؟ فقال له بحيرا: صدقت قد كان ما تقول، ولكنكم ضيف، وقد أحببت أن أكرمكم وأصنع لكم طعاماً تأكلون منه كلكم صغيركم وكبيركم، فاجتمعوا إليه، وتخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين القوم - لحداثة سنه - في رحال القوم تحت الشجرة، فلما نظر بحيرا في القوم لم ير الصفة التي يعرف ويجد عنده، قال: يا معشر قريش لا يتخلف أحد منكم عن طعامي هذا، قالوا له: يا بحيرا ما تخلف في رحالهم، قال: فلا تفعلوا ادعوه فليحضر هذا الطعام معكم، فقال رجل مع القوم من قريش: واللات والعزى إن هذا للؤم بنا، يتخلف ابن عبد الله بن عبد المطلب عن الطعام من بيننا! ثم قام إليه فاحتضنه، ثم أقبل به حتى أجلسه مع القوم، فلما رآه بحيرا جعل يلحظه لحظاً شديداً، وينظر إلى أشياء من جسده قد كان يجدها عنده في صفته، حتى إذا فرغ القوم من الطعام وتفرقوا قام بحيرا فقال له: يا إلام أسألك باللات والعزى إلا أخبرتني عما أسألك عنه، وإنما قال له بحيرا ذلك لأنه سمع قومه يحلفون بهما، فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: لا تسلني باللات والعزى شيئاً، فو الله ما أبغضت شيئاً قط بغضهما، فقال له بحيرا: فبالله إلا أخبرتني عما أسلك عنه، قال: سلني عما بدا لك، فجعل يسأله عن أشياء من حاله: من نومه، وهيئته، وأموره، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره فيوافق ذلك ما عند بحيرا من صفته، ثم نظر إلى ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضعه من صفته، ثم نظر إلى ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضعه من صفته التي عنده، فلما فرغ منه أقبل على عمه أبي طالب فقال له: ما هذا الإلام منك؟ قال: ابني، قال له بحيرا: ما هو بابنك، وما ينبغي لهذا الإلام أن يكون أبوه حياً، قال: فإنه ابن أخي، قال: فما فعل أبوه؟ قال: مات وأمه حبلى به، قال: صدقت، ارجع بابن أخيك إلى بلده، واحذر عليه اليهود، فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت ليبغنه شراً، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن فأسرع به إلى بلاده، فخرج به عمه أبو طالب سريعاً حتى أقدمه مكة حين فرغ من تجارته بالشام ) .

    نقد الرواية :
    يقول الأستاذ الدكتور عماد الدين خليل في كتابه ( دراسة في السيرة ) في معرض حديثه ونقده لهذه الرواية :
    ( ولم يقف إزاء الرواية ناقداً ممحصاً سوى ابن سيد الناس في ( عيون الأثر ) ، والذهبي في ( تاريخ الإسلام ) ) .ص40 .
    ثم يقول :
    ( وقبل أن ندلف إلى تلك الإرهاصات والأحاديث لا بدّ أن نشير إلى الضعف والتهافت اللذين يسودان تلك الرواية التي سبق وأن عرضنا لها بإيجاز والتي تتحدث عن لقاء مبكّر تمّ بين محمد الصبي الذي صحب عمه أبا طالب في رحلته الأولى إلى بلاد الشام وبين بحيرى الراهب.. ونستطيع أن نجد في بحث الدكتور محسن عبد الحميد تقييما للرواية يضعها في مكانها الأقرب إلى الصواب. فهو، بعد أن يعرض بالنقد لأسانيد الرواية ومتونها، يخلص إلى القول بأن «.. هذه الروايات كلها مردودة سندا ومتنا لما فيها من الضعف والنكارة ولما فيها من فساد المتون وبطلانها من الناحية التاريخية وتعارضها مع قواعد العمران البشري والقوانين مما يثبت إثباتا قاطعا أن هذه الرواية موضوعة، نقلها المؤرخون وبعض المحدثين الذين لا يتشدّدون في شروط الرواية، ظنا منهم أنهم بذلك يضيفون دليلا جديدا يسند نبوة رسولنا الأعظم عليه الصلاة والسلام، ولم ينتبهوا إلى أن أمثال هذه القصص فيها من الشرّ أكثر مما فيها من الخير، لأن أعداء الإسلام منذ القديم أرادوا أن يروجوا أمثال هذه الروايات الواهنة كي يثبتوا وجود بحيرى وغيره من القسس في أطراف الجزيرة العربية الذين كان الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم- في زعمهم يتصل بهم ويأخذ عنهم.
    ولقد اهتم بهذه الروايات الباطلة الكاذبة المؤرخون والمستشرقون الغربيون وبنوا عليها أبا طيل ما أنزل الله بها من سلطان، ولا يمكن أن تقف لحظة واحدة أمام الحقائق التاريخية، منهم وليام موير ومارغليوث ودرابر وغيرهم كثيرون حيث اعتبروا أن أسرار الإسلام كلها أخذها محمد صلى الله عليه وسلم من هذا الراهب. ولم يدعهم تعصّبهم أن يفكروا كيف يمكن لطفل عمره تسع سنوات أن يأخذ كل هذه الأسرار في لقاء عابر من بحيرى أو أمثال بحيرى ) . ص272 .




  10. #70
    الصورة الرمزية عبد الرحيم بيوم أديب
    هيئة تحرير المجلة

    تاريخ التسجيل : Apr 2012
    الدولة : المغرب
    المشاركات : 2,249
    المواضيع : 152
    الردود : 2249
    المعدل اليومي : 0.51

    افتراضي



    حادثة الراهب المسمى " بحيرا " حقيقة لا خرافة

    بقلم : الشيخ / محمد ناصر الدين الألباني

    قرأت في الأجزاء (77-40) شوال سنة 1378 - من هذه المجلة الكريمة بحثاً من كتاب " المنتقى في تاريخ القرآن " للأستاذ عبد الرؤوف المصري تحت عنوان ( خرافة الراهب بحيرا ) جاء فيه :
    " لم يثبت بالسند الصحيح عن الصحابة ولا عن التابعين حادثة بحيرا الراهب ( نسطورس ) ، ولم يثبت بالصحيحين ( كذا ) بأن بحيرا قابل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى في صغره مع عمه أبي طالب في سفره إلى الشام ، ولم يشر -صلى الله عليه وسلم- إلى تلك الحادثة لا تصريحاً ولا تلميحاً في جميع أحاديثه وأدوار حياته ، بل كانت حادثة بحيرا غفلة من بعض كتاب السيرة دسها داس لتعظيم شأن النبي في صغره ونقلها أصحاب السير من غير تمحيص " ثم قال : " . . . واعتمدوا على أمشاج من الروايات لا سند لها . . . " .

    هذا لب ما جاء في البحث المذكور ويتلخص منه أن الحادثة لم تثبت في الصحيحين ولا في غيرهما عن أحد من الصحابة والتابعين بالسند الصحيح ، وأن كل ما هنالك إنما هو أمشاج من الروايات التي لا سند لها.

    سند الحادثة :

    كيف لا تصح هذه الحادثة وقد رواها من الصحابة أبو موسى الأشعري ، ومن التابعين الأجلاء أبو مجلز لاحق بن حميد رحمه الله تعالى ، ورد ذلك عنهما بإسنادين صحيحين ، وهاك البيان :
    أما رواية أبي موسى الأشعري فأخرجها الترمذي في سننه (4/496) وأبو نعيم في " دلاثل النبوة " (1/53) والحاكم في " المستدرك " (12 / 615 - 616) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (6/187 - 188/ 1) بأسانيد متعددة عن قراد أبي نوح : أنبأ يونس بن أبي إسحاق عن أبي بكر بن أبي موسى عن أبيه قال : خرج أبو طالب إلى الشام ، وخرج معه النبي -صلى الله عليه وسلم- في أشياخ من قريش ، فلما أشرفوا على الراهب هبطوا فعلوا رحالهم فخرج إليهم الراهب ، وكانوا قبل ذلك يمرون به فلا يخرج إليهم ولا يلتفت ، قال : فهم يحلون رحالهم فجعل يتخللهم الراهب حتى جاء فأخذ بيد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقال : هذا سيد العالمين ، هذا رسول رب العالمين يبعثه الله رحمة للعالمين ، فقال له أشياخ من قريش : ما علمك ؟ فقال : إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجر ولا حجر إلا خر ساجداً ولا يسجدان إلا لنبي ، وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة ، ثم رجع فصنع لهم طعاماً فلما أتاهم به ، وكان هو في رعية الإبل ، قال : أرسلوا إليه ، فأقبل وعليه غمامة تظله ، فلما دنا من القوم وجد القوم قد سبقوه إلى فيء الشجرة ، فلما جلس مال فيء الشجرة عليه ، فقال : انظروا إلى فيء الشجرة مال عليه . الحديث بطوله .

    وحسنه الترمذي وإسناده جيد وقد صححه الحاكم والجزري وقواه العسقلاني والسيوطي وقد بينت صحته على طريقة أهل الحديث قريباً في " مجلة المسلمون " العدد الثامن من سنة 1379 (ص 393 – 397) فليرجع إليه من أراد زيادة في التثبت.

    وأما رواية أبي مجلز فأخرجها ابن سعد في " الطبقات الكبرى " قال (1 / 120) : أخبرنا خالد بن خداش : أخبرنا معتمر بن سليمان قال : سمعت أبي يحدث عن أبي مجلز أن عبد المطلب أو أبا طالب -شك خالد- قال : لما مات عبد الله عطف على محمد -صلى الله عليه وسلم-، قال فكان لا يسافر سفراً إلا كان معه فيه ، وإنه توجه نحو الشام فنزل منزله فأتاه فيه راهب ، فقال : إن فيكم رجلاً صالحاً ، فقال : إن فينا من يقري الضيف ويفك الأسير ويفعل المعروف ، أو نحواً من هذا ، ثم قال : إث فيكم رجلاً صالحاً ، ثم قال : أين أبو هذا الغلام ؟ قال : ها أنا ذا وليه ، أو قيل . هذا وليه ، قال . احتفظ بهذا الغلام ولا تذهب به إلى الشام ، إن اليهود حسد ، وإني أخشاهم عليه ، قال : ما أنت تقول ذاك ولكن الله يقول ، فرده ، قال . اللهم إني أستودعك محمداً ، ثم إنه مات .

    وهذا إسناد مرسل صحيح ، فإن أبا مجلز واسمه لاحق بن حميد تابعي ، ثقة ، جليل ، احتج به الشيخان في صحيحيهما ، وبقية أصحاب الكتب الستة ، وأخذ الحديث عن جماعة من الصحابة منهم : عمران بن حصين ، وأم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وأنس ، وجندب بن عبد الله ، وغيرهم ، ومن بينه وبين ابن سعد كلهم عدول ثقات ، احتج بهم مسلم في صحيحه .

    وإذا تبين هذا يسقط بداهة قول الأستاذ في خاتمة البحث : " إن خرافة بحيرا ابتدعت في القرن الثاني والثالث الهجري ، ولم يروها الثقات " فقد رواها الثقات من قبل القرن الذي زعم أن الحادثة ابتدعت فيه !

    شبهاث حول الحادثة وجوابها:

    بعد أن أثبتنا معه الحادثة بالحجة العلمية ، لا بد لنا من الإجابة عن الشبهات التي حملت الأستاذ المصري على الطعن في الحادثة واعتبارها من الخرافات التي راجت على أسلافنا جميعاً من كتاب السيرة ! حتى يأخذ البحث مداه العلمي فأقول :

    الشبهة الأولى : أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يشر إلى تلك الحادثة لا تصريحاً ولا تلويحاً.

    والجواب : إنها شبهة يغني حكايتها عن ردها ، إذ كل من عنده ذرة من علم بسيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وسيرة غيره من العظماء يعلم أن أكثر هذه السيرة وردت عن أصحابهم متحدثين بما يعلمونه عنهم ، لا بما سمعوه منهم ، ومن هذا القسم الشمائل النبوية ، فهل طعن أحد في شيء من ذلك بعد ثبوت الرواية بها ، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم-، لم يشر إلى ذلك أصلاً ؟!

    الشبهة الثانية : قول الأستاذ : " إن بحيرا الراهب كان في القرن الرابع للمسيح ، وادعاء مقابلة بحيرا لمحمد -صلى الله عليه وسلم- كان في أواخر القرن السادس مع أن بحيرا وجد في القرن الرابع وحادثته التاريخية مشهورة يقصها تاريخ الكنيسة نفسه . . . " .

    وجوابنا عن هذه الشبهة من وجوه :
    الأول : إن الراهب في تلك الحادثة لم يسم مطلقاً في الرواية الصحيحة التي قدمتها وبذلك تسقط الشبهة من أساسها .
    الثاني : إن تسمية الراهب بـ ( بحيرا ) إنما جاء في بعض الروايات الواهية ، في إحداها الواقدي وهو كذاب ، وفي الأخرى محمد بن إسحاق صاحب السيرة رواها بدون إسناد ، وهاتان الروايتان هما عمدة كل المؤرخين الذي سموه بهذا الاسم ، فلا يجوز اعتبارهما ورد الرواية الصحيحة بهما كما هو ظاهر ، على أن بعض مؤرخينا كالمسعودي وغيره ذكر أن اسمه جرجيس ، فلا إشكال أصلاً .

    الثالث : إن هذه الشبهة إنما تقوم على ادعاء الأستاذ أن الراهب بحيرا كان في القرن الرابع من الميلاد ، وهي دعوى عارية عن الصحة إذ ليس لديه حجة علمية يستطع بها إثباتها ، وكل ما عنده من الحجة تاريخ الكنيسة ! فيا لله العجب كيف يثق الأستاذ بهذا التاريخ هذه الثقة البالغة إلى درجة أنه يعارض به تاريخ المسلمين ، وهو يعلم أن تاريخهم - مهما كان، في بعض حوادثه نظر من الوجهة الحديثية خاصة - أصح وأنقى بكثير من تاريخ الكنيسة الذي تعجز الكنيسة نفسها عن إثبات صحة كتابها المقدس الذي هو أصل دينها ، فكيف تستطيع أن تثبت تاريخها الذي هو بحق " أمشاج من الروايات التي لا سند لها " كما قاله الأستاذ نفسه لكن في تاريخ المسلمين لا تاريخ الكنيسة !!

    الرابع : إنني رجعت إلى دائرة المعارف الإسلامية تأليف جماعة من المستشرقين ، وإلى دائرة المعارف للبستاني ، وإلى " المنجد " فلم أجدهم ذكروا ما عزاه الأستاذ المصري إلى تاريخ الكنيسة ، بل ظاهر كلامهم أنهم لا يعرفون عنه شيئاً مما يتعلق بتاريخ حياته في أرض العرب ، إلا مما جاء في مصادرنا الإسلامية ، وخاصة ما يتعلق منه بقصة اتصاله بالنبي -صلى الله عليه وسلم- حسبما تقدم تخريجه ، وإن كانوا يعتبرونها " من الأساطير التي أحاطت بسيرة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- " حسبما تقدم تخريجه ، كفراً منهم واستكباراً أن يكون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مبشراً به في الكتب السماوية السابقة ، ومعروفاً عند المؤمنين بها ، ولذلك علق الأستاذ الفاضل المحقق أحمد محمد شاكر على هذه الكلمة الواردة في " دائرة المعارف الإسلامية " بقوله :
    " ليست هذه القصص بالأساطير ، بل كثير منها ثابت بأسانيد صحيحة ، وعلم أهل الكتاب بالبشارة بمحمد -صلى الله عليه وسلم- في كتبهم ثابت عند المسلمين بنص القرآن الصريح ، وليسوا في حاجة إلى افتعال أساطير يؤيدون بها ما أثبته الوحي المنزل من عند الله ، وهو ثابت أيضاً عند المسلمين فيما قرءوه من كتب أهل الكتاب مما بقي في أيديهم من الصحيح من أقوال أنبيائهم المنقولة في كتبهم " .

    الخامس : لنفترض أن ما عزاه الأستاذ إلى تاريخ الكنيسة صحيح ثابت ، وهو أن بحيرا الراهب كان في القرن الرابع من الميلاد ، فذلك لا ينفي أن يأتي شخص آخر على شاكلته في الترهب سمي باسمه منذ ولادته على عادة النصارى وغيرهم من التسمي بأسماء الصالحين عندهم ، أو لقب به بعد ، لظهور شبه فيه به ، هذا كله جائز ليس في العقل السليم ما ينفيه ، وإذا الأمر كذلك ، فبإمكان الأستاذ أن يعتقد وجود شخصين في زمنين متباينين باسم واحد ( بحيرا ) وبذلك يستطيع أن يوفق بين ثقته بالتاريخ الكنسي ، وثقته بالتاريخ الإسلامي ولا يقع في هذه المغالطة التي كتبها بقلمه : " فكيف التقى الزمان القرن الرابع والقرن السادس والتقى المكانان . . ." !!

    تلك وجوه خمسة في الجواب عن الشبهة الثانية أقواها عندنا الوجه الأول ، وسائرها إنما هي بالنظر لترجيح التاريخ الإسلامي على التاريخ الكنسي ، ولا حاجة بنا إليها بعد الوجه الأول ، وإنما ذكرتها لبيان ما يرد على الأستاذ مما قد يكون غافلاً عنه .

    الشبهة الثالثة : قول الأستاذ ما خلاصته : " إن الغرض من ذكر خرافة بحيرا الراهب ، إنما هو كرد على المبشرين والمستشرقين الذين يدعون بأن هذا الدين الإسلامي من بحيرا الراهب ، وكان يتردد على مكة يعلم محمداً تعاليمه ".
    وأقول : لا شك أن الأستاذ المصري يشكر على قصده المذكور ولكن خفي عليه أن الرد على المبشرين لا يكون برد الحقائق التاريخية ، وانكار ثبوتها ، بحجة أن الكفار يستغلونها للطعن في الإسلام أو في نبيه عليه الصلاة والسلام ، بل المنهج العلمي الصحيح يوحي بالاعتراف بالحادثة الثابتة ، ثم الجواب عن استغلال المبشرين لها جواباً علمياً صحيحاً ، ومن المؤسف جداً أن هذه الطريقة التي جرى عليها حضرة الأستاذ في الرد على المبشرين والمستشرقين ، قد أخذ بها كثير من الكتاب المسلمين في العصر الحاضر ، لا سيما الذين لا علم عندهم بأدلة الكتاب والسنة ، فهؤلاء كلما رأوا مبشراً يورد شبهة على نص إسلامي ، أو يستغله للطعن في الدين ، بادروا إلى التشكيك في صحته إن كان حديثاً أو سيرة ، وإلى تأويل معناه إن كان لا سبيل إلى إنكاره من أصله كالقرآن ، وهذا الأسلوب مع ما فيه من عدم الاعتداد بنصوص الشريعة المعصومة ومعانيها ، فإنه في الوقت نفسه يدل على أن هؤلاء الكتاب قد وثقوا بعلم أولئك الكفار وفهمهم واخلاصهم ثقة عمياء ! مع أن الذي يدقق فيما كتبوه ويكتبونه من البحوث حول الشريعة الإسلامية والتاريخ الإسلامي يتجل له بوضوح لا وضوح بعده -إلا قليلاً منهم- لا إنصاف عندهم ولا علم ، وأنهم كل غرضهم من ذلك تشويه حقاثق الإسلام الناصعة وإبعاد المسلمين عنه ، وليس يتسع هذا المقال لضرب الأمثلة على ما نقول ، ولكن حسبنا منها هذه الحادثة التي أثبتنا صحتها ، فقد علمت مما سبق كيف أن جماعة من أولئك المستشرقين اعتبروها من الخرافات والأساطير ، وكيف أن الأستاذ المصري انزلق معهم في ذلك مع ما فيها من الآيات البينات على التبشير بنبوته -صلى الله عليه وسلم- ، ولذلك أنكرها أولئك الكفار ، وأما أخونا المصري فإنما أنكرها متأثراً بوحي خفي من بعض المستشرقين الآخرين الذين زعموا أن الحادثة تدل أن الدين الإسلامي مستقى من بحيرا الراهب ، وأنه كان يتردد إلى مكة يعلم محمداً -صلى الله عليه وسلم- تعاليمه ! كما نقله الأستاذ المصري عنهم ، وهم بهذا الزعم يرمون إلى أحد شيئين إما إثباته في قلوب ضعفاء العلم والإيمان منا ، وإما حمل من كان قوي الإيمان منا على رد الحادثة في سبيل رد هذا الزعم الباطل ، وهذا مع الأسف قد حصلوا عليه من بعضهم .

    ومن الغرائب حقاً أن هذا الزعم الذي هو موضوع الرد مع أنه باطل في نفسه ولا صلة له بالحادثة مطلقاً ، لأن التقاء النبي -صلى الله عليه وسلم- مرة واحدة وفي ساعة أو ساعات محدودة مع الراهب في الشام شيء ، وتردد الراهب إلى محمد -صلى الله عليه وسلم- في مكة شيء آخر ، وهذا التردد لو ورد شيء ، والالتقاء شئ آخر ، ومع أن هذا الزعم لم يخف بطلانه على الأستاذ المصري كما صرح به في بحثه مع ذلك كله فإنه رد الحادثة وحكم ببطلانها ! وهذا تناقض عجيب ، فإنه إذا كان الأستاذ جازماً ببطلان الزعم المذكور ، فلماذا رد الحادثة بعلة الرد على المبشرين الأفاكين ، مع أن الرد حصل عليهم كما رأيت بدون رد الحادثة ، بل ألا يكفي في الرد عليهم قول الله عز وجل في الرد على سلفهم من أمثالهم من المشركين الأفاكين الذين ادعوا مثل هذا الزعم في حياته ؟! فقال تعالى : ( ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين * إن الذين لا يؤمنون بآيات الله لا يهديهم الله ولهم عذاب أليم * إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون ).

    ما وراء إنكار الحادثة

    إن أخشى ما أخشاه أن يكون الأستاذ المصري من أولئك الذين لا يصدقون بمعجزات النبي -صلى الله عليه وسلم- -غير القرآن طبعاً- هذه المعجزات التي تجاوزت المئات ، وثبت قسم كبير منها بالطرق المتواترات التي لا يسع العالم بها أن ينكرها ، والذي يحملني على إبداء هذه الخشية أن الأستاذ نقل فصلاً من كلام الدكتور هيكل جاء فيه : " ولقد كان -صلى الله عليه وسلم- لا يرضى أن تنسب إليه معجزة غير القرآن ويصارح أصحابه بذلك " وأقره الأستاذ عليه ، وأتى عليه بمثال فقال عقبه " مثل شق الصدر وغيره " .

    ونحن نعلم أن حادثة شق الصدر صحيحة ثابتة في صحيح مسلم وغيره ، فإذا كان الأستاذ ينكر ذلك تقليداً منه للدكتور هيكل في القول المذكور ، فمعنى ذلك أن الأستاذ ينكر المعجزات كلها مهما كانت أسانيدها صحيحة وكثيرة ، وحينئذ فإنكاره لحادثة التقائه -صلى الله عليه وسلم- بالراهب ليس الباعث عليه الرد على المبشرين لأن الرد حصل بدون ذلك كما عرفت ، وإنما هو ما قام في نفس الأستاذ من إنكار المعجزات ، وبما أن هذه الحادثة تتضمن أكثر من معجزة واحدة كتظليل الغمامة له -صلى الله عليه وسلم- وميل فيء الشمس عليه فلذلك أنكرها الأستاذ .

    وإذا كان استنتاجنا هذا صحيحاً ، فالكلام حينئذ يأخذ مع الأستاذ مجالاً آخر وهو طريقة إثبات المعجزات كحوادث وقعت أو لم تقع وما هو السبيل إلى معرفة ذلك ، فهذا لا مجال للبحث فيه الآن ، ولعل الأستاذ لا يحوجنا إلى الولوج فيه ، وذلك بتصريحه بتخطئتنا في استنتاجنا المذكور .

    ولكن لا بد لي من الإشارة إلى بطلان ما عزاه الدكتور هيكل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان لا يرضى أن تنسب إليه معجزة غير القرآن ، فإن هذا مما لا أصل له عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ، بل هو من المعاني المخترعة التي أحدثها الدكتور وأمثاله من منكري المعجزات وألصقوها ببعض الآيات القرآنية زاعمين أنها المراد بها ، ليضربوا بها المعجزات الثابتة بحجة أنها مخالفة لنص القرآن !!

    ومجال القول في ذلك واسع جداً فأكتفي بالإشارة إليه وأجتزيء بدليل واحد يؤيد البطلان المذكور .

    وهو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يحدث أحياناً أصحابه ببعض معجزاته عملاًً بقول الله تبارك وتعالى : ( وأما بنعمة ربك فحدث ) فكان -صلى الله عليه وسلم- يقول : " إني لأعرف حجراً كان يسلم علي قبل أن أبعث ، إني لأعرفه الآن " رواه مسلم وغيره .

    فإذا كان -صلى الله عليه وسلم- يحدث أصحابه بمعجزاته ثم يرويها منسوبة إليه أصحابه من بعده ، فكيف يصح أن يقال : إنه كان لا يرضى أن تنسب إليه معجزة ؟!

    وإني قبل أن أنهي هذا البحث لابد من أن ألفت نظر القاريء إلى أمر هام ، وهو أنني حين قرأت بحث الأستاذ وما نقله عن ابن خلدون ومحمد عبده والسيد رشيد رضا والدكتور هيكل من وجوب التدقيق في روايات الحديث والسيرة إذ ليس كل ما فيها صحيحاً ، تساءلت في نفسي : ترى هل دقق هؤلاء في هذه الحادثة فتبين لهم أنها خرافة كما ادعى الأستاذ المصري ؟ فرجعت إلى اثنين منهم من المعاصرين وهما الدكتور هيكل في كتابه " حياة محمد " والسيد رشيد رضا في رسالته " خلاصة السيرة النبوية " فإذا بالأول يذكر هذه الحادثة (112-113) كما يذكرها كل المؤرخين ، وكذلك فعل الثاني (ص 14-15) دون أن يذكر أو يشير أدنى إشارة إلى ضعفها فضلاً عن وضعها ! والحقيقة أن أحداً لم يصرح -فيما علمت- بأن حادثة بحيرا الراهب خرافة قبل الأستاذ المصري ، والحمد لله لست من " أهل الطرق ولا المتطفلين من بعض من يلبسون العمائم " وقد استندنا فيما أوردنا إلى طرق العلم الصحيح ، ولكن الأستاذ اتبع فيما أنكر ظنوناً وأوهاماً أدت به -ولو مع حسن النية- إلى إنكار حقيقة تاريخية لا شك فيها هي حادثة بحيرا الراهب ، فعسى أن الأستاذ المصري يعيد النظر فيما كان كتب فيها على ضوء الحجج التي أوردنا حتى نلتقي في صعيد واحد في ميدان العلم والحق .

    محمد ناصر الدين الألباني
    دمشق
    22 / 3 /1379 هـ

    المصدر : مجلة التمدن الإسلامي (25 / 167 – 175).
    http://www.alalbany.net/misc027.php

    ولينظر ايضا كتابه دفاع عن الحديث النبوي ص62

صفحة 7 من 10 الأولىالأولى 12345678910 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. نظرات نقدية في مرويات وأحداث تاريخية ..
    بواسطة بهجت عبدالغني في المنتدى الحِوَارُ المَعْرِفِي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01-06-2012, 01:24 PM
  2. محاسن بيومي وأحداث تفجير كنيسة الإسكندرية
    بواسطة محاسن بيومي في المنتدى أَدَبُ العَامِيَّة العَرَبِيَّةِ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 11-01-2011, 08:37 AM
  3. ستة مظاهر تاريخية للبركة في فلسطين
    بواسطة صهيب توفيق في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 19-11-2007, 01:51 PM
  4. الأدب الروسي .. نظرة تاريخية ..
    بواسطة د.الشاعر أوس المبارك في المنتدى الشِّعْرُ الأَجنَبِيُّ وَالمُتَرْجَمُ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 29-06-2007, 11:51 PM
  5. هورست كولر : زيارة تاريخية ( المانية ) الى القدس
    بواسطة ابو نعيم في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 02-02-2005, 04:09 PM