سلام الـلـه عليكم
هكذا قرأت خاطرة "أبدا لن يكون في رحيلك موتي ..! "
للأديبة الكبيرة صابرين الصباغ
"أبدا لن يكون في رحيلك موتي ..! " خاطرة من نوع خاص , فقد وظفت فيها المفردات ,
وفق رؤية متفردة , لتبدأ برسم ملامح مشهد وجداني , باستخدام عبارت تمثّل صورا حيّة ,
تعكس حالة شعورية , هي أشبه ماتكون بجوقة موسيقية في موكب حزن , وعلى الرغم
من عمق الالم , فقد كانت صورا غنية اللون والبصمة :
"أجلس إلى مكتبي ، يمر الليل ، النهار يصبغ شعره بالبياض .
مرت الليالي وشابت ، أنا على حالي لم أكتب حرفاً.
لم تزهر حروفي فوق روضة أوراقي ، خشيت أن تكون قد نضبت ينابيع بلاغتي ، أو تم
جرف طمىّ كلماتي. "
ثم جاءت حالة من الانعتاق من ربقة ظلمة المشهد , لتبدأ حالة فلسفية , تسبق عادة
مرحلة تجميع الشتات , يتم فيها حالة مخاطبة ومناجاة , لرموز الكتابة , بشكل مدهش
حقا , فالصور الحوارية تكاد تنطق , تتخللها استعارات شعورية , تتواكب والحالة
الشعورية للكاتبة , وكأنها لوحات حارة الالوان:
"احترت ما السبب .؟ "
" مليكتي لا أكتب إلا ما تمليه عليّ "
" أميرتي لا يملؤني سوى هذا الذي يقبلني بشفاهه فلو لم يقبلني ما رأيت آثار نشوتي "
"حنيني إليه وهو يداعب خصري برقصاته المجنونة "
" فأنا اسقيه وقت الظمأ ، ولم يطلب رواء "
ثم تعود الأديبة صابرين الصباغ الى حالة فلسفية , تستشف منها سبب المشكلة
الشعورية , إنما بطريقة لافتة :
"ضربت كفا بكف ، يا ترى أين الخلل .؟ أين موقع العطب ، نظرت إليهم وجدتهم
صامتين ، يشيرون إلى هذا الإطار المصلوب فوق صدر مكتبي ، به صورة مشوهة ،
مطموسة الملامح ، جمعتها لصقتها بصمغ حزني ."
ولابد لي أن اقف هنا , أمام هذه العبارة التصويرية الخارقة , التي لايأتي بها سوى
قلم مبدع أصيل :
" مطموسة الملامح ، جمعتها لصقتها بصمغ حزني ."
وتبدأ الكاتبة بالوقوف على قدميها لتلم شتات نفسها , فتقوى على نفسها , في تحدّ
لمشاعر الحب وحالة الهجر , باسلوب أدبي دافق , تنطلق نحو الحياة مرددة :
"لن يهزمني حزني ، سأعود وأملأ دروب الأوراق ، أزرع بكل أرصفتها فسيلات
حرفي ، لن يوقفني بُعده ، لن يشنق عنق قلمي حبل هجره ، ولن تنحر ورقتي
مقصلة فراقه ."
ثم تبدأ حالة من الخفقات الوجدانية الساحرة , كأنها قصائد عشق , تستدعي فيها
الكاتبة لحظات الحب الآفلة ,في تداعيات تمنيت أن لاتنتهي , لجمالها وعذوبتها ,
كأنها الاحلام الساحرة , وفي كل صورة لوحة , هي فسيفساء من المشاعر ,
التي تحاول الكاتبة التغلب عليها لتبدأ رحلة الانطلاق من جديد :
"سأجمع أشجار حزني أصنع منها محرقة ، ألقي فيها خصلات شعري التي نامت
ثملة على كتفيه "
"أثوابي التي رقصت أمامه كالجواري طائعة "
" أصابع شفاهي كتبت بها على وجنتيه أجمل عبارات حبي "
" أحلامي الفاشلة جمعتها من فوق وسائد خداعه "
" ألبوم نظراتي الباكية التي تحمل أكفان لقطاتنا معا "
أقاصيصي وقصائدي كل حرف فيها كان يشبهه "
"البساط الذي عانق يوما خطوته "
"المرايا التي هطلت عليها ملامحه "
"ملعقته وسكينه اللتان مزق بهما ثمار مشاعري والتهمها "
"كأسه وفنجانه بقايا قطرات حية تبكي طعمنا"
كل الموائد والمقاعد والزهور والشراشف التي عاشت احتضار حلمنا.."
وبعد هذه الرحلة الممتعة مع الصور الأخاذة من شريط التداعيات , نجد أن الكاتبة
قد أكّدت تصميمها على ثورتها الأنثوية , وعزمها على متابعة مسيرة الحياة , على
الرغم من الجرح الذي جعلتنا ننزف معه ألما , وفي النهاية تقرر أن تحوّل ذكريات
حبها الجنوني , الى حافز لها للكتابة ومتابعة مسيرة الحياة , بصورة تكاد تكون
غير مسبوقة :
"نعم سأجمع رفاتهم ، أزرع بها ألوف اللافتات فوق جدران عمري أكتب عليها ..
أبدا لن يكون في رحيلك موتي "
خاطرة تستحق الدراسة والتعمق , فيها توهج ابداعي , وفكرة ايجابية , تتصدى لحالة
واقعية , على مدى امتداد المجتمعات الانسانية , تميّزت فيها الصور الوجدانية الحيّة ,
والتداعيات الرائعة , محمولة على جرس داخلي , جعلها وكأنها منظومة شعرية .
أخوكم
السمان