سراب اللقاء
كان أسعد مخلوق دنياه، سعادة ملؤها الكون بمداه،ولكن دوائر خوفه تعذبه ،وتخيفه من فقدان هذه السعادة القريبة من كيانه كله ،هي أمر يرمي به إلى الإحساس والإنشغال بالقادم من الزمان ،ويزيل سرابا كثيفا عن مرأى عينيه، ويجلي الكآبة التي قبعت حينا من زمن مضن .
ما أقدر هذه الأحاسيس التي عكفت على تكبيله في برهة من زمن ولى وانصرم !
ينهم السكون و الإستواء قرارة نفسه ،ويحس في عينيه السكينة والوقار ،وفي شخصه التقدير و الإحترام ، كانا يتحدثان سويا والوقت لا يسع تدفق كلامهما المنساب،فتغيب كلمات، وتتأتى لهما أخرى ،ويسود الصمت هنيهة، ويهفوان إلى تداركه وهو يزحف على بساط من سراب عابر،فيفران وهويكاد يوقف حديثهما كعادته ،وأخيرا كان للوجهين أمل قريب يرقى لكل جميل، ولقاء بعيد بعد السماوات والأرض ضاربا في أرجاء المستحيل .
كانت تلك أمور ترسو في غياهب أعماقهما وهما لا يعيان ما اعترى أديمهما من كآبة تملأها ابتسامة ثكلى بكل أنواع الجمال ...
حسبته لا يفتر عن الدهشة وهو يفكر فيما أوتي الآخرون من كل جميل وعظيم سما سمو العزة، ورسا في جنبات عالم ملائكي نوراني شفاف مبهر ينثر كل ألوان الحسن ،ويسقي بينابيع أحاسيسه المرهفة كل نفس ظمأى .فينسى بذلك رفيقه ،ويهيم على وجهه في كل الأرجاء ،ولكن ما كان له ذلك .
ويبقى ما يميزه أشياء كثيرة مبهرة ماثلة لا تنزاح عن وداعته ولو عدها البعض أشياء بخسة .
أمور كثيرة تلك التي باتت تتحدث بها النفس مع مرآة لها ،ولكن تلك المرآة باتت مكسورة ،وليس لها من سلطان لتغوص في أعماق عالم من صنع خالق جبار .