أحدث المشاركات
صفحة 1 من 4 1234 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 35

الموضوع: فتح مكة -1

  1. #1
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Jun 2006
    المشاركات : 2,069
    المواضيع : 373
    الردود : 2069
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي فتح مكة -1


    فتح مكة (1)
    الدكتور:عثمان قدري مكانسي
    لما كان صلح الحديبية بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش ، كان فيما شرطوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وشرط لهم ‏ أنه من أحب أن يدخل في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده فليدخل فيه ، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم فليدخل فيه ، فدخلت بنو بكر في عقد قريش وعهدهم ، ودخلت خزاعة في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده ‏.‏
    وكان بين خزاعة وبكر دم ، لكن حجز بينهم الإسلام وتشاغل الناس به.
    ثم إن بني بكر بن عبد مناة بن كنانة بعد صلح الديبية عدت على خزاعة ، وهم على ماء لهم بأسفل مكة يقال له ‏:‏ الوتير إذ اغتنم الهدنة بنو الديل من بني بكر من خزاعة ، وأرادوا أن يصيبوا منهم ثأرهم القديم ، فخرج نوفل بن معاوية الديلي في بني الديل ، وهو يومئذ قائدهم ، وليس كل بني بكر تابعه حتى بيّتَ خزاعة وهم على الوتير - ماء لهم - فأصابوا منهم رجلاً ، وتحاوزوا واقتتلوا ‏.‏
    ورفدت قريشٌ بني بكر بالسلاح ، وقاتل معهم من قريش من قاتل بالليل مستخفياً ، حتى حازوا خزاعة إلى الحرم ، فلما انتهوا إليه ، قالت بنو بكر ‏:‏ يا نوفل إنا قد دخلنا الحرم ، إلهَك إلهَك ، فقال ‏:‏ كلمة عظيمة ، لا إله له اليوم ، يا بني بكر أصيبوا ثأركم ، فلعمري إنكم لتسرقون في الحرم ، أفلا تصيبون ثأركم فيه ؛ وقد أصابوا منهم ليلة بيّتوهم بالوتير رجلاً ، يقال له ‏:‏ منبه ‏.‏
    وكان منبه رجلاً مفؤداً خرج هو ورجل من قومه يقال له ‏:‏ تميم بن أسد ، وقال له منبه ‏:‏ يا تميمُ انجُ بنفسك ، فأما أنا فوالله إني لميت ، قتلوني أو تركوني ، لقد انبَتَّ فؤادي . وانطلق تميم فأفلت ، وأدركوا منبها فقتلوه ، فلما دخلت خزاعة مكة ، لجأوا إلى دار بديل بن ورقاء ، ودار مولى لهم يقال له ‏:‏ رافع
    إضاءة
    1- صلح الحديبية في السنة السادسة للهجرة حين انطلق المسلمون بقيادة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى مكة المكرمة يريدون العمرة ، وسمعَتْ بهم قريش فأرسلت فرسانها بقيادة خالد بن الوليد فالتقى المسلمين في منطقة ( الحديبية) ولم يكن مناوشات تذكر ،ثم كان صلح بين المسلمين والمشركين من بنوده أن من أحب أن يدخل في حلف أحد الفريقين فليدخل، ودخلت خزاعة في حلف رسول الله صلى الله عليه وسلم .
    2- كان للإسلام تأثير كبير على المشركين وهم في مكة فتشاعلوا به عن ثاراتهم إلى حين ، فقد كان الإسلام عدوهم المشترك كما هو الحال في كل زمان ومكان ، يتناسون خلافاتهم الآنية ليتصدوا له ويجتمعون عليه لإحساسهم أنه بآدابه وتشريعاته ومبادئه يقتلع جذورهم الفاسدة ، فإذا وصلوا إلى بعض مآربهم أو ظنوا أنهم ظهروا عليه ظهرت خلافاتهم بينهم من جديد.
    3- كان في بني خزاعة عدد من المسلمين ذوو مكانة رغبوا أن يكونوا في صف المسلمين فأجابتهم القبيلة إلى رغبتهم ، أما عدوهم من بني بكر فقد رأوا أن ينحازوا إلى قريش عسى أن يستعينوا بها عدداً وعُدّة في نيل ثأرهم من خزاعة إن وجدوا فرصة سانحة ولم يكن الإسلام فيهم ظاهراً .
    4- لم يحفظ بنوالديل من بكر المعاهدة ورأوا غفلة من خزاعة على ماء الوتير فاغتنموها دون مراعاة للهدنة ، فهم لا يرقبون عهداً ولا ذمّة ، وقد تعمي المصالح الآنيّة عن التفكير بالعواقب ، فباغتوهم في أخَرَة من الليل وأصابوا منهم رجلاً ورفدتهم قريش بالسلاح ظانة أن الأمر يبقى سراً لا ينكشف ، بل قاتل معهم من قريش من قاتل بالليل مستخفياً .
    5- حين انكشفت بنو خزاعة إلى الحرم ، والحرم في دين العرب- حتى الجاهليين منهم - له حُرمة ، ومن دخله كان آمناً انتبه بعض رجال بكر إلى أنهم انتهكوا كبيرة من الكبائر، فلا ينبغي القتال في الحرم وهذا يغضب الله تعالى ، فحذّروا قائدهم نوفل بن معاوية إلى هذا الخطر وأرادوه أن ينكفئ .
    6- انطلقت من بعضهم كلمة ( إلهَكَ ، إلهَكَ) أي احذرْ غضبه والزمْ حدوده. فكان جواب السفيه البعيد عن الحق الواقع في كفره الشديد (أنْ لا إله اليوم). والإله – سبحانه- يرى ويسمع فيشتد مقته لأمثاله ويشتد غضبه –سبحانه- على المجرمين المارقين .
    7- هذا طاغية سورية المجرم يهدم بيوت الله على رؤوس المصلين ويقتل منهم الآلاف يومياً لا يَرِفُّ له جفن بل يُمعن في القتل وتدمير المدن فوق ساكنيها ويقلب حياتهم جحيماً فيُهجّر منهم الملايين داخل سورية وخارجها بل يدّعي أكثر من ذلك حين ينتشي خيلاء وهو يرى أتباعه من التافهين يزعمون أنه إلهُهُمْ وفرعونهم الأوحد.
    8- ويعيد التاريخ نفسه اليوم . فكما قال زعيم بكر يومذاك لأتباعه (فلعمري إنكم لتسرقون في الحرم ، أفلا تصيبون ثأركم فيه) يقول طاغية سورية اليوم لأتباعه ( اقتلوا واذبحوا المسلمين، ودمّروا عليهم ، ولكم سلبهم وأموالهم وأعراضهم) . إن الطغاة هم الطغاة في كل عصر وفي كل مكان ( بل هم قوم طاغون).
    9- وتوقف طاغية بكر حين انحاز بنو خزاعة إلى دار بديل بن ورقاء ومولى لهم يقال له رافع، فهل للمسلمين في سورية الصابرة من العرب والمسلمين من يدفع عنهم الظلم ويمد لهم يد العون؟ أم إن عرب الجاهلية أكثر شرفاً وأعظم مروءة من الشعوب العربية النائمة والدُّمَى التي تقودهم؟!
    10- ولعل منبّه حين قال لتميم : (انجُ بنفسك ، فأما أنا فوالله إني لميت ، قتلوني أو تركوني ، لقد انبَتَّ فؤادي) أستحضر نوحَ الثكالى واستصراخ العذارى اللواتي عبث المجرمون بأعراضهنّ،وضعفَ الأطفال المذبوحين وسقوط الشيوخ المقتولين وارى الشرق والغرب يتعامَون عن كل ذلك لأنّ طاغية سورية ينفذ المخطط الإجرامي الذي رسموه له بكل همجية ووحشية... فلا نامت أعينُ الجبناء.

  2. #2
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.71

    افتراضي

    قراءة طيبة في استذكار نبيه واسقاط ذكي للحدث التاريخي على الواقع المرّ
    نسال الله لسوريا النصر والرحمة ولأهلها الأمن والأمان

    جزاك الله خيرا أيها الكريم
    واهلا بك في واحتك

    تحاياي
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

  3. #3
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Jun 2006
    المشاركات : 2,069
    المواضيع : 373
    الردود : 2069
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي

    التاريخ يعيد نفسه يا أختاه
    مخطط إجرامي .. وقلوب سوداء تكره الإسلام ... وتشجيع عالمي على تدمير البنية التحتية لبلادنا ..
    وعملاء منبتّون عن هذه الأمة ، وآباء رغال ... وما أكثرهم ، وهوام على هيئات البشر يعيثون في الأرض فساداً
    والأمر لله تعالى أوّلاً وآخراً
    اللهم إليك المشتكى وعليك التكلان ولا حول ولا قوة إلا بك

  4. #4
    الصورة الرمزية عبد الرحيم بيوم أديب
    هيئة تحرير المجلة

    تاريخ التسجيل : Apr 2012
    الدولة : المغرب
    المشاركات : 2,249
    المواضيع : 152
    الردود : 2249
    المعدل اليومي : 0.51

    افتراضي

    تلك هي الحياة فما كان لنا ان نطمع بغيرها وهي حرب بين الحق والباطل لا تنتهي
    فكيف نرجو ما نرجوه ونحن نلامس احداث السيرة وما جرى لسيد الخلق واصحابه وهم افضل الامة
    فرحماك ربنا فالقلوب ضعيفة والعزائم خائرة
    فرج الله عن اخوتنا واحبتنا في الله ما حل بهم
    وليتقفروا من القران معاني النصر واسبابه ومكامن الهزيمة ودواعيها وخاصة ما ورد في غزوة احد من سورة آل عمران

    تحياتي لك اخي العزيز
    وحفظك المولى

  5. #5
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Jun 2006
    المشاركات : 2,069
    المواضيع : 373
    الردود : 2069
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي فتح مكة -2


    فتح مكة (2)
    الدكتور عثمان قدري مكانسي
    لما تظاهرت بنو بكر وقريش على خزاعة ، وأصابوا منهم ما أصابوا ، ونقضوا ما كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من العهد والميثاق بما استحلوا من خزاعة ، وخزاعةُ في عقده وعهده ، خرج عمرو بن سالم الخزاعى ، ثم أحد بني كعب ، حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ،وكان ذلك مما هاج فتح مكة، فوقف عليه وهو جالس في المسجد بين ظهراني الناس ، فقال ‏:‏
    يا رب إني ناشد محمدا * حلف أبينا وأبيه الأتلدا
    قد كنتمُ ولدا وكنا والدا * ثمّتَ أسلمنا فلم ننزِع يدا
    فانصر هداك الله نصراً أعتدا * وادعُ عباد الله يأتوا مددا
    فيهم رسول الله قد تجردا * إن سيم خسفا وجهه تربّدا
    في فيلق كالبحر يجري مزبدا * إن قريشا أخلفوك الموعدا
    ونقضوا ميثاقك الموكدا * وجعلوا لي في كداء رصدا
    وزعموا أن لست أدعوا أحدا * وهم أذلُّ وأقلُّ عددا
    هم بيتونا بالوتير هُجَّدا * وقتلونا ركعا سجدا
    يقصد أن خزاعة أسلمتْ
    قال ابن إسحاق ‏:‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ نصرت يا عمروُ بنَ سالم ‏.‏ ثم عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم عنانٌ من السماء ، فقال ‏:‏ إن هذه السحابة لتستهل بنصر بني كعب ‏.‏ ‏
    ثم خرج بديل بن ورقاء في نفر من خزاعة حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فأخبروه بما أصيب منهم ، وبمظاهرة قريش بني بكر عليهم ، ثم انصرفوا راجعين إلى مكة ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس ‏:‏ كأنكم بأبي سفيان قد جاءكم ليشد العَقد ، ويزيد في المدة ‏.‏
    ومضى بديل بن ورقاء وأصحابه حتى لقوا أبا سفيان بن حرب بعسفان ، قد بعثته قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليشد العقد ، ويزيد في المدة ، وقد رهبوا الذين صنعوا ‏.‏
    فلما لقي أبو سفيان بديل بن ورقاء ، قال ‏:‏ من أين أقبلت يا بديل ‏؟‏ وظن أنه قد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ قال ‏:‏ تسيرت في خزاعة في هذا الساحل ، وفي بطن هذا الوادي ؛ قال ‏:‏ أو ما جئت محمداً ‏؟‏ قال:‏لا ؛ فلما راح بديل إلى مكة ، قال أبو سفيان ‏:‏ لئن جاء بديل المدينة لقد علف بها النوى ، فأتى مبرك راحلته ، فأخذ من بعرها ففتّه، فرأى فيه النوى ، فقال ‏:‏ أحلف بالله لقد جاء بديلٌ محمداً ‏.‏
    إضاءة:
    1- إن اعتداء بني بكر حلفاء قريش على بني خزاعة حلفاء النبي صلى الله عليه وسلم ومساعدة قريش لهم على هذا الاعتداء ينقض العهد بين الطرفين ويجعل الطرفين في حل منه إلاّ إذا كانوا جميعا راغبين في استمرار العهد فإنهم يوثّقونه ويؤكدونه. وهذا يستدعي لقاء ممثلين عن الطرفين لإصلاح ما فسد .
    2- يلجأ الطرف الضعيف المعتدى عليه إلى حليفه يستصرخه ويوضح ما حصل من إخلال بالاتفاق ، لقد مضى على إبرام العهد عامان من السنوات العشرة – مدة الاتفاق- نقضت فيه قريشٌ وحليفتها بنو بكر صلح الحديبية حين اعتدت بنو بكر على خزاعة حليفة المسلمين فكان لا بد من اللجوء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتخذ قراره.
    3- ينطلق أحد زعماء خزاعة من بني كلب " عمرو بن سالم الخزاعي "إلى المدينة المنوّرة للقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وبَسْط ِالأمر بين يديه ، فما إن يصل إلى مسجده صلى الله عليه وسلم وهو بين ظهراني الناس حتى بستصرخه – كعادة العرب- بقصيدة وضّح فيها اعتداء قريش وحليفتها على قبيلته ، ويطلب النجدة .
    4- فصّل عمرو بن سالم الشكاة حين ناشد رسولَ الله الوفاء بالحلف وذكّره بالعلاقة الوطيدة بينهما قبل الإسلام ، ثم أعلن أن بني خزاعة أسلمت فزاد على الحلف قوةُ العقيدة التي جمعت بين خزاعة والمسلمين ( والمؤمنون إخوة ) وطلبَ النصرَ والمدد حين شكّت قريشٌ أن ينتصر رسولُ الله – وهو في المدينة - لمسلمي خزاعة - وهم في مكة بين ظهراني المشركين.
    5- كان الإيجاب النبوي سريعاً حين قال النبي صلى الله عليه وسلم( نُصِرْتَ يا عمرو بن سالم ) والمسلم أخو المسلم لا يخذله فاستعمل الفعل " نُصِرَ " بصيغة الماضي المبني للمجهول . قالها على ملأٍ من المسلمين الذين يملأون المسجد ، فترتاح نفس عمر بن سالم ، ويحمل البشرى إلى قومه في مكة .
    6- وينظر النبيُّ الكريم إلى السماء فيرى سحاباً يمتد في أفق المدينة المنوّرة، فيتفاءل برضى رب السماء عن نصرة المظلوم وما السحاب إلى عنوان الغيث والنُّصرة، وينقل تفاؤله هذا إلى أصحابه يشجعهم ويستنهض هممهم حين يقول مبشراً بفتح الله تعالى (إن هذه السحابة لتستهل بنصر بني كعب).
    7- كانت هذه الجملة إيذاناً بانتهاء صلح الحديبية واستهلال فتح مكة ، وكأنه يقول لهم : أوقعَتْ قريش نفسها بحبائلها. وفتحت لنا طريقاً إلى مكة كان قبلُ مغلقاً .
    8- ولتأكيد خزاعة ما استصرخ له عمرو بن سالم قام وفد من خزاعة بزيارة المدينة بقيادة شيخها " بديل بن ورقاء الخزاعي " يشرح للرسول صلى الله عليه وسلم بالتفصيل ما فعله بنو بكر بمظاهرة قريش حليفتها من اعتداء صارخ على خزاعة فسمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم ما يُرَطب خاطرهم ويأسو جراحهم.
    9- حين يكون القائد عليماً ببواطن الأمور ، خبيراً بحال عدوّه وإمكاناته ،بصيراً بردة فعله يستشف ما يمكن أن يفعله الطرف الآخر . ورسول الله صلى الله عليه وسلم قرشيٌّ مُطّلع على خبايا زعماء قريش وتفكيرهم وقد آتاه الله تعالى الحكمة وحسن تقدير الأمور . فاستشرف ما قد يفعله أبو سفيان زعيم مكة للحفاظ على العهد وتلافي الخطأ الذي وقعت فيه قريش وحليفتها، فقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه ( كأنكم بأبي سفيان قد جاءكم ليشدّ العَقد ، ويزيد في المدة).
    10- وكان ما توقعه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ،فقد التقى وفد خزاعة بقيادة بديل بن ورقاء – وهم عائدون - بأبي سفيان بن حرب زعيم مكة منطلقاً إلى المدينة المنوّرة ليشد العقد ، ويزيد في المدة ، وقد رهب المشركون ما صنعوه في لحظة انفعالية لم يحسبوا عواقبها ، التقوه في ( عسفان على طريق المدينة قريبة من ساحل البحر).
    11- خاف أبوسفيان بن حرب أن يكون وفد خزاعة سبقه إلى المدينة يؤلب المسلمين على قريش ، فأحب ان يتأكد حين سأل بُديل بن ورقاء عن المكان الذي جاء منه، فكانت الاستعانة على قضاء الحوائج تستدعي الكتمان والسرية ، فكان جوابُ بديل أنه كان وأصحابُه في بعض بيوت خزاعة على الساحل ، فلما صارحه أبو سفيان بظنه قائلاً : أوَ ما جئت محمداً ؟ قال : لا . والحربُ كما نعلم خُدعة ، وتأزُّمُ الموقف بين خزاعة وقريش حرب خفية تنبئ القلوبُ والألسنة عن خباياها.
    12- التحرّي عن الحقيقة مطلب يعين على اتخاذ الموقف الأقرب للواقع، فلما لم يقتنع أبو سفيان بِردّ بديل ولم يكن بين الاثنين سوى اللقاء العابر، ثم مضى بديل بوفده إلى خزاعة يقول أبو سفيان :لئن جاء بديل المدينة لقد علف بها النوى. فنزل أبو سفيان عن ناقته يستجلي حقيقة الأمر ، فأتى مبرك ناقة بديل ،ففتّتَ بعرها فصدق حدسه إذ رأى نوى المدينة واستيقن أن القوم كانوا عند محمد صلى الله عليه وسلم يشكون قريشاً وبني بكر.
    13- انطلق أبو سفيان إلى المدينة ليشد العقد ويزيد في المدّة وهو يعلم أن المهمّة شاقة ، ولا أشق من خطإ جسيم يرتكبه المرء حماقة ثم يحاول رتقه ، ولا أصعب من موقف فيه ضعف يقفه المرء دون أن يحسب له حساباً.

  6. #6
    الصورة الرمزية عايد راشد احمد قلم فعال
    تاريخ التسجيل : Jul 2009
    الدولة : تائه في دنيا المعاني
    المشاركات : 1,865
    المواضيع : 49
    الردود : 1865
    المعدل اليومي : 0.34

    افتراضي

    السلام عليكم ورحمة الله

    دكتورنا الجليل

    اليوم هانت علينا انفسنا فلابد ان نهون علي الناس

    ان لم نعود الي التمسك بالحق والقرب من المولي عز وجل ونتماسك فاكيد لن يتبدل الحال وسيستمر الطغاة في طغيانهم وسيستأسد علينا كل كلاب

    الغرب والكفر

    لنعود الي شرع الله ونضع ثقتنا في الله عز وجل حتي ينصرنا علي انفسنا وهلي اعدائنا

    تقبل مروري وتحيتي
    صاحب البسمة والنسمة
    تقيمك بمشاركة مطلوب كما انت تحتاج فلا تبخل

  7. #7

  8. #8
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Jun 2006
    المشاركات : 2,069
    المواضيع : 373
    الردود : 2069
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي

    اللهم آمين ... ولك مثل ذلك يا أختاه
    ما أروع أن يدعو المسلم لأخيه بظهر الغيب
    شكر الله لك

  9. #9
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Jun 2006
    المشاركات : 2,069
    المواضيع : 373
    الردود : 2069
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي فتح مكة -3


    فتح مكة(3)
    الدكتور عثمان قدري مكانسي
    ثم خرج أبو سفيان حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فدخل على ابنته أم حبيبة بنت أبي سفيان ؛ فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم طوته عنه ؛ فقال ‏:‏ يا بنية ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش أم رغبت به عني ‏؟‏
    قالت ‏:‏ بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت رجل مشرك نجس ، ولم أحب أن تجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ قال ‏:‏ والله لقد أصابك يا بنية بعدي شر ‏.‏
    ثم خرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه ، فلم يرد عليه شيئاً ، ثم ذهب إلى أبي بكر ، فكلمه أن يكلم له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ‏:‏ ما أنا بفاعل ، ثم أتى عمر بن الخطاب فكلمه ، فقال ‏:‏ أأنا أشفع لكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏؟‏ فوالله لو لم أجد إلا الذر لجاهدتكم به ‏.‏
    ثم خرج فدخل على علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ، وعنده فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنها ، وعندها حسن بن علي ، غلام يدب بين يديها ، فقال ‏:‏ يا عليُّ ؛ إنك أمَسُّ القوم بي رحماً ، وإني قد جئت في حاجة ، فلا أرجعن كما جئت خائباً ، فاشفع لي إلى محمّد ؛ فقال ‏:‏ ويحك يا أبا سفيان ‏!‏ والله لقد عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه ‏.‏
    فالتفت إلى فاطمة ، فقال ‏:‏ يا ابنة محمد ، هل لك أن تأمري بُنَيَّك هذا فيجيرَ بين الناس ، فيكونَ سيد العرب إلى آخر الدهر ‏؟‏
    قالت ‏:‏ والله ما بلغ بُنَيَّ ذلك أن يجير بين الناس ، وما يجير أحد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال ‏:‏ يا أبا الحسن ، إني أرى الأمور قد اشتدت علي ، فانصحني ؛ قال ‏:‏ والله ما أعلم لك شيئاً يغني عنك شيئاً ، ولكنك سيد بني كنانة ، فقم فأجر بين الناس ، ثم الحق بأرضك ؛ قال ‏:‏ أو ترى ذلك مغنياً عني شيئاً ‏؟‏
    قال ‏:‏ لا والله ، ما أظنه ، ولكني لا أجد لك غير ذلك ‏.‏ فقام أبو سفيان في المسجد ، فقال ‏:‏ أيها الناس إني أجرت بين الناس ‏.‏ ثم ركب بعيره فانطلق ، فلما قدم على قريش ، قالوا ‏:‏ ما وراءك ‏؟‏
    قال ‏:‏ جئت محمداً فكلمته ، فوالله ما رد علي شيئاً ، ثم جئت ابن أبي قحافة ، فلم أجد فيه خيراً ، ثم جئت ابن الخطاب فوجدته أعدى العدو ، ثم جئت علياً فوجدته ألين القوم ، وقد أشار عليَّ بشيء صنعته ، فوالله ما أدري هل يغني ذلك شيئاً أم لا ‏؟‏ قالوا ‏:‏ وبم أمرك ‏؟‏ قال ‏:‏ أمرني أن أجير بين الناس ، ففعلتُ ؛ قالوا ‏:‏ فهل أجاز لك محمد ‏؟‏ قال ‏:‏ لا ، قالوا ‏:‏ ويلك ‏!‏ والله إن زاد الرجل على أن لعب بك ، فما يغني عنك ما قلت ‏.‏ قال ‏:‏ لا والله ، ما وجدت غير ذلك ‏.‏
    إضاءة:
    1- أبو سفيان زعيم مكة يشعر أن صلح الحديبية شابه النقصانُ إن لم يكن قد انهدّ كاهله وانتهى مفعوله . ومن الذي عمل على نقضه ؟ إنها قريش التي أعانت حليفتها بني بكر على استباحة بني خزاعة أحلافِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان عليه أن يتدارك الأمر قبل استفحاله. وليس له إلا أن ينطلق إلى المدينة يرتق الخرق قبل اتساعه. وهكذا فعل.
    2- مرت سنتان كاملتان على صلح الحديبية ، ظلت مكة فيهما تنمّي ثروتها وتهتم بتجارتها ليس غير. أما المسلمون فقد وثبوا وثبات جبارة في تقوية الدولة الإسلامية في المدينة وإثبات وجودها وزرع هيبتها ودعوتها في قلوب الجوار ، ففتح المسلمون ( خيبر) شمال المدينة في العام التالي لهدنة الحديبية ، وقضوا على قوة اليهود فيها ، ثم قطعوا الطريق عل قبيلة غطفان – الحليف القوي لمكة حول المدينة فاشتدّ ساعد المسلمين وهابتهم القبائل .
    3- أثبت المسلمون في أول العام الثامن للهجرة قوتهم حين انطلق جيشهم الصغير عدداً ( ثلاثة آلاف ) القوي مبدأً وعقيدة وثباتاً إلى مؤتة في الأردن ليبسطوا هيبتهم في قلوب عرب الشام وإمبراطورية الروم . وقاتلوا جيش الروم وكان عدده مئة ألف – وشتان ما بين العددين - وعلى الرغم من استشهاد القادة الثلاثة في معركة مؤتة ، فقد انسحب الجيش المسلم بقيادة القائد الجديد خالد بن الوليد إلى قلب الجزيرة العربية بسلام مخلفاً في نفوس العرب هيبة وجلالاً ، وجعل الروم يحسبون حساب هذه القوة العربية الناشئة ، ويحذرون منها.
    4- كان أبو سفيان يعلم تمام العلم أن أعداءه المسلمين تتنامى قوتهم ، وتتعاظم هيبتهم ، وقد يفجأون أهل مكة بما ليس في حسبانهم ، فما عليهم إلا أن يصلحوا خطأهم مع الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ، فكان إسراع زعيمهم واضحاً إلى المدينة يشد عرى الصلح ويزيد في المدة . هذا ما عقد الأمر عليه.
    5- ولعل من السياسة أن يطرق الباب على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيداً عن أعين الرقباء ، فيلج إليه من ناحية الرَّحِم والنسب فيستعطف قلبه الرحيم ، فليدخل على ابنته رملة (أم حبيبة) – زوج النبي صلى الله عليه وسلم - يصل رَحمها ويطمئن عليها ، ولعلها ترقق قلب زوجها المصطفى فيصل أبو سفيان إلى غايته من أقرب الطرق. ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها.
    6- استقبلته ابنته استقبالاً يليق بأبيها واحتفت به ، فلما أن أراد أن يجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم طوته عنه ومنعته أن يجلس عليه،وأشارت إلى مكان آخر يجلس عليه ، ورأى الوالد عمل ابنته هذا فلم يدرِ السببَ ،فسألها مستفسراً : يا بنية ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش أم رغبت به عني ‏؟‏ إن جوابها يقطع الظن باليقين ويبيّن مدى الفائدة من وساطتها، ولعل سرعة طيّها لفراش رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يجلس أبوها عليه يرجّح أنه رغبت به عنه، وأن دخوله على ابنته لن يؤتيّ أكُلًه.
    7- وشتان ما بين الإيمان والكفر والنهار والليل ، شتان ما بين سيد البشر رسول الله وزعيم كفار مكة – آنذاك- ولو كان أباها ، فلن تسمح لمشرك أياً كان أن يطأ طهارة فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالتها دون مماراة ولا مواربه ، قالت كلمة خلّدها الزمان وسارت بها الأيام عنواناً للمفاصلة بين الخير والشر . قالتها بلهجة المؤمن المطمئن بما يعتقد" بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت رجل مشرك نجس ، ولم أحبَّ أن تجلسَ على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    8- يُفاجأ الرجل بقوة جوابها لا بصدق عملها ، فهو يعلم أن حبها لزوجها ونبيها أكبر من حبها لأبيها بما لا يُقارن ، لكنه ما كان يتوقع أن يكون جوابها فيصلاً هكذا ولا جابهاً بهذا الوضوح وهذه القوة. فيقول متعجباً : والله لقد أصابك يا بنية بعدي شر. هذا مبلغ علمه ، وأنّى لرجل ملك الكفرُ عليه – إذ ذاك – مساربَ الإيمان أن يفقه حقيقة الأمر ؟!
    9- ثم يخرج من عندها وهو يعلم أن الأمر شاقٌّ وأن المهمّة صعبة ، فما رآه من ابنته التي ظن أنها قد تتوسط له عند زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم قمينٌ أن يفهم منه ذلك ..
    10- وينطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويكلمه ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع ما يقوله ، حتى إذا انتهى مما يريد لم يسمعْ من النبي صلى الله عليه وسلم إجابة ، بل كان السكوت أبلغَ ردّ وأنصعَه. وتصوّرْ معي دخول زعيم مكة على رسول الله ثم خروجه دون أن يكلمه الرسول صلى الله عليه وسلم ،فكأنه لم يدخل ولم يخرج ، إنها إهانة ليس بعدها إهانه ، وجواب ليس أبلغَ منه جواب .
    11- كان يكفيه هذا ، وعليه أن يُسرع إلى مكة يُعدّ العُدة لمواجهة الهجوم الذي يتوقعه من المسلمين، ويحصّن بلده من الهجوم المحتمل بل المؤكَّد. لكن أهل مكة مشغولون بأموالهم وتجارتهم، وما أشبه اليومَ بالأمس فأموال المسلمين وكنوزهم مشاع لغيرهم ، تؤخذ منهم دون أن يحركوا ساكناً ، ولا حرج أن يكون جيش الغرب أو الشرق بين ظهرانَيهم ما داموا يعيشون كما تعيش الأنعام.
    12- المسلمون يد واحدة ورأي واحد في اتخاذ القرار : قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن سالم : " نُصرت يا عمرو بن سالم" فهل يُجيرُ أحد على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! قد قال القائدُ قوله وحسم الأمر ، والمسلمون رهنُ امره وهو جنود مخلصون لنبيهم ودينهم ، لن يخترقهم أحد . هذا ما ينبغي أن يكون المسلمون عليه في كل زمان ومكان.
    13- هذا ما فعله الصدّيق رضي الله عنه حين طلب إليه أبو سفيان أن يشفع له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال له: " ما أنا بفاعل" كلمتان لخّصتا موقف الصدّيق أبي بكر وعضّدتا موقف الحبيب صلى الله عليه وسلم. والاختصارُ دليل الحزم والقوة.
    14- أما عمر فلم يكن أكثر صلابة من الصديق في ردّه إلا أنه أبان عن مكنون نفسه حين قال :" أأنا أشفع لكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏؟‏" فوضّح هذا الاستفهامُ الإنكاري ما يعتمل في نفسه ثم صرّح بقسمه أنه سيجاهدهم بما يستطيع ولو كان قليلاً " فوالله لو لم أجد إلا الذر لجاهدتكم به" رحم الله الشيخين أبا بكر وعمر ورضي عنهما (فنِعْمَ الوزيران هما) .
    15- وكذلك كان علي رضي الله عنه، إن أبا سفيان حين جاءه ملتمساً شفاعته لدى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له بقوة المؤمن بربه ونبيه " ويحك يا أبا سفيان ‏!‏ والله لقد عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه" ولا أدري لماذا أبان أبو سفيان عن ضعفه حين ذكر الرحم والقرابة وتناسى أن قريشاً قاتلت المسلمين في السنوات الست الأولى من الهجرة قتالاً شرساً ينبئ عن كره شديد ومقت كبير للمسلمين ، ولكنّ الله تعالى يمهل ولا يُهمل ، وليفضحنّ أعداءه وليمكننّ للمسلمين ولو بعد حين.
    16- وكان على أبي سفيان أن ينطلق إلى مكة خاليَ الوفاض، فلما استيئس تصرّف بما لا يليق بزعيم ولا رئيس حين دفعه يأسه أن يطلب من أم الصغير ( الحسن ) ولم يكن قد تجاوز الخامسة من عمره ان يجير على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان جواب أمه فاطمة رضي الله عنها عينَ الجواب وغاية الفهم والنجابة.
    17- كيف يجير بين الناس من يطلب الجيرة؟! ولا تُقبل الإجارة إلا حين يرضى الطرفان المتخاصمان جيرةَ المصلح بينهما ، وأبو سفيان رأس أحد الفريقين المتخاصمين ، فكيف يجير ، وعلام يُجير ، وممّ يجير؟! ولكنّ الغريق يتعلّق بقشة .. لقد قال له قومه : ويلك ‏!‏ والله إنْ زادَ الرجلُ على أنْ لعبَ بك ، فما يغني عنك ما قلت....
    ولقد سبق السيفُ العذلَ.

  10. #10
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Jun 2006
    المشاركات : 2,069
    المواضيع : 373
    الردود : 2069
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي فتح مكة -4


    فتح مكة -4
    الدكتور عثمان قدري مكانسي
    وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجهاز ، وأمر أهله أن يجهزوه ، فدخل أبو بكر على ابنته عائشة رضي الله عنها ، وهي تحرك بعض جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فقال ‏:‏ أي بنية ‏:‏ أأمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تجهزوه ‏؟‏
    قالت ‏:‏ نعم فتجهز ، قال ‏:‏ فأين ترينه يريد ‏؟‏ قالت ‏:‏ لا والله ما أدري ‏.‏ ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم الناس أنه سائر إلى مكة ، وأمرهم بالجد والتهيؤ ، وقال ‏:‏ اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها ‏.‏ فتجهز الناسُ ‏.‏
    كتاب حاطب يحذر أهل مكة ‏:‏
    فلما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم المسير إلى مكة ، كتب حاطب بن أبي بلتعة كتاباً إلى قريش يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأمر في السير إليهم ‏.‏
    ثم أعطاه امرأة من مزينة ، أوهي مولاة لبعض بني عبدالمطلب وجعل لها جعلاً على أن تبلغه قريشاً ، فجعلته في رأسها ، ثم فتلت عليه قرونها ، ثم خرجت به ‏.‏
    الخبر من السماء بما فعل حاطب ‏:‏
    وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بما صنع حاطب ، فبعث عليَّ بن أبي طالب والزبير بن العوام رضي الله عنهما ، فقال ‏:‏ أدركا امرأة قد كتب معها حاطب بن أبي بلتعة بكتاب إلى قريش ، يحذرهم ما قد أجمعنا له في أمرهم فخرجا حتى أدركاها ليس بعيداً، فاستنزلاها ، فالتمسا في رحلها ، فلم يجدا شيئاً ‏.‏
    فقال لها علي بن أبي طالب ‏:‏ إني أحلف بالله ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاكذبنا ، ولتُخرِجن لنا هذا الكتاب أو لنكشفنك ، فلما رأت الجِدَّ منه ، قالت ‏:‏ أعرضْ فأعرضَ فحلت قرون رأسها ، فاستخرجت الكتاب منها ، فدفعته إليه ‏.‏
    فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطباً ، فقال ‏:‏ يا حاطبُ ما حملك على هذا ‏؟‏ فقال ‏:‏ يا رسول الله ، أما والله إني لمؤمن بالله ورسوله ، ما غيّرتً ولا بدلت ، ولكني كنت امرأ ليس لي في القوم من أصل ولا عشيرة ، وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل ، فصانعتهم عليهم ‏.‏
    فقال عمر بن الخطاب ‏:‏ يا رسول الله ، دعني فلأضربْ عنقه ، فإن الرجل قد نافق ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ وما يدريك يا عمر ، لعل الله قد اطلع إلى أصحاب بدر يوم بدر ، فقال ‏:‏ اعملوا ما شئتم ، فقد غفرت لكم ‏.‏
    فأنزل الله تعالى في حاطب ‏:‏ ‏( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة ‏)‏ إلى قوله ‏:‏ ‏(‏ قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه ، إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله ، كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده)‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏
    إضاءة
    1- يتجهز القائد قبل الجميع للحرب ، فيكون قدوة يأتسي به أتباعه ، هكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم ، وهكذا يكون القائد الناجح ، لقد روى علي رضي الله عنه – وهو مَن هو في البطولة والشجاعة – أنه :"كنّا إذا حَمِي الوطيس واحمرّت الحِدق نتقي برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما يكون أحدٌ أقربَ إلى العدوّ منه". ويتجهز المسلمون كما أمرهم رسول الله دون أن يعرفوا وجهته ، وهذه الطاعة من أسباب النصر ودواعي الفوز والنجاح.
    2- يتابع المسلم الاريبُ قائدَه ويراقبه أولاً بأول ويجهز نفسه لما يتوقعه ، فكأنه يقرأ ما في أفكاره ليعمل مثلما يعمل ، وقد رأينا في المقال السابق إجابة الصديق أبي بكر لأبي سفيان الذي طلب منه أن يكلم النبي صلى الله عليه وسلم في تجديد الهدنة فقال: " ما أنا بفاعل". وهنا نجده رضوان الله عليه يسأل ابنته الصديقة مستعلماً ، فتجيبه "أي نعم" وتريد من أبيها أن يتجهز قبل أن يأمر النبيُّ المسلمين بذلك. هذا ما يفعله الجندي اليقظ والمريد الأريب.
    3- تظل أمور مهمة في نفس القائد لا ينبغي البوح بها لأقرب المقربين إليه حتى تكتمل الفكرة في رأسه وتختمر ، ولا أقرب من الصديق إلى النبي صلوات الله وسلامه عليه ، ويحس الصديق أن هناك شيئا يعتمل في ذهن قائده ويتجنب سؤاله المباشر عنه لكنّه يستجليه من طرف آخر قريب من صاحب القرار، أما صاحب القرار نفسه فقد حجب صريح الجهة عن أهل بيته ليطلقه في الوقت المناسب.
    4- لا بد من توضيح الهدف ليكون الجميع على علم ودراية فيجهزوا أنفسهم لما يناسب . فرسول الله صلى الله عليه وسلم يجهز نفسه ويأمر المسلمين بالجهاز الحثيث والتهيؤ الجادّ، ويخبرهم بالهدف( فتح مكة ) ليكونوا على استعداد. ولا شك أن من حضر لقاء النبي صلى الله عليه وسلم بعمرو بن سالم التي استصرخ النبي لنصرة بني خزاعة وقوله ( نصرت يا عمرو بن سالم) يجعلهم متأهبين لتوقع الأمر بين لحظة وأخرى والتهيؤ النفسي له.
    5- لا بد من السِّرّيّة قدر الإمكان فرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحدد الجهة المرادَ غزوُها إلا بعد ان تجهز المسلمون وخرج بهم شمال المدينة المنوّرة يعمّي عن المنافقين الجهة التي يريدها – وهي مكة جنوب المدينة- فلا ينبهونهم ،فيفجأ قريشاً في عقر دارها غافلة عما يُراد لها فلا تستعد الاستعداد المطلوب فيكون دخولها أسهل وخسائر الطرفين أقل، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يريد فتحها، لاتدميرَها وقتلَ أهلها، فهم أهله أولاً وفيها بيت الله ثانياً ولعل الله يشرح صدورهم للإسلام ثالثاً فيكونوا من جنوده الأوفياء.
    6- ويعلن القائد عن وجهته في جيشه بعيداً عن أعين الرقباء ثم يميل إلى الغرب قليلاً ثم إلى الجنوب قاصداً مكة. ثم يدعو الله تعالى أن تغفل قريش عن هذا المسير " اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها" . إن السريّة من أسباب النصر ، وقد علمنا رسولنا هذا في قوله: " استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان" .
    7- ولا بد أولاً بعد هذا أن نتوكل على الله وان نستعينه ونستنصره فالأمور كلها بيده سبحانه ، وهو ناصر عباده على عدوّه وعدوّهم . لا شك أنّ على المرء أن يستعد للمعركة بما استطاع وأن يجِدّ في ذلك" وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل..." لكننا نضع نصب أعيننا قوله تعالى" فلم تقتلوهم ولكنّ الله قتلهم ، وما رميت إذ رميتَ ولكنّ الله رمى.." وما نحن إلا أداة ظاهرة تتحرك من ورائها قوة الله تعالى ليحقق ما يشاء . وما أروع قول القاضي الفاضل في نصر المسلمين في فتح بيت المقدس بقيادة الناصر صلاح الدين الأيوبي" ينسب النصر لله تعالى: "الحمد لله الذي جعل نصره على أيدينا" .
    8- خلق الإنسان ضعيفاً ، قد يتصرف بما يضر وهو يظن أنه يُحسن صنعاً ، إن الصحابي حاطب بن أبي بلتعة كان من أهل بدر، وحضر كثيراً من الغزوات ، وكان رسولَ رسولِ الله إلى مقوقس مصر في السنة السادسة للهجرة ، وأحسن في سفارته هذه ، لكنّ ضعف الإنسان ( والإنسان خطّاء) قاده حين علم أن رسول الله يقصد مكة إلى إخبارهم بهدف رسول الله صلى الله عليه وسلم‏ ظاناً أنه يقدم يداً بيضاء إليهم يحفظونها له – وقد كانَ أحدَ مواليهم- دون أن يفشي سراً يقود إلى الخيانة ! . وخانه اجتهاده بأن الكافر لا يحفظ عهداً ولا ذمّة. والتاريخ على امتداده يضرب لنا أمثلة كثيرة في ذلك.
    9- تصرّفٌ كهذا يتسحق صاحبه العقوبة الرادعة إن ثبتت خيانته، ويستحق عقوبة أخرى إن لم يكن يقصد الخيانة ، لكنّ ما فعله حاطب ليس بالأمر السهل، فما كان من عمر رضي الله عنه إلا أن ارتأى قتله جزاء وفاقاً ، لكنْ للقائد الواعي الحاذق بنتائج ما حصل والعالم بسيرة المخطئ- حاطب- يُقدّر الأمر ويحلل دوافعه، ويعفو إن رأى العفو ممكناً. شرط أن يوضح سبب العفو ودافع الشفقة.
    10- كثيراً ما ردد رسول الله بحق أهل بدر" لعل الله قد اطلع إلى أصحاب بدر يوم بدر ، فقال ‏:‏ اعملوا ما شئتم ، فقد غفرت لكم "‏.‏إنهم كانوا مقدّمة المجاهدين في معركة الإسلام الأولى فلهم من التكريم ما يغطي على أخطائهم ، ولعل استعادة الكتاب من المرأة أنهى القصة من جذورها ، ولعل النبي صلى الله عليه وسلم رأى اعتراف الرجل بخطئه صادقاً فتجاوز عنه . فإذا قسنا أموراً مشابهة لهذا الخطأ فلا بأس أن يكون العفو سبيلنا إلى امتلاك قلوب الآخرين حين تسير الأمور على ما يرام .
    11- أن تكون مع الله فقد أيقنتَ أن الله معك، وأنه سبحانه مؤيدك ، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يتخذ الأسباب ثم يتكل على رب الإسباب ويسأل الله أن يسدد خطاه ، والله تعالى مع عبده ييسر أمره ويعينُه في مهمّته ويفتح له مغاليق الأمور ويدفع عنه الضرر، وياخذ بيده إلى كل خير ، جبريلُ ينزل فيخبر رسول الله بأمر حاطب ،والمسلم حين يتقي الله يجعل له من أمره مخرجاً ويسدد خطاه ويحفظه من كل سوء.
    12- عليٌّ رضي الله عنه مثال المسلم الواعي ينفذ المهمّة واثقاً بحكمة قائده وصدقه، يبحث عن الكتاب ، فلما لم يجده في أمتعتها – وقد جهد إذ دقق في البحث – يعلم أنها أخبأته في مكان حريز لا ينبغي للرجال ان يمسوه . فلما أيقنت أنّ عليها أن تظهره حين سمعت علياً يقسم بالله أن رسول الله لا يكذب وانه قد يتصرف بما لا تريد من كشفها أخرجت الكتاب من قرنيها.
    13- للمرأة حرمتها في الإسلام وينبغي الحفاظ عليها ، وما نراه من انتهاك الأعراض وقتل النساء وقتل صغارهنّ في بلادنا الحبيبة المنكوبة انتقاماً من رجالهنّ الأحرار دليلٌ على الكفر وانحطاط الأخلاق وفساد الدين. قد يتناسى المرء قتل الرجال وسلب الأموال وهدم الممتلكات ، لكنّه لا ينسى الاعتداء على الأعراض ولا يتناسى حوادث الشرف والاغتصاب، إن الشرف أغلى من كل هذه الممتلكات وأغلى من الروح وأعزُّ من الحياة.
    14- ولعلك ترى علياً والزبير رضي الله عنهما يتنحّيان حين تطلب المرأة الكافرة منهما أن يبتعدا – وهي شريفة- لتظهر ذوائبها بعديداً عن أنظارهما فيجيبان طلبها، وهذا يعني الحفاظ على حرمتها وكرامتها ، غير أن أزلام الطغيان في بلادنا يفعلون فعل الشياطين ويمتهنون كرامة الإنسانية كلها ويدوسون على طهر المسلمات وعفافهنّ ويتبجحون بذلك إمعاناً في الظلم والإرهاب وإظهاراً لفساد الطوية وسوء النية .
    15- إنّ الآيات التي نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الحادثة تعلمنا دروساً واقعية، وتزرع فينا معاني تربوية رائدة ،منها:
    1- لا يجوز اتخاذ العدوّ وليّاً وصاحباً.
    2- لا لقاء بين الكفر والإيمان في الدارين جميعاً.
    3- مودةُ الكافر ضلال.
    4- إذا تمكن العدو وسيطر فسيبدأ بمن والاه قبل الآخرين.

صفحة 1 من 4 1234 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. في ذكرى فتح مكة
    بواسطة محمد محمد أبو كشك في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 07-07-2015, 01:40 PM
  2. يوم فتح مكة
    بواسطة رضا البطاوى في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 31-03-2014, 09:59 PM
  3. فتح الأندلس
    بواسطة عبد الكريم الفلالي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 09-11-2008, 07:59 PM
  4. البكاء على أسوار الفاتيكان أم فتح روما؟
    بواسطة محمد حافظ في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 11-04-2005, 05:18 AM
  5. دعوة عامة للمفكرين في الواحة للمشاركة في : فتح ملفات
    بواسطة ابو نعيم في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 24-01-2005, 11:22 PM