قلتُ:
أنتَ الحبيبُ وكلُّ الفخْـرِ والشّـرَفُ // أخبَرْتَنِي أنّ بــوْحَ الشّيب مختلفُ
حَدِّثْ عن الأمسِ عنْ جيلٍ مضى أبَتِي // مِمّن تنَاستْهُمُ الأيّـامُ وانصرفُــوا
قال:
شاخَتْ بُنَيّ أحاديثي وذاكِــــرتي // حتىّ تقاسَمَني العُكّـازُ والخَــرَفُ
كمْ مرّةٍ جاءتِ الأجْـدَاثُ تطْلُبُنِـي // ماذا أقولُ وبالتَّخريفِ أتَّصِــفُ
قلت :
مـا كنتُ أوّلَ مَنْ خَانَتْهُ أضْلُعُــهُ // ولستُ أوّلَ مـنْ بالضَّعْف مُكْتَنَـفُ
ما للفتى بعدَ أيّامِ التّمــامِ سِــوَى // جسمٌ بمحرابـهِ الأسقامُ تعتكــفُ
قال:
سبحانَ منْ جَعَلَ الأطْيَـارَ في رَشَـدٍ // سبحانَ منْ علَّمَ الأحْدَاثَ ما وَصَفُوا
قدْ تُنكرُ العينُ ضوءَ الشَّمسِ مِنْ رمـدٍ // ولستُ أُنْكِـرُ أنَّ الغِرَّ محتَــرِفُ
قلت:
إنّـي وإنْ كنتُ في عيْنيْكَ داهيــةً // حقًّا فمازلتُ منْ شيْبَيْكَ أرتشِـفُ
الابنُ في نظـرةِ الآبَــاءِ نابغــةٌ // وإنْ تَسَاوى لديهِ اللاّمُ والألــفُ
قال:
بُنَيَّ، لمْ أمْدحِ الإنْسَـانَ في كَلِــمٍ // ولمْ أقُلْ فيكَ نِعْمَ الابنُ والخلَــفُ
إلاّ لأنّكَ أهلٌ للمــديحِ فَقَـــطْ // فالمدْحُ في غيْرِ أهْلِ النَّبْغِ ينْخَسـفُ
قلت:
علــى سواعِدِكُمْ أمجادُنا بُنِيَــتْ // أيّامَ كانتْ خِرافُ القوْمِ ترتجــفُ
فلوْ ملكتُ زِمـامَ الأمرِ مُعجــزةً // لجِئتُ بالشّمس للأحفاد تعتــرفُ
قال:
واهاً عليها مِنَ الأطلالِ لوْ نَطَقَــتْ // لَتُسْمِعَنَّكَ ما ضجَّتْ بهِ الطُّــرَفُ
تَـرَى الأصابعَ في بصْماتِهَا زَمَــنٌ // تَكتَّمَتْ في ذِكْرهِ الأخبارُ والصُّحفُ.
قلت:
إشراقـةُ الأمسِ لا تخْفَـى أشعَّتُــهُ // وإنْ تجبَّرَ زُورُ القـوْلِ والجَنَــفُ
تالله لوْ تعْرِفُ الأقــوامُ قدْرَكُــمُ // لقُدِّسَتْ منكمُ الأرحامُ والنُّطَــفُ
قال:
كانتْ أحاديثُنَا في لفْظِهَا حِكَمـــًا // والكلُّ من غُرَرِ القـرآنِ يغتــرِفُ
لوْ كانَ لقمانُ بينَ الأهلِ مِنْ سَلَــفٍ // لسَاءهُ جَهْلُــهُ وانتابَهُ الأســفُ
قلت:
سُقْيا لَهُ مِنْ زمـانٍ ليسَ يُشْبِهُـــهُ // والله زمانٌ بزيْفِ الزَّيْفِ مُلْتحـــفُ
مرّتْ بِنا سُحُبٌ ما أنْـزَلَتْ مطَــراً // ليْتَ السّحَائِبَ ترْوِي أرْضَ مَنْ تَلِفُوا
قال:
تَعَوَّدَتْ صرْخةَ التَّحريـرِ ألْسُنُنـــَا // والناسُ في وحْدةِ الأوْطانِ ما اختلفُوا
حتّى أضَاعَتْ جيوشُ الغَدْرِ سطْوَتَهَــا // فأصبحَ الذُّعْرُ في مِخْلابِهِــمْ يَقِـفُ
قلت:
أبْكِي زمانِي كما يبْكِي الأسَى رجــلٌ // بِالمِثْلِ في البحْرِ يبْكِي دُرَّهُ الصَّـدَفُ
إلى متى تَقْبَلُ الأجْفَــانُ دمْعَتَنـــا // والدَّمْعُ ديْدَنُنَا مُذْ غادَرَ السَّلَــفُ؟
قال:
لا تيْأسَنَّ، فمَا ضاقَتْ بِكُـمْ طُــرُقٌ // إلاّ لينْقَشِعَ التَّضْليــلُ والتَّلَــفُ
السُّـمُّ إنْ قَتَلَ الأحياءَ فيه شِفَـــا // كذلكَ الصبْحُ يأْتي إنْ دَنَا السَّـدَفُ
قلت:
للهِ درُّ شَـريدٍ قــالَ وا أسَفِـــي // على مَنِ اسْتُلِبُوا بلْ للسُّبَاتِ نُفُــوا
ما مـاتَ نبْضُ شبابٌ إِنْ لِثَوْرَتِهِــمْ // قَامُوا، فهَلْ عرَفُوا أمْ بعْدُ ما عرَفُـوا؟