موعد في الجامعة!
أمضى رفيق خمس عشرة دقيقة، وهو يصفف شعره الملبد" بالجل"، مستعملا المشط تارة وأصابعه تارة أخرى.. ثم انطلق في عجلة من أمره يرتدي قميصه.. وبنطاله.. وجواربه وحذاءه . ولم ينس أن يضع إسورة المطاط السوداء في يده اليمنى، بعد أن وضع ساعته الثمينة في يده اليسرى تماما.. نظر مرة أخرى إلى نفسه في المرآة..فتخيلها أمامه فأحس الرضا و الحبور، فابتسمت وابتسم لها..وهم بان يحادثها.. لولا صوت أمه، الذي انتهره من غفلته مذكرا بموعد الحافلة.. فانطلق حاملا دفتره وكتابه.. قاصدا باب الشقة ففتحه ثم رده خلفه بعنف..
نزل الدرج منقِّلا قدميه على حواف الدرج بخفة ونشاط.. حتى إذا احتواه الشارع. مضى إلى حيث موقف الحافلات. فلبث غير بعيد.. جاءت الحافلة فصعد إليها وسار الهوينى في ممشى الحافلة، يتخطى المقاعد التي بدا كل منها فارغا، إلا من شخص أو دون ذلك. ،وجلس في مقعد تاركا خلفه ثلاثة مقاعد، مبتعدا عن الكرسي الخلفي الطويل. مضت الحافلة في خط سيرها المرسوم متتبعة المواقف الواحد تلو الآخر.. أخذت المقاعد تمتلئ بالركاب الواحد تلو الآخر، كلما انتقلت الحافلةُ إلى موقف جديد.. حتى غُصت عن آخرها ..
من بعيد رأى سائق الحافلة عجوزا في العقد السابع، أو نحوا من ذلك، ممتلئ البدن بادي التعب.. فوقف حذاءه.. صعد الرجل درجات الحافلة متثاقلا. والتقط أنفاسه عندما استوى بقدميه على سطح ممشى الحافلة، وهناك أمسك بماسورة السقف ،وسار ببطء شديد مقتربا بخطواته التعبة إلى حيث تسمح له المسافة بينه وبين الكرسي الطويل في مؤخرة الحافلة.. ورفيق يرقبه منذ البداية، فتمنى في نفسه لو أسعفت الشهامةُ أحد الركاب، ممن هم في مثل سنه، أو من يقوى من الشباب على الوقوف فيقف للرجل الكهل فيجلسه مكانه، فيريح ويستريح. وتصارع الأمر في نفسه حتى تفاعلت عاطفتان؛ عاطفة تُسعرها الشفقة، أن ماذا لوكان الرجل أباه..أو كانت أمه.. والعاطفة الأخرى يسعرها الموعد القريب والشوق للقاء حبيب.. فعلا في القلب الخفقان، بل إنه ليسمعُ ضربات قلبه تقرعُ أذنيه، وازداد قلبه يشتد قبضا وبسطا كلما طرقت سمعه خطوات العجوز البطيئة المتثاقلة، .. وإنه ليحسُّ قلبه يكادُ يقفزُ من صدره.. حتى كاد أن يصل العجوز حيال رفيق.
لم يكن رفيق ليجهد نفسه تعب الوقوف.. ذلك إنه يتعرَّقُ جسمه لأبسط جهد.. كي لا تذهبُ رائحة العرق بكل العطر الغالي الذي ضمَّخ به وجهه وملابسه.. ، وإذ كان يغلي على جمر انتظار الموعد معها في الجامعة.. تراءت له صورتها.. رأى عينين ساحرتين.. ووجها كالقمر، وفمٌ يفتر عن ابتسامة وثنايا كاللؤلؤ، فاستوى جالسا لما استفاق من سطوة الخيال.. وازدحم قراران في نفسه ؛هما قرار عقله وقرار قلبه..فيتغالبان أو يستويان..يستمر شهيقه وزفيره بين القيدين..حتى إذا استقرت خطوتا الرجل متوازيتين تماما حياله.. شح حوله الهواء.. ومضت الحافلة تطوي الناس في طريقها وتطوي الطريق.