قصة بقلم / مختار محمود
الأسطى أحمد شوقي (الذي لا يعد شخصية محورية أو حتى هامشية في هذا السرد فشخصيات القصة عديدة والمكان يبعد عن هذا العمار ما يزيد عن أربعين كيلومترا) دخل بيته بعد يوم مليء بالأحداث في تمام الواحدة صباح السبت الموافق يوم من أيام مايو 2005م فهو لا يدقق كثيرا في التاريخ ولولا كون المشمش لا ينضج إلا في مايو ما عرف أنه في شهر مايو أصلاً .
ستسألني كيف عرف أنه في يوم السبت ؟ يوم الجمعة السابق له هو يوم مشهود فكل أصحاب السيارات يستعدون لتغيير الزيت في يوم الأجازة وكونه صاحب توكيل لتوريد الزيوت فرنسية الصنع فسيكون الجمعة هو يومه الممتلئ والسبت تقريبا هو يوم الراحة الأسبوعية برغم أنه لا يغلق ورشته أبداً وهي مفتوحة على مدار الأسبوع.
الأسطى أحمد لم يغمض جفنيه ولم ير ولا حلم صغير أو حتى كابوس واستيقظ في الثالثة فجرا على صوت طرقات مستفزة وسريعة تأكد أنها (كبسة) لرجال الأمن، فهو يعرف طرقاتهم جيدا، وصوت ابن خاله صلاح أبو إسماعيل شريكه في الورشة جاء ليهدئ من روعه ويستحثه أن يفتح بسرعة، قفز ناحية الباب الرئيسي الحديد وفتحه فامتلأ المدخل بالخفراء ومعاوني المباحث والمخبرين ورجال الأمن بزيهم المعهود وبعض المتطفلين السهارى يرقبون المشهد من بعيد.
- هل تملك موتوسيكل معدل؟ : سأله قائد حملة التفتيش
- هناك واحد تحت السلم يخص أخي عادل : أجاب الأسطى أحمد
- ليس هذا هو المسروق؟
- أي سرقة .............
- تعال معنا
- هل أستطيع تغيير ملابسي ؟
- نريد أن نعرف بيت عرفة تكتك
لم ينتظر قائد الحملة إجابة ولم يمهله لتغيير ملابسه برغم أنه كان واضحا أنه لا يرتدي ملابس داخلية ولم يعامله كمشتبه به ، مرت برأسه أحداث سريعة لما سمع ذكر عرفة تكتك .......................
(إلى هنا ليست هذه أحداث القصة فالسرد الأساسي لم نتطرق إليه بعد)
في الورشة المقابلة كان يجلس عرفة تكتك على حصيرة من البلاستيك هو وصاحب الورشة ورجلان غريبان عن العمار، وبجوارهما موتوسيكل معدل وأمامهم صينية شاي عليها ستة أكواب ، والجميع في انتظار أن ينتهي الأسطى أحمد من عمله ليكتب لهم مبايعة الموتوسيكل المعدل للسيد عرفة تكتك، بالطبع تكتك هذا ليس اسما أصيلا للسيد عرفة غير أنه يعمل على واحد منها، وأول من أدخله للنقل داخل القرى، ولم يكن لهذه المعدة وجود قبل أحداث انتخابات عام 2000م.
الأحداث تمر بشكل متتابع على ذاكرة عمنا أحمد التي مازالت نائمة ولم تنتبه بشكل كامل حتى الآن، عرفة لم تكن الدراجات البخارية لعبته فلماذا يقدم على شراء موتوسيكل معدل؟ ............. بعد مناقشة الرجلين الغريبين وسعر الشراء المنخفض تبين أن الأمر ليس على ما يرام، وهناك ما يستلزم التقصي بخصوص هذا البيع الذي جاء على عجالة وفي ظروف مريبة.
لما وصل وفد الشرطة قريبا من المكان الذي يقطن فيه عرفة، أوقفت المحركات وترجل بعضهم وأعيد سيناريو المداهمة فرابطوا أمام المداخل والنوافذ والبلكونات وأعيدت نفس الطرقات ، مخبر ممتلئ لا تغادر السيجارة فمه يطرق بكلتا يديه وبرغم هذا لم يرد دليل على كون أحدهم بالداخل، ازدادت الطرقات عنفا، وتبادل رجلان النظرات مع من لا تغادر السيجارة فمه، واندفعوا بأرجلهم في اتجاه الباب فانزاح داخلاً أمامهم وخلفهم نفس الجمع الذي تواجد سابقاً بينما كان عرفة يقف قبالتهم وتلاحقت الأسئلة ولم يمهل عرفة أي فرصة للرد، وبمجرد إشارته لمكان الموتوسيكل اقتيد بملابسه الداخلية شبه المهترأة إلى البوكس وهو يكيل لهم السباب وهم يكيلون له اللكمات والصفع والصقع.
كانت المشكلة كيف سيرفعون الموتوسيكل المسروق إلى سيارة الشرطة (الذي تأكد أنه لا علاقة له بالقصة من قريب أو بعيد فالمعدة الوحيدة في القصة هي قلاب حمولة ستة عشر مترا مكعباً استخدم لنقل رمل جرش من محجر في حلوان أو طريق السويس ) ، الفكرة جاءت لمخبر قصير جاحظ العينين بأن يقود الأسطى أحمد شوقي الموتوسيكل إلى مركز شرطة قليوب حيث مكان الإبلاغ عن السرقة من باب التعاون لخدمة الشرطة حيث كانت الشرطة والشعب حينها في خدمة سيادة القانون.
حين ستسأل هل السرقة هي الحدث الأساسي في القصة؟
سيردك أن القصة لم تأت بعد وأن الحدث الأساسي هو زيارة معالي وزير الداخلية، واستنفار أمني غير مسبوق وعلى أعلى مستوى في ضاحية ميت حلفا شمال مدينة شبرا الخيمة وإغلاق الطريق الزراعي بين القاهرة والإسكندرية وتحويله إلى خط (12) الموازي.
لما وصل عمنا أحمد بالمعدة المسروقة إلى مركز شرطة قليوب كان النهار قد انسلخ من ليل طويل، رسمت ملامح طوله أحداثه العصيبة، كان يرتدي عباءة نوم تصف جسده وتؤكد أنه لا يرتدي ملابس داخلية، وعرفة تكتك بالفانلة والسروال يقف أمام الضابط النوبتجي ، وكمال الدغيدي الذي هو الضابط النوبتجي يفرك عينيه ويلعن سنسفيل أبو العريف الذي أقلقه، ويأمر بوضع الجميع في الثلاجة لحين إعادة فتح التحقيق في الواقعة وإحضار صاحب الموتوسيكل المعدل للتعرف عليه.
أكد الحضور أن أحمد شوقي لا علاقة له بالسرقة وقد تعاون مع الشرطة في نقل أداة الجريمة ويجب إخلاء سبيله حالاً، غير أن كمال الدغيدي أصر على استبقائه في مكتب البلوكامين لحين أخذ شهادته في القضية فهو من كتب المبايعة بين السارق وعرفة تكتك.
كانت الحركة غير عادية وبداية القصة هنا استدعاء من الوزارة لكافة القوى الموجودة بمركز شرطة قليوب لمعاونة القوات الخاصة بميت حلفا.
إصبع يورانيوم مثل أصبع الموز يبدو أنه مشع، ظهر في قلاب رمل ومات من أمسك به وثلاثة بجواره ضمنهم طفل وامرأة ، وعلى بعد أصيب عدد من المتواجدين بالمكان بحالات قيء ونزيف غير مبرر وحالة من الذعر تنتاب الأهالي .................
والقلاب الذي هو المعدة الوحيدة في القصة رافعا صندوقه نصف رفعة وجزء من الرمال على الأرض والبقية بالصندوق، وزيارة المعالي لموقع الحدث مؤمنة على أعلى مستوى والمعاينات والتقارير لا تنتهي، وعمنا أحمد منسي وقد أغلق عليه باب حجرة البلوكامين حتى يعود كمال الدغيدي، ومركز شرطة قليوب هادئ إلا من سلام سلاح بعيد عند البوابة الرئيسية على فترات متناوبة، وصراخ لا ينقطع لمن أدخلوا الثلاجة، وبعض الأساتذة في جامعة القاهرة وهيئة البحوث يبحثون في كمية الرصاص المطلوبة للسيطرة على الإشعاع ، وموظفي الطاقة الذرية بانشاص يناقشون عمق الدفن الآمن لهذه البلوى السوداء حتى يمنع ضرر الإشعاع تماما.
- تمت-