العراق أمال .... الطريق إلى القدس!!
الحمد لله رب العالمين الذي هدانا لهذا الدين القويم ، وصلى الله علي سيد الأنبياء والمرسلين نبينا محمد الذي بعثه الله بهذا النور ، ففتح به وبأصحابه رضوان الله عليهم ؛ الاصقاع والبلاد ، وانتشر نور الله على وجه الأرض فأحالها واحاتٍ وجناتٍ ؛ يرتع فيها وينشدها كل عاقل في هذه المعمورة ؛ فصلوات ربّه وسلامه عليه وعلى أصحابه وآل بيته الطاهرين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ؛ أما بعد :
فهذه بعض كلمات ومواقف اسجلها إبان زيارتين زرتها للعراق في الفترة الأخيرة ، وامتدت هاتين الزيارتين من الأيام الأخيرة في الحرب إلى شهر ربيع الثاني ، واجتهدت في أثناء زيارتي الذهاب إلى كل مكان يمكنني الذهاب إليه ، من الشوارع والطرق والاسواق والمنتديات العامة والأندية والمراكز الثقافية والمشائخ والعلماء وطلاب العلم والمثقفين وأساتذة الجامعة والمراكز الإعلامية والمنتديات التي تهتم بالمرأة ، كما أني لم اقتصر في زيارتي فقط على نخب فكرية دون الأخرى ، بل إجتهدت أن أجلس مع الجميع حتى أني تجرأت وجلست مع بعض الشيوعيين والذين يطنطنون كثيراً ولا قيمة لهم كبيرة في أرض الواقع ، اللهم إلا إذا اعتبرنا حزب جلال طالباني منهم وعندها يكون هو أقوى الاحزاب الشيوعية إذا نسبناه إلى الشيوعية ؛ وسيأتي تفصيل ذلك فيما سيأتي إن شاء الله . وأجتهدت ان ادخل البيوتات العراقية وآكل من طعامهم وأجلس مع ابنائهم حتى اعرف كيف يفكر هذا الإنسان العراقي ؟! ، وهذا اشبه مايكون بالمسح الميداني أو المسح ( الديموغرافي ) المبسط ؛ ومع ذلك فإني اعترف أنه لا يمكن لي ولا لغيري في فترات لاتتجاوز الأسابيع أن يعرف نفسية وعقلية وتركيبة هذا المجتمع العراقي العريق في تأريخه المعقد في تركيبته . وكل ماذكر قابل للأخذ والعطاء ولعلها تكون ورقة عمل يضاف إليها أوراق أخرى ينتفع بها إن شاء الله .
______________
أولاً : نفسية الإنسان العراقي
لاشك أن العراق بلد تجتمع فيه حضارات العالم كله فهو يكاد يكون الأول في هذا الباب في العالم كله خاصةً إذا استثنينا مصر ؛ من ناحية عمق حضارته الإنسانية مابين حضارة آشورية وكلدانية وبابلية وكل هذه الحضارات جاء الإسلام فانتظمها وجعلها في عقدٍ جميل أشرق ضياءه وبث نوره على العالم كله .
والعراقي تتنازعه نفسيات عدة ؛ فأولها : أن العمق الحضاري المذكور ارتبط واختلط في جيناته ؛ ففيه مزيج من العزة والثقة بهذه الهوية ، وتتأكد هذه الهوية عندما يتقلب ذات اليمين فيرى دجلة شاهدة على تأريخه الثقافي الكبير ، ويتقلب ذات اليسار فينظر الفرات يسجل تاريخ السالفين الغابرين من ابطال الأمم عامة ومن ابطال هذه الأمة خاصة ، إن الماشي في بغداد يرى قبر معروف الكرخي ، فتذكره بالزهدِ والمحافل الإيمانية ودموع الليل الطويل الذي امضاه هؤلاء الزهاد ، وإذا مشى قليلاً تذكر مقبرة حرب وأبناء هذه القبيلة البارة الذين ملئوا بغداد وماحولها علماً وعلى رأسهم الإمام : إبراهيم الحربي رحمه الله . وإذا نظر في الأعظمية نظر إمامها الأوحد الإمام ابا حنيفة ، وكذلك إذا قلب النظر رأى امام السنة احمد بن حنبل ووجد كثيراً من هؤلاء وأمثالهم من العلماء ، وفي بغداد اجتمع سفيان والحمّادان وابن المبارك ، وخرج الرشيد غازياً مرة وحاجاً مرة أخرى ، هذا التاريخ العريق يمزج هوية العراقي بعزة وانطلاقة لاتكاد تجدها في غيره إلا قليلاً ، يضاف إلىهذا كله ذكاء فطري طبيعي متميز عند معاشر العراقيين ابناء الرافدين ، وهذاالذكاء تفجّر حتى عُرف في أوروبا وكندا وامريكا واستراليا وغيرها ، فهم معروفون بذكائهم الفطري الذي فاقوا به غيرهم . هذا هو الجزء المُشرق من نفسية الإنسان العراقي ؛ ومع ذلك فالعراقيون على مدار تاريخهم كانوا محطة تمر بهم الثقافات والدول ، فمرةً تغزوهم فارس ، ومرة يضطهدهم ملوك الخطا والتتر ؛ ومرة يحاربون بني إسرائيل ، وثالثة أخرى تؤثر فيهم الدولة الصفوية ، ولا تحسن توظيفهم الدولة الإسلامية في الخلافة العثمانية ، ثم تكون فتنة هاهنا وهاهناك خاصة في جنوب العراق في منطقة الكوفة ؛ والتي هي المقصودة بكلامِ السلف الاول عن العراق ، وكلام الحجاج والذي ضرّه قبل أن يضرّ أهل العراق فهذه هي مدينة الكوفة ؛ والتي انتهت كمدينة ، وبقيت كبدعٍ ترفع عقيرتها هنا وهناك وتبقى ظلالها السوداء تدنس جمال العراق وبهاءه ، وتفسد بإفسادها بيئة العراق خاصة الجنوب منه ، على كل حال العراق عبارة عن مجموعة من التاريخ المتلاطم فقد مر به كثير من الفتن وانتهى بهذا الكبت الذي جثم على صدر العراق لمدة نصف قرن تقريباً منذ بداية الثورات المتتالية من ايام عبدالكريم قاسم ومابعده ؛ والذي يستحضر خروج هذه الثورات وثقافة السحل والقتل والسحق الذي تبنته يعرف انها لن تنتج إلا إنسانا مكبوتاً جريحاً ثائراً على هذا الواقع ، فالإنسان العراقي خرج من هذا الكبت الآن وهو يحمل مشاعر العزة بتاريخه القديم ، الممزوجة بكبتٍ وقهر من تاريخه المعاصر ، ولاإخالك أخي القاريء تتخيل هذا الصراع النفسي العجيب الذي لن يفرغه هذا العراقي إلا في هؤلاء العلوج الذين جاؤا بشبابهم الغرّ من مراهقي " الكيجون فوود"1 و " الهارد روك "2 ، وهم لا يعرفون ما العراق وماثروته وماتأريخه وماحضارته ؟! . هذه نظرة سريعة في نفسية العراقي ؛ أريد أن اخرج منها بخلاصة فأقول : إن العراقي سيثور ثورة عارمة على هؤلاء المحتلين وأذيالهم ولكن هذه الثورة لن تؤتي أكلها إلا إذا اشتد عودها واستوى ساقها وأعجب الزراع نباتها ؛ عندها ستكون ثورة حقٍ على كل باطل ، وستكون بركاناً تفجر كل خوفٍ في أمتنا الإسلامية التي تتردد اليوم
________________
1 هو طعام غريب مشهور بالفلافل يمّز ولاية " لويزيانا " وخاصة مدينة أوليانز ، ولم يعجبني عندما ذقته .
2 موسيقى ترجع لأصل افريقي .
الكاتب د. سعود مختار الهاشمي
يتبع