أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 8 من 8

الموضوع: الاسلام بين العلماء والحكام ... عبد العزيز البدري

  1. #1
    عضو مخالف
    تاريخ التسجيل : Aug 2004
    المشاركات : 332
    المواضيع : 80
    الردود : 332
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي الاسلام بين العلماء والحكام ... عبد العزيز البدري

    الإهداء

    الى العلماء العاملين ... موعظة للعلماء غير العاملين الذين رضوا لانفسهم طريق الكسل والخمول والقعود .

    والى الحكام الصالحين ... تذكرة للحكام غير الصالحين .
    الذين انحرفوا عن حكم الاسلام وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا .
    اهدى هذا الكتاب موعظة وذكرى ...

    عبد العزيز البدري


    .....................



    المقدمة

    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه ومن دعا بدعوة الاسلام , حتى قيام الساعة .

    .. حفلت الدولة الاسلامية, في تاريخا الطويل , بمآثر جليلة سجلها العلماء في مواقفهم الخالدة والفذة مع الحكام , تلك المواقف التي اتسمت بالصدق والجراة , والاخلاص لله ولدينه الحنيف , فكانوا نجوما وضّاءة يهتدي بهم الحكام والمحكومون في ظلمات الحياة ..

    لقد أظهر العلماء في تلك العصور , عزة الاسلام , وابانوا فيها حقيقة الشريعة الاسلامية الغراء , صافية نقية مكينة , في صلابة موقفها من الحكام المنحرفين عنها ولو قيد انملة , وفي معالجتها لجميع شؤون الدولة التي يرأسها الحكام ويخضع لسلطانها المحكومون , كاشفين للعالم أجمع أثر صلابة الايمان بالشريعة الغراء في النوازل والخطوب , متحملين بصبر وشجاعة , ما ينتج عن الجهر بكلمة الحق عند سلطان جائر , غير هيابين سلطان الحكام , ولا قوة الدولة ولا صولة الجند ...
    ولا غرابة في ذل فهم اهل لهذه المواقف لانهم حملة لواء الشريعة الاسلامية الحقيقيون .
    ان الحكام الظالمين الذين تولوا أمر الاسلام حينا من الدهر , لم يستطيعوا البتة تسخير العلماء الابرار لتنفيذ أهوائهم أو السير في ركابهم المعوج مع ما اوتوا من قوة باس وشدة جبروت وتمكين في النيل .
    وكيف لايكون ذلك وق نهي العلماء والمسلمون اجمع , ان يركنوا اليهم لقوله تعالى : ( ولا تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار ) (1)

    لذلك نجد منهم المحاسبين للحكام , المنكرين عليهم سوء افعالهم , وقبيح تصرفاتهم وفساد أقوالهم .

    كما نجد منهم الناصحين لهم و الرافضين منحهم , الصابرين على محنهم .

    ومنهم المعرضون عن مواجهتهم , والساعون لهذه الواجهة بقصد اسماعهم مقالة الاسلام صريحة جريئة لاغموض فيها ولا كنايات !! ولا استعارات ولا ذبذبة حيث لا يخافون لومة لائم .

    ثم نراهم الراكع السجد في سجون الحكام . يلتمسون رحمة الله , وطلب رضا . يكتبون ويؤلفون ويهدون الناس الى الطيب من القول , خدمة للاسلام ورعاية للمسلمين . وهذا مل ينفعهم في دنياهم واخراهم .

    مستحضرين قول رسولهم القدوة الحسنة ( ص ) :
    ( اذا مات الانسان انقطع عمله الا من ثلاث ... أو علم ينتفع به .. الحديث ) ( 2 ) لأنهم شموع تضيئ وسر تنير اينما حلوا .
    أما في الجهاد ومقاتلة الاعداء , فهم في قدمة الجند وعلى راس النفيضة .

    وهكذا اثبت العلماء من قبل أن وجودهم هو من اجل الاسلام وحده , وانهم حقا ( ورثة الانبياء ) وسيرى القارئ الكريم , صدق هذا القول جليا في حوادثهم ومواقفهم مثبتا بين طيات هذا الكتاب .

    ذهبت الدولة الاسلامية : إذ استطاع الكافر المستعمر ان يقضي عليها في_ غفلة من الامة _ بوسائله الاستعمارية الماكرة , وخيانة ابناء امتنا, الذين انطبعوا بثقافته الاستعمارية الكافرة , واستجابوا لإغراءه , وصدقوا وعوده البراقة : ( وما يعدهم الشيطان الا غرورا ) (3 )

    بعد ان كانت هذه الدولة : الدولة الاولى في العالم , قرابة الف سنة او تزيد , حيث انتزعت زمام القيادة من دولتي الفرس والرومان ومن شايعهما ودار في فلكهما . حتى وصلت الى درجة انها ان اشارات الى الشرق يطأطئ وان اشارت الى الغرب يومئ , واضحت زهرة الدنيا حضارة ومدنية ورقيا , فاتجهت اليها الانظر ,ارتحل اليها ابناء الاقطار, يرتشفون من معينها الذي لاينضب , ويستظلون بلوائها , الى ان ترك المسلمون _ حكاما ومحكومين _ حمل رسالتهم الخالدة , وتقاعس العلماء عن اداء مهمتهم , تباطئوا عن حمل لواء شريعتهم بعد ان وقع اللواء ... فانقلوا من مركز القيادة الى درك التبعية وصار المسلمون _ حكاما ومحكومين _ يرددون ما يقوله اعداؤهم الحاقدون الكافرون المستعمرون الملحون من شرق وغرب , عن اسلامهم , دون أن يقف علماؤهم الموقف المطلوب منهم شرعا .

    ان الاسلام اليوم : يريد من المسلمين _ خصوصا معشر العلماء _ وهم على مفترق الطرق , ان يبذلا أقصى الهد ومنتهاه , في بيان احكامه بصراحة وجرأة وحمل الدعوة اليه , جاعلين وجودهم قائما على اساسه . فاذا هم لاينصرون حقا ولا يمنعون باطلا, ولا يامرون بمعرف , ولا ينهون عن منكر... فما وجودهم اذن زز؟ وكأن بن الارض خيرا لهم من ظهرها .
    والعلماء الذين قصروا تجاه اسلامهم , فهزموا في المعركة معركة الاسلام والكفر عليهم ان يقتفوا اثر السلف الصالح من العلماء العاملين ليجعلوا من الفشل الذي احاق بهم نصرا مبينا ليعيدوا الى الاسلام سيرته الاولى باستئناف حياة اسلامية , يعز بها الدين وعلماؤه واتباعه , ويخذل بها الكفر وجنده وانصاره .

    ولنعد جميعا الى الله تعالى فعنده النصر المبين ان اخلصنا النية له , واتبعنا شرعه , ثم نقوم مستفرغين كل جهودنا لحمل راية الاسلام , واقامة حكم القران , مضحين في سبيل اعلاء كلمة الله , ولو كره الظالمون والكافرون .
    ولنبتعد عن الكسل , ونذهب عن نفوسنا الاستكانة وننزع عنها حب السلامة التي سيطرت على بعضنا . فليست تلك واللله من شيم العلماء الابرار حملة الشريعة السمحاء , واتباع سيدنا محمد بن عبد الله ( ص ) .
    وليك علماؤنا اليوم حقا ورثة الانبياء يوزعون على السلمين حكاما ومحكومين ميراث نبيهم الكريم بالقسطاس المستقيم . لا ظلم فيه ولا مظلوم .
    ان الاسلام اليوم , يريد من الحكام , الذين تولوا امر المسلمين في بلادهم من اقصاها الى اقصاها , ان يعودوا الى انفسهم فيحاسبوها على ما فرطت في جنب الاسلام ...

    وليعلموا ان حكمهم مهما طال , فنه قصير في عمر امتهم الطويل وايام العمر تمضي سراعا , وضمة القبر بنفتنته وسؤاله آتية لا ريب فيها , وحساب اللله عسير . وعليهم ان يرجعوا الى الاسلام الذي يدعون الايمان به والانتساب اليه فالايمان يعني التقيد باوامره . وتحليل حلاله وتحريم حرامه , وتطبيق احكامه في جميع شؤون حكمهم , وحمل الدعوة اليه , والقتال في سبيله , والا كان ايمانا لاينفع لا في دنيا ولا في اخرى .

    وصدق فيهم قول الله تعالى ( ومن الناس من يقول امنا بالله وباليوم الاخر وما هم بمؤمنين يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون الا انفسهم وما يشعرون ) ( 4)

    لقد اعتز العلماء والحكام بالاسلام , حينما ادى كل منهما واجبه نحوه .

    ولكن حين ضيع الاسلام بالقعود عن حمل الدعوة اليه , والتضحية في سبيله . وبالاعراض عن تطبيقه , والحكم بغيره , صار حالنا ما نرى اليوم في جميع دنيا الاسلام . من ذهاب عز ومجد و وفقدان كرامة وسيادة , حتى طمع فينا اراذل القوم ..
    وبعد : فقد كانت ( الاستراحة ) الجبرية التي فرضت على في داري والتي امتدت الاولى سنة بالتمام والكمال ( 5 ) من نعم الله تعالى عليّ فق شغفت بالتفتيش في بطون كتب السير والتاريخ والتراجم والطبقات , لمعرفة مواقف علماء السلف الصالح مع الحكام . طيلة وجود الدولة الاسلامية, منذ ان اقامها سيدنا الرسول الكريم ( ص ) في مدينته المنورة الى ان استطاع الكافر المستعمر ان يقضي عليها سنة 1343 ه فدفعتني هذه المعرفة الى تسجيل تلك المواقف بجزئياتها وكلياتها وجمعها مما تيسر لي ووفقت اليه. ولا جاءت الاقامة الجبرية الثانية (6) قمت مستعينا بالله تعالى الى تنسيقها والاختيار منها والتعليق عليها وكتابة ما يدور في فلكها ولا يخرج عن نهجهها بكتاب فجاءت كما سيرى القارئ الكريم .
    ان تلك المواقف التي اقتطفها من سير العلماء والحكام ل اقصد بها التاريخ اذا ليست من التاريخ ببعيد . بل هي منه في الصميم .
    ولم اقصد بها ذكر تراجم العلماء والحكام . من الذين مضوا الى ربهم سبحانه .

    وانما صدت القاء اضواء على تلك المواقف التي اثبت فيها العلماء _ كما قلت _ انهم حقا ورثة الانبياء , فهي اذن صور لاسير . ليس فيها من التفاصيل بقدر ما فيها من ابراز مواطن العبر والاستبصار.

    وليس الذين ذكرتهم هم جميع العلماء الذين كانوا قائمين بواجبهم الشرعي , محافظين على ميراث النبي الكريم ( ص)
    وانما هناك علماء وعلماء . منهم من ذكرهم التاريخ ومنهم من نسيهم وطوتهم السنون , ولن يخلوا عصر من امثالهم حتى تقوم الساعة ان شاء الله .

    واود هنا ان أذكر القارئ الكريم الى نقطة مهمة جديرة بالالتفات اليها , هي ان مواقف علماء السلف الصالح رحمهم الله جميعا من حكامهم, في غلظة الكلام , وشدة الانكار وعظيم المحاسبة _ من الذين سنذكر حوادثهم _ ومن وصف العلماء لبعض حكامهم بالظلم والجبروت والغرور وبشيئ من الابتعاد عن شريعة الاسلام . التي امروا ان يحكموا بها حكمهم وسلطانهم , وان كان قد وقع من بعضهم ذلك , الا انه حصل بهم من الخير الكثير للمسلمين ما لم يحصل مثله بمن جاء بعدهم , أي والله .

    وهولاء الحكام الذين عاصروا علماءنا الابرار : ما كانوا يكرهون الاسلام وما كانوا يستكبرون عن حكمه وتحكيمه , بل كانوا يطبقونه . ويرعون شؤون المسلمين على اساسه , واعلنوا الحرب على اعداءه , ودافعوا عن بيضة المسلمين وحملوا حمى الاسلام . ولكن مع ذلك , فقد نالت الدنيا من بعضهم , بعض الشيئ, فحملهم على اتباع الهوى في بعض الامور. حرصا على الحكم ةالسلطان . وما اعظم فتنة الحكم والسلطان !! فلم يل حكمهم من مظالم بارزة وسئيات ظاهرة جعلت العلماء يقفون في وجوههم منكرين عليهم تلك المظالم عاملين على رفع السيئات بذلك . وقالوا عنهم ما قالوا .. لان العلماء ارادوا منهم أن يكونوا على مثل ما كان عليه الخلفاء الراشدون_ اذا هو المطلوب شرعا من كل حاكم مسلم في كل حين _ ووزنهم بمن كان قبلهم فخفوا في الميزان , فظهر التخلف وانكشف التنكب , فلا يتوهم احدنا ان الذين سنذكرهم من الحكام وموقف العلماء منهم , انهم من اعداء الاسلام او من الكارهين له .

    فكان ما كان من امر العلماء معهم .

    وان كان امر العلماء السلف الصالح مع هؤلاء الحكام وهم على ما ذكرنا فكيف يكون امر علماء اليوم من حكامهم وهم على ما هم عليه ؟؟
    ان تاريخ العلماء والحكام من سلف الامة , حافل بمواقف الاستبصار ومواطن الذكرى ومملوء بالدروس النافعة الرائعة, فنحن معشر العلماء في جميع انحاء البلاد الاسلامية , احوج ما نكون اليوم الى الاتعاظ بمواقف سلفا من السادة والعلماء رحمهم الله تعالى الذين تحلوا بصة العلم والعمل , والتقى الزهد , والجرأة في الحق , والصلابة في التمسك بالعدل والمحافظة على حدود الشرع , وحمل الدعوة الى الاسلام لاقامة شرعه في الارض وتحكيم انظمته في الدنيا والقوف في وجه الحكام الظالمين الذين اعرضوا عن الله فأعرض الله عنهم . وبئست عاقبة الظالمين , لنعيد الى الاسلام سيرته الاولى ولنستأنف حياة اسلامية كريمة , يعز بها الدين وعلماؤه وأتباعه ويخذل بها الكفر وجنده وانصاره , ولتكون كلمة الاسلام هي العلا وكلمة الكفر هي السفلى و والله بما تعملون خبير .

    وما احوج حكام اليوم في بلاد المسلمين الى الاتعاظ بمن هلك من الحكام الظالمين والتاسي بمن أفضى الى ربه مرضيا بعد اسلامه حكم به , وعدل اقامه وخير نشره .

    ان حكام اليوم في بلاد المسلمين بحاجة اكيدة الى من يذكّرهم ويصارحهم بحالتهم ويدلهم على مواطن الداء ونافع الدواء بع هذا الذي صرنا اليه _ انه والله مآل ما كان يطمع بمثله عدو لئيم واثيم , وكافر مستعمر عنيد . والمسلمون ايضا ما احوجهم الى معرفة شيئ عن غيرة اسلافهم على الدين وأحكامه , ووقوفهم في وجه حكام زمانهم .

    ان مسؤولية الاسلام تقع عليهم كذلك , ولن ينجوا من الاثم ان قصروا في جنب الاسلام , واهملوا حمل الدعوة اليه . قال تعالى : ( فلنسألن الذين ارسلنا اليهم ولنسألن المرسلين ) (7) عسى ان تكون هذه المعرفة محفزا لعزائمهم الفاترة التي كادت ان تموت , وأخيرا وليس اخرا فان هذا الكتاب كما ذكرت كتب في فترة _ الاستراحة _ الجبرية لذا فهو يعبر عن انطباعات خاصة واحساسات معينة يدركها القارئ اللبيب .
    (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ) .

    عبد العزيز البدري

    بغداد 23 جمادى الاخرة 1385 ه _ 1/12/1965 م


    هوامش :

    ( 1 ) ايه 115 هود
    ( 2) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( اذا مات الانسان انقطع عمله الا من ثلاث : صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعوا له ) رواه مسلم.
    (3 ) آية 120 سورة النساء .
    (4 ) ىية 8 و 9 سورة البقرة .
    (5) كانت في عهد الطاغية عبد الكريم قاسم في يوم 2 /12 / 1959 ورفعت في 2/12 / 1960 م
    (6) وذلك يوم 7/8 / 1961 ورفعت في اليوم المسنى بيوم العفو العام 4/12/1961 الذي شمل جميع لسياسين بل السراق والمجرمين .
    (7) اية 6 سورة الاعراف

  2. #2
    عضو مخالف
    تاريخ التسجيل : Aug 2004
    المشاركات : 332
    المواضيع : 80
    الردود : 332
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي

    نضيف هنا فقرات من الكتاب لكونها مطبوعة بيدنا سابقا ونعدكم بعدها (ان شاء الله تعالى ) اذا تيسر الوقت الكافي ... باعادة الترتيب بشكل يوافق مكانها من الكتاب كما وردت ونتركها مؤقتا بين ايدكم لما فيها من عظة وعبرة ,,
    (ابو نعيم )
    ___________________________________




    العلماء ومحن الحكام




    لقد جرت سنة الله سبحانه وتعالى في خلقه ان يفتنهم ويختبرهم , ليميز الخبيث من الطيب .
    (ألم . أحسب الناس ان يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لايفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمّن الله الذين صدقوا وليعلمّن الكاذبين ) (1)

    ولقد اعتاد الظالمون من الحكام ان يضطهدوا الذين يخالفونهم في سلوكهم المنحرف , ويناهضونهم في افكارهم الباطلة , ولم يسايروهم في اهوائهم , وينزلوا بهم , انواع المحن , بعد ان أعرضوا عن كل اشكال المنح التي قدمها الحكام اليهم , في ذلة وصغار , ولكن انّى للنفوس الكريمة , ذات المعدن الطيب أن تغرى بمال , او يسيل لعابها على فتات الدنيا, او تستمال بعرض زائل من الحياة .

    اما المحن فقد استعّدوا لها . وتحملوا نارها بصبر وجلد , وصابروا شدة بأسها بعزم واحتساب لأنهم فقهوا قول الله تعالى : ( قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون ) وآمنوا بقول الخالق العظيم :
    (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاة مرضاة الله والله رؤوف بالعباد ) (2)
    وكان ائمة المسلمين من السادة العلماء الذين أشرأبت الاعناق اليهم اجلالا وتقديرا وولاء , في مقدمة الذين اصابتهم المحن ونزلت بهم الشدائد الصعاب فخرجوا منها ظافرين طاهرين , مصداقا لقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم : ( ولا تزال طائفة من امتي على امر الله لايضرها من خالفها ) (3)
    وقوله : ( لاتزال طائفة من امتي قائمة على الحق الى ان تقوم الساعة ) (4)
    نعم انتصروا بعدما ظلموا . وظفروا من بعد محنتهم وظهر الحق الذي آمنوا به . ولو استشهد بعضهم في سبيل ذلك , لان النصر الحقيقي , هو نصر العقيدة أو ظهور الحق جليا للعيان , الذي كان سببا في تلك المحن ولان البقاء في الدنيا هو للعقيدة والحق اما الممتحنون فلهم بقاء الذكر الجميل لهم على مر الدهور . وهذا كائن ولو لم يخطر ببالهم لأنهم اخلصوا العمل والتضحية لله وحده , بل البقاء الاكبر الذي يرجونه هو بقاء السعادة واستمرار النعيم في دار الخلد والتفيؤ بظلال الجنة ونوال رضوان الله في الاخرة وهذا هو البقاء الحق وللنصر المبين المنشود .
    ولقد صدق الامام ابن القيم في نونيته حيث يقول : الحق منصور ومستحسن فلا تعجب فهذه سنة الرحمن وبذاك يظهر حزبه من حربه لاشك ذاك , الناس طائفتان .

    ان المراد بهذا الفصل _ العلماء ومحن الحكام _ هو بيان المحن التي انزلها الحكام بالعلماء ظلما وعدوانا , اما بتحرش منهم , لان الحكام يزعجهم وتكرب نفوسهم ان يكون بين ظهرانيهم علماء لهم من الاحساس المرهف, والتفكير المستنير ما يجعلهم واقفين بالمرصاد لكل تصرفاتهم , قادرين على كشف تلك التصرفات للامة لتعرفها , فتحدد موقفها من ذلك , فينزل لحكام بهم المحن , للقضاء على جانب المعارضة والانكار . واما ان يسمع (ضم الميم ) العلماء مقالة الاسلام بكل جراءة وشجاعة , فتضيق بذلك صدورهم , ويبطشون بهم .
    واما الحكام يحملون العلماء على شيئ , فيابى إيمانهم ذلك , فيكون العقاب ويقع الاذى . واما العلماء يعلنون مخالفتهم لنهج معين من سلوك الحكام , فيغضب الحكام وتثور ثائرتهم , وتنتهي هذه الثورة بالحبس او الضرب المبرح . واما العلماء فيرفضون منحة حاكم , او قربا دعوا اليه فيحصل التعذيب لان طلب الحكام لايرد مهما كان , ذلك هو فهمهم السقيم .

    ومحن لحكام لعلماءنا الابرار التي سنذكرها هي من هذه الانواع, وهي التي يحتاجها اليوم الصنفان من النااس العلماء والحكام , لاخذ العبرة . وهل هناك عبرة اعظم من ان نذكر علماءنا الابرار الذين ضحوا بانفسهم وتحملوا العنت والسوء , فنترحم عليهم ونذكرهم بخير كلما ذكرت اسماؤهم , اما اولئك الحكام الذين ساموا علماءنا سوء العذاب , فلهم الخزي وعليهم الاثم .. ( وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون ) . ان العلماء الذين امتحنوا في دينهم ومن اجل اسلامهم كثيرون فذكر بعضهم يغني , وان كانت النفس والفكر تتوقان الى تعدي البعض والمزيد فيه ...
    لذا فقد اخترت _ اولا _ ذكر المحن التي اصابت الائمة الكرام الذين اجمعت الامة الاسلامية على اتباع نهجهم في فهمهم للاسلام , وهم الامام جعفر الصادق , الامام ابو حنيفة النعمان , الامام مالك بن انس , الامام محمد بن ادريس , الشافعي , الامام احمد بن حنبل , الامام البخاري , الامام احمد بن تيمية , ليرى المعتقدون بصحة نهجهم , والسالكون طريقهم في الفهم , ما كان عليه ائمتهم الكرام رضوان الله عليهم , ليكون الايمان بنهجهم كله وبجميع جوانبه , وذلك هو الاقتداء بالحق , والاتباع الصحيح .
    ثم اني _ثنيت _ بذكر محنة امامين من الذين سبقوهم بالايمان وهما سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير ومثلهما من الذين اتبعوهم بإحسان العز بن عبد السلام واحمد السرهندي لتكمل العبرة , وتحسن الذكرى , وان كانت المحن بقيت قائمة يصبها الظالمون من الحكام على علمائنا (الرجال ) اذ لم يخل منها عصرا مما فات , ولعلها لن تنقطع حتى قيام الساعة والخروج من هذه الدنيا , ما دام في الحياة علماء ابرار يقولون الحق ولا يخافون في الله لومة لائم . وما دام الحكام ظالمون , يعملون لإضلال الامة ويفسدون في الارض .
    وأرى من الامانة العلمية للتأريخ الاسلامي ان أؤكد المعنى الذي أشرت اليه , واني على ذكر حوادث مهمة من التاريخ الاسلامي , اذ انها تتعلق برؤساء الدولة الاسلامية وعلمائها الابرار , في فترات من عصورها الزاهرة ,هي ان الحكام الذين انزلوا المحن الشديدة بالسادة العلماء , ما كانوا في الحقيقة, وواقع الامر , يكرهون الاسلام , ولا يابون السير وفق هداه , اذا انهم لم يطبقوا غيره وان أساء بعضهم فيه , ولكن قد اصابتهم فتنة الحكم والسلطان وما اعظمها وما اكثرها ..
    وان الانسان سوى الانبياء غير معصوم من الوقوع في الخطأ, وارتكاب الاثم لذلك فقد تعثر هؤلاء في سيرهم وأصابهم بعض التنكب في سلوك النهج الصحيح , والعلماء تجاه هذا انكروا عليهم تعثرهم , وعارضوا تنكبهم اذا قاسوهم بالخلفاء الراشدين , الذين هم المثل الاعلى للحكام المسلمين بعد الرسول الاعظم صلى الله عليه وسلم , فظهر البون بينهما , فكان الصراع بين الحكام والعلماء وكانت المحن ...
    فعلى كل فهم حكام مسلمون , ودولتهم التي كانوا عليها دولة اسلامية , ولم تشقى الامة الاسلامية , ولم يتمكن اعداء الاسلام من النيل منه الا حين ذهبت دولة الاسلام , وانطمست معالمها من الوجود .

    والعلماء مأجورون على مواقفهم الصلبة تجاه الاسلام , ومشكورون على تضحيتهم في سبيل اعزاز الدين ورفع لوائه خفاقا بالنصر المبين .

    والحكام الذين اساءوا اليهم وظلموهم نكل امرهم الى الله تعهالى مرددين قوله الكريم : ((تلك امة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون )) . (5)

    ******** ( يتبع ان شاء الله ) *********
    هوامش :

    (1 ) الاية 2 العنكبوت

    (2 ) 207 من سورة البقرة

    (3) رواه ابن ماجه

    (4) رواه الحاكم بسند صحيح .

    ( 5) آية 141 سورة البقرة

  3. #3
    عضو مخالف
    تاريخ التسجيل : Aug 2004
    المشاركات : 332
    المواضيع : 80
    الردود : 332
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي

    * * *



    _ محنة سعيد بن المسيب _


    لاتملأوا اعينكم من اعوان الظلمة الا بانكار من قلوبكم لكي لا تحبط اعمالكم .

    _ ابن المسيب _


    .. عجز عبد الملك بن مروان بما أوتي من دهاء , ان يجر الى صفوفه سيد التابعين , من جمع بين العلم والعبادة , والتقوى والورع , سعيد بن المسيب . رضي الله عنه .

    قال سعيد : ( حججت اربعين حجة .. وما فاتني التكبيرة الاولى منذ خمسين سنة وما نظرت الى قفا رجل في الصلاة منذ خمسين سنة) ..

    وهو القائل : ( ما اعزت العباد نفسها بمثل طاعة الله . ولا اهانت نفسها بمثل معصية الله )..

    ان دهاء عبد الملك وشراكه لم توقع سعيدا فيها . وان وده .. وتذلــله لم تنطل على سعيدا لينال رضاه , وكلما التمس عبد الملك قربا او كسب ودا من سعيد كان الاعراض نصيبه , والانكار على افعاله حليفه .

    ( دعي الى نيف وثلاثين الفا لياخذها فقال : لاحاجة لي فيها ولا في بني مروان حتى القى الله فيحكم بني وبينهم ) .

    مرت الايام .. فتقدم عبد الملك اليه يرجوا منه ان يزوج ابنته لابنه الوليد حين استخلفه , ولكن سعيدا يرفض , ويابلى هذا القرب ! وينفر من هذه المصاهرة باباء وشمم , اباء العلماء وشمم الاتقياء ... غير مبال بما يجلب عليه هذا الرفض من باس وأذى . لانه قرب ومصاهرة لم يرد بها وجه الله والدار الاخرة , وعصمة النفس من الشهوات الفاسقة .

    وامام هذا الرفض لابن امير المؤمنين فانه يزوج بنفسه طالب العلم في حلقته بمسجد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أبا وداعة من ابنته الفقيهة العابدة .. واليكم الحادثة كما جائت عن الزوج الكريم ..

    (قال ابو وداعة : كنت اجالس سعيد بن المسيب ففقدني اياما , فلما جئته قال : اين كنت ؟ قلت : توفيت اهلي فاشتغلت بها , فقال : هلا اخبرتنا فشهدناها , ولما اردت ان اقوم قال : هلا حدثت امراة عيرها . فقلت يرحمك الله , ومن يزوجني وما املك الا درهمين او ثلاثة ؟ قال : انا فعلت تفعل ؟ قال نعم . ثم حمد الله وصلى على نبيه صلى الله عليه وسلم وزوجني ( ابنته ) على درهمين ... وفي مساء ذلك اليوم واذا بالباب يقرع فقلت من هذا قال سعيد . ففكرت في كل انسان اسمه سعيد إلا سعيد بن المسيب , فانه لم ير منذ اربعين سنة الا ما بين بيته والمسجد , فقمت وفتحت . واذا بسعيد بن المسيب , فظننت انه بدا له _ اي ظهر له غير الذي رآه فجاء يعتذر _ فقلت فما تأمرني ؟ قال : رايتك رجلا عزبا قد تزوجت فكرهت ان تبيت الليلة وحدك , وهذه امراتك , فاذا هي قائمة خلفه في طوله ثم دفعها في الباب ورد الباب )..

    هذا فعل سعيد مع احد افراد المسلمين , مع طالب علم , وذلك فعله مع حاكم المسلمين بسطوته وسلطانه , فتامل يا اخي .

    وحين ذاك عجز عبد الملك وأسقط في يده و فلم ينفعه دهاؤه , بل لم ينفعه اصطناع تقربه او تزلفه .
    ولكن ماذا فعل عبد الملك مع سعيد بعدئذ . هنا جاءت المحنة وحلت النكبة بسعيد ولكنه صبر عليها واحتسب ذلك عند الحي القيوم .

    (.. قال يحي بن سعيد , كتب هشام بن اسماعيل والي المدينة الى عبد الملك بن مروان ان اهل المدنية قد اطبقوا على البيعة للوليد وسليمان الا سعيد بن المسيب .
    فكتب : ان اعرضه على السيف فان مضى فاجلده خمسين جلدة وطف به في اسواق المدينة _ فلما قدم الكتاب على الوالي دخل سليمان بن يسار وعروة بن الزبير وسالم بن عبد الله , على سعيد بن المسيب , وقالوا : جئناك في أمر , قد قدم كتاب عبد الملك ان لم تبايع ضربت عنقك , ونحن نعرض عليك خصالا ثلاثا , فاعطنا احداهن . فان الوالي قد قبل منك ان يقرأ عليك الكتاب فلا تقل لا ولانعم ,

    قال :يقول الناس بايع سعيد بن المسيب , ما انا بفاعل , وكان اذا قال لا لم يستطيعوا ان يقولوا نعم , قالوا تجلس في بيتك ولا تخرج الى الصلاة اياما , فانه يقبل منك اذا طلبك من مجلسك فلم يجدك ؟ قال : فانا اسمع الاذآن فوق اذني حيّ على الصلاة حيّ على الصلاة . ما انا بفاعل , قالوا : فانتقل من مجلسك الى غيره فانه يرسل الى مجلسك فان لم يجدك امسك عنك , قال : أفرقا من مخلوق ؟ _ أخوفا من مخلوق الله _ ما أنا متقدم شبرا ولا متأخر , فخرجوا وخرج الى صلاة الظهر فجلس في مجلسه الذي كان فيه , فلما صلى الوالي بعث اليه , فاتى به فقال : ان امير المؤمنين كتب يامرنا ان لم تبايع ضربنا عنقك , قال نهى رسوال الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين _ بيعة للوليد ومثلها لسليمان في وقت واحد _ فلما راه لم يجب اخرج الى السدة فمدت عنقه وسلت السيوف . فلما رآه قد مضى امر به مجردا فاذا عليه ثياب من شعر .
    فقال لو علمت ذلك ما اشتهرت بهذا الشان . فضربه خمسين سوطا ثم طاف به اسواق المدينة فلما ردوه والناس منصرفون عن صلاة العصر قال : ان هذه الوجوه ما نظرت اليها منذ اربعين سنة ( 1) .. ومنعوا الناس ان يجالسوه . فكان من ورعه اذا جاء اليه احد يقول له قم من عندي , كراهية ان يضرب بسببه (2)

    ( ... عندما ضرب هشام بن اسماعيل والي المدينة لعبد الملك بن مروان الامام سعيد بن المسيب لامتناعه اعطاء البيعة لولّي عهده ( الوليد وسليمان ) ضربا ضربا مبرحا خمسين سوطا وطاف به تبان من شعر حتى بلغ رأسه الثنية . فلما كروا به قال أين تكرون بي ؟ قالوا الى السجن قال : والله لولا أني ظننت أنه الصلب مالبست هذا التبان ابدا ) ..

    وفي رواية ( أما والله لو علمت انهم لايزيدونني على الضرب ما لبست لهم التبان , انما تخوفت أن يقتلوني فقلت تبان استر من غيره . وفي رواية دخل ابو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث فجعل يكلم سعيدا ويقول انك خرقت به فقال : يا ابابكر اتق الله وآثره على من سواه , قال : فجعل ابو بكر يردد عليه انك خرقت به ولم ترفق , فجعل سعيد يقول : انك والله اعمى البصر اعمى القلب , قال : فخرج ابو بكر من عنده , وارسل اليه هشام بن اسماعيل فقال : هل لان سعيد بن المسيب منذ ضربناه ؟ فقال ابو بكر .. ما كان اشد لسانا منه منذ فعلت به ما فعلت فاكفف عن الرجل .. ثم اخلى سبيله .. وفي السجن ايضا يقول عبد الله بن يزيد الهذلي ( دخلت على سعيد بن المسيب السجن فاذا هو قد ذبحت له شاة فجعل الاهاب على ظهره , وجعلوا له بعذ ذلك قضيبا رطبا وكان كلما نظر الى عضديه قال اللهم انصرني من هشام (3) ) ..

    تلك اساءات الحكام في تطبيق الاسلام ,إن البيعة لاتؤخذ من الامة بالقوة والاكراه , ولا بضرب السياط على الظهور , ولا باعتقال وحبس المعرضين عنها , وإنما تؤخذ عن رضا الامة وموافقتها , لان البيعة هي الطريقة الشرعية في نصب الحاكم وهي طريقة التعبير عن رضا الامة عن الحاكم المنتخب فاذا قرر هذا شرعا ومثله قد قرر ان الحاكم هو نائب عن الامة في تنفيذ الاسلام ووكيل عنها في الحكم , فكيف يباح لستعمال القوة باشكالها وألوانها في سبيل اقرار هذه البيعة لتحقيق شرعية النيابة والوكالة .

    ( اللهم انصرني من هشام ) تلك دعوة مظلوم على ظالم . ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجابا . فاستجاب الله تعالى هذه الدعوة وازال سلطان هشام ومن ولاه . فليحذر الظالمون من دعوة المظلومين , بذلك نطق الصادق الصدوق صلى الله عليه وسلم

    ولكن هل انتهت محنة الامام الورع ؟ لالا . فقد جاءته محنة اخرى , فصبر عليها كما صبر على اختها من قبل ...

    ( ... استعمل عبد الله بن الزبير جابر بن الاسود الزهري على المدنية المنورة فدعا الناس الى البيعة لابن الزبير فقال سعيد بن المسيب لا حتى يجتمع الناس فضرب ستين سوطا فبلغ ذلك ابن الزبير فكتب الى جابر يلومه ويقول مالنا ولسعيد دعه (4) ) ...

    .... وكان جابر هذا قد تزوج الخامسة قبل ان تنقضي عدة الرابعة , فلما ضرب سعيد بن المسيب صاح به سعيد والسياط تأخذه : ( والله ما ربعت على كتاب الله , يقول الله ( وانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ) وانك تزوجت الخامسة قبل انقضاء عدة الرابعة , وماهي الا ليال فاصنع ما بدا لك فسوف ياتيك ما تكره ).
    وقد صدق سعيد , فما مكث جابر الا يسيرا حتى قتل ابن الزبير وكانت نهاية جابر السوداء المظلمة , وتلك عاقبة الظالمين .

    وهكذا عاش سعيد ممتحنا في دينه وهكذا شأن المتقين الابرار , رحم الله سعيدا فقد جاد بنفسه في سبيل الحق وإقامة العدل فلم تزعزع ايمانه المحن بل زادته ايمانا ويقينا بان للدين صولة وللاسلام قوة ولا غرو في ذلك لأنه من العلماء الرجال ...
    أعلمت اخي القارئ ان كل ( جرم ) سيد التابعين ابن المسيب في نظر عبد الملك بن مروان انه لم يبايع ولي عهده , ولأنه امتنع عنها لوجود نص شرعي يحفظه , فهو حجة عليه يوم القيامة .
    وتلك اساءة عبد الملك ومظلمة سجلها عليه التاريخ وأنكرتها عليه الامة وغضب عليه رب العالمين , ومن ينجو من عقاب هذه المظالم , وسيقال له يوم القيامة : ( وقفوهم انهم مسؤولون ) نعم سيسأل كل حاكم عما اجترحته من سيئات ومظالم في حق امته , ولو كان (عموما ) مطبقا للاسلام منفذا لأحكام القران حاميا للثغور مدافعا عن بيضة الاسلام كعبد الملك .
    وطيف تكون المسؤولية اليوم أعظم والمحاسبة حين لايكون الحكام كذلك ؟ لاشك ان المسؤولية اليوم أعظم والمحاسبة يجب ان تكون أشد , اذ حكام الامس الذين ذكرتهم في هذا الكتاب كالملائكة بالنسبة لحكام اليوم !!

    ( مات سعيد سنة احدى وتسعين هجرية وله من العمر 74 عاما ) .


    *********يتبع ان شاء الله *******

    هوامش :

    (1) لانه كما مر كان لاينظر الى قفا رجل في الصلاة . اذ كان يصلي في الصف الاول ولم تفته تكبيرة الاحرام رضي الله عنه .
    (2 ) ص 117 ج2 وفيات الاعيان .
    (3) ص 127 ج 5 الطبقات الكبرى لابي سعيد .
    (4) ص 122 ج5 الطبقات الكبرى

  4. #4
    عضو مخالف
    تاريخ التسجيل : Aug 2004
    المشاركات : 332
    المواضيع : 80
    الردود : 332
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي

    _محنة سعيد بن جبير _

    وشى بي واش في بلد الله الحرام أكله الى الله تعالى .

    _ابن جبير _



    قال خصيف يوما : كان اعلم التابعين بالطلاق سعيد بن المسيب , وبالحج عطاء, وبالحلال والحرام طاوس, وبالتفسير أبو الحجاج مجاهد بن جبير , واجمعهم لذلك كله سعيد بن جبير ) .

    تلك شهاد عالم حصيف هو الشيخ خصيف .. في امامنا الممتحن .

    كان ابي جبير من الذين يناوئون حكم عبد الملك بن مروان , لاساءة الاخير في حكم الرعية المسلمة, ولوقوع مظالم في عهده .

    وكان الحجاج بن يوسف , فاسق بني ثقيف , واليا لعبد الملك , ياخذ بالشبهات , ويتحرى المناوئين في جميع البلاد الاسلامية لحكم اميره وسيده .. فيصب المحن عليهم دون هوادة , ولاخوف من الله , المقتدر الجبار , وكان خالد بن عبد الله القسري واليا على مكة المكرمة_ زادها الله مثابة وامنا _ وقد علم بوجود ابن جبير في ولايته , فالقى القبض عليه, واعتقله , ثم اراد ان يتخلص منه , لمعرفته بان سعيدا , قد اوتي لسانا ناطقا وقلبا حافظا , وسرعة بديهة بالقاء الحجة القوية لا سكات خصمه . اذ هو ليس من اولئك الذين يخشون رهبة حاكم , ولا بطش سلطان في سبيل معتقده غير مبال بالنتائج مهما كانت . ودفعا للوقوع في لجة المخاصمة وخضّم المنافسة التي لا تضمن نصرة وخوفا من مس شعور اهل مكة . الذين يدينون بالولاء والاحترام لابن جبير, ارسله مخفورا مع اسماعيل بن واسط البجلي, الى الحجاج بن يوسف .

    وهنا تبدأ المحنة , ثم تشتد سورتها مع لقاء الحجاج طاغية العراق ., وفي هذا اللقاء , غير الكريم , جرت المناقشة والمخاصمة الفكرية, كان سعيد فيها فارس الميدان , وصاحب لواء النصر والظفر , حيث كان فيها جرئيا , لاتلين قناته , صلبا لا يضعف سيف لسانه , يقول الحق , وهو يعلم انه مفارق الدنيا . بسبب ذلك .

    ( قال الحجاج : ما اسمك ؟

    سعيد : سعيد بن جبير

    الحجاج : بل انت شقي بن كسير

    سعيد : بل كانت امي اعلم باسمي منك .

    الحجاج : شقيت امك وشقيت انت .

    سعيد : الغيب يعلمه غيرك .

    الحجاج : لابد لك في الدنيا نار تلظى.

    سعيد : لو علمت انها بيدك لاتخذتك إلها .

    الحجاج : فما قولك في محمد ؟

    سعيد : نبي الرحمة وامام الهدى .

    الحجاج : فما قولك في علي أهو في الجنة أم هو في النار ؟

    سعيد : لو دخلتها وعرفت من فيها , عرفت اهلها .

    الحجاج : فما قولك في الخلفاء ؟

    سعيد : لست عليهم بوكيل .

    الحجاج : فأيهم أعجب اليك ؟

    سعيد : أرضاهم لخالقي .

    الحجاج : فايهم أرضى للخالق ؟

    سعيد : علم ذلك عند الذي يعلم سرهم ونجواهم .

    الحجاج : احب ان تصدقني .

    سعيد : ان لم احبك لن اكذبك .


    الحجاج : فما بالك لم تضحك ؟


    سعيد : وكيف يضحك مخلوق خلق من طين والطين تأكله النار .

    الحجاج : فما بالنا نضحك ؟

    سعيد : لم تستو القلوب . )


    ذلك هو المشهد الاول من هذه المناقشة , أوقل هو الفصل الاول من المحنة, وقد بدا فيها للحجاج انه غير قادر على اخضاع سعيد اليه , أو حمله على اعطاء الولاء لأميره وسيده , ولو بالاشارة أو التلميح .. ولم ينفعه التهديد بالقتل , كما لم تفده غلاظة الكلام , وقبح الاتهام ..

    وهنا يسلك الحجاج طريقا اخر لعله يصل فيه الى ما يريد ويحصل على مبتغاه من سعيد .

    ( ثم امر الحجاج بالؤلؤ والزبرجد والياقوت , فجمعه بين يديه , فقال سعيد : ان كنت جمعت هذا لتتقي به فزع يوم القيامة فصالح , وإلا ففزعة واحدة تذهل كل مرضعة عما ارضعت , ولا خير في شيئ للدنيا إلا ما طاب وزكا ) ..


    هذا ينتهي المشهد الثاني من هذه المحنة , فلم ينفع الحجاج هذا الاغراء بالمال والذهب , كما لم تسعفه منحه التي أو ما بها , فليس ابن جبير من عباد المال , ولا من الذين يبعون دينهم بدنياهم , لذا فقد لقنه درسا لن ينساه , في ان المال , اعظم وسيلة لإصلاح الاعمال , وصلاح الاخرة , ان جمع بطريق الحلال .. لاتقاء فزع يوم القيامة , ( يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ) ( 1)

    ثم يسلك الحجاج سبيلا آخر .

    ( ثم دعا الحجاج بالعود والناي , فلما ضرب بالعود ونفخ بالناي , بكى سعيد , فقال ما يبكيك ؟ أهو اللعب ؟ قال سعيد : هو الحزن , أما النفخ فذكرني يوما عظيما يوم ينفخ في الصور , وأما العود فشجرة قطعت من غير حق , واما الاوتار فمن الشات تبعث يوم القيامة .

    فسعيد ليس من هواة الطرب ولا من رواد الناي والعود , وانما من هواة الحق ورواد الاسلام الذي وهب حياته له , فاعراضه عن ذلك وإظهار حزنه حين تذكر الاخرة وشدة عذابها , فكان درسا آخر لقنه اياه , وإدراك المسلم ذلك دائما , لما عصى الله , او خالف امر من اوامره , وبعد ان اسقط في يد ه , فشلت جميع تلك السبل , هنا اشتدت المحنة قليلا , فعلا غضب الحجاج , وفقد اعصابه , وكاد ينهي هذه المحنة بمشاهدها, او يصل نهايتها , ولكن تريث الى حين , لعله يحظى بشيئ من سعيد .

    ( قال الحجاج : ويلك يا سعيد , فقال لا ويل لمن زحرح عن النار وادخل الجنة .


    قال الحجاج : أختر يا سعيد اي قتلة أقتلك ؟ فقال أختر انت لنفسك , فوالله ما تقتلني قتلة إلا قتلك الله مثلها في الاخرة ؟ فقال : أتريد أن اعفو عنك ؟ فقال ان كان العفو فمن الله أما انت فلا براءة لك ولا عذر ) ..

    عند ذلك ضاق الحجاج صدرا بسعيد , ولم يطق صبرا عليه , وهو يتلقى منه هذه الاجوبة الجرئية والتي كانت سهامها تصيب قلبه .. فامر بانهاء المحنة .



    ( قال الحجاج : اذهبوا به فاقتلوه , فلما خرج ضحك , فأخبر الحجاج بذلك , فردوه اليه , وقال : ما اضحكك ؟ فقال : عجبت من جرأتك على الله وحلم الله عليك , فأمر بالنطع فبسط . وقال اقتلوه ., فقال سعيد : وجهت وجهي للذي فطر السموات والارض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين .



    قال الحجاج : وجهوا به لغير القبلة .

    قال سعيد : فاينما تولوا فثم وجه الله .

    قال الحجاج : كبوه على وجهه .

    قال سعيد : منها خلقنا وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة اخرى .

    قال الحجاج : اذبحوه .

    قال سعيد : أما انا فاشهد ان لا اله الا الله وحده لاشريك له وأن محمدا عبده ورسوله خذها مني حتى تلقاني بها يوم القيامة .. اللهم لا تسلطه على أحد غيري يقتله بعدي ) .

    فذبح من الويد الى الوريد . ولسانه رطب بذكر الله .. وبهذا انتهت محمنة سعيد بن جبير باستشهاده . وبقيت المحن تصيب امثاله , من الذين اعرضوا عن الحكام بكليتهم . لاعراض الحكام عن الله ودينه وشريعته .

    وهكذا شأن الله مع عباده المؤمنين الصابرين . فلم يضيّع ايمانهم , او لم ينسهم ذكره في أو اوقات محنتهم , وهم قادمون اليه , كيف ينساهم .. او يضيعهم .. ومحنتهم كانت في سبيله , ومن اجل اعزاز دينه لذا قيل لعهم : سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار .


    قيل للحسن البصري : رحمه الله تعالى : ان الحجاج قد قتل سعيد بن جبير . فقال : " اللهم أئت على فاسق ثقيف . والله لو بين المشرق والمغرب اشتركوا في قتله لكبهم الله عز وجل في النار ) .


    ( وقال احمد بن حنبل قتل الحجاج سعيد بن جبير وما على وجه الارض احد إلا وهو مفتقر الى علمه . (2) ) .



    **** يتبع ان شاء الله *****
    __________

    هوامش

    (1) : اية 88 - 89 سورة الشعراء .
    (2) : اعتمدنا في كتابة هذه المحنة على كتاب المناقب والسير واخذنا النصوص من وفيات الاعيان لابن خلكان ص 112 ج 2

    مات رحمه الله ( سعيد بن جبير ) سنة 95 هجرية وله من العمر 74 سنة ].

  5. #5
    عضو مخالف
    تاريخ التسجيل : Aug 2004
    المشاركات : 332
    المواضيع : 80
    الردود : 332
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي

    محنة جعفر الصادق _

    (من عذر ظالما بظلمه سلط الله عليه من يظلمه)

    _ الصادق _




    الصبر على ظنون الحكام من المحن _ واستدعاء الحكام للصابرين للتحقيق معهم في هذه الظنون بجو إرهابي عنيف من المحن ايضا, وإرسال عيون الدولة لمراقبة التصرفات واحصاء الانفاس وإرصاد الكلمات من المحن كذلك. ثم اليس من المحنة ان يوصي الانسان أهله قبل كل استدعاء ؟؟. لانه لايعلم مصيره ولامايجري له خلال هذا الاستدعاء .لانه استدعاء ليس للتكريم .

    تلك هي محنة إمامنا الجليل جعفر الصادق رضي الله عنه . مع أبي جعفر المنصور .

    لقد حدث الصادق اباؤه الائمة الطيبون , حدثوه عن خذلان الناس لجده ابي عبد الله الحسين _رضي الله عنه_في ساعة العسرة ,كما حدثوه عن الخيانة التي كانت سببا بإنزال الفاجعة العظمى بأهل البيت, بيت النبوة والرسالة, تلك التي سودت وجه تاريخ الامة الاسلامية, حيث قتل ابن دعيها ابن نبيها.... ولا حول ولا قوة الا بالله.
    كما راى الصادق عمه الامام زيدا, كيف كانت نهايته ونهاية اولاده , حين اعتمد على من اعتمد, فخانوا الامام ونكثوا العهود , فحلت النكبة وكانت المصيبة , حيث قتل الامام زيد قتلة اثمة, ثم نبش قبره من بعد ماوري التراب , فصلب جثمانه الطاهر , وذبح ابناؤه البررة....

    وقد مرت تلك الفاجعة ولكنها تركت ندوبا في نفس الامام الصادق صفي زيد ورفيق صباه, وزادته بحال الشيعة في عصره, الذين كانوا يغرون ولا ينصرون ويتكلمون و لايفعلون ويحرضون وعند الشدة يفرون, وأن المغرور من يخدع بهم. (كما قال امام الهدى علي كرم الله وجهه في اخوان لهم من قبل (1) ) .

    وكما قال الامام السبط الحسين يوم فاجعته بالطف .

    ثم راى _رضي الله عنه_أخيرا فعل المنصور بأولاد عمومته الاخوين الكريمين محمد بن عبد الله بن الحسن و اخيه ابراهيم حين خرج الاول في المدينة و الثاني على حكم ابي جعفر المنصور.

    وشهد بام عينيه حوادث المحن. ووقائع المصائب, من مطاردة وملاحقة وتشريد وسجون ومصادرة اموال باهل البيت النبوي الكريم حتى لم تنج من ذلك , تلك الشيبة الطاهرة عميد هذا البيت الرفيع العماد عبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن السبط , فمات في السجن مكموما سنة 145 عقيب هذا الخروج.

    ......في هذا الجو الارهابي الفظيع , عاش الامام الصادق , فكان لابد ان يصيبه شي من ذيول ذلك الارهاب العنيف ولو انه وقف بعيدا عن ذلك الخروج. ولو ان المنصور كان يصانعه الود والاحترام.
    فالمنصور كان يتوجس خيفة من الامام الجليل , و هذه الهواجس تدفعه الى الشك احيانا, وهناك من يجعل الشك عنده يقينابالتزوير والدس اللئيم.فكان يرسل عليه العيون والجواسيس , لاارصاد كلماته , التي كان يلقيها في حلقة درسه, كما يرصد حركاته وتصرفاته.
    إلا ان هذه المرافبة التي كان المنصور فيها بارعا , بحيث كانت تقع دون ان يشعر الامام بثقلها, وان كان يعلم بوجودها. ولكن عندما تبلغ هذه الشكوك منزلة الظن الغالب على التصديق, التي كان يأتي بها رجال دائرة مباحثه و فأنه يستدعيه بغير تكريم, وهو ذلك الامام الصابر على فواجع أهل بيته ونكبات عمومته.

    حين حصل خروج الاخوين الكريمين, همس رجال المباحث في اذن المنصور ان الامام الصادق , يؤيد خروجهما. بل هو ورائهما, والحقيقة خلاف ذلك فاستدعه للتحقيق معه , وقد استعمل المنصور في هذا غلظة القول , وسلك سبيل الاساءة في هذا التحقيق, ولم يراع نور الهدى , وطيب الارومة, ووقار الشيخوخة , التي بلغت السبعين , ولا حرمة القربى أو صلة الرحم أو مكانة العلم.

    ومن ذلك مناقشته وتحقيقه حين كان في الكوفة بعد ان بلغ الصادق وصيته لاهل بيته .....

    قال المنصور : ( انت يا جعفر ما تدع حسدك وبغيك وفسادك على اهل البيت من بني العباس وما يزيدك الله بذلك الا شدة حسد ونكد , وما تبلغ به ما تقدره )

    فقال الامام الصادق: والله يا امير المؤمنين مافعلت شيئا من ذلك :هذا ولقد كنت في ولاية بني امية, وانت تعلم انهم اعدى الخلق لنا ولكم , وانهم لاحق لهم في هذا الامر , فو الله ما بغيت عليهم ولا بلغهم عني شيئ مع جفائهم الذي كان لي , وكيف اصنع الان وأنت ابن عمي, وامس الخلق بي رحما, وأثر الناس عطاء وبرا , فكيف افعل ذلك ,فاطرق المنصور ساعة.....

    ثم قال : يا جعفر ما تستحي مع هذه الشيبة و مع هذا النسب ان تنطق بالباطل وتشق عصى المسلمين ؟تريد ان تريق الدماء وتطرح الفتنةبين الرعيةوالاولياء؟

    قال الصادق:لا والله يا امير المؤمنين مافعلت, ولا هذه كتبي ولا خطي _لا خاتمي_ كان المنصور قد أخرج له كتبا الى اهل خراسان تدعوهم الى نقض البيعة .

    فانتضى من السيف ذراعا فما زال يعاقبه وجعفر يعتذر اليه, ثم أغمض السيف و أطرق ساعة , ثم رفع رأسه وقال أظنك صادقا ) (2)

    هذه أجوبة الصادق برقتها وصدقها , وذاك كلام المنصور بخشونته وقسوته وكل منهما يعتز بسلطان يعتمد عليه .

    فامامنا الصادق يعتز بسلطان الله الذي يغلب كل سلطان ولو بعد حين:

    والمنصور يعتز بسلطان الحكم وقوة الجند .وهو زائل ولو بعد حين :

    وما ان انتهت مسالة خروج الاخوين الكريمين :حتى استدعى المنصور الامام جعفر من المدينة المنورة , مرة اخرى الى بغداد .

    فكتب الى واليه وابن عمه داوود بن علي ان يسير اليه جعفر ولا يرخص له بالتلوم (التمكث) والبقاء وكان القصد من ذلك, هو التحقيق معه , في التهمة الموجهة اليه بانه يجمع الزكاة من جميع الافاق وانه مد بها محمد بن عبد الله بن الحسن .....فكان التحقيق التالي :

    المنصور : يا جعفر ما هذه الاموال التي يجبيها لك المعلى بن خنيس ؟ (3)

    الصادق :معاذ الله من ذلك ايها امير المؤمنين .

    المنصور: ألا تحلف على براءتك من ذلك بالطلاق والعتاق ؟

    الصادق : نعم احلف بالله ما كان شيئ من ذلك .

    المنصور : بل تحلف بالطلاق والعتاق .

    االصادق : اما ترضى بيميني بالله الذي لا اله الا هو .

    المنصور : لا تتفقه علي ؟

    الصادق: واين يذهب الفقه مني .

    المنصور : دع عنك هذا فاني أجمع الساعة بينك وبين الرجل الذي رفع عليك هذا حتى يواجهك .فأتوه بالرجل وسالوه بحضرة جعفر فقال : نعم هذا صحيح . وهذا جعفر بن محمد الذي قلت فيه ما قلت:

    الصادق: اتحلف ايها الرجل ان الذي رفعته صحيح؟

    الرجل : نعم : ثم ابتدأ باليمين : والله الذي لا اله إلا هو الطالب الغالب الحي القيوم .

    الصادق : لاتعجل في يمينك فانني استحلفك .

    المنصور : ما انكرت من هذا اليمين ؟

    الصادق: ان الله تعالى حي كريم يستحق من عبده اذا اثنى عليه ان يعاجله بالعقوبة لمدحه له ولكن قل ايها الرجل : أبرأ الى الله من حوله وقوته و ألجأ الى حولي وقوتي لصادق بر فيما أقول.

    المنصور : احلف بما استحلفك أبو عبد الله به.

    (قال راوي هذا الخبر فحلف الرجل بهذه اليمين , فلم يستتم حتى خر ميتا فراع المنصور و ارتعدت فرائصه , وقال للصادق يا ابا عبد الله سر من عندي الى حرم جدك ان اخترت ذلك, وان اخترت المقام عندنالم نأل في اكرامك وبرك , فو الله لا قبلت قول احد بعدها أبدا ) .


    على هذه الاحوال المضطربة, والنفوس القلقة التي لا تعرف مصيرها المحتوم. وبهذه الظنون المريبة التي عقوبتها الاعدام , او السجن المؤبد . وتلك العيون المحدقة والاحاسيس المرهفة التي تحصي الانفاس, وترصد الكلام :

    وتلك التحقيقات التي تعدت هذا العدد الذي ذكرناه و التي ابى الحكام فيها ان يتركوا امامنا العظيم, في هدا ءة العلم يعلم الناس الطيب من القول والمأثور من جوامع الكلم النبوي , وهو الامام في فقه الكتاب والسنة.

    كما لم يتركوه وشأنه , يسبح الله في محرابه, مناجيا بذكر الاخرة, ويدعو على أولئك الظالمين, الذين فتكوا بالعترة النبوية الطاهرة , وقطعوا أغصان الدوحة النبوية المحمدية, مات الصادق موتة الصديقين والشهداء, فعليه سلام الله ورضوانه في الخالدين ) (4) .....


    *** يتبع انشالله ***

    __________
    حواشي:

    (1) :الامام الصادق لابي زهرة ص 41

    (2) :الامام الصادق لمحمد بن الحسين المظفري ص 110 وص 44 لابي زهرة ذكرها الاستاذ باختصار

    (3) : المعلى بن خنيس مولى الامام الصادق

    (3) :يراجع ص45 و 46 و 47 من كتاب الامام الصادق لابي زهرة . وص 119 وما بعدها الامام الصادق للشيخ محمد بن الحسين المظفري .


    مات الامام الصادق رضي الله عنه سنة 148 وله من العمر 68 سنة

  6. #6
    عضو مخالف
    تاريخ التسجيل : Aug 2004
    المشاركات : 332
    المواضيع : 80
    الردود : 332
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي

    _محنة ابو حنيفة النعمان_

    (خذ العفو وامر بالمعروف وتغافل عما لايعنيك وبادر في اقامة الحقوق)

    _ ابو حنيفة _



    ..كان الامام أبو حنيفة رضي الله عنه غير راض على سياسة ابي جعفر المنصور بشكل عام, وخصوصا قسوته وشدته مع خصومه, وخصوم ابائه العباسيين, وكانت المخاصمة شديدة والقسوة عنيفة مع العلويين , ومن يظهر التودد اليهم او الترحم عليهم.

    والامام ابو حنيفة كغيره من أئمة المسلمين وأجلاء العلماء , يحبون العلويين ولهم مكانة طيبة في قلوبهم.

    ثم ان الامام رحمه الله تعالى جريئ في فتاواه و صريح في اجوبته,شديد في محاسبته لابي جعفر , كثير النقد لاحكام قضاته,وتصرفات ولاته, تمثلت به رجولة العالم وشجاعة المؤمن , وصلابة الفقيه المتمسك باحكام الشرع , لايعرف نفاقا ولا يسلك طريقا منحرفا في دعوته , ولا يهاب سلطانا ولايخشى قوة حاكم في قولة الحق والمنصور ابو جعفر عرف هوى الامام وأدرك نزعته السياسية والروحية , وتلك نزعة لم تنل رضاه , وهوى يغضبه وسلوك لا يريده ولكن ...ماذا يفعل مع رجل عالم أوتي لسانا صادقا وتأثيرا روحيا دفاقا, يعمل ما لايعمل الحسام.

    ولأن السنة العلماء وهي غضاب تعمل ما لاتعمل السيوف العضاب.

    ثم في اي درب يسير عليه المنصور مع امام احبه الناس وملك قلوبهم . فمنه تؤخذ الفتوى وبه يقتدى . لسلامة قلبه وحسن سيرته و سعةعلمه, ومزيد تقواه, وكلما تقرب منه شبرا ابتعد الامام ذراعا ملتمسا بذلك اسكاته او جره الى صفوفه فكان قربا لم يرد به وجه الله تعالى والدار الاخرة.

    لذلك فليس من السهولة والحالة هذه ان ينزل بامامنا محنةاو يوقع به اذى. دون تلمس المبررات التافهة , والذرائع الباطلة لتكون سببا ظاهريا لها.

    فعل ذلك في الوقت الذي عجز ان يؤاخذ امامنا الجليل على مولاته لآل سيدنا علي رضي الله عنهم... تلك التي نعتقد انها السبب الخفي المباشر لمحنته......

    ولا خير في هذه المولاة بل هي مما دعا اليها الرسول الاعظم عليه الصلاة والسلام.فلا حق لحاكم مثل ابي جعفر ان يؤاخذ احدا بسببها, ولكنها العصبية العائلية وحب السلطان التي تعمي البصائر والابصار عن رؤية الحق الواضح.

    ومن الاسباب الظاهرة التي اتخذها المنصور ذريعة لمحنته الجائرة ,أ ن ابا حنيفة كان جريئا في بيان خطأ حكم القضاة في المسائل التي تعرض عليهم خصوصا اذا خالفت رايه , فيشكوه القضاة ليمتنع عن ذلك.....

    ( فقد روي أن ابن ابي ليلى القاضي, نظر في امرأة مجنونة قالت لرجل يا ابن الزانيين, فأقام عليها الحد في المسجد قائمة وحدها حدين واحدا لقذف ابيه, وحدا لقذف امه,فبلغ ذلك ابو حنيفة. فقال أخطأ فيها في ستة مواضع. أقام عليها الحد في المسجد, ولا تقام الحدود في المساجد, وضربها قائمة والنساء يرضبن قعودا , وضرب لابيه حدا ولامه حدا , ولو ان رجلا ضرب جماعة كان عليه حد واحد, وجمع بين حدين ولا يجمع بين حدين حتى يخفف احدهما, والمجنونة ليس عليها حد , وحد لأبويه وهما غائبان ولم يحضرا فيدعيا, فبلغ ذلك ابن ابي ليلى فدخل على الامير فشكاه اليه وحجر على ابو حنيفة. وقال لايفت ) فلم يفتي اياما (1)........

    وهكذا بدأت المحنة تدنوا منه شيئا فشيئا وهو صابر محتسب المحنة اخذت بالتتابع سريعة تنذر بوقوعها حيث سلك المنصور سبلا اخرى, فأرسل هدية ثمينة وهو يعلم أنها مردودة عليه لا محالة, ولكنه فعل ذلك ليضيف سببا اخر وحجة اخرى.ولعل من المناسب ذكرها هنا لتسلسل الموضوع ( ارسل اليه ابو جعفر بجائزة عشرة الالاف درهم وجارية, وكان عبد الله بن حميد وزيره..فقال لأبي حنيفة عندما رفضها: انشدك الله ان أمير المؤمنين يطلب عليك علة فإن لم تقبل صدق على نفسك ما ظن بك فأبى.....) (2)

    وحين أراد المنصور أن( يحرج) أبو حنيفة ويتخذ من رفضه لمنحه وعطاياه ممسكا ارسل اليه وقال له :فلم لاتقبل صلتي ؟

    فقلت (اي قال ابو حنيفة) : ما وصلني أمير المؤمنين في ماله بشئ فرددته ولو وصلني بذلك لقبلته انما وصلني أمير المؤمنين من بيت مال المسلمين ولا حق لي في بيت مالهم, اني لست ممن يقاتل من ورائهم, فأخذ مما يأخذ المقاتل, ولست من ولدانهم فأخذ ما يأخذ الولدان, ولست من فقرائهم فأخذ ما يأخذ الفقراء...) (3)
    ثم هناك سببا اخر.....

    لقد مر بنا أن امامنا الممتحن, ابان وجهة نظره في قتال اهل الموصل وكان جوابه ذاك الذي أغاظ المنصور, فأسرها في نفسه وأحتفظها عنده. وهنا برر للمنصور سببا أخر وطلبا قد يكون وجيها, وذريعة ظنها محكمة ليجعل منها في انزال المحنة بامامنا الجليل والمنصور يعلم مسبقا أن طلبه مردود عليه ايضا.

    ذلك هو توليه رئاسة القضاة في الدولة الاسلامية, فأن امتنع اخذ بهذا المنع, جهرة امام الناس, ملتمسابذلك عذرا عند العوام وهم _ سواد الناس_ الذين لا يدركون بواطن الامور ولا دوافع المطالب, مطالب الحكام ), ثم ان ابو حنيفة وهو شيخ الفقهاء في العراق, وهو بحر في العلم لا تكدره الدلاء, فمن الصواب ان يكره على تولي القضاء لرفع منار العدل والحق في ارجاء الدولة وليس في الاكراه ظلم ظاهر عند العوام ... وان رضي بهذه التولية تم الصلح بينهما وحسم النزاع , وآمن الانكار, وأنتهت المناوأة, وأنى له عند ذاك أن ينكر ويناوئ ويعترض وقد اصبح من رجال الدولة ومن المسؤولين في الحكم والمشتركين فيه......

    بهذا سولت للمنصور نفسه . فأقدم عيه بحزم.....

    استدعى المنصور ابا حنيفة وعرض عليه تولي هذا المنصب الخطير, فأمتنع وأعرض, ولنسمع الحادثة من امامنا نفسه:

    (... ان هذا دعاني للقضاء فأعلمته أني لا اصلح , و اني لأعلم ان البينة على المدعي واليمين على من انكر, ولكنه لا يصلح للقضاء إلا رجل يكون له نفس يحكم بها عليك, وعلى ولدك وقوادك, وليست تلك النفس لي, انك لتدعوني فما ترجع نفسي حتى افارقك (4)


    وجاء في هذا الرفض في مجلس آخر عن الربيع بن يونس : ( رايت امير المؤمنين ينازل ابو حنيفة في امر القضاء وهو يقول له : اتق الله ولا تدع أمانتك إلا من يخاف الله , والله ما أنا بمأمون الرضا, فكيف لأكون مأمون الغضب؟ ولو أتجه الحكم عليك ثم هددتني ان تغرقني في الفرات اوا لى الحكم لاخترت أن أغرق ...لك حاشية يحتاجون الى من يكرمهم لك فلا أصلح لذلك, فقال : كذبت انك تصلح .

    فقال ابو حنيفة :قد حكمت على نفسك, كيف يحل لك ان تولي قاضيا على امانتك كذابا ؟ . (5)

    وهنا حصل المنصور على مايريد, ونال ما بيت في نفسه, فأنزل به المحنة... اذكرها بروايتها كما رويت في كتب المناقب .

    ..روي عن داود بن راشد الواسطي, انه قال كنت شاهدا حين عذب الامام ليتولى القضاء, وكان يخرج كل مرة فيضرب عشرة اسواط حتى ضرب عشرا ومئة سوط. وكان يقال له: اقبل القضاء, فيقول: لااصلح فلما تتابع عليه الضرب؟ قال خفيا: (اللهم ابعد عني شرهم بقدرتك) فلما ابى دسوا عليه السم فقتلوه . (6)

    ( وروي ان ابا جعفر المنصور حبس ابا حنيفة على ان يتولى القضاء ويصير قاضي القضاة فأبي حتى ضرب مائة سوط وعشرة اسواط و أخرج من السجن على ان يلزم الباب ّ(7)
    وروي ان المنصور حبسه وضيق عليه مدة و وكلم المنصور بعض خواصه فأخرج من السجن ومنع من الفتوى والجلوس للناس والخروج من المنزل , فكانت تلك حالته الى ان توفي (8)........

    تلك محنة الامام ابي حنيفة و منعا عن التدريس والافتاء. و( إقامة جبريةفي الدار , وضربا بالسياط, وحبسا في السجن ثم قتلا بالسم ان صدقت الرواية,كل ذلك لانه ابي ان يساير الحكام في اهوائهم وأن يوافق على اعمالهم وأن يستجيب لطلباتهم ...وهكذا ينبغي ان يكون العلماء في كل حين ان كانوا علماء حقا...

    ( ...مات ابو حنيفة كما يموت الصديقون والشهداء وكان ذلك سنة 150 ه وكان في الموت راحة لذلك الضمير المضيئ ولذلك الوجدان الديني المرهف, ولذلك القلب القوي, ولذلك العقل الجبار, ولتلك النفس الصبور,التي لاقت الاذى فاحتملته و لاقته من الخالفين له في الاراء ورميت في كل رمية, فتحملتها مطمئنة راضية مرضية , ولقيت الاذى من السفهاء ثم لقيته من الامراء والخلفاء.

    وما ضعفت وما وهنت , واذا كان للنفوس جهاد , ولجهادها ميادين,فأبو حنيفة رضي الله عنه كان أعظم ابطال ذلك النوع من الجهاد, وممن انتصر في كل ميادينه.
    وكان جلدا في جهاده قويا في جلاده, حتى وهو يلفظ النفس الاخير فهو يوصي بان يدفن في ارض طيبة لم يجر عليها غضب, ان لا يدفن في ارض اتهم امير بانه غصبها حتى يروى أن أبا جعفر عندما علم بذلك قال من يعذرني من أبي حنيفة حيا او ميتا ....) ( 9)

    وبموته رضي الله عنه انتهت محنته ثم تتابعت المحن تنزل بأقرانه من أئمة المسلمين ....


    **** يتبع ان شاء الله ****



    _____________________________________


    حواشي:

    (1) : ص166 ج1 المناقب لأبي البراري ص 351 ج 13 تاريخ بغداد

    (2) : راجع فصل العلماء ومنح الحكام

    (3) : ص 215 ج1 المناقب للمكي

    (4) : ص 328 ج13 تاريخ بغداد

    ( 5) : ص 328 ج 13 تاريخ بغداد

    (6) : ص 18 ج 2 المناقب لأبي البزازي.

    (7) : ص المناقب لأبي البزازي

    (8) : ص 15 ج2 المناقب لأبي البزازي .

    (9)ص 51 أبو حنيفة لأبي زهرة


    مات رضي الله عنه سنة 150 هجري وله من العمر 70 سنة


    ليس من العدل الذي اوجبه الاسلام على الحاكم ان يؤاخذ العالم لطلب يرفضه او لرأي يبديه, ولو كان يتعلق بوجوده حاكما على البلاد, لان ابداء الراي من حق الامة وفي مقدمتهم العلماء والمنصور يعلم هذا لذلك لم يجرؤ ان يؤاخذ امامنا النعمان على كل ما يبديه ولكنه الت اسبابا للنيل منه و وتلك اساءة بالغة وجرم عظيم يبو ء المنصور باثمها وعليه وزرها, ولو أنه حقق للاسلام في جوانب عدة ما حقق من نشر له في الارض و رفع لواء الاسلام في العالم ..
    ..

  7. #7
    عضو مخالف
    تاريخ التسجيل : Aug 2004
    المشاركات : 332
    المواضيع : 80
    الردود : 332
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي


    _ محنة مالك بن انس_

    (سئل عن الخارجين على الحطام أيجوز قتالهم ؟قال نعم:ان خرجوا على مثل عمر بن عبد العزيز. قالوا: فإن لم يكونوا مثله؟قال:دعهم ينتقم من ظالم لظالم ثم ينتقم من كليهما ) .

    _ مالك _




    في البلد الطيب وفي مركز الاشعاع الفكري والروحي و وفي موطن النور المحمدي وفي حرم رسول الله صلوات الله وسلامه عليه, وفي جوار المصطفى حبيب الرحمن, وبين القبر الشريف والمنبر العظيم , القبر الذي يضم تربة سيد الخلق وإمام المرسلين (صلى الله عليه وسلم) والمنبر الذي رفعت عليه كلمة الاسلام عالية المنبثقة من كلمة التوحيد حيث اخذت تدوي في المشرقين.
    لتهدي الضال وتبصر العمي وتنير درب المظلومين والمحرومين, وتحدد سبيل تحرير الشعوب من ربقة عبودية البشر. وطريق التخلص من سيطرة الطغاة , وحكم الجائرين.

    ومن على هذا المنبر كان العلماء ينهلون من معينه الذي لاينضب ومنه يستلم القادة العسكريون وامراء الاجناد أوامر السير نحو الفتوحات.

    ويأخذ الحكام والولاة نصيبهم من التعليمات والتوجيهات هناك بين القبر والمنبر.الروضة المباركة التي ما جلس احد فيها هنيهة بروحه وجسده الا وشعر انه حقا في الجنة من ذاك الرحاب الطاهر....كان الامام مالك بن انس يأخذ كامل زينته من طيب ولباس , ووافر حظ من حسن الادب جالسا على منصة متواضعة يبين للناس ويعلم هدى رسول الله (صلى الله عليه وسلم ).

    قائلا: حدثني فلان بن فلان أن صاحب هذا القبر قد قال: والناس يسمعون كأن على رؤوسهم الطير, وهم بين ناصت بكل جوارحه ليصن قلبه ويحفظ عقله, وبين كاتب يسجل على قرطاس . وكان مما حدث به هذا الامام الجليل: قوله صلى الله عليه وسلم.(ليس على مستكره طلاق ).

    .....وما ان نطق بهذا الحديث الصحيح. وإذا بالألسن تتداوله ذائعة امره , حتى شاع وأنتشر بين الخلق في مدينة سيد الخلق عليه الصلاة والسلام.....ثم اخذت التأويلات لهذا الحديث تجري على قدم وساق. كل طائفة وجدت فيه بغيتها وعضّت عليه بالنواجذ لأن فيه مستندا شرعيا لما_عزمت عليه من امر مما بيتت من فعل _. !

    _فالمناوئون لحكم أبي جعفر المنصور وجدوا فيه مستندا قويا على التحلل من بيعة المنصور لأنها جاءت_كما اعتقدوا _ عن طريق الاكراه. اذ قاسوا البيعة على الطلاق فقالوا :وليس على مستكره بيعة )

    وأنصار محمد بن عبد الله الحسن رضي الله عنهم وجدوا فيه حين خروج هذا الامام الجليل .

    أما الحكام من ابي جعفر وولاته فقد وجدوا في نشر هذا الحديث خطرا عليهم وعلى كيانهم و لذلك حاولوا أن يمنعوا الامام مالكا من التحدث به .....

    ولكنه لم يفعل وهددوه فلم يسمع .لأنه يؤمن بأن الله أوجب على العلماء أن يبينوا للناس مانزل على رسوله محمد (ص) ولا يكتمونه ولم يكن الامام مالك من الجبناء الذين يكتمون احكام الاسلام. ارضاء لهوى الحكام, او خوفا من بطشهم وجبروتهم او اسواطهم وأغلالهم’ عند ذاك نزلت المحنة ووقع الاذى, والسؤال الذي يرد؟ من انزل بامامنا هذه المحنة فباء باثمها وتولى كبرها وحصد شرها ؟ .

    الروايات التاريخية تشير الى ما يلي :

    ....ان ابا جعفر (نهاه ان يحدث بهذا الحديث ثم دس اليه من يسأله عنه فحدث به على رؤوس الناس فضربه .(1) ) .
    ومثل هذا روى ابن عبد البر في الانتقاء.

    (لما سمع مالك بن انس_ وشور_ وسمع منه وقبل قوله شنف له الناس ) .(2)
    وحسدوه ونعتوه بكل شيئ, فلما ولي جعفر بن سليمان على المدينة سعوا به اليه وكثروا عليه عنده, وقالوا لايرى ايمانا ببيعتكم هذه شيئ.
    وهو يأخذ بحديث رواه ثابت بن الاحنف في طلاق المكره لايجوز ). (3)

    (بعد ان ذكر هياج اهل المدينة على المنصور في اول امره, انه ارسل اليهم ابن عمه (جعفر بن سليمان ). فأشتد في اهل المدينة الخلاف, وأخذت البيعة للخليفة, فسعى حسدة الامام مالك الى الامير انه يفتي. بان لايمين على مكره فيحل بهذا ما ابرمتموه مما قام على الاستكراه,فاراد ان يبدر فيه فقيل لاتبدر فانه اكرم الناس على الخليفة فدس الى مالكا بعض ثقاته فافتاه على( طمأنينة منه )فلم يشعر الا ورسول جعفر فيه فأتوا به فتنتهك الحرمة وضربه سبعين سوطا اضجعته بعد انتهاء الفتنة ) .(4)

    والذي يبدوا في هذه الروايات ان الذي تولى كبر هذه المحنة ونفذها هو ابن عم المنصور _جعفر بن سليمان_ وكان المنصور على علم بذلك وان لم يكن من ظاهر الواقع ضاربا او آمرا بالضرب .

    ( ونحن لانستطيع ان ننفي ان يكون ذلك بعلم ورضا من المنصور الداهية الذي كان على علم بما يجري داخل دولته وخاصة من كبارها وان الذي كان على علم بداخل بيت مالك حتى يعرف انه كان يامر خادمه بادارة الرحي حتى لايسمع الجيران صوت ابنته من البكاء جوعا ما كان يجهل بما يجري ) . (5)

    ولكن الخبث السياسي الذي يحمله اصحابه من الحكام يجعلهم يحملون اثم الافعال وكبر المحن وغيرهم لتكون لهم فرصة البراءة لنفسهم عند اللزوم بين الناس اذا وجدوهم قد أنكروا هذا الاثم وسخطوا من تلك المحن لظهور الظلم فيها, اماالله فلا تخفى عليه خافية فهو يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور وهذاما اتبعه المنصور مع مالك , عندما برئ الاخير من جراحه وطلب اليه الاجتماع بمنى في موسم الحج.......!

    يقول مالك......( لما وصلت على ابي جعفر وقد عهد الي ان آتيه في الموسم قال لي : والله الذي لا اله الاهو ما أمرت بالذي كان ولا علمته,انه لايزال اهل الحرمين بخير ما كنت بين ظهرهم واني اخالك امنا لهم من عذاب ولقد رفع الله بك عنهم سطوة عظيمة,فأنهم اسرع الناس الى الفتن, وقد امرت بعدوا الله ان يؤتى به من المدينة الى العراق على قتب وأمرت بضيق محبسه و الاستبلاغ في اتهامه ولابد من ان انزل به العقوبة اضعاف ما نالك منه ,
    فقلت عافى الله امير المؤمنين واكرم مثواه قد عفوت عنه لقرابتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقرابته منك.

    قال: فعفا الله عنك وأوصلك .)(6)

    ومثل هذا روى ابن قتيبة في الامامة والسياسة .

    تلك عظمة مالك من تسامحه واحتسابه السبعين سوطا لله, له بها ثواب الصابرين ومثوبة المؤمنين ...
    (وبهذا انتهت محنته وعاد لدروسه وصنف كتاب( الموطأ)( بعد ذلك .. ولكن المحن لم تزل قائمة باقرانها ) ..(7 )


    *** يتبع ان شاء الله ***

    ___________

    حواشي:

    (1) ص 84 ج10 تاريخ ابن كثير.

    (2) شنفوا له اي تنكروا له .

    (3)ص الالتقاء لأبي عبد البر.

    (4)الامامة والسياسة لأبي قتيبة.

    (5)ص 60 مالك لأبي زهرة.

    (6)ص 293 المدارك .


    (7) مات سنة 179 هجري وله من العمر 86 سنة.


    هذا ما نرجحه من موقف المنصور من الامام مالك (بالمحنة) من انه على علم بها راض عنها أو ان اردنا تحسين الظن بهذا الموقف بناء على اليمين المنعقدة التي حلف بها المنصور للامام مالك كما ذكرها صاحب المدارك ومن باب التوفيق بين الروايات فنقول ان ابا جعفر امر واليه على المدينة ان يراقب مالكا وان يحول بينه وبين عمله وتحدثه ضده وضد حكمه ولكن الواي فسر طلب المنصور بالذي فعله وقام به من ضرب وانتهاك لحرمة هذا الامام الجليل وعلى كل حال فأن المنصور مسؤول عما اصاب امامنا من محنة واذى ...
    (الامام راع وهو مسؤول عن رعيته ) وكيف لا يسال والخليفة العادل عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : (والله لو ان سخلة عثرت بأرض العراق لكنت مسؤولا عنها يوم القيامة لم اعدل لها الطريق )....

  8. #8
    عضو مخالف
    تاريخ التسجيل : Aug 2004
    المشاركات : 332
    المواضيع : 80
    الردود : 332
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي

    _ محنة العز بن عبد السلام _

    (من آثر الله على نفسه آثره الله والمخاطرة بالنفوس مشروعة في إعزاز الدين)


    _ العز بن عبد السلام _






    انعقد اجماع كل المصادر للسير من كتب الطبقات والتراجم التي ذكرت سلطان العلماء العز بن عبد السلام على انه رحمه الله;اشتهر بصفة عالية سامية فوق صفات هديه وسلوكه المبارك , بل غلبت على جميع تلك الصفات .هي صفة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.

    حتى قال السبكي مفتتحا ترجمته (القائم بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر في زمانه )(1)

    وقال الكتبي(وكان امارا بالمعروف نهاء عن المنكر لايخاف في الله لومة لائم) (2)

    وقال ابن العماد الحنبلي :( وهذا مع الزهد والورع والامر بالمعروف والنهي عن المنكر) (3)

    وهل يستطيع مسلم ان يامر بالمعروف والنهي عن المنكر دون ان يعرف ما هيتهما وحقيقتهما ومعناهما . نوجز المعنى بهذه الكلمات .....

    ...المعروف ما عرفه الشرع و المنكر ما نكره , ومن هنا جاء علمه الغزير حتى لقب بسلطان العلماء ومن كان هذا شأنه وتلك صفته لاينجو من محن واضطهاد في حياته, علما بان انكار منكر هو محاسبتهم. لذلك فقد تتابعت عليه المحن واصابه الاضطهاد المرير.

    ان الواجب الشرعي يدعونا ان نقر هنا اقرارا متاسفين عليه. محزونين على وقوعه. هي ان المحنة الاولى التي نزلت بهذا الشيخ الجليل والمحن التي نزلت بعده على الشيخ الجليل ابي تيمية رحمها الله تعالى, كان سببها الاختلاف االفكري في المسائل الفقهية والقضايا الكلامية المعتمدة على النصوص الظنية في ثبوتها ودلالتها,ذلك الاختلاف الذي رقي من رتبة الاختلاف الاجتهادي الذي لايخطئ, ويصيب صاحبه فيه, فله اجران ان اصاب وله اجر واحد ان اخطا وهو ما يقره الاسلام’ بل هو الدليل الاعظم على الحيوية الفكرية في الشريعة الاسلامية وعلى طاقة اتساعها في الامور والمسائل, والتي ابعدت الضيق والاحراج عن الامة الاسلاميةفي مختلف العصور....

    أقول رقي هذا الاختلاف برحمته من هذه الرتبة الى رتبة التعصب المذهبي المقيت بشؤمه ومقته. الذي نهى عنه الاسلام, والذي ادى الى الفتن والاذى بين المختلفين وتفسيق وتبديع بعضهم البعض, مستعينين بالحكام في بعض الاحيان لايذاء بعض الخصوم وانزال المحن بالمخالفين مما ادى الى اضطهاد شيوخ العلماء, والى الاضطراب الفكري والنفسي بين الامة, في الوقت الذي كانت الامة الاسلامية بعلمائها وعامتها في غنى عن ذلك.

    ولكن قاتل الله التعصب المذهبي المقيت......اعود فاقول:ان اول محنة نزلت بشيخنا الجليل كانت بفتنة الحنابلة في زمن السلطان الاشرف بن الملك العادل الايوبي بدمشق .

    يقول الذهبي كان للاشرف ميل الى المحدثين والحنابلة وفي عصره حصلت فتنة بين الحنابلة والشافعية بسبب العقائد وتعصب العز بن عبد السلام على الحنابلة وجرت خبطة ) (4)

    ويقول الكتبي ( ولما كان في دمشق سمع من الحنابلة اذى كثيرا رحمه الله) (5)

    وكان هذا الاذى الذي اصاب شيخنا بسبب الاختلاف في مسألة كلامية ليست من اصول العقيدة الاسلامية ,ان فرضت عليه الاقامة الجبرية في داره ولايفتي احدا من الناس ولايجتمع باحد منهم )(6)
    وبقي الشيخ رحمه الله في هذه( الاستراحة؟) الجبرية برهة من الزمن, وتحدث أهل الشام بما حل بشيخهم المفضل , وتهامس العلماء بينهم وتلاوموا على تفريطهم في نصرة الشيخ ومعتقده, حتى قيّض الله من ينتصر له عند السلطان, ذلك هو شيخ السادة الحنفية في زمانه جمال الدين الحصيري رحمه الله.

    وهناك في دار السلطنة قال السلطان للشيخ الحصيري بعد مناقشته في المسألة:

    ( ونحن نستغفر الله مما جرى ونستدرك الفارط في حقه والله لأجعلنه أغنى العلماء , وارسل الى الشيخ واسترضاه وطلب محاللته ومخاللته).

    ولما فاز السلطان باجتماعه به في مرض اصابه طالبا محاللته قال له اما محاللتك فاني في ليلة احالل الخلق وأبيت وليس لي عند احد مظلمة وأرى ان يكون أجري على الله ولايكون على الناس )..

    ثم قدم له مائة دينار مصرية وهدية فردها قائلا :هذه إجتماعة لله لا أكدرها بشئ من الدنيا).

    وقبل هذه الإجتماعة أمر السلطان بالامساك عن الكلام في مسالة (الكلام) وان لايفتي احد فيها بشئ .. سدا لباب الخصام . والسلطان الاشرف يردد ( لقد غلطنا في حق ابن عبد السلام غلطة عظيمة ).....

    وما ان مرت السنون , واذا بالشيخ يمتحن مرة اخرى لانه انكر على سلطان الشام وحاكم دمشق خيانته للامة الاسلامية, و فيمايلي موجز المحنة وسببها كما يحدثنا بها الامام السبكي في طبقاته , والمقريزي في سلوكه .(7)

    ان خلافا نشأ وأشتد, وخلافا طفق منذرا بالكيد والحرب بين الاخوين سلطان الشام وسلطان مصر الصالح نجم الدين ايوب.

    وفي سنة1038 ه أوجس اسماعيل خيفة من نجم الدين , فاستعان بالصليبيين اعداء الاسلام .
    وتحالف معهم على قتال اخيه, واعطاهم مقابل ذلك مدينة صيدا على رواية السبكي, وكذلك قلعة صفد على رواية المقريزي وغيره.

    وأمعن اسماعيل في هذه الخيانةفسمح للصليبين ان يدخلوا دمشق ويشتروا منها السلاح وآلات الحرب وما يريدون ,وأثار هذا الصنيع المنكر استياء المسلمين وعلمائهم.

    فهب الشيخ العز واقفا بوجه الخيانةوالخائنين وافتى بتحريم بيع السلاح لهم ,وصعد على منبر جامع الاموي بدمشق في يوم الجمعة حيث كان خطيبه الرسمي وأعلن الفتوى, وشدد في الانكار على السلطان وفعلته المنكرة وخيانته الفظيعة لامة الاسلامية. وقطع من الخطبة الدعاء للسلطان اسماعيل وهو بمثابة الاعلان بنزع البيعة ورفع الولاء عن السلطان يومئذ وصار يدعوا بدعاء منه: ( اللهم ابرم لهذه الامة ابرام رشد تعز فيه اولياؤك وتذل فيه اعداؤك ويعمل فيه بطاعتك وينهى فيه عن معصيتك ....)

    والمصلين يضجون بالتأمين على دعائه.....ولم يكن السلطان حاضرا تلك الخطبة اذ كان خارج دمشق , ولما أعلمه رجاله بذلك أمر بعزل الشيخ من خطبة الجمعة وأعتقاله مع صاحبه الشيخ ابن الحاجب المالكي لأ شتراكه معه في الانكار ....!!!!

    . وكان انصار الشيخ العز قد أشاروا عليه ان بان يغادر البلاد وان ينجوا بنفسه, واعدوا له وسائل الهرب ولكنه رحمه الله أبى ذلك وألحوا عليه فأصر على الاباء, فعرضوا عليه ان بختبئ في مكان أمين لايهتدي اليه السلطان ورجاله فرفض هذا العرض ايضا وقال : ( والله لاأهرب ولا أختبئ وأنما نحن في في بداية الجهاد, ولم نعمل شيئا بعد وقد وطنت نفسي على احتمال ما ألقى في هذا السبيل . والله لايضيع عمل الصابرين ) .(8)

    ( ثم لما قدم اسماعيل الى دمشق افرج عنهما بعد الاعتقال . ولكن العز أبي عبد السلام أمربملازمة داره وأن لايفتي ولا يجتمع باحد البتة , فاستأذنه في صلاة الجمعة _مؤتما بامامها_ وان يعير اليه طبيب او مزين (حلاق) اذا احتاج اليهما وان يدخل الحمام فأذن له في ذلك )..

    ومرت الايام والشيخ في إقامته الجبرية , وقد منع من الافتاء والاتصال باحد من اخوانه او طلابه وتعطلت هوايته المفضلة . وواجبه المقدس _الامر بالمعروف والنهي عن المنكر _ فطلب الهجرة من دمشق قاصدا مصر.
    وأفرج عنه بعد محاورات ومراجعات , فاقام بدمشق ثم انتزع منها الى بيت المقدس . فوافاه الملك الناصر داود في الفور فقطع عليه الطريق. واخذه واقام بنابلس مدة . وجرت معه خطوب ثم انتقل الى بيت المقدس حيث اقام مدة . ثم جاء الصالح اسماعيل والملك المنصور صاحب حمص وملوك الفرنج بعساكرهم وجيوشهم الى بيت المقدس .. يقصدون الديار المصرية , فسير الصالح اسماعيل بعض خواصه الى الشيخ بمنديله , وقال له : تدفع منديلي الى الشيخ وتتلطف به غاية التلطف وتستنزله وتعده بالعودة الى مناصبه على احسن حال , فان وافقك فتدخل به عليّ , وان خالفك فاعتقله في خيمته الى جانب خيمتي . فلما اجتمع الرسول بالشيخ شرع في مسايسته وملاينته ثم قال له : بينك وبين ان تعود الى مناصبك وما كنت عليه زيادة , ان تنكسر للسلطان وتقبل يده لاغير ! فقال الشيخ والله يا مسكين ما ارضاه ان يقبل يدي فضلا عن ان اقبل يده . يا قوم انتم في واد وانا في واد .

    الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاكم به . فقال الرسول : يا شيخ قد رسم لي ان توافق على ما يطلبه منك , والا اعتقلتك , فقال الشيخ : افعلوا ما بدا لكم , فاخذه واعتقله في خيمة الى جانب خيمة السلطان . وكان الشيخ يقرأ القران _في معتقله _ والسلطان يسمعه . فقال يوما لملوك الفرنج تسمعون هذا الشيخ الذي يقرأ القرآن ؟ فقالوا نعم . قال هذا اكبر قسوس المسلمين , قد حبسته لانكاره علي تسليمي لكم حصون المسلمين , وقد عزلته عن الخطابة بدمشق وعن مناصبه ثم اخرجته فجاء الى القدس وقد جددت حبسه واعتقاله لأجلكم !! فقالت له ملوك الفرنج :( لو كان هذا قسيسنا لغسلنا رجليه وشربنا مرقتها ) .

    تلك اجابة الفرنج الى السلطان الخائن التي كانت سهما في قلبه وانكارا متضمنا لفعله , والفضل ما شهدت به الاعداء . وذلك قول السلطان العبد لااسياده الفرنج يفتخر بخيانته !!.

    ثم وقعت الحرب بين الاخوين وكانت الدولة والنصر للسلطان نجم الدين ايوب على رغم قلة جيشه في العدد والعدة بالنسبة لجيش اسماعيل وخلفائه. وتلك عاقبة الخائنين ...في كل حين .

    وبذلك نجا الشيخ من اسر السلطان الخائن , ووصل الى مصر مكرما معززا, وتولى فيها منصب قاضي القضاة .

    وثالثة الاثافي من محنته تعرضه للقتل بسبب أمره ببيع أمراء الدولة في المزاد العلني .. ولكن الله حفظه وخذل خصومه .
    .. كان للمماليك الاتراك نفوذ في الدولة الاسلامية في اواخر حكم العباسيين وامتد نفوذهم حتى اصبحوا امراء في الدولة ايام حكم نجم الدين ايوب في مصر وكان الشيخ العز قاضيا للقضاة فيها , وقام رضوان الله عليه , مصلحا لامر القضاء , منفذا بحزم احكام الشرع لاتأخذه في ذلك لومة لائم , فنظر في حقيقة قضية اولئك الامراء التي اثارها هو , ثم اصدر قضاءه الآتي :

    قال السبكي (9) :( ذكر كائنة الشيخ مع امراء الدولة من الاتراك ... وهم جماعة ذكروا أن الشيخ لم يثبت عنده انهم احرار وان حكم الرق مستصحب عليهم لبيت مال المسلمين. فبلغهم ذلك : فعظم الخطب فيه , واحتدم الامر , والشيخ مصمم لايصحح لهم بيعا ولا شراء ولا نكاحا . وتعطلت مصالحهم بذلك . وكان من جملتهم نائب السلطنة فاشتاط غضبا , واجتمعوا وارسلوا اليه , فقال : نعقد لكم مجلسا وينادى عليكم لبيت مال المسلمين , ويحصل عتقكم بطريق شرعي , فرفعوا الامر الى السلطان , فبعث اليه فلم يرجع , فجرت من السلطان كلمة فيها غلظة , حاصلها الانكار على الشيخ في دخوله في هذا الامر , وانه لايتعلق به . فغضب الشيخ وحمل حوائجه على حمار , واركب عائلته عللى حمير اخرى , ومشى خلفهم من القاهرة قاصدا نحو الشام , فلم يصل الى نحو نصف بريد , حتى لحقه غالب المسلمين , لم تكد امرأة ولاصبي ولا رجل لايؤبه له يتخلف ولاسيما العلماء والصلحاء والتجار وأنحاؤهم , فبلغ السلا الخبر, وقيل له متى راح ذهب ملكك فركب السلطان بنفسه ولحقه واسترضاه وطيب قلبه , فرجع واتفقوا معهم على ان ينادى على الامراء , فارسل نائب السلطنة بالملاطفة فلم يفد فيه , فانزعج النائب فقال : كيف ينادي علينا هذا الشيخ ويبيعنا ونحن ملوك الارض ؟ والله لأضربنّه بسيفي هذا , فركب في جماعته , وجاء الى بيت الشيخ , والسيف مسلول في يده فطرق الباب , فخرج ولد الشيخ , فرأى من نائب السلطنة ما رأى , فعاد الى ابيه وشرح له الحال, فما اكترث لذلك ولاتغير وقال : يا ولدي أبوك أقل من أن يقتل في سبيل الله , ثم خرج كأنه قضاء الله قد نزل على نائب السلطنة فحين وقع بصره على النائب يبست يد النائب وسقط السيف منها وأرعدت مفاصله , فبكى , وسال الشيخ ان يدعوا له , وقال يا سيدي خير اي شيئ تعمل ؟
    قال انادي عليكم وأبيعكم : قال ففيم تصرف ثمننا ؟ قال في مصالح المسلمين , قال ومن يقبضه ؟ قال : أنا , فتم له ما أراد , ونالدى على الامراء واحدا واحدا وغالى في ثمنهم وقبضه وصرفه في وجوه الخير . وهذا لم يسمع قبله احد , رحمه الله ورضي عنه .
    نعم لم يسمع بمثله , ولم يقع له شبيه له بعد , فلله رجال , وللاسلام انصار وللمسلمين قادة هم العلماء , وللقضاء قضاة يقيمون الحق ويحافظون على حدود الله ويقضون بالقسطاس المستقيم . لايرهبون حاكما ظالما ولايخشون سلطانا جائرا . ولكن كيف نرى خلفاءهم وهم معظم قضاة اليوم يقضون بغير أنزل الله ... ويدعون انهم مسلمون .

    فيا أيها العزيز مسنّا وأهلنا الضّر ...


    ***يتبع ان شاء الله ***

    ___________


    حواشي :


    (1) ص 80 ج 5 الطبقات

    (2) ص 95 ج1 فوات الوفيات.

    (3) ص 302 ج 5 شذرات الذهب

    (4) سيرة اعلام النبلاء

    (5) ص 596 ج 1 فوات الفوات

    (6) ص 80 ج 5 طبقات الشافعية للسبكي

    (7) يراجع ص 303 وما بعدها ج1 السلوك وص 5 وما بعدها الطبقات للسبكي

    (8) يراجع ص 100 واسلاماه للاستاذ احمد باكثير .

    (9) ص 84 ج 5 الطبقات

المواضيع المتشابهه

  1. رثاء الملك عبد الله بن عبد العزيز :: شعر :: صبري الصبري
    بواسطة صبري الصبري في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 28-01-2015, 07:55 AM
  2. الملك الإنسان... شخصية العام عبد الله بن عبد العزيز آل سعود
    بواسطة عمر سلام النهاري في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 28-07-2009, 08:44 PM
  3. قصيدة عن يحيى عيّاش ذكّرني بها استشهاد المجاهد د. عبد العزيز الرنتيسي
    بواسطة أيمن العتوم في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 23-05-2004, 10:20 PM
  4. عبد العزيز يا بطل
    بواسطة أبو القاسم في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 18-04-2004, 09:29 PM
  5. محاولة اغتيال الدكتور عبد العزيز الرنتيسي
    بواسطة نسرين في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 27-06-2003, 02:54 AM