بقراءة بسيطة سريعة لما يحدث في عالمنا العربي من أحداث متسارعة وخاصة في مصر مركز الثقل العربي ، لا يصعب على المتأمل أن يلاحظ الترابط الواضح والتلازم بين الحكم الجبري (الدكتاتوري ، العسكري ، الفردي ... سمه ما شئت) وبين فرض قوانين الطوارئ ، وأحيانا الأحكام العرفية ، فهو تلازم أشبه ما يكون بتلازم حياة السمك والماء مع فارق التشبيه بين ما هو طبيعي فطري وما هو شاذ ظالم عدواني .
إن تعطيل الدستور (حتى المشوه وغير المنصف) وتعطيل القوانين الناشئة عنه وبالتالي تعطيل وتعليق حقوق المواطنين ووسائلهم القانونية للمطالبة بحقوقهم والحفاظ على ممتلكاتهم هي الطريق الوحيد الذي يستطيع المستبد أن يسلكه للحفاظ على مكتسباته الغير شرعيه وليبقي سيفه مسلطا على رقاب العباد فلا يملكون له رفعا ولا لبطشه دفعا ، ويتخذ من حجج الأمن القومي وسلامة حدود الوطن ذرائع يبرر بها سلوكه وسلوك زبانيته .
عندما نجحت الثورة نجاحه المبتسر في إجبار السلطة على تقديم تنازل ظاهري في إعلان تنحي الرئيس مبارك ، وقام الشعب باختيار حاكمه وحكومته ودستوره ومجلسه التمثيليل ومن ثم رفعت حالة الطوارئ ، بدأت الحياة تدب في جسد علته زرقة الاختناق لعقود طويلة وبدأ يتحرك ويعمل ويعبر ويخطط ويمارس استقلالية قراره رغم العراقيل الكثيرة التي وضعها الحاقدون في طريقه والأعباء الثقيلة التي تركها النظام الفاسد البائد على كاهليه ، ولكن جو الحرية هذا والبيئة الدستورية القانونية ورائحة الحرية التي فاحت في مصر وتجاوزت حدودها لتزكم أنوف مستبدين آخرين لم ترق للكثيرين في الداخل والخارج حتى منهم كثيرون ممن كان يطالب بها ويعمل ليحظى بها ، فما كان من هؤلاء إلا أن تنكروا لقيمهم المعلنة ورموا بها وراء ظهورهم وفضلوا العودة لزمن الاستبداد والفساد على أن يحكمهم الحق ويضبطهم الدستور والقانون الذي رأوا فيه تلاشي مطامعهم وذهاب مكاسبهم ورضوا ، وشكل هذا الفرصة السانحة لنظام الاستبداد المختبئ من غضبة الشعب الأولى حتى هدأت وتحولت إلى صراع وعراك علا عجاجه وصخب ضجيج أهل الباطل فيه حيث ما عادوا يملكون غير الضجيج والغبار فتحالف معهم فآثروه على خصومهم الشرفاء والتفوا على معركة الشرف ورضوا بأن يطعنوا إخوانهم في ظهورهم ، فإن كانوا خاسرين لمعركة العدالة لا محالة فليخسر الرابحون لها دماءهم وأرواحهم وحقوقهم ومعهم حق الأمة وشرفها وحريتها . وبالطبع ما كان للمستبد أن ينسى أن كثيرا من هؤلاء الذين تآمروا معه كانوا ممن سعى لإسقاطه في اليوم الأول ، فاستدار على أكثرهم ممن لا تزال تساوره أحلام الديمقراطية فأنالهم جزاء سنمار .
وأخيرا فلا يمكن لاستمرار الحال على ما يشتهيه إلا أن يعيد العمل بقانون الطوارئ الذي يعيد الظالم مطلق اليد في العباد والبلاد ، ويعيد الأحرار والشرفاء إلى حالة العبودية القسرية والملاحقة والسجن والحظر والتنكيل .