أحدث المشاركات
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 11

الموضوع: عبث في قطار آخر الليل

  1. #1
    الصورة الرمزية سامي البدري قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Jul 2010
    المشاركات : 13
    المواضيع : 4
    الردود : 13
    المعدل اليومي : 0.00

    افتراضي عبث في قطار آخر الليل

    عبث في قطار آخر الليل

    سامي البدري

    في القطار او في الباص ، دائما يصادفك جار او رفيق سفر يحرمك من سويعات صمتك التي تحب ان تقضيها بعيدا عن رقابة المتطفلين ، في القراءة او في التفكير او حتى في مجرد مراقبة قضبان سكك الحديد وهي تمتد ببلاهة في صمتها الابدي او في عد اعمدة الكهرباء وهي تتراجع باستسلام لايذكرك الا بعذابات رحلتك .وكعادتي معهم ،فان رفيق سفرتي هذه المرة كان قد استعد لهجومه من اول لحظة استعداده للسفر في القطار الصاعد من العاصمة . فبعد السؤال عن ان كان المقعد المجاور لمقعدي شاغرا ام لا ،سالني بجراة انذرتني برفيق سفر بتمام المواصفات ، عن امكانية الحصول على مقعدي المجاور لنافذة القطار فاجبته باقتضاب : كلا . ولكنه سالني بادب مصطنع : لماذا؟ فقلت بشئ من الارتباك : لا لشئ مهم الحقيقة سوى ان الجلوس قريبا من بحر العربة يفقدني الشعور بخصوصية مكاني التي احتاج . ابتسم ابتسامة شك ،او هكذا قراتها ، قبل ان ترتسم امارات الجد على وجهه ليقول : نعم افهم .. ثم زرع عينيه في نقطة ما من ظهر
    المقعد الذي يتقدمه وغرق في صمت لم اعتده من رفاق سفراتي المعتادين فقدمت له سجارة مجاراة للفضول الذي اتبد بي .. بعد عدة محاولات من التنبيه ، استفاق صاحبي ليصطنع ابتسامة باهتة ويقول : اوه ! شكرا للطفك . اخذ السجارة بلهفة ظاهرة وعض عليها بشفتيه وانتظر متحرقا ان اشعلها له .. لم اشعلها له ،ولم اشعل سجارتي هي الاخرى وانتظرت ردة فعله . بعد دقيقة اخرى فهم لوحده اني لااحمل علبة ثقاب فنهض بعصبية وقال : ساتيك بالنار حالا ؛ واخذ بالدوران على ركاب العربة التي علا ضجيجها فاشعلت سجارتي وانتظرت ردة فعله بهدوء مصطنع . عندما عاد مد لي سجارته بامتنان لاشعل سجارتي ، وعندما اريته اياها وهي تشتعل جلس دون تعليق . عاد جاري الى صمته وهو يمص سجاته بنهم ، ولمن بهدوء . لم ينم وجهه عن تفكير عميق او انفعال .. كان صامتا فقط .. او هكذا بدا لي . فجاة نشب نزاع بين شاغلي المقعد الذي يتقدمنا وعلا صراخ احد الرجلين سابا لاعنا قبل ان يرد عليه الثاني ويشتبكا بالايدي وصاحبي على هدوءه تطارد عيناه نقطة ما في فراغ الخارج ، وكأنه معزولا عن عن تلك الضجة . وحتى عندما سقطت نظارة احد الرجلين في حضنه ، فان كل ما فعله هو انه مدها باتجاهي ورجاني ان اعيدها الى صاحبها . سيطر الرجل على كامل اهتمامي ولم استطع تحويل عينيّ عنه فمددت علبة سجائري امام عينيه وانتظرت ان يتذكر وجودي وجلوسي الى جانبه .. ولكن الامر احتاج الى نصف ساعة من تارجح القطار على قضبانه المتهالكة ولتوقفه في احدى المحطات الضاجة ، ولثلاث صرخات من احد باعة الصحف .. عندما تنبه اى علبة السجائر سحب سجارة وهو يدمدم : سيشركك الاخرون في ضجتهم ولو كنت في بطن امك . شكرني بامتنان كبير ونهض ليبحث عمن يشعلها له . عندما عاد وجد سجارتي في انفاسها الاخيرة فقال بشئ من الغضب :
    ـ الامر معك اسهل .. فقلت بلهجة استفزازية ..
    ـ هذا لانك مفلس لا اكثر . فهز راسه بما يشبه الموافقة وقال ..
    ـ وحرماني من الجلوس الى جوار النافذة ، هل يعود الى افلاسي هو الاخر ؟
    ـ بالتأكيد !فسالني باهتمام ..
    ـ ولماذا أنا مفلس برأيك ؟
    ـ ثمة من يعنث بك وبمصيرك .. قوة او روح خارجية . فرد باهتمام كبير ، بعد ان استدار ليصير بمواجهتي ..
    ـ وكيف عرفت كل هذا ؟ هل انت من الروحانيين ؟
    ـ كلا ، ولكني لا اجد تفسيرا آخر لحالتك .
    ـ وهذا كل شئ ... ؟
    ـ نعم . فان تصل من البؤس لن لاتجد ثمن سجارة فهذا لا يعني سوى ان الامر خارج حدود سيطرة الانسان . فقال وهو يعاود زرع عينيه في زجاج النافذة التي تحولت الى لوح جيري بسبب شدة ظلام المكان الذي كنا نمر به ..
    ـ قبل عشرين عاما توصلت الى التفسير عينه ولكني مازلت اعاند هذه الفكرة .
    ـ والى اين وصلت الان ؟
    ـ ان اتسلل خلسة الى القطار وان لا اجد ثمن سجارة احرقها .. هل عندك ما تشير به علي ّ.. ؟
    ـ نعم . ان تجترح معجزة ، او تقتل روح ما !
    ـ واين اجد مثل هذه الروح ، ما دمت عاجزا عن فعل المعجزة ؟
    ـ ربما في عرض البحر او ربما في مقبرة مهملة او ربما بابل القديمة حيث علم هاروت وماروت بني آدم السحر ! في هذه اللحظة لم اعد اتمكن من السيطرة على نفسي فانفجرت بضحكة ضاجة لاغراقي في عبثي ذاك ؛ لكن صاحبي امسك بذراعي بحزم ليوقفني عن الضحك وقال بجد وهو يقف على قدميه ..
    ـ ولم تضحك ، فهذه هي قناعتي والان ساذهب لتنفيذها !
    ـ ولكني كنت اعبث فقط ...؟
    وانا لم يعد امامي غير عبثك !
    وانطلق بخطى قلقة باتجاه العربة الامامية . بعد ربع ساعة ، وفي بقعة لايتذكرها حتى الجغرافيون ، توقف القطار للحظات ثم عاود ارتجاجاته باتجاه الشمال وجاء راكب جديد ليحتل مقعد ذلك الرجل .

  2. #2
    الصورة الرمزية محمد ذيب سليمان مشرف عام
    شاعر

    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    المشاركات : 19,264
    المواضيع : 522
    الردود : 19264
    المعدل اليومي : 3.69

    افتراضي

    نعم .. نعم
    الأفكار العبثية أحيانا تمثل روح الحقيقة
    لا بد أن تستمر القافلة بالمسير مهما كانت المعوقات
    وأحيانا لابد أن يضرب الإنسان رأسه كما تقول الأسطورة
    ليصحو ويتحرك وفق ما هومتاح أو عكس ذلك
    والطبيعة لا تقبل الفراغ أن تترك موقعك فهناك من ينتظر ذلك ليجلس في نفس المكان
    شكرا لك

  3. #3
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Apr 2010
    المشاركات : 450
    المواضيع : 12
    الردود : 450
    المعدل اليومي : 0.09

    افتراضي

    العبث تغلغل منذ البداية !
    ولم يتيح لفرصة الصمت والسكينة المرجوة للتأمل والتدبر في ساعة سفر..
    هذه هي منغصات الحياة لااستقرار ولا هوادة..
    ولكن يبقى أحدنا يواكب الركب كي تسير القافلة .
    وما كان شاغرا لابد أن يحل أحدهم مكانههذه هي الدنيا .

    أستاذيّ القدير :
    إن لقلمك بلاغة وتمكن ومتن يستثير الفكر لأقتناص روعته

    سلمت وسلم المداد الرائع

    كن بخير

  4. #4
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Aug 2010
    الدولة : مقيمة ببلدى السودان
    المشاركات : 26
    المواضيع : 13
    الردود : 26
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي

    أتدرى يا أيها البدرى أن أجمل اللقاءات تلك التي تكون على عجل ومن أشخاص قد لا نلتقيهم ثانية ، وأن أجمل الشكوى تلك التي تكون للغرباء على قطار مسافر ، وأن أجمل الصداقات تلك التي تعقد سريعا لسويعات وتنتهي بذكرى جميلة ننزل بها لمحطتنا ، قصة جميلة ، اعجبني ذلك البطل الصامت وكأنه ساخطا علي كل شىء . لك تحياتي

  5. #5
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : May 2012
    المشاركات : 4,790
    المواضيع : 82
    الردود : 4790
    المعدل اليومي : 1.09

    افتراضي

    قصة ذكية الحبكة جميلة التصوير , كأنها لقطة من حياة الدنيا الفانية التي يعبرها جميع الناس , القطار أراه كالأيام التي تسير والركاب هم الناس التي تمر بهم هذه الأيام فتمتلأ أوقاتهم بحزن أو سعادة أو غضب أو قهر أو غبن أو مزيج من ذلك كله وتكمل سيرها ويرحل ناس ويأتي آخرون وتبقى الذكرى الجميلة أو الأليمة وتبقى الاستفادة من خبرات الآخرين التي قد تلتقطها في سويعات قليلة فتتخذ منها قرارا وقد تجعل إرادة الشخص تصلب وعزيمته تنهض وفكره يثوب من بعد موات أو يأس ..
    أحيانا تكون هناك أمور عبثية من استفزاز أو تطفل أو ضجة ومضايقات إلا أنها قد تلهمك الكثير وتجعل تبدأ بالتطبيق حالا كل هذا يكون اتخاذ القرار في لحظة جادة حقيقية
    تقديري

  6. #6
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.67

    افتراضي

    قصة صيغت بسرد جميل وحبكة متقنة وأداء شائق
    ولكانت ائتلقت لو حظيت من كاتبنا بشئ من المراجعة

    دمت بخير

    تحاياي
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

  7. #7
    الصورة الرمزية كاملة بدارنه أديبة
    تاريخ التسجيل : Oct 2009
    المشاركات : 9,824
    المواضيع : 195
    الردود : 9824
    المعدل اليومي : 1.84

    افتراضي

    حوار بين المسافر وزميله مثّل وجهات نظر حياتيّة
    سرد جاذب جاءت رمزيّة القطار والسّفر فيه جميلة
    بوركت
    تقديري وتحيّتي

  8. #8

  9. #9
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,240
    المواضيع : 319
    الردود : 21240
    المعدل اليومي : 4.94

    افتراضي

    سرد جميل وقصة غنية بفكرتها وطريقة عرضها
    وأسلوب قصي متميز وملفت بما يحوي من فلسفة للحياة
    جذبني الأسلوب الشيق للمتابعة والإستمتاع بما قرأت
    تحياتي وتقديري.

  10. #10
    الصورة الرمزية آمال المصري عضو الإدارة العليا
    أمينة سر الإدارة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Jul 2008
    الدولة : Egypt
    المشاركات : 23,792
    المواضيع : 392
    الردود : 23792
    المعدل اليومي : 4.11

    افتراضي

    في ركب الحياة نواجه الكثير من المعوقات .. بعضها يترك أثرا والبعض يكون كعابر سبيل يستفذنا تواجده لبرهة وما نلبث أن نلفظه خلفنا ونتجه للأمام ولا نتذكر منه سوى بقايا ذكريات وأثر
    نص رائع الفكرة والسرد سلس اللغة وافر الوصف
    كان بحاجة للمراجعة لتجنب بعض همة ما أثرت على بهائه
    بوركت واليراع
    ومرحبا بك في واحتك
    تحاياي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. تركيب آخر ......رأي آخر
    بواسطة محمد محمد أبو كشك في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 31-05-2015, 07:28 PM
  2. طلاب آخر زمن، لأ ونظار آخر زمن!
    بواسطة ماجدة ماجد صبّاح في المنتدى أَدَبُ العَامِيَّة العَرَبِيَّةِ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 12-10-2007, 09:28 PM
  3. زائر آخر الليل ..
    بواسطة شريف ثابت في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 16-09-2006, 12:05 AM
  4. آخر الليل
    بواسطة بن عمر غاني في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 05-01-2006, 05:12 PM