عيال هلّيبة ..

تسطع الأضواء الباهرة فى جميع أنحاء القصر الملكى ، وتدوى الموسيقى فى جميع أرجائه ، و تمتد الموائد العامرة بأفخر أنواع الأطعمة و الخمور المعتقة ، و تسود أجواء من البهجة والسعادة بين الضيوف المنتشرين فى أرجاء قاعة الاحتفالات الملكية الفاخرة ، و ذلك فى خضم الاحتفالات المقامة منذ شهرين بمناسبة سبوع ابن الأمير ( المحروس ) ولى عهد المملكة و حفيد جلالة الملك المعظم صاحب الممالك الأرضية و الأحواض البحرية و الضربات الجوية ... و عندما توقفت الموسيقى المنبعثة مرة واحدة وارتفع صوت حاجب القصر مؤذنا بوصول جلالة الملك و السيدة قرينته ، اصطفت جموع الضيوف على جانبى الممر الرئيسى .. و عزفت الفرقة الملكية موسيقى السلام الملكى اثناء عبور الملك و المدام الممر المؤدي الى العرش فى صدر القاعة ..كان جلالته يرتدى زيه العسكرى الحريرى المرصع بالنياشين بينما ارتدت الملكة فستان سواريه فاخر .. و اضطر الملك للجلوس على عرشه بمجرد ولوجه القاعة بسبب آلام الروماتيزم المزمنة المصاحبة للشيخوخة ، و قبل انتهاء مراسم سجود الضيوف له كان شخيره قد غطى على أصوات الموسيقى الصاخبة .. أماالسيدة قرينته ملكة البلاد فلم تستطع اخفاء سعادتها بحفيدها فتركت زوجها النائم ، و اصطحبت رئيس الديوان الملكى فى ذيلها _ أقصد ذيل فستانها طبعا _ ، و راحت تمر على الضيوف لمجاملتهم ، وبعد خمسة دقائق فقط أدركها التعب فتكومت لاهثة جوار زوجها ... أما الأمير ( المحروس ) ولى العهد فقد كان حديث الضيوف و ذلك لأن ابتسامة الفرح التى غزت وجهه البارد المتجهم دوما بدت غريبة للغاية ، و عزا أحد الخبثاء من الضيوف همسا لزوجته هذا الفرح الغير طبيعى البادى على وجه سمو الأمير انه ناجم عن رزق الله له بالولد بعدما كان يخشى _ الأمير _ انقطاع خلفه نتيجة لتأخر زواجه ...
و بينما كان الملك و حرمه فى سابع نومة .. كان ( المحروس ) جالسا الى منضدته و معه بعض رفاقه فى مجلس الحكم الوطنى الذى يرأس هو نفسه أهم لجانه ، و تجمعه بهؤلاء الرفاق علاقات بيزنس وثيقة جدا ، و راح ( المحروس ) يتبادل القفشات بمرح غير طبيعي مع صديقه و ذراعه الأيمن في المجلس الملياردير المعروف ( حب العزيز ) .. و أثناء ذلك اقترب من المائدة السيد رئيس الديوان الملكى بخطوات متعثرة رغم قامته الفارعة وانحنى أمام المحروس قائلا بلهجة ذليلة :
- أنا راجعت كل حاجة يا باشا بنفسى ، وتممت على كل شئ ..
سأله ( المحروس ) بلهجة رسمية دون أن ينظر اليه :
- و ياترى تممت على العشا ..؟
أجاب رئيس الديوان :
- طبعا يا باشا .. طب دا الضيوف هايفضلوا ياكلوا لما يقولوا كفاية ..
لم يكد يتم عبارته حتى سرت رعدة فى جسده و شحب وجهه بشدة عندما أدرك زلته ، و التفت اليه ( المحروس ) بحركة حادة قائلا بشراسة مفاجئة :
- بتقول ايه يا باشمهندس ..؟
أسرع رئيس الديوان يقول بصوت مرتعش من الرعب :
- ساعدتك قصدى لما يقولوا يا بس ..
ظل ( المحروس ) للحظات يحدجه بنظرات صارمة ، قبل أن يشيح بوجهه عنه و يلوح له بكفه قائلا :
- طب ياللا امشى من قدامى دلوقت بس ماتسرحش بعيد يمكن أحتاجك.. انحنى رئيس الديوان قائلا بمذلة :
- أمرك يا باشا ..
وأسرع يبتعد و هو يجفف عرقه ، فى حين التفت ( المحروس ) الى صديقه قائلا بابتسامة ظافرة :
- ايه رأيك ..؟
أجاب (حب العزيز) مبتسما :
دا انت نشفت دمه يا باشا ..
اتسعت ابتسامة ( المحروس ) و هو يقول :
- و لسه ..
ثم أشار بأصابعه الى منضدة نائية فى ركن مظلم من القاعة يجلس حولها عدد من الشيوخ ، و قال :
- عن قريب ان شاء الله هايشرف وسطيهم ..
نظر ( حب العزيز ) باستخفاف الى هؤلاء الشيوخ وقال :
- أنا باستغرب ان ساعدتك عزمتهم يا باشا..احنا عايزين منهم ايه بعد ما خلعناهم من المجلس ..؟
قلب ( المحروس ) كفيه مجيبا :
- موش أنا اللى عازمهم .. دا الراجل الكبير يا سيدى هو اللى أصر يعزمهم..مش عارف امتى بقى هاينساهم زى ما بقى بينسى كل حاجة..بس معلهش..الصبر حلو..و بعدين انت مابتشربش ليه..؟..اشرب قبل كأسك ما يسخن..
و رشفا كأسيهما بتلذذ قبل أن يسأل ( المحروس ):
- و ياترى سعر الطن وصل كام دلوقت..؟
- ستة و ميتين..بس فيه مشكلة يا باشا..المعارضة قالبة الدنيا على دماغ اللى خلفونى،و الجرايد بتاعتهم مقطعة فى فروتى ، و المظاهرات مابتبطلش...و فيه أخبار سمعتها ان الجماعة اياها ناوية تؤسس شركة و تبنيلها كام مصنع علشان تحارب الاحتكار..
ضحك ( المحروس ) ساخرا وقال :
- تحارب الاحتكار..؟..وهو دا بقى اللى مخوفك ياسى (عزيز)..؟..أما انك راجل لا مؤاخذة ..يا بنى دى جماعة غير شرعية..طب يبقوا يعملوها ، ولك عليا يا عم اخدلك منهم المصنع اللى بتقول عليه ده ، و أديه ل (يحيي) يبيعهولنا لأى مستثمر أجنبى ، و نخبط احنا الكوميشن..
قال (حب العزيز) بلهفة :
- و أجنبى ليه بس يا باشا..؟ و انا رحت فين..؟ دا حتى الأقربون أولى بالمعروف..
- ( ساخرا ) : لا يا غشيم..كدة تبقى مفقوسة أوى..بس ان كان ولابد ، ادخل شريك مع اللى هايشترى أو ادخل لوحدك بس مش باسمك..وبعدين يا أخى هما لسة بنوا المصنع واللا نيلوا حاجة علشان تخوتنى كده..؟
- ( متسائلا ) : طب و المظاهرات يا باشا ..؟
ابتلع (المحروس) ما تبقى فى كأسه وهويقول مبتسما فى وحشية :
- ماتخافش يا (زوز)..القائمقام ( العسكرى) مستشار الأمن الداخلى ناويلهم على نية سودا اليومين الجايين دول..و اذا ماتلموش بعد كده..الضرب هايبقى فى المليان ، و بالرصاص الحى ..
تساءل ( حب عزيز):
- رصاص حي..؟ .. طب وحقوق الانسان يا باشا .. ؟
لم يكد يتم عبارته حتى التقت اعينهما وانفجرا ضاحكين بشدة .. وفي هذه الاثناء دوى التصفيق عبر القاعة عند دخول الاميرة حرم الامير ( المحروس) ومعها عدد من وصيفاتها وتحمل احداهن الامير الرضيع وعندها تفجرت العاطفة الفياضة من عيني ( المحروس ) الدامعتين من شدة الفرحة واستيقظ الملك والملكة ولم يعرفا اين هما في بادئ الامر قبل ان يلحقهما رئيس الديوان الملكي ويشرح لهما الوضع بالضبط..واظلمت القاعة والتف الجميع حول المائدة الرئيسية وراحت الفرقة الملكية تعزف لحن السبوع وقام اعضاء مجلس الحكم الوطني بالغناء باصواتهم الغليظة :
- يارب يا ربنا .. تكبر وتبقى زينا
وتيجي تعيش وسطنا .. وسط الحبايب
تكبر وتروح المدرسة .. وترأس لجنة كويسة
وتشوف عيون جدك وابوك فرحانة بيك..
ؤ
وهنا بدا القائمقام ( العسكرى) ينشد بصوت اجش رائع :
-أنا عيزك تطلع واد مجدع ...
وف اي مظاهرة تكون اجدع من ايها حد...
تضرب وتفرق وتلطش
وانا عايزك ديما تبقى ابطش
ولا زيك حد...
وهنا تدخل (حب عزيز ) بصوت نسائي رفيع :
- وانا عايزك تبقي حديد ..
شركاتك ملو الايد..
تسرق من دي .. وتفلس دي ..
والشعب يبوس الايد ..
تنهب وتبيع شركات ..
تتصاحب ع الخواجات ..
ده بيديلك وده يهديلك ..
وانت مقضيها سياسات ..
وهنا تدخل ( المحروس ) منشدا بابوة طاغية :
-اوعى تسمع من بره دول ..
دول ناس نقاوة وانا بيك مشغول ..
هيمريسوك وانا قلبي عليك ..
وتبقي ريس يفرحوا بيك ..
قال ايه عايزينك تتمريس ..
تيجي تطلب من ابوك هايميس ..
وهنا لم يتمالك جلالة الملك نفسه من التاثر فصاح والدموع في عينيه :
- كد يا (محروس ) ماشي يا ( محروس)
وهنا فتح ( المحروس ) ذراعيه منشدا :
- لا ااااااااااااااااااااااااا ااااااااااا ...
ده كويس اوي ..
و مهيس اوي ..
وحنين اوي ..
وبحبه اوي ..
وعند هذا الجزء ضجت القاعة بالبكاء والدموع وغني كل من فيها بصوت واحد :
-حلقاتك .. برجلاتك
حلقاتك .. برجلاتك ..
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

تمت بحمد الله .

سلام الـلـه عليكم
الأخ الفاضل الأديب شريف ثابت

عندما اقرأ اعمالك , تتربص عيناي بكل حرف , مخافة ان تضيع علي أي كلمة , وافتح عيني جيدا , لأرى الحروف , وأرى ما بين الحروف , يشدني التشويق القوي , في بنائك للاحداث , وهذه المقدرة في السرد القوي , حتى أنني اكاد اعيش المشهد وأراه , وأنت ترسم بحرفية معالجاتك الأدبية والفكرية , من وجهة نظر سامية السمات , لتقدّم رسالة ذات شأن .
تقبل محبتي وتقديري

اخوكم
السمان

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الاخ الاديب / شريف ثابت

النص من النوع الاسقاطي ، وقد اردرته بمهارة فائقة ، وما اعجبني في هذا النص الرمزي ، انك لم تنس عناصر التنوير

- طبعا يا باشا .. طب دا الضيوف هايفضلوا ياكلوا لما يقولوا كفاية

أشكرك على هذا النص القيم .

سلام الـلـه عليكم
الأخ الفاضل الأديب شريف ثابت
عندما اقرأ اعمالك , تتربص عيناي بكل حرف , مخافة ان تضيع علي أي كلمة , وافتح عيني جيدا , لأرى الحروف , وأرى ما بين الحروف , يشدني التشويق القوي , في بنائك للاحداث , وهذه المقدرة في السرد القوي , حتى أنني اكاد اعيش المشهد وأراه , وأنت ترسم بحرفية معالجاتك الأدبية والفكرية , من وجهة نظر سامية السمات , لتقدّم رسالة ذات شأن .
تقبل محبتي وتقديري
اخوكم
السمان

أستاذى الفاضل : د / السمّان ..

و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته ..

شهادة أعتز بها بشدة من شخصية لها وزنها مثل حضرتك ، و أتمنى أن اكون فعلا على قدر المسئولية .. أشكرك جدا جدا ..

جزاك الله كل الخير ..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الاخ الاديب / شريف ثابت
النص من النوع الاسقاطي ، وقد اردرته بمهارة فائقة ، وما اعجبني في هذا النص الرمزي ، انك لم تنس عناصر التنوير

- طبعا يا باشا .. طب دا الضيوف هايفضلوا ياكلوا لما يقولوا كفاية
أشكرك على هذا النص القيم .

الشكر لله أخى الأديب ( محمد البوهى ) ..

أنا الذى أشكر لك مرورك الكريم و اطرائك الجميل ..

سعيد جدا برأيك ..

جزاك الله كل الخير ..

ده كويس اوي ..
و مهيس اوي ..
وحنين اوي ..
وبحبه اوي ..

أخي الفاضل ..
لفت نظري أنك استعملت اللغة الدارجة الآن ، لغة الشارع المصري الجديدة للشباب .
أسلوب شيق ، وتلميح قوي ..

أسعدني المرور على متصفحك .

لك التحية .

ده كويس اوي ..
و مهيس اوي ..
وحنين اوي ..
وبحبه اوي ..
أخي الفاضل ..
لفت نظري أنك استعملت اللغة الدارجة الآن ، لغة الشارع المصري الجديدة للشباب .
أسلوب شيق ، وتلميح قوي ..
أسعدني المرور على متصفحك .
لك التحية .

خالص شكرى و امتنانى لك أختى الكريمة ..

أجد اللغة العامية مناسبة أكثر للقصة الساخرة لذا فدوما ما أستخدمها ..

أدام الله مرورك العطر ..