خمسُ دقائقَ أُخرى
كعادَتِها كلَّ يومٍ تُمزّقُ وجهَ الأحلامِ بعنفٍ، فأتململُ في فراشي وأُخرِسُها مُحدِّثةً نفسي : خمسُ دقائقَ أخرى .
تسهو عيني لأجِدَ أني تأخرتُ فأقفزُ مسرعةً لفتحِ البابِ الأوّلِ لرتابةِ الأحداثِ عينِها؛ مبتدِئةً بالهرولةِ الى عملي وملاحقةِ الساعاتِ الى صعودِ السُلّمِ لاهثةً لفتحِ بابٍ آخرَ تستقبِلُني فيهِ طفلتي بعيونٍ متوسلةٍ و متوددةٍ مرةً، صارخةٍ بغضبٍ مراتٍ كثيرةً ويائسةٍ مراتٍ أكثر.
أضُمُها بقوّةٍ و أخطَفُ قبلةً قبلَ انطلاقي الصّاروخيِّ للمطبخ لأدركَ بعد استغاثةٍ أنّها تحبو ورائي؛ تَستَجدي أُمومتي المبعثرةَ بينَ الأواني، فأحملُها بحزنٍ وتفرّ دمعةٌ حانقةٌ لتذكِّرَني أنّها ما زالت تمتصُّ قوتَ يومِها من جسدي الهاربِ..تلتقطُ صدري بنهمِ الأرضِ العطشى، تتأمّلُني بشغفٍ قاتلٍ و أناملَ متشبّثةٍ بثوبي.
أتلو صلاتي سرًّا كي تنامَ لأدخُلَ دوّامةَ عملي الذي لا ينتهي.. أضعُ الطعامَ بعيونٍ مترقبةٍ انتهاءَهُ، ولسانٍ سليطٍ يصدرُ الأوامرَ، واُذنٍ لا تُنصِتُ إلّا لضرباتِ قلبِ السّاعةِ المعلّقةِ على جدارِ اليومِ .
وفي غفلةٍ من وقتٍ أجدُني نصفَ مستلقيةٍ، ونصفَ جالسةٍ في إحدى الزّوايا المنسيّةِ من مستقرّي..
أُلملمُ هيكلي متثاقلةً، وكأنّ وزني قد ازدادَ خلالَ ساعاتٍ، أتفقّدُ جسدي في مرآةٍ تحدجُني بنظراتها، فأرى ملامحَ متعبةً، ولونَ ضياعٍ باديًا على بشرتي..
أجرجرُ جسدي إلى سريرِ إنهاكي وأتعثّرُ برجاءِ طفلتي الباحثِ عنّي فألتقطها، تتوسّدُ ذراعي وأتوسّدُ أحلامي .
ترنُّ السّاعةُ وتتسلّلُ يدي كلصٍّ محترفٍ..خمسُ دقائقَ أخرى .