|
أزف الرحيل وطير عمرك حلّقا |
عند الأصيل وصمت دمعك حدّقا |
مازلتَ تمعن في صحاري عمرنا |
ترجو سحائب مائه أن تبرقا |
عيناك في سمت المدى قد زاغتا |
التيه عمقهما عليه أُطبِقا |
وزّعْتَ قلبك بين شجْو مدائن |
عند الحنين وبعتَ دمعك جُلُّقا |
ضيّعْتَ أزمنةً وسرْتَ مع الرؤى |
تستنطق المأساة وحدك مطرقا |
وأتيتَ نبض الماء مذبوح الخطى |
كي تعْصُرَ القطراتِ لحناً مونقا |
يمّمْتَ نحو الجرح تتلو آيه |
هلآّ سَبِغْتَ على الجروح ترفّقا |
يا أنتِ ماذا بعد سَبرِ مواجعي |
رسمتْ عيونُ هياكلي سرَ التقى |
أنا لي ككل العاشقين مواجدي |
ومواسمي بالحب ترجو الملتقى |
أنا في عيوني تستقرُّ مدائني |
تستقرئ الزمن المطير تعتُّقا |
آوي إلى الوطن الجريح يدعّني |
وتر الحنين ونقر خطوي أشفقا |
إنّي أحِنُّ وشيمتي بحر الرؤى |
شوقاً إليكِ وطبعه أن يغدقا |
يا أنْتِ ما في الدار من أحدٍ وكمْ |
نعلاً سحقتُ وباب جرحِك غلِّقا |
ناديتُ قالوا مَنْ تنادي كلُّهم |
صمّوا وصاموا أن تقولَ فتصْدقا |
أمسوا يسفّون الضباب وأصبحوا |
جبُّ المآسي يحتويهم مُحْدِقا |
فمتى سنعبر خوفنا قولي وها |
زيف المرايا في رؤانا طوّقا |
حتى وقفتُ على هياكل حزننا |
مَنْ ذا يجيب سؤالها متحرّقا |
هل غادر الأمراء من متردِّمٍ |
وتوهَّموا الدار التي لن تنطقا |
واستوقفوا جرحا على طلل الرؤى |
أو كفكفوا شكوى الذي قد أهرقا |
مهلا إذا يقفون عند مواجعي |
مستقرئين دماء جرح أُرهقا |
ستون موتا بي ولا أحداً هنا |
منهم يواري جثتي حيث ارتقى |
كل القوافل حاد حاديها الذي |
بالعير عن نبض القوافي شرقا |
وهي التي تمشي مكابرة وقد |
نزفت دهورا عشقها المتألّقا |
هلاّ سألتِ الآن قبل حُدائها |
تخبرك كم جملاً لديها استنوقا |
تمضي بها الأحقاب في صدإ وها |
تعب الرحيل ولم يعد مسترفقا |
كذب رؤانا كم نحس تفاهة |
في صبرنا والوهم زيف لفّقا |
لا توقدي الأسرار تحت جوانحي |
فالقلب تحت رماده لن يخفقا |
كُفي بربِّكِ عن سؤالي ما الهوى |
إلاّ مسافة أن نحِنَّ و نعشقا |
أزف الرحيل فهذه آهاتنا |
بطلاسم الرؤيا تجوبُ المطلقا |
قد ضاقت الأشعار فيَّ بنخبها |
حتى صبنتُ كؤوس وجدي مهرقا |
مازلتُ وحدي في الهوى متوهّما |
درب الحكاية للمآسي أبرقا |
وجَّهْتُ بوصلة الجراح لشرقنا |
إنّ الشمال عن الجهات تأبّقا |
فتوسّدتْ كلَّ الحروف قصائدي |
تحت الصقيع وكلَّ بيتٍ شقشقا |
في زمهرير مخاوفي وتوجّسي |
بحَّ الرباب ونزّ شدوّا أعمقا |
مازلتُ أنزف عن عروس مدائني |
ما بين كفّيها هواي تعبّقا |
فإلى الغزاليّ احتقان ضلالنا |
وتهافتُ الأحلام كيف تمنطقا |
ونوافل الأشياء تسكننا وها |
مشكاة أنوار الرؤى لن تشرقا |
تهنا وكل العارفين تحرّفوا |
عن دربنا حتى هواك تزندقا |
ماذا أحدث لم يعد حلم لنا |
أشراق كل النازفين ترتّقا |
قل لي ومعذرة ترى هل من هنا |
حقا ترقّّّى الحلم فيك وأورقا |
خيباتنا ستون عاما خضتها |
ينتابني وجع الحروف مؤرقا |
يستفني برد المرايا جهرة |
لا جبة الحلاج تدفئ مشرقا |
سقطت لديّ الآن كلُّ قلاعنا |
بغداد قبل دمشق ماذا يتقى |
أبلغ بني العباس بعد أمية |
إن الخوارج أقسموا أن نخرقا |
للغرب ساروا والخلافة عقدها |
رغم الأسى في تل أبيب توثقا |
والشاه أعلن بدعة حين ارتشى |
كل البيادق ثم خون بيدقا |
يا سيّدي لم يبق إلاّ نازف |
مستعصماً بجراحه متخندقا |
الرخُّ خان قضيّتي إذ باعها |
والشاه أسلم قلعتي متصدِّقا |
والفارس المغوارُ عند خطوطنا |
تنهار همّتُه فزاد تمزُّقا |
فرزان تُفْرِشُ للغزاة سديرَها |
وكر الدعارة يستميل خرونقا |
يا سيّدي كم شهريارٍ لم تنمْ |
عيناه في شرق الهوى لمّا ارتقى |
قدْ خدّرتْهُ شهرزادُ بفنِّها |
الصبح لاح وصاح ديكٌ مشفقا |
نسجتْ بفنِّ القول شرنقةً وقد |
عَلِقَتْ بها إذْ علّقَتْ متشوّقا |
وتوجّستْ من ديكِها لو مرةً |
خان الصباحَ ولم يصحْ مستطرقا |
آهِ إذا مولاي جُنَّ جنونه |
وارتاب ثمّ أراد أن يتحقّقا |
نَفِد الكلام تتابعتْ سكتاته |
حتى تأبّى الفن أن يُستنْطَقا |
وتحسست بالخوف زهرة جيدها |
واستشعرت للموت طرفا حملقا |
ماذا أُعِدُّ لليلتي وبداخلي |
نبض الجراح على رؤاي تفوّقا |
وتعوّذتْ في سرّها من ليلها |
خوفاً وقد سحم المدى مُستَغْلَقا |
تشكو إلى الصبح اضطراب هواجسٍ |
يمتدُّ في صمت المكان محدّقا |
يا أيها الملك السعيد . حكايتي |
وطن على قدْر الجراح تمزّقا |
في كل شبر من فؤادي ثورة |
وربيعنا العربي شدو أخفقا |
واستفتحوا بدم الحسين مزادهم |
واستبدلوا برؤاه حقدا أحمقا |
واستنبتوا كره الشعوب زنابقا |
مسمومة نزت صديدا أزرقا |
بل نحن في عرف الشعوب قبائل |
فالفكر صار غزيةً بل أضيقا |
نستورد الأحلام ممن كفّنوا |
أحلامنا بل شرَّعوا أن نسحقا |
يا أيها الملك السعيد فمحنتي |
غضب الشراة وبيعة لن تزهقا |
فتزاحمت في شرقنا خيباتنا |
وتشرّبَتْنَا فتنةً وتفرّقا |
مولاي يحكى أنّ كنّا أمةً |
تسترخص الأرواح لا لن تمحقا |
في كفها تخضرُّ دنيا وصلها |
تمضي بها المشكاة حتى تبرقا |
فتطرّز التاريخ من أحقابها |
نورا على زهو الرؤى متألقا |
والعالم المحموم يذكي ثورة |
من خلفها والحقد باغٍ أطلقا |
حتى انتشى زمن الهوى من جرحنا |
يستعذب الألم المطير تغدّقا |
ماذا أحدث أيها الملك الذي |
ولّى إليه طرفه مغرورقا |
لا تبتئس من جمر غور حكايتي |
مولاي أدركنا الصباح وأشرقا |
ولليلة الألف المهولة خبأت |
نبض الحكاية شهرزاد ترفقا |
بلعت على حرّ الحقيقة ريقها |
فتحس برد الخوف زاد تعرّقا |
يا سيد النساك حبر إمامهم |
والعارفون كؤوسهم لن تهرقا |
شربوا على ذكر الجراح قصائدي |
فاضت بهم والهم كأس رُقرٍقا |
ماذا تخبئ شهرزاد لقصتي |
والفن غور لم يعد متدفقا |
تعب الهوى وتهدّلت أنسامه |
حتى سرى في العاشقين مؤرّقا |
وشموسه قبل الأفول تساقطت |
أقمارها والأفق عار أُطبقا |
لاشيء يمكن أن يفكَّ حصارنا |
لاشيء إلا أن نزيد تفرقا |
الجرح أعمق من جهنم جبنا |
داجٍ ويوسف ليلنا قد مزّقا |
التيه وجهتنا ولا موسي معي |
والسامريّ على العقول تزندقا |
العجل بدعته يتيه خواره |
في الأنفس الرمداء سلما نُمِّقا |
يا سيدي والعارفون مقامهم |
قبل المحاق بنا تجلّى مشرقا |
يا سيدي أزف الرحيل وعادني |
رجع الأصيل وطير عمري حلّقا |