سيطرة وهمية
(6)
لأي مصير محتوم يسوقهم هذا الظلام وبأي شيء يتشبثون وكل واحد منهم يرى أنه هو المقصود دون غيره، فكل ما يطلبه الارهابين متوفر بينهم، السني الذي لم يرتضي لنفسه أن يكون مطية لهم ، أو الشيعي الذي يعتبر ألدّ أعداهم، أم هو التاجر الصليبي المحسوم أمر كفره، أم ذلك الشاب الذي يتوق الى الحياة بعين متفتحة ويرى في العلمانية أنها المنجية من خطر الإسلام المتشدد..
كلهم يفكر في دخيلته عن الخلاص الذي بدى يتلاشا شيئا فشيء، وحلت محله الذكريات التي صار يحن اليها جميعهم، وما بينهم وبين فراقها إلا لحظات لا يعلمون إن كانت ستطول، أو ستاتي سريعا، لكنها كيفما ستكون فإنها ستقطع ذلك الجمال، وتزرع في مكانه الموت الذي يذهب بالارواح الى عالم الاخرة، ويترك خلفه الأجساد نهبا للضياع بعد أن تفترسها الأحقاد، انتقاما من الانسانية..
مالت السيارة بانعطافة حادة خلخلت توازنهم وقطعت سلسلة أفكارهم، وقد علا صوت رصاص في الخارج كان يزن في اذانهم.. خفضوا رؤوسهم حتى انقطع وابل الرصاص بينما السيارة تتهادى ببطء، حتى توقفت، أصوات متشابكة، متجمهرة ،كان الرصاص من بنادقها احتفالا بالغنائم القادمة، رقصوا حولهم ثم فتحوا باب الشاحنة واستلوهم من ياخات ملابسهم، و ورشقوا فوق رؤوسهم رصاص التكبير ثم اقتادتهم الأيد بإشارة من كبار الموجودين كانوا ينادونه بالامير، ركلوهم داخل بناية لمطحنة حبوب قديمة، لها باب كبير في وسطه باب صغير أخلوهم من خلاله، ودخل خلفهم الأمير وحذرهم عاقبة أفعالهم، وعلقوا النظر في أمرهم حتى يأتي الأمير، ثم أمر بخلع الاكياس من رؤسهم، ومن ثم تفتيشهم جيدا فلم يبق لديهم سوى الثياب التي عليهم، واغلقوا الباب خلفهم .
تركوهم يموجون في نظرات حزينة تلطخ جدران المطحنة البائسة، نهض الشاب ودار حوله يبحث عن نافذة للنجاة، فلم يجد سوى ثقب رصاصات اخترقت الباب ، نظر من خلالها الى الخارج فلاح له إثنان يجلسان عند الباب ، وقليل متباعدون عنهم ومجلس الامير قريب من حافة نهر، تغدو وتروح إليه الأطباق وحوله لمة من نساء مزينة بألوان براقة تلصف في وجه الشمس التي جعلت الاشياء تقف على ظلها، أدار ببصره فلم يجد خرما ينفذ منه قط سوى مفرغة الهواء المعلقة بدكت طويل الى السقف تأمل حركتها الناعسة بينما عيون البقية تنبش الأرض قبل المعاول التي ستواريهم، ولا أمل لديهم سوى نهاية هذه اللحظات المريرة قبل الموت..
خرخشة في صدر الباب ثم انفراج يسير أعاق تتمته سلسلة غليظة، سمحت بفتحة ألقي من خلالها كيس أسود رمته يد بازدراء، ثم أغلقت الباب، تفحصه الشاب فاذا بداخله قطع من خبز بائت عليه بدايات عفن تقزز منها ورغب البقية عنها فتركوها في المكان الذي وقعت فيه.
هبط الليل ولم يأت الامير بعد ، وتكاثر لغط في الجوار ونداءات تبثها أجهزة محمولة تبث تعليمات مرمزة، يدور بها رجال يدخلون ويخرجون من غرفة قبالة المطحنة ، بمسافةعشرين مترا يمكن ملاحظة الرجال من بعيد على أضواء مصابيح تبث أضواء باهتة، وصوت مولد للكهرباء يملأ المكان ضجيجه.
أوقد رجلان عليهما ملابس باكستانية بعض الكرب في تنكة فارغة، قبالة باب المطحنة المظلمة ، بينما يخط السائق وأبو كريم أرجلهما جيئة وذهابا في وسط ظلامها النتن، لم يدرك أحد سر حركتهما ، حتى تنفس أحدهما غاضبا وكشف حاجتهم الى الخلاء، أشار الشاب الى نهاية الغرفة خلف المكانة الكهلة فنهض التاجر قبلهما بعدما عجز أن يفعل مثلما مما تضايق منه.
يتبع