الحمد لله الذي بنعمته تتم تتم الصالحات والصلاة والسلام على رسوله
الرحمة المهدات.
اخي الكريم....الإشاعة في الوسط المسلم بلاء و مرض فتاك قد يأتي على الأخضر واليابس.
فإدا وقعت لاقدر الله......كيف يتم التعامل معها ؟
هذا ما أضعه بين يديك وهو موضوع قيم للكاتب الفاضل
الأخ ....منير الغضبان
من كتاب ......المنهج الحركي للسيرة النبوية.
****
حديث الإفك
*****
واخترت هذا العنوان، على طبيعته ، لأصل بهذا المصطلح الخاص إلى النص
العام لا بد أن يشعر به أبناء الصف المسلم وخطورة أخذهم بالإشاعة كـفيـلــة
بتحطيم هذا الصف كله.
انه وان تجسد باتهام الصديقة بنت الصديق عائشة رضي الله عنها. لكنه صورة قد تـتـكـرر في كـل جـيل و تضع الـنـيـل مـن القـيـادة هـدفـا رئـيـســيا لا بـد من تحطيـمه، وحين تعـجز القـوة المـادية عن النـيل من القـيادة فـليس أمام العدو إلا الحرب المعنوية على هذه القيـادة وتحـطيمها من خلال هـذه الحـرب ولذلـك لن نتناول حادثة الإفك كحدث تاريخي بتفصيلاته ودروسه. ولكــننا سـنتناولـه من خلال حرب الإشاعة التي يبثها العدو المنبث في الصف ضد القيادة.
و أهم ما في هذا الحدث أن مصدر الفرية - على ما يبدو - هم المنافقون تحت راية
زعيمهم عبد الله بن أبي ، وحين يتحصن الصف من الفرية. وتبقى في صفوف
المنافـقـين فلا خـطر منهم ولا هـم لـكن عندما تـنـتـقل إلى داخـل الصف المسلم فتسري فيه سريان النار في الهشيم عندئد يبدو خطرهم الكبير.
و النص القرآني حين تحدث عن هذه الحادثة. كان يخاطب الصف المسـلم أكثر
مما يخاطب صف المنافقين . ويحمل على المؤمنين الصادقين الذين تأثروا بهذه
الفرية ، واستجابوا للحديث في الظنة دون بينة و النقاط المحددة التي نعرض لها
في هذا الحديث المؤتفك هي ما يلي :
اولا : البعد عن مضان التهـمة واجـب أساسي على الصـف المسلم ، وعليه أن يعلم – وخاصة القيادة – انه هدف لأنظار العدو والصديق ، فيتجنب ما استطاع
البعد عن موطن الريبة .
ثانيا : عدم الأخد بالإشاعة كما يقول القرآن الكريم :
(( لولا جـاؤوا علـيه بأربعة شهـداء . فإذ لم يـأتوا بالـشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون )) وأي خبر بالنسبة للفرد المسلم هو مرفوض عنده ، وليعلم هذا الأخ
أن رواية الإشاعة ، وتناقل الخبر غير الموثق تحيله إلى أخ كاذب...وهذا حـكـم القرآن في أمثال هؤلاء . هـم الكـاذبون عند الله ، ولو لم يـفـتري الكـذب لو كان نقله صدقا محصنا عمن سمع منه فهو عند الله من الكاذبين .
ثالثا : ليبق الميزان الحساس في الحكم على الإشاعة هو الميزان الذاتي . فـلابـد
من ثقة الأخ بإخوانه ثقته بنفسه ، وقد اقر القرآن الكريم هذا الميزان وأثنى عليه
و ذلك بمناسبة الحديث جرى بين أبي أيوب الأنصاري وزوجته أم أيوب رضي الله عنهما إذ قالت لزوجها : (( أما تسمع ما يقول الناس في عائشة ؟ قال :نعم و
ذلك الكذب . أكنت فاعلة ذلك يا أم أيوب....قالت : لا والله ما كنت لأفعله . فقال
فعائشة والله خير منك )) ونتمنى لكل أخ وهـو يـثـيـر الإشاعة بـحق أخيه أو قيادته أن يحسب على اقل تقدير أن أخاه أو مسئوله ليس اقل حرصا على دينه
منه ، وليـس اقـل ديـنا وورعا منه . ولو نـفـد هـذا المــيزان الذاتـي . لانـهارت الإشاعة وانهار الإفك من جذوره .
رابعا : أن لايتدخل الهوى إطلاقا فـي قـضيـة النـقـل للإشاعة والمساهمة فيها وصورتان متنـافـرتان لإتباع الـهـوى في الإفك ، وللتبرؤ منه والصورتان هما لأختين مـسلـمتـين شـقيـقـتـين الأولى : هـي زيـنب بـنـت جـحـش رضـي الله عنها ، والثانية : أختها حـمنـة بـنت جحش فقد أورد المقريزي عن زينب هذا الحوار بـينها وبـيـن رسول الله صلى الله عـليه وسـلم : قـالت : ( حاشى سمعي وبصري ، ما علمت عليها إلا خيرا . والله ما اكلمها و إني لمهاجرتها وما كنت
أقول إلا الحق )
و أن تستطيع أن تكتم هواها فلا تمضي في الإشاعة يدل على المستوى العظيم
الذي بلغته هذه المرأة الـمسلـمة والأفق العالي الذي ارتقت عليه . وهذا ما دعا
عائشة رضي الله عنها أن تبرىء ساحة زينب من ولوغها في هذه الفرية .
تقول رضي الله عنها ، ( ما كان احد يسـامـيـني عـند رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا زينب بنت جـحـش ) فـقـد وضعـتها في موقـعـها الصحيح من طبيعة المنافسة مع عائشة رضـي الله عـنهما ، لـكنها مـع ذلك لم تجد حرجا من الثناء عليها في هذا الموقف فقالت :
( أما زينب فقد عصمها الله بدينها فلم تقل شيئا )
أما الموقف الثاني ، فهو موقف أختها حمنة . التي انطلقت في الإشاعة تنقلها من بيت إلى بيت ، شيء يقف في وجهها ، وذلك ثارا لأختها زينب .
تقول عائشة رضي الله عنها :
( أما آختها حمنة فأشاعت من ذلك ما أشاعت تضادني لأختها فهلكت ) .
ولا نتـمالـك من الإعجاب العـظيم بعـائـشة رضي الله عـنـها ، إذ استطاعت أن تفصل بين الموقـفـين للأختين الشقيقـتين . ولم تحمل زينب شيئا من وزر أختها حمنة .
خامسا : موقف المفترى عليه ، هو أثقل الأدوار و أدخمها في حديث الإفك .
والمهج الذي يجب أن يسود في هذا الصدد هو أن لا يقابل الافتراء بافتراء آخر
ولا تقابل الإشاعة بإشاعة أخرى . و أن يتمالك الأخ المفترى عليه فلا يطلق لسانه في أعراض الآخرين و لو اعتدي عليه حتى تتم براءته و تبرئته . هو موقف أصيل ندعو إليه هذا الأخ في هذا المجال . ونلحظ موطن القدوة من العناصر الثلاثة الذين نيل من عرضهم في حديث الإفك .
أولهم : محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو سيد الأمة والبشرية . وهو
الحاكم والقائد ، وبيده السلطة ، وبإشارة واحدة منه يمكنه أن ينهي حياة الوالغين
في عرضه ، و مع ذلك لم يملك في هذا الأمر بعد أن استشار كبار أصحابه إلا
أن يخطب في المسلمين قائلا على المنبر بعد أن حمد الله وأثنى عليه.
(( أيها الناس ما بال رجال يؤذونني في أهلي و يقولون عليهم غير الحق والله ما
علمت منهم إلا خيرا . ويقولون ذالك لرجل والله ما علمت غليه إلا خيرا ، و ما يدخل بيتا من بيوتي إلا و هو معي )) .
و عندما وقعت الأزمة بين الفريقينا للاوس والخزرج لم ليملك عليه الصلاة والسلام إلا أن يكون حكما بينهما رغم أن احد الفريقين يدافع عن الوالغين في
عرض عائشة رضي الله عنها والآخر يهاجمهم و مع ذلك ، فقد أرضى الفريقين و لم يتحيز لأحدهما لأنه لا يملك البينة ليرد بها على الفريق المتهم
و حتى عندما تجاوز صفوان رضي الله عنه في ثورته لنفسه و ضرب حسان
بن ثابت على اتهامه لم يسنده رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخلف و يشجعه على تجاوزه قبل صدور البينة مع انه يبرىء أحب الناس إليه عائشة
رضي الله عنها ، وقد حضر حسان وصفوان عند رسول الله صلى الله عليه
وسلم ولنستمع إلى تلك المحاكمة الهادئة للجنديين المتجاوزين
( قال صفوان بن المعطل : يا رسول الله آذاني وهجاني فاحتملني الغضب فضربته . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان : أحسن يا حسان أتشوهت
على قومي أن هداهم الله للإسلام ثم قال : أحـسـن يـا حـسان فـي الذي أصابك قال : هي لك يا رسول الله .
قال بن إسحاق : فحدثني محمد بن إبراهيم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أعطاه عوضا عنها ....وأعطاه سيرين أمة قبطية فولدت له عبد الرحمان بن حسان ) .
وهكذا كلفت ضربة لحسان أرضا وجارية وهبها رسول الله صلى الله عليه وسلم
لحسان بن ثابت بعد عفوه عن صفوان بن المعطل ، وكان هذا العطاء لمن ينشد
الشعر في اتهام زوجته و يمضي في الإشاعة دون توقف .
و ثانيهم : هو أبو بكر رضي الله عنه وزوجته أم رومان وقد نزل بهم من البلاء
ما لم ينزل بمسلم و أقصى ما قـالـته أم عـائـشة الـتي تعـرض عـرضـها لـلثـلم و الإهانة :
أي بنية خفضي عليك الشأن . فوالله لقلما كانت امرأة حسناء عند رجل يحبها لها
ضرائر إلا كثرن وكثر الناس عليها .
ولم يتمالك أبو بكر رضي الله تعالى عنه أن قال :
( ما أعلم أهل بيت من العرب دخل عليهم ما دخل على آل أبي بكر . والله ما قيل لنا هذا في الجاهلية حيث لا نعبد الله ، فيقال لنا في الإسلام ...) .
و ثالثهم : عائشة رضي الله عنها التي لم تنته عن البكاء حتى ظنت أن البكاء سيصدع كبدها .
و حين ووجهت بالأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألها عن الحديث
فقالت :
( إني والله قد علمت أنكم سمعتم بهذا الحديث ، فوقع في أنفسكم فصدقتم به فلئن
قلت لكم إني بريئة لا تصدقوني ، ولئن اعترفت لكم بـأمر يــعلم الـلـه أنـي منه بريئة لتصقد نني . وإني والله ما أجد لي مثلا إلا أبا يوسف إذ يقول : فصبر جميل
والله المستعان على ما تصفون ) .
إنها مواقف لا يحمل التاريخ لها مثيلا من أطهر أهل الأرض يوصمون بشرفهم و عرضهم .**+
و مع ذلك فلم يخرج احد منهم عن طوره ، ولا أطلق لسانه في عرض احد ، وضبط كل واحد منهم أعصابه ، و أما الذي خرج عن طوره هو صفوان بن المعطل رضي الله عنه ، وضرب حسان بالسيف وكاد الأمر أن يستفحل لولا أن
عالجه رسول الله عليه الصلاة والسلام.
انه أدب الإسلام العظيم مع الذين يرددون الإشاعة ويسيرون في الإفك قبل أن تعرف أنها إفك وإشاعة.
سادسا : والموقف الأخير الذي نستخلصه من حديث الإفك هو عقوبة المغترين اللاغطين المثيرين للفتنة . فلا يكفي
أن تثبت براءة المتهم ، ولا يكفي أن تدفع القيادة عنها قالة السوء و انتهى الأمر.
بل لابد في الصف المسلم من العقوبة الصارمة مع من يثير الإشاعة و يسعى في نشرها بعد التثبت منها . وما تعانيه الحركة الإسلامية اليوم هو إهمال ملاحقة مثير الإشاعة و ناقل الإفك ، وبذلك لا تنتهي الجماعة من فتنة إلا وتقع في
أخرى . ويكفي أن نعلم إن حكم الإسلام كان في هؤلاء الثلاثة الذين ساروا في الإفك ، مسطح بن أثاثة ، وحسان بن ثابت ، وحمنة بنت جحش ، أن أقيم عليهم حد القذف ثمانين جلدة ، و إن بعض الروايات تشير إلى أن هذا الحد طبق فيما بعد و لم ينفد عليهم لأنهم خاضوا في التهمة قبل نزول الحدود.
و الحديث عن هذه السمة يأتي في هذه المرحلة لان تاريخ الدعوة لم يشهد مثيلا لها من قبل وفي الصف المسلم بالذات
وطبيعة المرحلة إذن هي أن الإشاعة تسري حين يضعف البناء الداخلي و يستجيب لها . لكن عندما تشتغل الأمة بالجهاد والمواجهة . فقلما تستطيع الإشاعة أن تفعل فعلها في النفوس .