فى التضحية أقوال وليس قولاً واحداً كما هو راسخ فى ذهنية الكثيرين ، واذ نعظم تضحية البطل الحسين وقد قيل فيه ما قيل من أشعار ، فهناك من الشعر يقول " أعطى الرأس ولم يعطِ اليد ليزيد " ، لافتاً للموقف السياسى لكى توزن الأمور دون تبسيط أو تضخيم . تضحية الحسين رضى الله عنه وأهل بيته الكرام عظيمة الشأن وشرف انسانى بالغ السمو ، ونحتفل بالعيد الأكبر ومناسبته فى التاريخ هى شرف التضحية التى خاضها الحسين ببسالة كما استسلم لها اسماعيل عليه السلام . لكن قليلون من ينظرون للحسين من زاوية مهمة أخرى ، وهى كونه معارضاً سياسياً ، وربما غاب عنه هذا البعد وقد ألقى رضى الله عنه خطاباً بليغاً فى العاشر من محرم 61هجرية قبل استشهاده بأيام وكان مما قال : " لو كان حمار عيسى حياً لعبده المسيحيون حتى يوم القيامة ، أى نوع من المسلمين أنتم وأى نوع من الأمم ، تريدون قتل حفيد رسولكم ؟ " . لكن القضية تكمن فى أن حفيد الرسول وقف أمام يزيد كمعارض ، وفى السياسة لا يغفر السياسيون لمعارضيهم . هناك تضحية أخرى عظيمة لا يذكرها الكثيرون عندما يضحى رجل عظيم بجاهه فيتنازل ليلقبه المتحمسون ب" عار المسلمين " و " مذل المؤمنين " ، بل واتهموه بالكفر ومزقوا ثيابه وأقدموا على شن هجوم عليه بسيوفهم ، ورغم ذلك لم يقبل التنازل عن موقفه الصارم ازاء عدم الخوض فى الصراعات المدمرة . الموقف الذى واجهه الحسين فى حياته مع يزيد هو نفس الموقف الذى واجهه أخوه الحسن فى حياته مع معاوية ، لكن الحسن اتخذ رد فعل مناقضاً لما اتخذه الحسين فى حياته ، ونحن هنا للنظر والموازنة بين تضحيتى الحسن والحسين رضى الله عنهما . دعونا نسمع رأى من لا رأى بعده صلوات الله وسلامه عليه ، حيث هناك روايات تتعلق بالحسن والحسين رضوان الله عليهما فى باب المناقب ، وقد رصد وحيد الدين خان تلك الفوارق بين الأخوين عند جدهما . الأحاديث الصحيحة التى وردت حول الحسين تشير الى حب النبى صلى الله عليه وسلم له ، من منطلق كونه أمراً طبيعياً فطرياً كونه حفيده . مثل ما رواه أسامة بن زيد أنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم يقول " هذان ابناى وابنا ابنتى ، اللهم انى أحبهما فأحبهما " . ومن جهة أخرى فان الأحاديث المروية حول الحسن لم تكن قوية فى سندها فحسب ، بل كانت علامة على حب خاص له أسبابه ودوافعه الأخرى غير الدوافع الفطرية لكونه مجرد حفيده . فيروى أنس بن مالك – البخارى - : " لم يكن أحد أشبه بالنبى صلى الله عليه وسلم من الحسن بن على " ، وأحاديث صحيحة تخبر عن نبوءة النبى صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالانجاز التاريخى الذى قام به الحسن ، بينما لا تخبرنا عن أى نشاط تاريخى أو أية نبوءة بشأن الحسين رضى الله عنهم أجمعين . وعن أبى بكرة – كما فى البخارى أيضاً - قال : " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر والحسن بن على الى جنبه ، وهو يقبل على الناس مرة وعليه أخرى ويقول " ان ابنى هذا سيد ولعل الله يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين " وثبت صدق ما تنبأ به الرسول صلى الله عليه وسلم فى حياة الحسن ، اذ أن بيعته تمت فى الوقت الذى لم تتوقف فيه رحى الحرب الأهلية بين المسلمين . فى وقت لم يكن أى من الفريقين مستعداً للتراجع ولم يكن أحدهما فى استطاعته التغلب على الآخر ، وقد قطع الحسن العهد على الناس عند مبايعته على " اننى لو خضت حرباً ضد أحد فأنتم مطالبون بخوضها واذا صالحت أحداً فأنتم مطالبون بالصلح معه " . وحين استشهد الامام على وأخذت البيعة للحسن كان معاوية قائد بنى أمية قد رفض مبايته اذ كان بمثابة تحد جديد له ، فاتجه من دمشق برفقة ستة آلاف مقاتل قاصداً الكوفة مقام الحسن ، وفى المقابل خرج الحسن من الكوفة بقوة عسكرية مماثلة ، ووصف شاهد عيان شهود العيان جيش الحسن بأنه " كتائب أمثال الجبال ". ورغم ذلك صالح معاوية ورفض خوض القتال وتنازل له عن كرسى الحكم وسلم مقاليد السلطة وبايعه . والفارق واضح بين تنازل رغم ضخامة الامكانيات وامتلاك القدرة على تحقيق الهدف ، وعدم تنازل لا يمتلك صاحبه تلك المقدرة ، يكشف لنا أبعاداً أخرى لقيمة التضحية