الأضواء تتلألأ أمامه بكل مكان على المقدمة ، صوت المذياع تتصاعد منه أصوات أغانى شعبية ، من الضوضاء والصخب الصادريفقد المقوّد سيطرته على جسد السيارة فتتمايل كراقصة ( باليه ) محترفة .
أجلس في المقعد الأخير .. أرى باقي الركاب من الخلف فتحتُ ثقباً وتسلسل خيالي داخلهم .
شاب بدأ أولى الخطوات على بساط حياته الأخضر يحلم برفيقة عمره تسير إلى جوراه ترقص حولهما مشاعل السعادة ، تصاحبهم دفوف الفرح .
تجلس بجوار أبنتها تنظر إليها تحدث نفسها :
ذبحت شبابي وخضبت بدمائه عمرك ، بعت أثواب شعري السوداء دفعتها ثمناً لشبابك .
وها أنا أحمل شبابك حملاً ثقيلاً مرعباً لن أهنأ أو يرتاح لي قلب حتى أسلمها وديعة غالية لنصفها الآخر .
السائق سعيدٌ يغني ونحن نتلقى ضربات متتالية بمطارق أصوات المذياع .
أبنائي مازالوا صغاراً أحلامهم صغيرة أستطيع الآن استيعابها وتحقيقها لهم لكن يجب أن أفكر في الأيام المقبلة حاول الاجتهاد فى ضخ المياه بجيبي لأسقي مساحات عمرهم .
الأشجار تدفع أخواتها إلى الخلف خائفة من رياح غضب تقذفها السيارة على وجوههن .
صرفت العمر يوماً يوماً عليهم تركوني وأنا في أمس الحاجة إلى سياج حبهم يحوط بيت كهولتى ، حلمي أن يعودوا ليحملوا عمري الثقيل ويزينوا حديقتي الذابلة بزهورهم الصغيرة .
أغوص بخيالي تحت الأم الجافية لأصل إلى الحنون لترق عليهم .
تضغط الثانية قبل والثانية بعد بأيدي الزمن على الصندوق لننزف أحلامنا يلعقها لسان الاسفلت ..!