2 ـ ضمة
يستعيض عن وجودها الهلامي بما كان سيكون لولا ما كان.. أحلام رسمها بماء ينابيعه الحارة المالحة.. مال إلى إبداع ملامحها وطباعها.. جعلها تناقض ما يتمنى ويشتهي ليسعد معها.. بلغ مراده يوم رحلت عنه وخلته وحيداً.. ابتسم في دواخله احتراماً لحدث المغادرة ولولا ذلك لأقام عرساً يحتفي فيه بعودته إلى نفسه.. خطط لكل ذلك بعناية.. كان سعيداً جداً.. هي لم تحضر أصلاً لتغادر..
قبل إبداعها كانت الوسادة كل أمانيه.. ولأنها تغار مع علمها بما كان بينه وبين الوسادة فقد اغتالتها يوم وصولها الأول وغفلته الكبرى.. عند صحوه النسبي طفقت ترقب رد فعله إزاء الواقع الجديد.. علم كل ذلك.. أليست إبداعه؟ بدا محايداً.. كان ليتأثر لو أن الوسادة كانت من إبداعه.. لكنها وسادة.. مجرد وسادة..
انتهت إلى فراش آخر كما فعلت ذات ذكرى بعيدة إلى فراشه.. ومنه إلى آخر إلى نهاية عمرها الافتراضي.. وأحمق من يبني شيئاً مع خاضع لسيرورة حياة لايستطيع الخروج من دائرتها.. والأشد حمقاً من يتعلق به حتى بعاطفة تولد لتموت..
صحيح أني أدرك معاناته الخرساء (وأنا الكائن الآخر المطلع طبعاً على خبايا نفسه السقيمة).. يبدو ذلك جلياً عندما تنام الشمس لتستيقظ آلامه المخفية.. أدرك أنه لن ينصت لصوتي أو يقرأ كلماتي مهما حاولت.. ولولا ذلك لكنت أبديت له النصح ليتخلص من سعادته الزائفة.. وسادة جديدة مثلاً في انتظار أن يبتدع أخرى بملامح هلامية.. كان ليجد ما يضم على الأقل عوض الريح والهباء..
(يتبع)