آينشتاين عندما قال " المشاكل التى نواجهها اليوم لا يمكن حلها من قبل العقول نفسها التى خلقتها " ذلك للطبيعة البشرية التى تستسهل التعامل مع الأزمة بجلب أوهن أسبابها ما دام لا يحملها شيئاً من أوزار ما حدث لتستمر الأزمة ، وهذا سر تشابه أزمات الحركة الاسلامية دون جديد من الخمسينات الى اليوم .
سيظل السير فى حلقة مفرغة دون الوصول لحلول منهجية مستدامة لمشاكل الحركة اذا ظل تبسيط القضايا والنظر بأحادية والتعلق برواية واحدة للأحداث كونها مؤامرة وانقلاب دموى ومواجهة حق وباطل .. وكان النظر للسلطة والحقائب الوزارية ، ولو رضوا قديماً وحديثاً بالقليل وأبدعوا فيما غنموا لأصبحت مصر قوة عظمى اقتصادياً وسياسياً بهذا التحالف التاريخى .
لم يحسموا أمرهم بشأن علاقتهم بالسلطة والمؤسسة العسكرية وميراث يوليو 52م ، ولم تتحدد ملامح مشروعهم وأولوياتهم وأهداف تحركهم على الساحة ، فضلاً عن أنه لم تسجل مواقف مقنعة دالة على أنهم بارعون فى فن السياسة الذى زعموا طويلاً أنهم راسخون فيه .
هناك خلل فى التعامل مع الواقع وتكوين الأحلاف والقدرة على اتقان فنون المناورة والحكمة السياسية ، واحتراف الحيلة – كما أسماها الشيخ الغزالى – والمكر والخداع المشروع فى دنيا السياسة ، من أجل الوصول للهدف وتحقيق نصر سياسى مؤزر وواضح وممتد .
طموحات الحكم دون برامج محددة واضحة وقدرات ، فضلاً عن أن فشل التغيير السلمى يعطى الفرصة للتكفيريين لقتال الدولة .
الصراع سياسى بخلفيات تاريخية ممتدة للخمسينات وبالرغم مما جاء فى كتب المراجعات أننا أبناء دين واحد ووطن وما عهدناه من الاخوان فى التعامل مع النظام قبل 2011م ، هناك اصرار لتحويل الصراع الى عقائدى .
القيادات دشنوا المرحلة بفكر ورموز التنظيم القديم ، فلم يصدروا شباب مدرب للعمل السياسى لتتفرغ القيادات الشهيرة للتربية والدعوة فى المساجد لتفويت الفرصة على الاعلام والخصوم من اثارة حساسيات ومواجع الماضى ، وطغى شعور عام بالقوة والضخامة ، ووصل الاستعلاء والاستخفاف أنهم لا يبالون بحظر الأحزاب الاسلامية ، بالرغم من كونها وليدة تحبو وليست لها تجارب عريقة فى تاريخ الحياة السياسية المصرية وقياداتها ليست زعامات سياسية كمصطفى النحاس ليظهروا بهذا الانتفاخ واملاء الشروط ؛ فاما حياة سياسية نظيفة وشفافة تماماً أو لا نشارك ، فى حين كان من المنطقى الحفاظ على وجود الأحزاب حتى ولو فى واقع سياسى ملوث وفاسد ، الجميع يعرف أنه سيحتاج عقوداً من النضال والكفاح بالمشاركة مع الآخرين لتطويره، ولكن وجود الأحزاب فى حد ذاته كان ضرورياً للابقاء على المشروعية واستيعاب الشباب فلا ينجرفوا للعنف والعمل السرى وداعش والتكفيريين ، وتدريب الكوادر ودمج عناصر الجماعة فى المجتمع والعمل العام وتطبيعهم على المنافسة السياسية الراقية والتنوع والخلاف البناء الايجابى مع التيارات الليبرالية والناصرية
فى الديمقراطيات الحديثة يعد المرشح بوعود أثناء الدعاية ، ويبذل جهده فى تحقيقها وهو فى السلطة ، ووقت الحساب فى نهاية المدة يقبل الناخبون منه بأقل من ثلاثين بالمائة من وعوده لأن الشعوب العملية تدرك الفارق بين الدعاية الانتخابية وانجازات السلطة ؛ فاذا وعد مرسى بتطبيق الشريعة ثم نجح فى نهاية مدته فى تحقيق جانب من العدالة الاجتماعية واعادة الحقوق لأصحابها وتخفيف العبء عن الفقراء بالتوافق والتعاون مع القوى الأخرى رفعنا له القبعة ، فما لا يُدرك كله لا يُترك كله ، لكن كان هناك شبه اجماع اسلامى على التحول الى قضايا فرعية وخلافية فى الشريعة والاصرار على تطبيق شامل فى وقت قياسى واعلان المفاصلة مع الآخرين على هذا الأساس .
اذاً القضية متشعبة الأبعاد متنوعة الأسباب ، وأسباب الأزمة الداخلية أعقد وأخطر من الخارجية ، ولو كان هناك تعامل معها بشفافية من البداية ومعالجات دؤوبة لاشكاليات الداخل أولاً بأول لما حدث هذا الانهيار الضخم .
منهجية التعامل مع الأزمات يؤصلها الفقيه المنهجى الرائد شيخ الاسلام ابن تيمية ؛ فبينما يرجع البعض مقتل عثمان بن عفان رضى الله عنه لتآمر اليهود أو المجوس يفسره ابن تيمية بمجموعة أسباب داخلية منها طمع بعض أقارب عثمان وأمرائه ، وأخطاء سياسية وقع فيها ذو النورين ، يقول ابن تيمية " وأما عثمان فانه بنى على أمر قد استقر قبله بسكينة وحلم وهدى ورحمة وكرم ، ولم يكن فيه قوة عمر ولا سياسته ولا فيه كمال عدله وزهده ، فطمع فيه الطمع " الطامعون " وتوسعوا فى الدنيا وأدخل من أقاربه فى الولايات والمال ، ودخلت بسبب أقاربه فى الولايات والأموال أمور أنكرت عليه فتولد من رغبة بعض الناس فى الدنيا وضعف خوفهم من الله ومنه ، ومن ضعفه هو وما حصل من أقاربه فى الولاية والمال ما أوجب الفتنة حتى قتل مظلوماً شهيداً "