المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الدكتور ضياء الدين الجماس
أخي عبده فايز الزبيدي ، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
ورد في البيت الثاني -إن صح فهمي له - صورة الإقامة وسط عمود النور وهذه نعمة كبيرة تعيشها أنت .
كَأنني في عَمود النَّور أفْقدَني ...ظلالَ طِينٍ نجا من فورة الحِمَمِ
وهذا مطلب المؤمن في هذه الدنيا ، ومن وصل إلى هذه الدرجة فلا يضل أبداً ويعيش في نعيم مقيم . ورد في رواية لأحمد من دعاء االنبي عليه الصلاة والسلام (" اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا ، وَفِي سَمْعِي نُورًا ، وَفِي بَصَرِي نُورًا ، وَعَنْ يَمِينِي نُورًا ، وَعَنْ يَسَارِي نُورًا ، وَأَمَامِي نُورًا ، وَخَلْفِي نُورًا ، وَفَوْقِي نُورًا ، وَتَحْتِي نُورًا ، وَاجْعَلْنِي نُورًا ").
وأرى أن هذا الحال لا يتماشى مع باقي صور القصيدة من الحيرة وعدم تمييز الاتجاهات ، ولكن يبدو أن لك هدفاً آخر تود إيصاله. نرجو إيضاحه لو تكرمت. بارك الله بك.
أخي الحبيب سعادة الدكتور / ضياء الدين الجماس
في بنائي للقصيدة نزعتُ بها للتجريد الفكري.
و هو كما في قاموس المعاني: ( عَمَلِيَّةٌ فِكْرِيَّةٌ يَعْزِلُ فيها الإِنْسانُ صِفَةً أَو عَلاقَةً عَزْلاً ذِهْنِيّاً وَيَحْصُرُ فيها التَّفْكيرَ )
و هذا ما وضعته نصب عيني القصيدة و جاهدنا أنا وهي كي نقنع المتلقي بهدفنا و رسالتنا فيما بين القوافي.
في بَرزخ الفِكر بين اللاءِ و النَّعمِ
أديرُ حرفيَ بين السَّعد و النَّدمِ
كَأنني في عَمود النَّور أفْقدَني
ظلالَ طِينٍ نجا من فورة الحِمَمِ
كما أسلفت إليك في بداية كلامي فالقضية تخيلية فيها الفكر في برزخه بين الرفض و القبول بين السعد و الألم ، و الرفض و القبول من جهة الطين (الجسد) و السعد و الألم من جهة الروح ، هكذا اقرأ أنا نصي.
و البيت التالي له يشرح حالة النزوع من يد الطين للنور وهو تشبيه بل اقل درجات التشبيه حيث (الكاف) لا ترقى لكلمة (مثل) فالبيت يقول: إنني في حالة تشبه النورانية (الروحانية) و ليست بنورانية ، ولكن حيث لا أجد من مظاهر الطين مايؤكد جسدي كالظل. فهو تأكيد لتخيلي لحالة افتراضية برزخية.
في البيت
كلُّ الجهات تساوتْ في مُخيِّلَتِي ... فمَا سؤالك في أيٍّ خطى قدمي
لفظة ( في مخيلتي) هي عقدة البيت الحاكمة أو كما يقال (عكرة بابه) وجاء في تفسيرها : (
المُخَيِّلة : القوة التي تخيِّل الأشياءَ وتصوِّرها ، وهي مرآة العقل )
فالنص كله تجرد فكري و تخييل لا على الحقيقة.
كيف تتساوي الجهات عند من يعيش في النور حسب البيث السابق ؟
فإذا تساوت الجهات في العقل المُتخيل حيث الروح و الذهن حيث يعيش فكر النص و حكمه ، فمن يسألني عن مظاهر الطين كخُطى القدم لم يعرف ما أنا فيه من ارتقاء أو محالوة الترقي.
(خُطى) أم ( خطا) ؟
راجعتُ كذا معجم فوجدت ما أثبته صحيحا ، ففي لسان العرب الصادر عن دار صادر ، ج: 5 ، ص:107 يقول :
( خطا: خطا خطوا ً ...... ، و الخُطوة بالضم: ما بين القدمي ، و الجمع خُطىً و خُطـْوات و خُطُـوات ...)
في البيت :
لا شيءَ أعجُبُهُ ، لا شيءَ يعجبني ..لا شيءَ مما يَرانِي زادَ في هِمَمِي
(أعجُبُهُ ) أم (يُعجِبُه) ؟ وهل رؤية الناس للإنسان تزيد من هممه ؟ مجرد تساؤلات تطرحها أبياتك المعرفية - بارك الله بهمتك.
أخي المبارك: أنا ما قلتُ الإنسان بل قلت ( لا شيءَ) فلا نافية للجنس و الشيء هو كل موجود و لهذا قال الحق نافيا المشابهة مع اي موجود : ( ليس كمثله شيءٌ).
ملحوظة: أول ما كتبت النص في دفاتري قلت : لا شيءَ أعجُبُهُ ، لا شيءَ يعجبني ..لا شيءَ مما أراهُ زادَ في هِمَمِي
مع اشباع الهاء الغيبة في ( أراهُ) وهو جائز بدليل ما في القرآن و ما توضحه القرآت المتعددة كقراء حفص عن عاصم و ورش و غيرهم و لكن حتى لا أدخل مع من يتشدد في عدم اشباع هاء الغيبة بعد ساكن
قلت ما قلت. ولكن أن سهل الله طباعة ديواني سأثبت فيه ( أراه) خروجا من ظنون الوجودية لأن بعض من مرَّ على القصيدة ظنها من القصائد الفلسفة الإشراقية. و الإشارة تكفي في هذا المجال.
في البيت:
فمُضغَة الطيِّنِ فيها كلُّ شارقةٍ ... منَ الشُّموسِ و أضدادٍ من الظُّلَمِ
لا يقبل العقل اجتماع الضدين في مكان واحد فكيف تجتمع كل أنواع الأنوار مع الظلمات في غرفة واحدة؟ مجرد استفسار نورنا الله وإياك.
بل يوجد هذا فالإنسان هو من طين قاتم و روح من نفخ الله والله نور السموات و الأرض.
فهذا الطين الذي خلق بطريقة عجيبة و قد كنيت عن بعض مراحل خلقه بالمضغة فيه من الخير ما مصدره النور و فيه من الشر ما مصدره جِبلة الطين .
في البيت :
شهباءُ حُلمٍ بأنفاسِي يُحاكِمُها... قضاةُ جَورٍ و أشهادٌ منَ العدَمِ
ما المقصود بأشهاد من العدم ؟
أشهاد العدم هذه قضية فلسفية بحتة ، فالمحكمة مكون من قضاة غير منصفين و شهود ليسوا بشيء حسا و معنى.
و من قرأ فلسفة المتفلسفين حول العدم سيعذرني ، و هذا فرضه طبيعة النص .
في البيت
شروقُ أمنيةٍ يغتالها شَفَقٌ ..مكراً يُضِّلُ خطاها حاديَ العَتَمِ
من هو حادي العتم ؟ وهل يعتمد المؤمن على شروق الأماني أم الحقائق والأنوار ؟ جزاك الله خيراً
حركت التاء ضرورة ، و هدفي هو الترتيب بين:
شروق - شفق - العتم
فبزوغ أمنية سيغتالها قدرها تدريجيا كم يغشي الليل النهار بالشفق ثم العتمة. و هذي من مظاهر الكون
حاولت أن أدخلها لأشعر المتلقي أني بشر في النهاية . و هي التدرج نحو الختام
في البيت :
أجاملُ النَّاسَ لكن لنْ يجاملَني .. نبضٌ من الطّيِنِ لم يرضعْ من الدِّيَم
هل المجاملة خلق طيب ؟ وإذا كان كذلك هل من يتحلى به هو من رضع من الديم فقط ؟ تساؤل للفهم أثابك الله
كما قلت كما تحدثت عن عالم الروح و الفكر بدأت أتنزل لعالم المادة في آخر ثلاثة ابيات
و منها هذا.
د. ضياء الدين أحترم رايك ، و راي أني مهما حاولت ان أن أتسامى فوق طبيعة الطين يبقى فيَّ منه شيءٌ لم يتصف بكمال ما في السماء من طهر و نقاء و بذل.
في البيت
خالٍ منَ الهمِّ إلاَّ همَّ آخرتي ... ملءٌ من السَّعدِ لولا نزعةٌ بدَمِي
الشطر الأول واضح وهو هم كل مؤمن، ولكن الشطر الثاني لم يبين النزعة ( الاتجاه) التي حرمتك من ملء السعد؟
الشطر الثاني:
(نزغة) فكرتها من قول الله تعالى : ( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ)
(بدمي) فكرتها من قول رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ ( إنَّ الشَّيطانَ يجري منَ ابنِ آدمَ مجرى الدَّمِ)
و أحببت أن أختم هذه التجربة الفلسفية بذكر من هو من مادة النار ( الشيطان) حتى يكتمل المثلث : النور - الطين - النار.
أرجو أن نتعلم خفايا هذه السطور من صاحبها لئلا يتأولها القارئ على هواه. وتساؤلاتي تدل أن القصيدة كلها مثيرة لتساؤلات العقل حسب فهمه لها لو أولاها اهتماماً. وأرجو ألا أكون أثقلت .
لا لم تثقلْ ، و ما مثلك يُثقل و لكني استغرقتُ زمنا طويلا في الرد لكثرة المحاور التي طرحتها ؛ فشكرا لك على هذا الإثراء .
بارك الله بكم وجزاكم خيرا