ومن الناس من إذا أفحمته، بل إذا قمعته، طلب ودك، وتقرب إليك بقرابين الذلة والمسكنة، فهو يحملها إليك راجيا أن تتقبلها منه، فإذا أحس منك بإعراض عنه، تلبس بلبوس الوحش الضاري، وعاد إليك بطلعاته الهجومية لعله يجرك إلى المستنقع الذي يعيش فيه، ويتشرب منه،ناسيا أو متناسيا أنك الأقوى الذي لا يطاول، وأنه الأضعف إذاحمي الوطيس، فكيف إذن يحاول أن يظهر على الأعزة فيبرز لهم، ويصاولهم، وهو أقرب إلى الجبن منه إلى الشجاعة، بل هو البائس اليائس الذي يعيش على المدح الرخيص، والتزلف المقيت، بما فيهما من الخضوع والخنوع. و تلك طبيعة الضعاف الذين يعيشون على الفتات، ويقنعون بالدون، ويخوضون مع الخائضين فيما سقط من الرأي، وتساقط من الموقف، فلا يعرفون أقدراهم، وكيف يعرفونها وقد عميت أبصارهم وبصائرهم، فهم في الغي يتيهون، وفي الضلالة يعمهون، فلا منقذ لهم من الضلال الذي هم فيه، ولا معين لهم فيما اختاروه من البؤس، وضرب عليهم من اليأس، فبيس ما يفعلون. تلك هي اذن وجهة هؤلاء فيما علق بهم من الضياع في حال من الاضطراب لا تنتهي، ومآل من الاحتراب لا يتوارى، ذلك بأنهم من الأخسرين أعمالا الذين أدخلوا أنفسهم مدخلا وعرا، فهم فيه يخبطون ويتخبطون. وساء مصير من كان هذا ديدنه، وكانت هذه طبيعته.